فتاوى نور على الدرب [51]


الحلقة مفرغة

السؤال: توفيت امرأة في السفر، ولم يجدوا من يغسلها، وذهبوا بها إلى قرية ولم يجدوا من يقوم بالتغسيل، وكان معها رجلان لم يعرفا طريقة تغسيل الميت، فاجتهدت وغسلتها ودفنت بعد أن بقيت معهم يوماً وليلة، وبعد ذلك عرفت أنها على غير هدى في تغسيلها، فهل عليها كفارة في ذلك، وقد حصل هذا قبل ثلاثين سنة؟

الجواب: تغسيل الميت ليس بالأمر الصعب، إذ إن الواجب هو أن يعم بدن الميت كله غسلاً بالماء، وهذا أمر لا يعسر أحد على فعله فهو سهل، لكن المشروع في تغسيل الميت هو أن يوضع على سرير الغسل على ظهره مستلقياً ثم ينجى -أي: يغسل فرجه- وفي هذه الحال يجب أن تكون عورته مستورة، وأن يكون الغاسل قد لف على يده خرقة حتى لا يمس عورته، فإذا تم تنجيته بدأ بمواضع الوضوء منه، فيبدأ بفمه وأنفه فيأتي بخرقة مبلولة نظيفة وينظف بها أسنانه وداخل فمه، وداخل أنفه أيضاً، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ورأسه ورجليه، ثم يغسل بقية بدنه مبتدئاً بالجانب الأيمن منه.

والواجب الغسل مرة، ولكن إذا كان الميت يحتاج إلى أكثر يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك حسب ما تدعو الحاجة إليه، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، وهو طيب معروف يسحق ويذر بالماء الذي يكون في الغسلة الأخيرة؛ لأجل أن تبقى رائحته في الجسم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن كانت امرأة يظفر شعرها ثلاث ظفائر -يعني: يجدل ثلاث جدائل- ويلقى من ورائها كما فعل بابنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا كله على سبيل الاستحباب، أما الواجب فهو أن يعم بدنه بالغسل مرة واحدة، هذا هو الواجب، وكل أحد يمكنه أن يعرف ذلك.

أما القضية التي وقعت وذكرت السائلة أنه لم يكن على الطريق المشروع، فنحن لم يتبين لنا الآن كيف هذه الطريقة التي غسلتها بها؛ لأنه قد يكون على وجه مشروع أو على وجه مجزئ على الأقل، فإذا كان على وجه مجزئ فذلك هو المطلوب، وإذا قدرنا أنه ليس على وجه مشروع لا إجزاء ولا استحباباً فإنه قد فات الأمر، وهي قد اجتهدت، والمجتهد إذا أخطأ فليس عليه إثم، بل له أجر.

مداخلة: هي في الحقيقة ذكرت الطريقة التي عملتها، لكن الرسالة طويلة، فلخصتها، تقول في التفصيل أنها غسلتها حسب معرفتها بطريقة عادية، يصب الماء عليها وهي على لوح من خشب وقلبتها يميناً وشمالاً، ثم قمت بتكفينها فوضعتها في قماش ولففته عليها، ثم ربطته ربطة واحدة، تقول: وبعد أن عرفت الطريقة إلى أن ذكرت الرسالة.

الشيخ: هذا والحمد لله عمل مجزئ، ما دام أن الماء قد عم جميع البدن فقد أجزأ.

السؤال: هل يجوز قضاء الأيام التي فاتتني من رمضان مع أيام الست، أم أصوم الست ثم بعدها قضاء الأيام التي لم أصمها في رمضان؟

الجواب: لابد من قضاء رمضان قبل صيام الأيام الستة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال )، ولا يمكن إتباع رمضان إلا بتمام صيامه، فيجب أولاً: صيام القضاء، ثم صيام الأيام الستة من شوال، ولكن لابد أن تكون الأيام الستة في شوال، فلو أخر القضاء عن شوال بدون عذر ثم قضى ثم صام الأيام الستة لم يحصل على أجرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيده بقوله: ( أتبعه بست من شوال )، أما إذا أخر قضاء رمضان لعذر مثل: أن تكون المرأة نفساء في رمضان، وتطهر مثلاً في أثناء شوال وتبدأ بالقضاء فهي لن تنتهي منه إلا بعد خروج شوال، فإذا صامت الست بعد قضاء رمضان حصل لها ثوابها؛ لأنها أخرتها لعذر.

مداخلة: هل يجوز أن يقضي هذه الست كما قضى شهر رمضان؟ كأن يقضيها مثلاً في شهر ربيع؟

الشيخ: يصلح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قيدها بقوله: ( أتبعه بست من شوال ).

السؤال: إذا سهيت عن أي سجدة من إحدى الركعات وتذكرتها بعد ركعتين، فهل يلزمني بإعادة الصلاة كاملة أو سجود السهو؟

الجواب: إذا نسي الإنسان سجدة من إحدى الركعات فإنه إذا وصل إلى محلها من الركعة التي تليها قامت الركعة التي تليها مقام الركعة الأولى، مثال ذلك: لو ترك السجدة من الركعة الأولى، فإنه إذا وصل إلى محل السجدة من الركعة الثانية صارت الركعة الثانية هي الركعة الأولى ويتم عليها بقية صلاته ويسجد للسهو، أما إذا كان لم يعلم بأنه ترك السجدة إلا بعد أن سلم من صلاته فإن كان قريباً أتى بركعة ثم سلم ثم سجد للسهو وسلم، وإن لم يذكر قريباً بأن طال الزمن وجب عليه إعادة الصلاة كاملة.

السؤال: أحدهم لم يدرك صلاة العيد فقضاها في الضحى من النهار، هل يجوز له ذلك أم لا؟

الجواب: نعم، يجوز له ذلك ولا حرج عليه.

السؤال: توفي والدي منذ عشرين سنة وخلف أرضاً زراعية وعقب ولدين وثلاث بنات، والأرض المذكورة دخلت عليهم من صداق الكبيرة من بناته على ما ذكر، والآن الأرض المذكورة هل هي ميراث لأولاده جميعاً ذكوراً وإناثاً أم تختص بإحداهما، علماً بأن البنت التي الأرض من صداقها أعطت والدها في قيد الحياة الأرض المذكورة، فقالت: إنها مال من أموالك؟

الجواب: هذه المرأة أو البنت التي أعطت والدها الأرض التي من صداقها تكون الأرض المذكورة ملكاً لوالدها، فلما مات الوالد تعود إلى ورثته حسب الميراث الشرعي ويرثها أولاده وزوجاته وأمه وأبوه إذا كانا موجودين، ويكون نصيب البنت التي أعطت هذه الأرض، من هذه الأرض مثل نصيب أختها؛ لأن الأرض صارت ميراثاً.

السؤال: في مصر عندما يموت رجل أو امرأة تقوم النساء بالبكاء، وتقوم بعضهن بوضع التراب والطين على أنفسهن، وتقول: الفراق صعب، هل هذا صحيح أم غلط؟

الجواب: هذا غلط كبير؛ لأن الواجب على المرء أن يرضى بالله رباً ويرضى بقضائه وقدره، فلا يسخط ولا يفعل ما يدل على التسخط، فوضع التراب أو الطين على أنفسهن بسبب هذه المصيبة، وقولهن: الفراق صعب كل هذا من الأمور التي تتضمن الاعتراض على القدر، وعدم الرضا بالله سبحانه وتعالى، وقد يكون شبيهاً بشق الجيوب ولطم الخدود الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، فقال: ( ليس منا من لطم الخدود -أو قال: ضرب الخدود- وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية )، والعاقل البصير يعرف أن هذا التسخط لا فائدة منه، مع كونه ضرراً في الدين فلا فائدة منه في الدنيا؛ لأنه لن يرد المصيبة، بل سيزيد المصيبة، ولهذا قال بعض السلف: إما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سلو البهائم، فالإنسان لابد أن ينسى هذه المصيبة على مر الزمن، فإذا كان لابد من نسيانها، فكونه يصبر صبر الكرام الذي يثاب عليه خير من كونه يجزع ويتسخط ثم في النهاية يسلو كما تسلو البهيمة.

السؤال: عندما يمضي سبعة أيام على الميت يقوم أهل الفقيد من النساء بالذهاب إليه في المقبرة، ويقومون بالبكاء مرة أخرى، وعندما يكمل خمسة عشر يوماً يكررون نفس الطريقة، ومرة أخرى عندما يكمل الأربعين ويقومون بالحزن عليه لمدة عام أو أكثر، ويحرمون الصغار من اللعب والمرح، هل يجوز أم لا؟

الجواب: لا يجوز زيارة المرأة للمقابر، وإذا خرجت من بيتها لهذا القصد فإنها ملعونة والعياذ بالله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن زائرات القبور )، وهؤلاء خرجن لزيارة القبور وللنياحة أيضاً عند القبر؛ لأن الظاهر من حال هؤلاء أنهن لا يقتصرن على البكاء المجرد، بل إنه لابد أن يكون ثم نياحة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة، وكذلك الإحداد لمدة عام كله من المنكر الذي لا يجوز، وقال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، وما عدا ذلك من الإحداد فكله محرم ولا يجوز، وليعلم المؤمن أنه إذا صبر على المصيبة أعانه الله عز وجل، وسدد خطاه، وأنساه مصيبته، وأثابه عليها مع الاحتساب، وإذا تسخط وحزن استمرت المصيبة في قلبه، وازداد بذلك حسرة على حسرته، فليتق الله عز وجل وليرض به رباً، فإن لله حكمة فيما أخذ وفيما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.

السؤال: نذهب أيام العيد للسلام على موتانا والترحم عليهم، ويصر بعض أقاربنا من النساء على الذهاب معنا، ويقلن: نحن ندخل على الله ألا تحرمونا أحبابنا، علماً أنهن لا ينحن ولا يجزعن في ذلك، هل نذهب بهن معنا أم لا؟

الجواب: الذهاب إلى المقابر أيام الأعياد من البدع، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يخصون أيام الأعياد بزيارة القبور، لذلك ينهى الإنسان أن يزور القبور أيام الأعياد، على اعتبار أن ذلك من السنن المقيدة بهذه الأيام، وإنما زيارة القبور مسنونة كل وقت، حتى في الليل كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى البقيع ذات ليلة وسلم عليهم، أما النساء فلا يجوز تمكينهن من الخروج من بيوتهن إلى زيارة القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسروج ).

وكونهن -أي: النساء المذكورات- يقلن للرجال: ندخلكم على الله ما تحرمونا أحبابنا، هذا لا يبرر لهم السماح لهن بالذهاب إلى المقبرة، فإن المستجير بالله عز وجل إذا استجار بالله من شخص منعه المحرم فإن الله تعالى لا يجيره؛ لأن الله لا يحب الظالمين ولا يحب المعتدين، ولو كان من استجار بالله أو استعاذ به من أمر واجب عليه أو من فعل محرم عليه، لو كان ذلك سائغاً لكان ذلك مخالفاً لتحريم الله سبحانه وتعالى لما حرم، أو لإيجابه لما أوجب، ولاقتضى أن يفعل الإنسان ما حرم الله عليه بهذه الوسيلة، وأن يترك ما أوجب الله عليه بهذه الوسيلة، فكل من استعاذ بالله أو استجار به ليمكن من فعل محرم فإنه لا يجار؛ لأن الله لا يجيره.