مختصر التحرير [12]


الحلقة مفرغة

الحقيقة الشرعية يقول: [واقعة] خلافاً لمن قال: إن كل حقيقة شرعية فهي مجاز، نقول: لا، الحقيقة الشرعية واقعة. ما هي؟ قال: [وهي: ما استعمله الشرع]، يعني: اللفظ الذي وضعه الشرع لمعنىً معين.

والشرع استعمل كل ألفاظ اللغة العربية في معناها العربية أيضاً، فالسماء والأرض والنجوم كلها حقيقة لغوية وشرعية، فينبغي أن يقال: الحقيقة الشرعية: ما وضعه الشرع دالاً على معنىً غير ما يدل عليه في اللغة.

والغريب أن المؤلف يقول: [كصلاة للأقوال والأفعال]، هذا خطأ عظيم، الشرع ما وضع الصلاة للأقوال والأفعال، فعلى قوله: كل قول فهو صلاة في الشرع، وكل فعل فهو صلاة في الشرع؛ لأنه قال: (للأقوال والأفعال) لكن لو قال: كالصلاة للعبادة المخصوصة، زال الإشكال؛ لأن الصلاة موضوعة في الشرع لعبادة مخصوصة، وهي معلومة لجميع المسلمين، فهذا أولى من تعريف المؤلف.

إذاً: في كلام المؤلف نظر في قوله: (ما استعمله الشرع)؛ لأنه يدخل فيه الحقيقة اللغوية إذا استعملها الشرع، والصواب أن نقول: ما وضعه الشرع لمعنىً شرعي.

الوجه الثاني قوله: (للأقوال والأفعال) الصواب: كالصلاة للعبادة المخصوصة المعلومة.

قال: [وإيمان]، يعني: وكالإيمان وضعه الشرع، [لعقد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان]، وهذا صحيح، فالإيمان في اللغة: الإقرار، لكن في الشرع: هو عقد بالجنان، يعني: عقيدة في القلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، فكل عقيدة في القلب فهي إيمان في الشرع، وكل قول يقرب إلى الله فهو في الشرع إيمان، مثل: لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، قراءة القرآن.

عمل بالأركان، مثل: الصلاة، الصيام، قعود، ركوع، سجود، كف عن محبوب، الحج.. وهكذا، نقول: هذا إيمان في الشرع، لكن في اللغة لا يسمى إيماناً؛ لأن الإيمان في اللغة: الإقرار على القول الراجح، أو التصديق كما هو المشهور.

قال: [فدخل كل الطاعات] أي: دخل في تعريف الإيمان كل الطاعات، فكل الطاعات القلبية والقولية والفعلية إيمان بالشرع.

قال: [وهما]، الضمير يعود على الصلاة والإيمان، [لغةً: الدعاء والتصديق بما غاب] هذا في اللغة، وسبق لنا أن الصحيح أن الإيمان في اللغة الإقرار، بدليل تعدي (أقر) بالباء و(آمن) بالباء، و(صدق) تتعدى بنفسها وبالباء وباللام أيضاً.

حكم الاستثناء في الإيمان

قال: [ويجوز الاستثناء فيه].

أي في الإيمان، فالاستثناء في الإيمان جائز؛ لأنه يشمل العقيدة والقول والفعل، وليس كل إنسان قائماً بالفعل أو قائماً بالقول، فصح فيه الاستثناء، فتقول مثلاً: أنا مؤمن إن شاء الله، ولكنه سبق لنا في كتاب التوحيد: أن الاستثناء في الإيمان قد يكون محرماً أو كفراً، وقد يكون واجباً، وقد يكون جائزاً، يعني: لا يصح أن نطلق أن الاستثناء في الإيمان جائز حتى نعرف ما الحامل على هذا الاستثناء؟ فيكون حراماً أو كفراً إذا قاله متردداً، لأنه ينافي الإيمان، الإيمان لا بد أن يكون جازماً به، مثلما لو قلت: أنت تريد تفعل كذا، قال: إن شاء الله، لأنك متردد، كذلك إذا قلت: أنا مؤمن إن شاء الله -يعني أنك متردد- فهذا حرام، بل كفر.

ويكون واجباً إذا خاف الإنسان من تزكية نفسه، فهنا يجب أن يقول: إن شاء الله؛ لأنه لو جزم مزكياً بذلك نفسه لكان واقعاً فيما نهى الله عنه في قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [النجم:32]، ولكان جازماً بأنه من أهل الجنة، لأن كل مؤمن على اليقين فهو من أهل الجنة، ولا يجوز أن يشهد أحد لنفسه بالجنة؛ لأنه لا شهادة بالجنة إلا لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويكون الاستثناء مباحاً إذا قصد التبرك بذلك، أو قصد بيان الواقع، أو قصد التعليل، ففي هذه الأحوال الثلاث يكون جائزاً.

الثاني: إذا أراد بيان الواقع، يعني: إيماني واقع بمشيئة الله، فهذا أيضاً جائز لا بأس به؛ لأن الواقع أنه بمشيئة الله.

ثالثاً: إذا قصد التعليل، يعني: أن إيماني سببه مشيئة الله عز وجل، فأنا ما آمنت من تلقاء نفسي، بل لأن الله شاء ذلك؛ فهذا أيضاً جائز ولا بأس به.

فصار إطلاق جواز الاستثناء في الإيمان فيه نظر، والصواب التفصيل.

وقد ذكر بعض العلماء أن الاستثناء في الإيمان محرم، وآخرون: أن الاستثناء في الإيمان واجب.

الذين قالوا إنه محرم قالوا: إن هذا يدل على الشك، والإيمان يجب فيه الجزم، ولهذا سموا أهل السنة شكاكاً، قالوا: أنتم شكاك، تجوزون لأنفسكم أن يقول القائل: أنا مؤمن إن شاء الله، إذاً: على رأي هؤلاء لا يجوز الاستثناء.

والذين قالوا بالوجوب قالوا: يجب أن يقول: إن شاء الله، قالوا: لأن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان، والمستقبل لا يدري عنه الإنسان، فوجب أن يقول: إن شاء الله؛ لئلا يجزم على أمر مستقبل، ولكن هذا يقول شيخ الإسلام : فيه نظر؛ لأن هذا أمر معلوم لكل أحد، والإنسان إنما يقول: أنا مؤمن باعتبار حاله الحاضرة، ما هو باعتبار المستقبل، فإذا كان باعتبار حاله الحاضرة فلا يصح هذا التعليل.

قال: وإنما يمنع من ذلك؛ لأن جزمه بالإيمان بدون استثناء يستلزم تزكية نفسه المنهي عنها والشهادة له بالجنة، وهذا لا يجوز.

قال: [وقد تصير الحقيقة مجازًا وبالعكس]، قد يكون المجاز حقيقة، وقد تكون الحقيقة مجازاً، فالصلاة بمعنى الدعاء في الشرع مجاز، والصلاة بمعنى ذات الأقوال والأفعال حقيقة، فهنا قد تكون الحقيقة مجازاً باعتبار العرف، وقد يكون المجاز حقيقة باعتبار العرف أيضاً.

قال: [ويجوز الاستثناء فيه].

أي في الإيمان، فالاستثناء في الإيمان جائز؛ لأنه يشمل العقيدة والقول والفعل، وليس كل إنسان قائماً بالفعل أو قائماً بالقول، فصح فيه الاستثناء، فتقول مثلاً: أنا مؤمن إن شاء الله، ولكنه سبق لنا في كتاب التوحيد: أن الاستثناء في الإيمان قد يكون محرماً أو كفراً، وقد يكون واجباً، وقد يكون جائزاً، يعني: لا يصح أن نطلق أن الاستثناء في الإيمان جائز حتى نعرف ما الحامل على هذا الاستثناء؟ فيكون حراماً أو كفراً إذا قاله متردداً، لأنه ينافي الإيمان، الإيمان لا بد أن يكون جازماً به، مثلما لو قلت: أنت تريد تفعل كذا، قال: إن شاء الله، لأنك متردد، كذلك إذا قلت: أنا مؤمن إن شاء الله -يعني أنك متردد- فهذا حرام، بل كفر.

ويكون واجباً إذا خاف الإنسان من تزكية نفسه، فهنا يجب أن يقول: إن شاء الله؛ لأنه لو جزم مزكياً بذلك نفسه لكان واقعاً فيما نهى الله عنه في قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [النجم:32]، ولكان جازماً بأنه من أهل الجنة، لأن كل مؤمن على اليقين فهو من أهل الجنة، ولا يجوز أن يشهد أحد لنفسه بالجنة؛ لأنه لا شهادة بالجنة إلا لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويكون الاستثناء مباحاً إذا قصد التبرك بذلك، أو قصد بيان الواقع، أو قصد التعليل، ففي هذه الأحوال الثلاث يكون جائزاً.

الثاني: إذا أراد بيان الواقع، يعني: إيماني واقع بمشيئة الله، فهذا أيضاً جائز لا بأس به؛ لأن الواقع أنه بمشيئة الله.

ثالثاً: إذا قصد التعليل، يعني: أن إيماني سببه مشيئة الله عز وجل، فأنا ما آمنت من تلقاء نفسي، بل لأن الله شاء ذلك؛ فهذا أيضاً جائز ولا بأس به.

فصار إطلاق جواز الاستثناء في الإيمان فيه نظر، والصواب التفصيل.

وقد ذكر بعض العلماء أن الاستثناء في الإيمان محرم، وآخرون: أن الاستثناء في الإيمان واجب.

الذين قالوا إنه محرم قالوا: إن هذا يدل على الشك، والإيمان يجب فيه الجزم، ولهذا سموا أهل السنة شكاكاً، قالوا: أنتم شكاك، تجوزون لأنفسكم أن يقول القائل: أنا مؤمن إن شاء الله، إذاً: على رأي هؤلاء لا يجوز الاستثناء.

والذين قالوا بالوجوب قالوا: يجب أن يقول: إن شاء الله، قالوا: لأن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان، والمستقبل لا يدري عنه الإنسان، فوجب أن يقول: إن شاء الله؛ لئلا يجزم على أمر مستقبل، ولكن هذا يقول شيخ الإسلام : فيه نظر؛ لأن هذا أمر معلوم لكل أحد، والإنسان إنما يقول: أنا مؤمن باعتبار حاله الحاضرة، ما هو باعتبار المستقبل، فإذا كان باعتبار حاله الحاضرة فلا يصح هذا التعليل.

قال: وإنما يمنع من ذلك؛ لأن جزمه بالإيمان بدون استثناء يستلزم تزكية نفسه المنهي عنها والشهادة له بالجنة، وهذا لا يجوز.

قال: [وقد تصير الحقيقة مجازًا وبالعكس]، قد يكون المجاز حقيقة، وقد تكون الحقيقة مجازاً، فالصلاة بمعنى الدعاء في الشرع مجاز، والصلاة بمعنى ذات الأقوال والأفعال حقيقة، فهنا قد تكون الحقيقة مجازاً باعتبار العرف، وقد يكون المجاز حقيقة باعتبار العرف أيضاً.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر التحرير [69] 3205 استماع
مختصر التحرير [54] 3195 استماع
مختصر التحرير [70] 3083 استماع
مختصر التحرير [33] 2831 استماع
مختصر التحرير [36] 2827 استماع
مختصر التحرير [47] 2759 استماع
مختصر التحرير [23] 2748 استماع
مختصر التحرير [45] 2745 استماع
مختصر التحرير [4] 2694 استماع
مختصر التحرير [34] 2628 استماع