فتاوى نور على الدرب [112]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز للمسلمين أن يسمحوا للمسيحيين أن يبنوا كنائس داخل بلادهم ويقيموا شعائرهم فيها؟

الجواب: فإن هذا السؤال: هام جداً، وذلك أن كثيراً من الناس يظنون أن الفرق بين دين الإسلام والأديان الأخرى سواء كان ذلك من دين النصارى الذين ينتسبون إلى المسيح عيسى بن مريم أو من دين اليهود الذين ينتسبون إلى موسى بن عمران عليهما وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة والسلام، يظنون أن الفرق بين هذه الأديان الثلاثة وغيرها أيضاً مما يدين به العالم كالفرق بين مذهب ومذهب في ملة واحدة، وهذا ظن خطأ، وذلك أن العباد كلهم عباد الله تعالى، هو خالقهم ورازقهم وهو الذي أعدهم وأمدهم، وهو الذي يكون إليه المرجع ويكون لديه الحساب يوم القيامة، وهو سبحانه وتعالى يتعبد عباده بما شاء من شريعة ويمحو الله تعالى ما يشاء ويثبت، ولكنه سبحانه وتعالى بين في كتابه العزيز الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم أن وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، والإسلام هو الشريعة التي شرعها الله تعالى لعباده في كل زمان وفي كل مكان، وفي حال قيام دعوة موسى عليه الصلاة والسلام كان الإسلام دين اليهود، وفي حال قيام دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام كان الإسلام دين النصارى، وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام كان الإسلام دينه فقط، قال الله تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا [النساء:79]، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، فالناس والعالمون عام يشمل كل بني آدم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الجن والإنس، قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].

إذاً: فدين الإسلام هو الدين الذي يجب أن يكون الخلق عليه من بني آدم ومن الجن أيضاً، هذا هو الواجب، وهو الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن اعتناق الإنسان ديناً غير دين الإسلام محرم عليه ولا يجوز له، وعلى هذا فإذا أراد أحد من غير المسلمين أن يبني في بلاد المسلمين معابد من كنائس وغيرها فإن ذلك لا يجوز؛ لأن معناه إظهار غير دين الإسلام في بلاد الإسلام وهذا لا يجوز، ولا يجتمع دينان في بلد واحد، بل الدين واحد وهو الذي تعبد الله به عباده، وعليه فيحرم على ولاة المسلمين أن يمكنوا أحداً من غير المسلمين من النصارى أو اليهود أو غيرهم أن يبنوا معابد في بلاد الإسلام، سواء كانت كنائس أو صوامع أو بيعاً أو غيرها، وإنما تبنى المساجد التي هي من خصائص المسلمين.

السؤال: حول رفع اليدين يقول: سُئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع فأجاب: إن شاء أرسل يديه بعد الرفع من الركوع، وإن شاء وضعهما، فنرجو منكم أن توضحوا لنا عن سنة الإرسال هل هو الرفع أم الوضع وفقكم الله؟

الجواب: ظاهر السنة أن المصلي بعد رفعه من الركوع يضع يده اليمنى على اليسرى، وهو ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة)، فقوله: (في الصلاة) عام لجميع أحوال الصلاة إلا ما دل الدليل على أن له صفة خاصة.

فنقول: وضع اليد اليمنى على اليسرى قبل الركوع أمر لا إشكال فيه، أما في الركوع فلهما وضع آخر يضعهما المصلي على ركبتيه.

وأما في القيام بعد الركوع فهو موضع السؤال، ولننظر في السجود لا يمكن وضع اليد اليمنى على اليسرى؛ لأن موضعهما على الأرض، وفي الجلوس بين السجدتين، وفي التشهدين الأول والثاني أيضاً يضعهما الإنسان على فخذيه، بقي عندنا وضعهما بعد الرفع من الركوع نقول: ليس هناك سنة خاصة.

لكن عموم قول سهل في الصلاة يشمل هذا الموضع من الصلاة، وعلى هذا فيكون الظاهر من السنة أن المرء يضع يده اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع، وأما تخير الإمام أحمد فلعله اطلع على أحاديث تدل على جواز الإرسال ولكننا لم نعلم بها؛ لأن الظاهر أن الإمام أحمد لا يخير بين شيئين إلا وقد وردت فيهما السنة، ولا يكون تخييره فيهما من أجل عدم علمه بذلك؛ لأن موقف عدم العالم بالشيء أن يتوقف وليس أن يحكم والله أعلم.

السؤال: كلمة الأديان السماوية: هل يجوز إطلاق هذه الكلمة، علماً أننا إذا أطلقناها فقد أقررنا بأن هناك أدياناً أرضية؟ وهل تدخل هذه الكلمة في باب البدع لأنها لم تؤثر عن المصطفى عليه السلام؟

الجواب: نعم. نقول: الأديان السماوية؛ لأن هناك أدياناً أرضية، لأن الدين ما دان به العبد ربه، سواء كان من شريعة الله سبحانه وتعالى أم من شرائع البشر، ومن المعلوم أن هناك أناساً يدينون بغير دين شرعي، يعتقدون ديانة أن يسجدوا للبقر وأن يسجدوا للصنم وغير ذلك، والله تعالى لم يشرع هذا في أي كتاب كان، ولا على لسان أي رسول كان، وعلى هذا فهذه الديانة التي يدينون بها ليست من شريعة الله فليست سماوية.

وأما الأديان السماوية: فهي التي شرعها الله عز وجل؛ لأنها نزلت من السماء، إلا أنه يجب أن يعلم السائل وغيره أن جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي، وأنها الآن ليست مما يدان به لله عز وجل؛ لأن الذي شرعها ووضعها ديناً هو الذي نسخها بدين محمد صلى الله عليه وسلم، وكما أن النصارى مقرون بأن دين المسيح قد نسخ شيئاً كثيراً من دين موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه يجب على أتباع موسى عليه الصلاة والسلام أن يتبعوا عيسى، فإننا كذلك أيضاً نقول: إن الإسلام ملزم للنصارى أن يدينوا به، ولجميع الأمم أن يدينوا بالإسلام؛ لأن العبرة بالمتأخر، فالمتأخر من شريعة الله، وقد قال الله تعالى عن عيسى أنه قال لقومه: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، وهذه البشارة من عيسى عليه الصلاة والسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم تدل على أنه يجب على بني إسرائيل من النصارى واليهود وغيرهم أن يتبعوه، إذ إنه لو لم تكن الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم شاملة لهم لم يكن لبشراهم بها فائدة، فلولا أنهم ينتفعون من هذه الرسالة باتباعها ما كان لهم فيها فائدة إطلاقاً.

والمهم أنني أقول: يجب أن يعلم السائل وغيره أننا وإن عَبَّرنا بالأديان السماوية فليس معنى ذلك أننا نقر بأنها باقية، بل نقول: إنها منسوخة بدين واحد فقط هو دين الإسلام، وأن الدين القائم الذي يرضى الله تعالى أن يدين به العباد له إنما هو دين الإسلام وحده فقط، قال الله تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، والله الموفق.

مداخلة: على هذا يجوز لنا أن نقول: الأديان السماوية؟

الشيخ: يجوز لنا أن نقول: الأديان السماوية، ولكن ليس على أن الأديان الآن ثابتة، إطلاق هذه الكلمة يجوز لكن إذا كان يفهم منها أن هذه الأديان باقية وأنها مرضية عند الله فإنه لا يجوز إطلاقها إلا مقرونة ببيان الحال، بأن يقال: معنى أنها سماوية، يعني: أنها مما أنزله الله تعالى على الرسل، لكنه نسخ ما عدا الإسلام بالإسلام.

مداخلة: ويقول في رسالته: إنه إذا قال الإنسان: الأديان السماوية معناه أنه يقر بأن هناك أدياناً أرضية فهل يجوز إطلاق هذه الكلمة الأديان السماوية؟

الشيخ: نعم يجوز للمعنى الذي أشرنا إليه؛ لأن الدين ما دان به العبد، ومن المعلوم أن هناك أدياناً ما أنزلها الله تعالى وليست سماوية، كالذين يعبدون بوذا والذين يعبدون البقر والذين يعبدون الشمس وما أشبه ذلك، هم يدينون بهذه العبادة لهذه المعبودات عندهم وهي ليست من دين الله وما جاءت في أي دين سماوي.

مداخلة: إذاً: هناك أديان سماوية وهناك أديان أرضية؟

الشيخ: نعم. وحتى الأديان السماوية التي كانت في وقتها حقاً هي الآن منسوخة بالإسلام.

السؤال: رجل قال عن بنت عمي بأن لها علاقة مع شخص، ولكنه بهتان، هل إذا قاطعت هذا الإنسان أكون قاطع رحم، مع العلم أن الذي قال عن بنت عمي هذا البهتان هو ابن خالي، ثم إنه قبل أن يقول بهذا البهتان كنت قد أهديته مصحفاً صغيراً وكتاباً علمياً، ومع العلم أيضاً أن هذا الإنسان لا يصلي ولا يصوم إلى آخره، وعندما حدث ذلك أخذته منه ولا أتكلم معه منذ ذلك اليوم، ما حكم إرجاع الهدية من المهدي وأخذها من المهدَى إليه وخاصة في مثل هذا الشخص؟

الجواب: مجرد معصية القريب لا يسيغ لقريبه أن يقطع رحمه، بل قد قال الله تعالى في الوالدين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، وكذلك القريب لا تنقطع صلته بمعصيته، لكن هذا السائل ذكر أن ابن خاله ارتد عن الإسلام والعياذ بالله بعدم صلاته وصيامه، والمرتد لا يجوز إبقاؤه على قيد الحياة إلا أن يعود إلى الإسلام.

وعلى هذا فمقاطعته لا بأس بها؛ لأنه لا حق له في الوجود فضلاً عن أن يوصل بالموجود، ولكن مع هذا نرى أن من الواجب عليك معالجة هذا الداء الذي هو مهلك له بأن تذهب إليه وتدعوه إلى الله عز وجل وتنصحه بالنصيحة الواجبة، أما عودك في هديتك فإنه لا يجوز لك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، وهذا القريب الذي أهديت له ما أهديت ملك ما أهديته بالقبول والقبض، فصار من جملة ماله، فإذا رجع إلى الإسلام فملكه باقٍ على ماله، وإذا بقي مرتداً وقتل على ارتداده فإن ماله يكون لبيت مال المسلمين.

وعلى كل حال حرام عليك أن ترجع في هديتك في مثل هذا الحال.