فتاوى نور على الدرب [23]


الحلقة مفرغة

السؤال: والدتي أفطرت شهرين من رمضان, وذلك لمدة سنوات لا تقل عن خمسة عشر عاماً, بسبب الولادة في عامين متتاليين, وكانت لا تحسب أن فيها قضاءً, وأخيراً سمعت بقضاء ما فات, ولكن والدتي سنها الآن ما يقارب ستين عاماً, وعندها عدة أمراض ولا تستطيع قضاء هذه المدة علماً أن لوالدتي نحو سبعة أعوام تصوم الستة الأيام في شوال تطوعاً لله, أفيدوني ماذا يترتب على والدتي حيث أنها قلقة جداً؟

الجواب: الواجب على والدتك أن تصوم ما عليها من رمضان الماضي، أي: من الشهرين جميعاً، وصيامها للشهرين جميعاً قد لا يكلفها شيئاً؛ إذ بإمكانها أن تقضي هذا الصيام في أيام الشتاء قصيرة الزمن قليلة الحر, ثم بإمكانها أيضاً أن تقضيها متفرقةً ومتتابعةً, لأن الله يقول: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] ولم يوجب الله سبحانه وتعالى التتابع في القضاء, وإنما أوجب التتابع في أداء رمضان ضرورة كونه في شهر؛ إذ الشهر لا يتفرق, أما القضاء فالأمر فيه موسع, فالذي يجب على والدتك أن تقضي ما عليها من الصيام بقدر ما تستطيع, فإن كانت لا تستطيع إطلاقاً وقد أيس من استطاعتها في المستقبل فإنه يطعم عنها لكل يومٍ مسكين، بمعنى أن يفرق عنها طعام ثلاثين يوماً عن شهر وثلاثين يوماً عن شهر فيكون ستين مسكيناً, ولا بأس أن يطعم ثلاثون مسكيناً، فيعطى الفقير الواحد إطعام يومين، لكن لا عن شهرٍ واحد بل يومٌ عن شهر لسنة ويومٍ عن شهر لسنة ثانية، فيكون المجموع ثلاثين مسكيناً بدلاً من ستين مسكيناً، إلا أنه لا يعطى الواحد إطعام يومين من شهرٍ واحد بل يعطى إطعام يومٍ من هذا الشهر.. الشهر سنة سبعين مثلاً وإطعام مسكين لشهر سنة واحد وسبعين.

المقدم: لكن من ناحية الكفارة ألا تعطى مثلاً لثلاثة مساكين أو أربعة مساكين بعدد الأيام؟

الشيخ: لا يصلح جملة, يعني: لا يصح أن تعطى على مسكين واحد توالى عليه بعدد الأيام، لا بد من إطعام مسكين لكل يوم.

المقدم: ولو لم يتيسر مثلاً وجود مساكين بهذا العدد في المدينة مثلاً؟

الشيخ: إذا لم يتيسر في هذه المدينة فيمكن أن يوجد في مدينةٍ أخرى، كأهل الزكاة إذا لو يوجدوا في المدينة وجب أن ينظر في مدينةٍ أخرى فتعطى الزكاة لهم.

المقدم: إذاً لا بد من تفريق الكفارة على ستين مسكيناً أو ثلاثين مسكيناً لكل يومين يعطى مسكين؟

الشيخ: يعطى مسكين, لكن اليومين لا من سنةٍ واحدة.

السؤال: لقد منحني الله سبحانه وتعالى طفلين, وطلع عند كل طفلٍ من هؤلاء أربعة وعشرين أصبعاً زيادة, فما رأي فضيلتكم لو قطعتها عند الدكتور؟

الجواب: ذكر أهل العلم في هذه المسألة أنه لا يجوز قطع الأصبع الزائدة, لما فيه من الخطر على صاحب الأصبع, وفي وقتنا هذا الخطر قليل -ولله الحمد-, واحتمال الضرر بعيد, فالذي نرى أنه لا بأس في هذه الحال من قطع الأصابع الزائدة المشوهة للخلقة, أما إذا كانت أصابع زائدة لكن لا تشوه الخلقة فإن الذي ينبغي أن تبقى كما هي عليه.

السؤال: أنا خطبت امرأة وأريد الزواج من أرملة شفقة عليها؛ لأنها أرملة ومسكينة, لكن الناس نصحوني وقالوا: لا تتزوجها لأنهم يرون أن فيها شيئاً يعيبها, فهل أقدم على الزواج منها أم لا؟

الجواب: إذا كانت هذه المرأة فيها ما يعيبها في خلقها أو دينها فلا نشير عليه أن يقدم على زواجها, وإذا كان هذا الذي يعيبها لا يتعلق بخلقٍ ولا دين فإنه لا بأس من زواجها, ولكن ينبغي أن ينظر إليها قبل حتى يتبين له الأمر؛ لأنه ربما يتصور العيب الذي ذكر له قليلاً ولكنه يكون كثيراً وأكبر مما يتصور, فهذا هو التبصير في هذه المسألة، إذا كان العيب عائداً إلى الخلق والدين فلا ينبغي أن يتزوج بها ولا يقربها, وإذا كان عائداً إلى أمرٍ آخر فإنه لا بأس بالإقدام على زواجها ولكن ينبغي أن ينظر إليها قبل.

السؤال: أعمل سائقاً بإحدى الشركات وبقيادة وايت ماء خاص يسقي موظفي هذه الشركة، وأن المقدر لهم يومياً ردين ماء, مع العلم أني أجيب أكثر من الردين, ولكن الزائد أبيعه بدون علم من المسئول بالشركة, أفيدوني عن هذه الطريقة, وكيف أعمل عما فات إذا كان هذا حراماً؟

الجواب: إذا كانت السيارة للشركة والمقاولة بين هؤلاء وبين الشركة فإنه لا يجوز لك أن تستعمل السيارة في غير ما وقع العقد عليه بين الشركة وبين هؤلاء, أما إذا كانت السيارة لك وأنت لا يحصل بشغلك إياها في غير مصلحتهم ضرر يخل بما جرى الاتفاق عليه فهذا لا بأس به؛ لأنك حر في مالك وحر في وقتك, وليس عليك لهم إلا ما جرى عليه الاتفاق.

السؤال: رجل يعمل حارساً عند صاحب عمارة, وصاحب العمارة في الطائف, ولم يعطه راتبه, ووجد لصاحب العمارة ثلاثمائة ريال فأخذها, فهل يجوز له أخذها أم لا؟

الجواب: هذه المسألة يعبر عنها أهل العلم بعنوان مسألة الظفر, وهي على القول الراجح لا تجوز, بمعنى أن الإنسان إذا كان له حق على شخص, وهذا الشخص لم يقضه حقه, فهل يجوز أن يأخذ شيئاً من ماله إن قدر عليه بمقدار حقه؟

نقول: الصحيح أنه لا يجوز إلا إذا كان سبب الحق ظاهراً، مثل لو كان الحق نفقةً كالزوجة تأخذ من مال زوجها إذا لم يقم بواجب النفقة, وكالقريب يأخذ من مال قريبه إذا لم يقم بواجب النفقة، فهذا لا بأس به, وكذلك الضيف يأخذ من مال من استضافه إذا لم يقم بواجب الضيافة، فهذا لا بأس به, لكن بشرط أن لا يكون في ذلك فتنة وأن لا يكون في ذلك سببٌ للعداوة والبغضاء والشجار.

وأما مسألة هذا السائل أنه يطلبه حقاً خاصاً ليس سببه ظاهراً، فإنه لا يجوز له أن يأخذ هذه الدراهم التي قدر عليها من ماله, بل إنما الواجب أن يكف يده عما وجد, ثم يخاصم صاحبه, وأبواب المحاكم مفتوحة ولله الحمد.

السؤال: ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية علماً بأنها لم تعلق على الجدران, وإنما هي محفوظة داخل علبة, كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى, وما حكم من قام بالتصوير؟

الجواب: أما الاحتفاظ بهذه الصور فإنه لا يجوز, وذلك لأن اقتناء الصور إنما يجوز إذا كانت على وجهٍ ممتهن كالتي تكون في الفرش والمخاد والمساند وما إلى ذلك مما يمتهن, هذه جائزة عند جمهور أهل العلم وإن كان فيها خلاف, لكن الجمهور على أنها جائزة, أما ما لا يمتهن فسواءٌ كان شُهر وعلق أو كان أخفي في علبةٍ وشبهها، فإنه لا يجوز ولا يحل للمرء اقتناؤه, فالصور التي للذكرى التي توجد في الحقيبة التي يسمونها ألبوم أو غيرها هذه لا تجوز, ثم إن الذكرى لا ينبغي للإنسان أن يتعلق بها, فأي ذكرى تكون؟ هذا الرجل الذي كنت حبيباً له أو صديقاً له في يومٍ من الأيام قد يكون بغيضاً لك, ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يسرف في الحب ولا في البغض, وقد قيل: أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما.

وعلى كل حال فهذه صور الذكرى لا تنبغي, والإنسان عبارة عن ابن وقته, والأحوال تختلف وتتغير, فلا ينبغي اتخاذ هذه الصور بل ولا يجوز أن يقتنيها الإنسان, وأما التصوير فهو نوعان:

أحدهما: أن يكون بتخطيط اليد، بمعنى أن الإنسان يخطط صورة الجسم مثلاً من وجهٍ ويدين إلى آخره فهذا لا يجوز, وهو الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله, وأخبر أن فاعليه هم أشد الناس عذاباً.

وأما إذا كان التصوير بالنقل بالآلة الفوتوغرافية فهذه موضع خلافٍ بين أهل العلم, وذلك لأن التصوير بالنقل ليس تصويراً فعلياً من المصور في الحقيقة, إذ هو ناقلٌ للصورة وليس مصوراً, وفرق بين المصور الذي يريد أن يعمل ما فيه إبداعٌ وإتقان حتى يكون عمله وتخطيطه كتخطيط الله عز وجل وتصوير الله, وبين الإنسان الناقل الذي ينقل ما صوره الله سبحانه وتعالى بواسطة الضوء, فبينهما فرق؛ ولهذا لو عرضت علي رسالة وقلت: أنقلها لي فكتبتها وجعلت أصور عليها صرت الآن مصوراً والكتابة هذه كتابتي, ولكن لو قلت: خذ هذه الرسالة وصورها بالآلة الفوتوغرافية فصورتها لك فالكتابة كتابة صاحب الخط الأول, وليس كتابة الذي صور بالآلة المصورة.

فهذا مثله تماماً، وهذا هو الذي نرجحه أن التصوير الفوتوغرافي لا بأس به، لكن ينظر: ما هو الغرض من ذلك؟ إذا كان الغرض اقتناء هذه الصور على وجهٍ لا يباح فهذا يحرم من هذه الناحية, فيكون تحريمه تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد, وأما إذا كان الغرض لمصلحة كحفظ الأمن في التابعيات وشبهها فهذا لا بأس به.

ومع ترجيحنا للجواز نرى أن اللائق بالمسلم أن يبتعد عنه؛ لأن ذلك أتقى وأورع لما في ذلك من الشبهة, فإن بعض أهل العلم يرى أن التصوير حتى للصور الشمسية أو الفوتوغرافية حرام, وترك الإنسان لما هو محرم هذا أمرٌ ينبغي له إلا إذا دعت الحاجة إليه فإن المشتبه يزول بالحاجة.

السؤال: ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير, وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل, علماً بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة, وكذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية؟

الجواب: هذه الصور المشار إليها في الكتب وبعض المجلات الدينية إذا تمكن الإنسان من طمسها -أي: طمس وجوهها أو رءوسها- فهذا خير؛ لأن الصورة هي الرأس, وحقيقة الإنسان تعرف برأسه, عين الإنسان تعرف برأسه ووجهه.

فالواجب أن يطمس الرأس والوجه إذا تمكن, أما إذا شق عليه ذلك فإنه لا حرج عليه إن شاء الله, لا سيما وأن هذه الصور تكون في كتب مغلقة وليست منشورةً مبسوطة مشهورة, فلهذا نرى أنه لا بأس إذا كان عليه مشقة من طمسها وإزالتها.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع