فتاوى نور على الدرب [141]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز للصائم أن يؤخر الإمساك إلى أن يؤذن لصلاة الفجر أم عليه أن يتحرز ويمسك قبل الأذان بدقيقتين أو ثلاث؟

الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، والله سبحانه وتعالى قد حدد للصائم وقتاً لإمساكه، ووقتاً لإفطاره، أما وقت الإمساك فقد قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] ، فجعل الله حد الإمساك هو طلوع الفجر، وليس من السنة أبداً أن يُمسك الإنسان قبل طلوع الفجر على سبيل الاحتياط، أو التقرب إلى الله عز وجل؛ لأن هذا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى فيما لم يشرعه، واحتياط في غير محله، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، وقد روي: أنه ليس بين أذانيهما إلا أن يصعد هذا وينزل هذا، وإن كان في هذه الرواية ما فيها من النظر، لكن على كل حال النبي عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه أن يأكلوا ويشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قال صلى الله عليه وسلم: ( فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)، فهذه هي السنة.

وما يفعله بعض الناس حيث يجعلون في إمساكية رمضان مدفع الإمساك كما يقولون، أو وقت الإمساك، ثم وقت طلوع الفجر، لا شك أن هذا خطأ وليس بصواب، فالإنسان يأكل ويشرب حتى يتبين له طلوع الفجر، إما بمشاهدته إن كان في بر، وإما بسماع أذان الثقة الذي لا يؤذن حتى يطلع الفجر.

وكذلك أيضاً بالنسبة للغروب، فإن الناس مأمورون بتعجيل الفطر من حين تحقق غروب الشمس، أو غلبة الظن في غروبها، فإذا غربت الشمس وإن لم يؤذن فإنك تفطر، فإذا قَدَّر أنك في البر أو في مكان مرتفع يتبين به غروب الشمس، فإنك تفطر وإن لم تسمع المؤذن، وإذا لم تكن في مكان كذلك، فإنك تعتمد على أذان الثقة الذي لا يؤذن حتى تغرب الشمس، وإذا قُدِّر أن أحداً من المؤذنين أذن قبل أن تغرب الشمس وأنت تشاهد الشمس، فإنه لا يجوز لك الإفطار حتى تغرب الشمس.

السؤال: ما حكم من يجمع ريقه ثم يبتلعه في نهار رمضان؟

الجواب: لا ينبغي أن يفعل ذلك؛ بل ينبغي للإنسان أن يجعل الطبيعة على ما خلقها الله عليه، وهذا الريق إذا جمعته ثم بلعته فقد حبسته عن سيره المعتاد، ثم إن بعض أهل العلم قال: إنه يكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، وعلى هذا فلا ينبغي لك أن تفعل ذلك، ولكن لك أن تتمضمض إذا نشف فمك، وصعب عليك الكلام، أو شق عليك ذلك، تمضمض لأجل أن يبتل الفم؛ لأن الفم ليس الوصول إليه مفطراً، أعني: ليس وصول الطعام أو الشراب إليه مفطراً.

السؤال: يوجد بعض الناس وخاصة بعض الموظفين إذا أراد الخروج من منزله تطيب طيباً قوياً، ووضع بخاخاً في فمه، ليُحِّسن من رائحته بعد النوم الطويل بعد الفجر، فما حكم ذلك وفقكم الله؟

الجواب: التطيب للصائم لا بأس به، سواء كان ذلك في رأسه أو في لحيته أو في ثوبه، وأما استعمال البخاخ في الفم فهذا أيضاً لا بأس به إذا كان ليس ذا أجزاء تصل إلى المعدة، فأما إذا كان ذا أجزاء تصل إلى المعدة فإنه لا يجوز استعماله؛ لأن ذلك تعريضُ لفساد صومه، أما إذا كان بخاراً لا يعدو الفم فإنه لا يضر، سواء استعمله لتطييب فمه، أو استعمله لتسهيل النفَسَ عليه كما يفعله بعض المصابين بالضغط ونحو هذا، على أني أحُب لهذا الذي يستعمل البخاخ لتطييب فمه، أحب أن يراجع الأطباء في ذلك؛ لأنني قد سمعت أن استعمال الطيب في الفم نهايته أن يكون في الإنسان بخر ورائحة كريهة في فمه، فينبغي ألا يستعمل هذا لا في الصوم ولا غيره حتى يسأل الأطباء، والله الموفق.

السؤال: لماذا يُسلم كثير من الكفار في شهر رمضان فيصلون ثم يكفرون بعد خروجه فيتركون الصلاة؟

الجواب: لعل هؤلاء الذين يسلمون بعد الكفر في نهار رمضان يجدون من المسلمين نشاطاً في هذا الشهر ملحوظاً بيناً، وعادة الإنسان بفطرته أنه ينشط مع الناشطين، ويكسل مع الكاسلين، ولهذا كانت العبادة في أيام غربة الدين للعامل فيها أجر خمسين من الصحابة لقلة من يؤازره ويعينه، ويشد أزره، فلعل هؤلاء الذين يسلمون في شهر رمضان يرون هذا النشاط الزائد فيرغبون في الإسلام، ثم إذا خرج رمضان كما هي عادة المسلمين -وأقولها وأنا متأسف- يفترون عن النشاط في عبادة الله، فيرجع هؤلاء إلى كفرهم، كما رجع هؤلاء المجتهدون من المسلمين إلى كسلهم وعدم نشاطهم في طاعة الله.

مداخلة: نعم، لكن أليس في تعبير السائل غلظة، لأنه يقول: يسلم كثير من الكفار في نهار رمضان فيصلون، وهو فيما أعتقد يقصد بعض الناس الذين يعتبرون من المسلمين؛ لأنهم قبل رمضان لا يصلون أبداً، فإذا دخل رمضان اتجهوا إلى المساجد وصلوا، فإذا ذهب رمضان تركوا الصلاة، ورجعوا إلى ما كانوا عليه؟

الشيخ: في الحقيقة ليس فيه غلظة؛ لأن الإنسان يجب أن يقول بملء فمه عن الذي لا يصلي: إنه كافر؛ لأن الذي قال ذلك هو أرحم الخلق بالخلق محمد صلى الله عليه وسلم قال: ( من تركها فقد كفر)، فالإنسان بعد مراجعة الأدلة وتبينها يقول بملء فمه: إن من لا يصلي فهو كافر، وليس في ذلك غلظة، بل الذي أغلظ لنفسه هو هذا الذي ترك الصلاة، فأي دين له بعد أن يترك هذه الصلاة العظيمة مع سهولتها ويسرها؟!

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: المرأة ليست من أهل الزيارة للقبور؛ لأنها ضعيفة وسريعة التأثر وقوية العاطفة، فيحصل في زيارتها من المنكرات ما جعلها غير مأمورة بزيارة المقبرة، بل هي منهية عنها، بل ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور)، وهذا إذا خرجت المرأة من بيتها لزيارة المقبرة قاصدة لها، أما إذا زارت المقبرة عرضاً، مثل أن تمشي إلى حاجة لها فتمر بالمقبرة فتقف وتسلم على أهل القبور، فإن ذلك لا بأس به، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ما تدعو به إذا زارت القبور، وهكذا نقول في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: إن المرأة لا تقصد زيارته قصداً أولياً، ولكن لو مرت من هناك مارة بمقدم المسجد فوقفت عند القبر وسلمت عليه، فإن هذا لا بأس به، ولكن ذلك مشروط بألا يُخشى منه الفتنة، وأن لا يكون فيه مزاحمة للرجال، فإن كان فيه مزاحمة الرجال أو خوف فتنة فإنها تُنهى عن ذلك، والله أعلم.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تلبس في الحج ملابس ملونة كالأبيض والأخضر والأسود؟

الجواب: نعم يجوز للمرأة في الإحرام أن تلبس ما شاءت من الثياب غير ألا تتبرج بزينة أمام الرجال الأجانب؛ لأنه ليس للمرأة ثياب مخصوصة في الإحرام، بخلاف الرجل فإنه لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف، أما المرأة فالمحظور في حقها لبس القفازين والانتقاب.

السؤال: أنا عسكري، وموجود عندنا كلمة (سيدي) للعسكري الضابط، تتكرر في اليوم عدة مرات، فهل يوجد سيد عدا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمُّسنا ذنب أم لا؟

الجواب: السيد على سبيل الإطلاق هو الله عز وجل، وأما السيد مضافاً فإنه يصح، لأنه يكون سيادة خاصة، بشرط أن يكون المقول له ذلك أهلاً للسيادة، فيجوز مثلاً أن يقول الإنسان لأبيه: هذا سيدي، ولأخيه الكبير: هذا سيدي، ويقول العبد لمالكه: هذا سيدي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وليقل: سيدي ومولاي)، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال للأوس حين أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه: ( قوموا إلى سيدكم)، فالمهم أن الإنسان يجوز له أن يصف من هو أهل للسيادة بأنه سيده، أما إذا كان هذا المقول له ليس أهلاً للسيادة، لكونه فاسقاً أو كافراً، فإنه لا يستحق، ولا ينبغي للمسلم أن يقول له: سيدي؛ لأن هذا إذلال للمسلم، والمسلم يعلو بإسلامه على غيره من بني البشر.

السؤال: إنني والحمد لله أصلي وأعمل جميع شعائر الدين، وموجود في السوق نساء سافرات، وأيضاً وأنا أراهن، فهل يمسني ذنب أم لا؟

الجواب: لا ريب أن خروج النساء سافرات في الأسواق لا ريب أنه من المنكر، الذي يجب على من رآه أن يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وأنه يجب على ولاة أمور المسلمين أن يمنعوا النساء من الخروج إلى الأسواق سافرات؛ لمِا في ذلك من الفتنة، وجلب الشرور عليهن، وأنت إذا مررت بالسوق وأنت لا تستطيع أن تُغير هذا المنكر، فإنه لا حرج عليك إذا قمت بما يجب عليك من هذه المراتب، تغير بيدك، فإن لم تستطع فبلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك فلا حرج عليك، ولكن لا تتعمد النظر إلى هؤلاء النساء السافرات، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه رغبة فيما عند الله وخوفاً منه أورثه الله تبارك وتعالى حلاوة يجدها في قلبه، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] .


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع