خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [35]
الحلقة مفرغة
السؤال: لقد فاتني يومٌ من شهر رمضان وأنا مسافر, ثم جاء شهر رمضان الثاني ولم أقضِ هذا اليوم الذي فاتني, هل يجوز لي أن أقضيه فيما بعد, علماً بأن السنة دارت وأنا لم أقضِ, وهل يجوز لي القضاء الآن؟
الجواب: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فهذا الرجل السائل كان مسافراً وأفطر يوماً فعليه أن يقضيه امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى, ويجب عليه أن يقضيه في سنته, فلا يؤخره إلى ما بعد رمضان الثاني؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منها.
فقولها: (ما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) دليلٌ على أنه لا بد من القضاء قبل دخول رمضان الثاني, ولكن إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني فإن عليه أن يستغفر الله, وأن يتوب إليه, وأن يندم على ما فعل, وأن يقضي هذا اليوم؛ لأن القضاء لا يفوت بالتأخير, فيقضي هذا اليوم ويجزئه, وتبرأ به ذمته.
السؤال: كنت مسافراً من الرياض إلى بلدةٍ بعيدة وكنت أقصر الصلاة, وذات يوم عزمت على السفر إلى بلدة قريبة منها, فهل يجوز لي جمع المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير, وإذا كان يجوز فأيهما أفضل؟
الجواب: يجوز لك أن تقصر ما دمت لم تعد إلى بلدك, ويجوز لك كذلك أن تجمع؛ لأن الجمع من رخص السفر, والقصر من عزائمه وسننه المؤكدة جداً، حتى قال بعض أهل العلم: إنه من فرائض السفر, وأن المسافر يجب أن يقصر, ولكن إذا كنت في بلد فإنه يجب عليك حضور الجماعة إذا سمعت النداء؛ لعموم الأدلة الموجبة لمن سمع النداء أن يحضر, وإذا حضرت وصليت مع الإمام المقيم وجب عليك إتمام الصلاة.
أما بالنسبة للجمع فيجوز لك أن تجمع مادمت في سفرك؛ كما أشرنا إليه, لكن الأفضل في الجمع أن لا يجمع المسافر إلا إذا احتاج إلى الجمع, مثل: أن يكون قد جدَّ به السير فيحب أن يواصل مسيره، فيجمع في وقت الأولى أو يؤخر إلى وقت الثانية حسبما أرفق به وأيسر لمسيره.
وعلى هذا فإذا أردت أن تنتقل من البلدة التي سافرت إليها من الرياض إلى بلدةٍ أخرى قريبةً منها, وأردت أن تواصل سفرك ما بين البلدتين فلا حرج عليك أن تجمع جمع تقديم في البلدة قبل أن تسير إلى البلدة الثانية, ويجوز لك أن تؤخر فتجمع جمع تأخير حتى تصل إلى البلدة الثانية, إن وصلت إليها قبل خروج وقت صلاة الثانية وإلا جمعت في أثناء سيرك.
المهم أن المسافر يجوز له الجمع وتركه أفضل إلا أن يكون أرفق به، فإنه حينئذٍ يكون مشروعاً ومستحباً، والأفضل أن تجمع جمع تقديم أو تأخير حسب ما يتيسر لك، فالأفضل في حقك هو الأيسر في مسيرك.
السؤال: بالنسبة للعطلة أو لعطلة نهاية الأسبوع معلومٌ أنها تبدأ من بعد الظهر من يوم الأربعاء, ويستغلها كثير من الناس في الخروج إلى البر وخصوصاً في أيام الربيع, وهم يقصرون الصلاة لأنهم مسافرون في هذه الحالة, لكن بعضهم يقيم في مكان من البر ويجمع أيضاً بالإضافة إلى القصر, هل يجوز له الجمع؟
الجواب: الجمع كما أسلفنا من رخص السفر, ولكن تركه أفضل إلا عند الحاجة إليه, فإذا احتاج الإنسان إليه لكون سفره جاداً أو سيره جاداً فإنه أفضل من عدمه, فالمقيم مثلاً نقول له: إن الأفضل أن لا تجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع وهو مقيمٌ في منى, وكذلك لم يرد عنه الجمع حين أقام بمكة عام الفتح, وإنما كان يقصر عليه الصلاة والسلام, ولكن مع ذلك يجوز لك أن تجمع ولو أنك مقيم غير جادٍ بك السير؛ لأن حديث أبي جحيفة في الصحيحين: ( حينما أتى النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من قبةٍ له, وركزت له العنزة, فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين) فإن ظاهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر مع أنه مقيم غير جادٍ به السير, وكذلك أيضاً جمع في تبوك وهو مقيمٌ غير جادٍ به السير, فدل هذا على أن الجمع من رخص السفر، سواءٌ جد به السير أم لا, ولكن الأفضل تركه إلا إذا كان أرفق به واحتاج إليه، فالأفضل فعله.
السؤال: هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز, وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي: ( قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة)؟
الجواب: نعم هو داخلٌ في هذا الحديث, لكن الخلق خلقان: خلقٌ جسميٌ وصفي وهذا في الصور المجسمة, وخلقٌ وصفيٌ لا جسمي، وهذا في الصور المرسومة, وكلاهما يدخل في هذا الحديث، فإن خلق الصفة كخلق الجسم, وإن كان الجسم أكثر لأنه جمع بين الأمرين: الخلق الجسمي والخلق الوصفي.
ويدل على ذلك: العموم وأن التصوير محرم باليد، سواءٌ كان تجسيماً أو كان تلويناً، فإن عموم لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمصورين, يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسمة والملونة التي لا يحصل التصوير فيها إلا بالتلوين فقط, ثم إن هذا هو الأحوط والأولى للمؤمن أن يكون بعيداً عن الشبه.
ولكن قد يقول قائل: أليس الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا في اتباع الأشد, نقول: صحيحٌ أن الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا اتباع الأشد, لكن إذا وجد لفظٌ عام يمكن أن يتناول هذا وهذا, فالأحوط الأخذ بعمومه, وهذا ينطبق تماماً على أحاديث التصوير, فلا يجوز للإنسان أن يرسم صورة ما فيه روح لا إنساناً ولا حيواناً آخر؛ لأنه داخلٌ في عموم لعن المصورين.
السؤال: وهو أنني أعمل في شركة تويوتا قسم اللحام, ويعمل معي بعض الخواجات اليونانيين, وفي ذات مرة كنت أشرب كوباً من الشاي فأخذه أحدهم وشرب منه ثم رده لي, فهل لو شربت بعده من هذا الكوب يكون حراماً أم لا؟ يرجى الإفادة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: ليس هذا بحرام؛ لأن ريق الكافر وعرقه طاهرٌ وليس بنجس, ولذلك أباح الله لنا طعامهم مع أن أيديهم تلمسه, وأباح لنا نساءهم -أي: نساء أهل الكتاب- وطعام أهل الكتاب مع أنهم كفار, وهذا يدل على عدم نجاسة بدن الكافر, وهو الصحيح من أقوال أهل العلم, لكن إذا كان شربك بعده يشير إلى استذلالك أمام الكافر فإنه لا يجوز لك هذا؛ لأن الواجب على المسلم أن يكون عزيزاً بإسلامه, وأن لا يري الكفار الذل, وكيف يريهم الذل وقد قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
فلا يري الرجل الذل أمام الكفار إلا وهو ناقص الإيمان؛ لأن من كان مؤمناً كامل الإيمان فإنه يرى أنه أعز خلق الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الإسراء:70]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7] فكما أن المؤمن أكرم الخلق عند الله وأعزهم فالكافر أذلهم عند الله وأحطهم, قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنفال:55]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] . فلا يجوز للمسلم أن يستذل أمام الكافر, فإذا كان شربك الفنجال بعده يشير إلى ذُلِّك أمامه فهو حرامٌ عليه, وإلا فلا بأس به.
السؤال: نذرت لله تعالى أن أذبح ولقد نفذت النذر وذبحت, ولكن أكلت أنا وأهلي من ذلك, وسمعت أنه لا يجوز الأكل منه, فماذا علي؟ هل أعيد الذبح مرةً ثانية أم أخرج بمقدار ما أكلت أنا وأهلي وهو ما يقارب الثلاثة كيلو جرام من اللحم, أفيدوني فأنا حائر, أو أنه ليس علي شيءٌ ولكم جزيل الشكر؟
الجواب: نذر الذبح ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون قربةً لله، يريد الإنسان به أن يتقرب إلى الله عز وجل, فهذا لا يأكل منه, وإنما يصرفه صدقةً للفقراء.
القسم الثاني: أن يكون نذر الذبح عادةً لا عبادة, أي: أن يقصد به الفرح والسرور وجمع الناس عليه وما أشبه ذلك من الأمور المباحة, فهذا لا يكون له حكم العبادة وإنما هو نذر مباح, إن شاء الإنسان فعله, وإن شاء كفر عنه كفارة يمين ولم يفعله, وهذا القسم إذا فعله ونفذ ما نذر به فله أن يأكل منه هو وأهله ولا حرج عليه في ذلك.
أما القسم الأول الذي قصد منه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فقد قلنا: إنه يصرف صدقةً للفقراء, وإذا كان قد أكل منه فليضمن مقدار ما أكل, ويتصدق به على الفقراء.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |