شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [55]


الحلقة مفرغة

إخوتي الكرام! كان كفر من مضى من قبل النساء، وكفر من سيأتي من قبل النساء، وكنت ذكرت هذا الأثر سابقاً عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما في روضة المحبين صفحة (96) وقد عثرت عليه مروياً بالإسناد لكن عن تلميذه طاوس اليماني ، انظروه في مصنف ابن أبي شيبة (4/ 495) وطاوس من تلاميذ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، لازمه مدةً طويلة، ومعدود من كبراء أصحابه، توفي سنة 106، وحديثه في الكتب الستة، ويحتج به في دواوين الإسلام كلها.

كان طاوس يقول: كان كفر من مضى من قبل النساء، وكفر من سيأتي من قبل النساء، ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال، وفي مصنف ابن أبي شيبة في الموضع المتقدم وفي مصنف عبد الرزاق في الجزء (7/ 418) عن أبي صالح قال: بلغني أن أكثر ذنوب أهل الجنة في النساء، أي: ما يتعلق بالنساء سواء مع الزوجة عن طريق العشرة المحرمة، أو عن طريق النظر إلى أجنبيات، أو عن أي طريق حرام آخر، نسأل الله الحفظ بفضله ومنه وكرمه.

وفي مصنف ابن أبي شيبة أيضاً في الموضع المتقدم عن مسروق قال: أكثر ما يصيب الناس من الذنوب في الزنا، ليس له ريح، فلا يظهر ولا تقوم عليه بينة، ويقصد الزنا بمعناه العام، أي: زنا الفرج وزنا الجوارح، فأكثر الذنوب التي يقعون بها ويرتكبون الخطأ بسببها في الزنا، وليس حال الزنا كحال الخمر، ومن جملة ما قيل في بيان قول الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151]: قال أئمتنا: ما ظهر الخمر وما بطن الزنا، فالخمر يظهر على شاربه حيث يصيح ويعلم الناس أنه سكران، وأما الزنا فيستتر به الإنسان، ولو كان الزناة سيكشفون كما يكشف من يسكر فماذا سيحصل؟! وقيل: (مَا ظَهَرَ): أي: من معصية الجوارح مطلقاً، (وَمَا بَطَنَ): معصية القلوب، وقيل: كل معصية ظاهرة أو باطنة، والمعنى: اجتنبوا المعاصي الظاهرة والباطنة.

لكن من جملة الأقوال كما قلت: (مَا ظَهَرَ) أي: الخمر، و(وَمَا بَطَنَ): أي: الزنا يفعل سراً بحيث لا تكون عليه بينة.

لا بد من ضبط الفرج وصيانته، والسعيد من ضبط فرجه واتقى.

ندخل بعد هذه المقدمة في الأمر السابع: ألا وهو في صيانة الفرج عن البهائم.

إخوتي الكرام: يحرم على الإنسان أن يفعل الفاحشة بالبهيمة في قبلها أو في دبرها، أو أي مكان منها، سواء كان الإنسان فاعلاً أو مفعولاً به، نعم قد يمكن الإنسان بهيمة من نفسه، كما انتشر في هذه الأيام وقوع الكلاب الحيوانية على الكلاب البشرية، وما أكثر هذا في بلاد الغرب حيث الكلاب والقرود تقع على النساء، والتي تتعفف عن ركوب الكلب أو الخنزير أو القرد لها فإنها تكشف له ويأتي بعد ذلك ليلحس فرجها، هذا ما أكثره في بلاد الغرب.

وانتشر الآن في البلاد العربية الهابطة والتي زاد هبوطها على البلاد الأخرى، فالكلاب ما أكثرها في البيوت، وعله أحياناً في بعض البيوت الكلاب الحيوانية تزيد على الكلاب الآدمية، ومما تتقطع منه الأكباد: لما كنت في إندونيسيا وجدت بيوتاً متعبة، البيت ما يسوى ألف ريال وفيه كلب، وعندما يمرض يحمله صاحبه ويذهب به إلى المستشفى ليعالجه، وهو نفسه لو مرض لا يعالج نفسه ثم هو يعالج كلبه.

إذاً: يحرم فعل الفاحشة بالحيوانات، سواء فعل الإنسان بها أو فعلت به، قال محقق المذهب الحنفي محمد بن عابدين في رد المحتار على الدر المختار في الجزء (4/ 6): لو مكنت امرأة قرداً من نفسها فوطئها كان حكمها كإتيان البهائم، يعني: كما لو فعل الرجل فاحشةً ببهيمة تماماً، يعني: البهيمة كانت فاعلة أو مفعولاً بها الأمر واحد، فإذا مكنت المرأة قرداً من نفسها فوطئها فالحكم كما لو وطئ رجل قردةً، وهذا كما قلت وقع بكثرة.

وكذلك نص الإمام ابن حزم في المحلى في الجزء (11/ 373)، والإمام الدسوقي في حاشيته على شرح مختصر خليل في مذهب السادة المالكية في الجزء (4/ 316).

وتقدم معنا ضمن المباحث السابقة في تحريم وطء المرأة في دبرها وفي تحريم اللواط، تقدم معنا أحاديث فيها لعن من فعل الفاحشة ببهيمة، ومنها:

حديث سيدنا أبي هريرة وحديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين: ( لعن الله سبعةً من خلقه: الفاعل والمفعول به -يعني: اللواط- ومن ذبح لغير الله، ومن أتى شيئاً من البهائم ) وفي رواية ابن عباس : ( من وقع على بهيمة، ومن عق والديه، ومن جمع بين المرأة وابنتها، ومن غير حدود الأرض، ومن ادعى إلى غير مواليه ) الحديث كما تقدم معنا في تحريم الاستمناء حديث أيضاً فيه لعن من فعل الفاحشة ببهيمة من رواية سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ( سبعة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الفاعل والمفعول به -يعني: اللواط- وناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، ومن جمع بين امرأةٍ وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه ) ولهذا الحديث شاهد من حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه.

وفي مصنف عبد الرزاق في الجزء (7/ 366) عن عمرو بن دينار قال: أخبرني وهب بن منبه أنه في التوراة مكتوب: من أصاب بهيمةً فهو ملعون عند الله جل وعلا.

وقد اتفق أئمتنا على أن ذلك معصية، وعدوه من الكبائر في لعن فاعله، كما في الإفصاح لـابن هبيرة في الجزء (2/ 239)، وفي الزواجر في الجزء (2/ 139) الكبيرة (360) وهذا بالاتفاق.

أما ما عقوبة من فعل هذا، فسيأتينا تفصيل ذلك ضمن مباحث كتاب الحدود من سنن الإمام الترمذي ، ومقصدنا هنا فقط أن نعلم أنه محرم، وأن علينا صيانة الفروج.

سيأتينا في عقوبته أنه يقتل، وقيل: يعامل معاملة الزاني فيقام عليه أدنى الحدين فيجلد ولا يرجم، وقيل: إن كانت البهيمة ملكاً يدرأ عنه الحد من أجل شبهة الملك، وقيل: يعزر، فهذه أقوال يأتينا إن شاء الله سردها وتحقيق الكلام فيها.

إن إتيان البهائم يقع بكثرة في هذه الأيام ولا تظنوا أنه نادر، وأخبرني بعض الإخوة عن قصة وقعت من قريب في الحي الذي أنا فيه قال: رجع بعض الناس إلى بيته، وعنده عدد من قطيع الغنم، وعمال الحي مجتمعون مع بعضهم وكل واحدٍ يفعل بغنمة وذلك في ظلام الليل، وصاحب الغنم جاء متأخراً، فلما سلط النور إلى الزريبة ما وجد شاة إلا ومعها واحد يفعل بها الفاحشة، فأخذته الغيرة الإيمانية والحمية الشرعية ففتح الباب وطرد الأغنام كلها، فسألني بعض الجيران: أن الناس أخذوا بعضها، فهل يحل لهم أكلها؟ قلت: المعتمد أنه يجوز أن تذبح وتؤكل، لكن صاحبها ما أرادها.

حكم الخلوة بالبهائم والمردان

وأئمتنا نصوا على تحريم الخلوة بالحيوان إذا كان الإنسان لا يملك نفسه عنه، وكنت ذكرت قصة سابقاً: مغارة وحمارة ونفس أمارة، يعني: دخل بعض الصالحين إلى مغارة في طريقه ليبيت فيها، فرأى فيها حمارة فخرج، فقال له أصحابه: لم خرجت؟ قال: مغارة وحمارة ونفس أمارة! أي: لا أريد أن أجتمع معها خشية أن يزين لي الشيطان فعل الفاحشة بها.

وأخبرني بعض الإخوة عن إنسان يقول: لا يمكن أن يوجد في مكان عملي حمارة على الإطلاق؛ لأن العمال يركبون عليها، قلت له: وأيضاً ممكن أن يركبوا على الحمار، يعني: الذي لا يتورع عن حمارة فلا يتورع عن حمار، هذا هو العصر الهابط الذي نعيش فيه.

إن القول بتحريم الخلوة بالحيوان إذا خشي الإنسان على نفسه منه هو رأي شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية ، ولما قرأته في الاختيارات البارحة في الليل -ومرت معي سابقاً ولكن ما انتبهت لها- قلت: سبحان الله! كلام ذاك العابد الزاهد يختاره الإمام ابن تيمية ويقرره كما في الاختيارات صفحة (200). يقول: وتحرم الخلوة بغير محرم، ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد.

لما كنت في أبها أخبرني بعض الإخوة: أن القرود هناك تأتي بكثرة وتتسلق من السور على البيوت، ولو رأت امرأة في الحوش هجمت عليها، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يخلو إذاً بقرد، يعني: امرأة تخلو بقرد، أو رجل يخلو بقردة، تتركه نائماً وتأتيه تضطجع بجواره وتركب عليه يفعل بها الفاحشة.

تحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد ذكره ابن عقيل ، وتحرم الخلوة بأمردٍ غير حسن، أما الحسن فهذا مجمع عليه كما سيأتينا في حكم النظر وهو آخر المسائل معنا بعون الله.

تحرم الخلوة بأمردٍ غير حسن ومضاجعته كالمرأة الأجنبية ولو لمصلحة التعليم والتأديب، والمقر لذلك ملعون ديوث، ومن عرف بمحبته للمردان أو معاشرتهم منع من تعليمهم، وسيأتينا تقرير نحو هذا في مجموع الفتاوى في الجزء (32/249) إن شاء الله.

وأئمتنا نصوا على تحريم الخلوة بالحيوان إذا كان الإنسان لا يملك نفسه عنه، وكنت ذكرت قصة سابقاً: مغارة وحمارة ونفس أمارة، يعني: دخل بعض الصالحين إلى مغارة في طريقه ليبيت فيها، فرأى فيها حمارة فخرج، فقال له أصحابه: لم خرجت؟ قال: مغارة وحمارة ونفس أمارة! أي: لا أريد أن أجتمع معها خشية أن يزين لي الشيطان فعل الفاحشة بها.

وأخبرني بعض الإخوة عن إنسان يقول: لا يمكن أن يوجد في مكان عملي حمارة على الإطلاق؛ لأن العمال يركبون عليها، قلت له: وأيضاً ممكن أن يركبوا على الحمار، يعني: الذي لا يتورع عن حمارة فلا يتورع عن حمار، هذا هو العصر الهابط الذي نعيش فيه.

إن القول بتحريم الخلوة بالحيوان إذا خشي الإنسان على نفسه منه هو رأي شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية ، ولما قرأته في الاختيارات البارحة في الليل -ومرت معي سابقاً ولكن ما انتبهت لها- قلت: سبحان الله! كلام ذاك العابد الزاهد يختاره الإمام ابن تيمية ويقرره كما في الاختيارات صفحة (200). يقول: وتحرم الخلوة بغير محرم، ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد.

لما كنت في أبها أخبرني بعض الإخوة: أن القرود هناك تأتي بكثرة وتتسلق من السور على البيوت، ولو رأت امرأة في الحوش هجمت عليها، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يخلو إذاً بقرد، يعني: امرأة تخلو بقرد، أو رجل يخلو بقردة، تتركه نائماً وتأتيه تضطجع بجواره وتركب عليه يفعل بها الفاحشة.

تحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد ذكره ابن عقيل ، وتحرم الخلوة بأمردٍ غير حسن، أما الحسن فهذا مجمع عليه كما سيأتينا في حكم النظر وهو آخر المسائل معنا بعون الله.

تحرم الخلوة بأمردٍ غير حسن ومضاجعته كالمرأة الأجنبية ولو لمصلحة التعليم والتأديب، والمقر لذلك ملعون ديوث، ومن عرف بمحبته للمردان أو معاشرتهم منع من تعليمهم، وسيأتينا تقرير نحو هذا في مجموع الفتاوى في الجزء (32/249) إن شاء الله.

الأمر الثامن: أن نصون فروجنا عن مباشرة النساء -وطئهن- حال حيضهن، فهذا محرم علينا باتفاق علماء الأمة، وقد نقل الإجماع عدد من أئمتنا الكرام منهم شيخ الإسلام الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/ 204)، وفي المجموع شرح المهذب (2/ 358)، ونقل الإجماع شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني (1/ 314و350) ونقله الإمام ابن حزم في المحلى (2/ 162) وفي كتابه: مراتب الإجماع (23)، ونقله الإمام ابن هبيرة في كتابه: الإفصاح (1/ 95) ويريد بالإجماع والاتفاق الذي يحكيه اتفاق المذاهب الأربعة فانتبهوا، ومن تقدم يقصدون إجماع المسلمين أجمعين.

قال الإمام النووي عليه رحمة الله: وطء المرأة حال حيضها حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة، ولو اعتقد الإنسان حل جماع الحائض صار كافراً مرتداً، ثم قال: من فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً بوجوده أو تحريمه فلا إثم عليه.

افرض أنها نائمة وما أخبرته أنها حائض فباشرها ثم تبين أنها حائض، وهذا يقع أحياناً، أو امرأة جاءها الحيض وزوجها بعيد عنها، ولنفرض أن الزوج ما جاء إلا في منتصف الليل ووقع عليها، فتقول له: أنا حائض.

فهو الآن جهل وجوده.

أو يجهل تحريمه، أو ناسياً، أو مكرهاً، فلا إثم عليه.

وأما إذا كان عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصية كبيرة من الكبائر، نص على ذلك الإمام الشافعي وقال: وطء المرأة في حيضها كبيرة وتجب التوبة منه، وفي وجوب الكفارة قولان، والمعتمد أنه إن وطئ في أول الحيض فعليه أن يتصدق بدينار مع التوبة إلى العزيز الغفار، وإن وطئ في نهاية الحيض عند قرب زوال الدم وانقطاعه فيتصدق بنصف دينار، والدينار أربعة جرامات ونصف من الذهب.

افرض أنه يساوي خمسة جرامات، يعني: فإن وطئ في أول الحيض عامداً عالماً بالتحريم عليه التوبة والتصدق بمائتين وخمسين ريالاً، وإذا وطئ في آخر الفترة فعليه التوبة وأن يتصدق بخمس وعشرين ومائة ريال.

وأما الإكراه فالمرأة قد يكرهها زوجها، وأيضاً الإنسان قد يكره على وطء زوجته الحائض، لنفرض أن إنساناً في سفر ومعه زوجته، فمر بطريق بعض الظلمة، فقال له: من هذه؟ قال: هذه زوجتي، فقال له: إن كانت زوجتك وأنت مسلم تخاف الله لا تفعل الحرام، وليست امرأة تريد أن تهرب بها أو تهربها وتساعدها على جريمة، فإذا كانت هذه زوجتك كما تقول فاتصل بها، قال له: هي حائض، يقول: لا بد أن نتحقق، لو قدرنا هذه الصورة أو غيرها من صور الإكراه، وصور التمثيل ما أكثرها.

وقال الإمام ابن حزم في المحلى: امتناع وطء الحائض في الفرج في حال الحيض إجماع متيقن مقطوع به لا خلاف بين أحدٍ من أهل الإسلام فيه.

وقد دل القرآن على تحريم وطء الحائض في قبلها، قال الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] .

وهذا ما أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام وقرره ووضحه وبينه، ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ، والحديث رواه أهل السنن الأربعة وعبد بن حميد في مسنده، والدارمي في السنن، ورواه الإمام ابن المنذر وابن حبان في صحيحه، وأبو داود الطيالسي في مسنده، والبيهقي في السنن الكبرى، والبغوي في شرح السنة، والإمام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ، والإمام ابن حزم في المحلى، من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: إن اليهود كانت إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يجامعوها -يعني: في البيوت أي لا يظله وإياها سقف واحد فهي في جهة وهو في جهة- فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح )، والمراد من النكاح هنا: الجماع.

فقام صحابيان جليلان: أسيد بن حضير، وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله! - صلى الله عليه وسلم -: أفلا نجامعهن؟ نكايةً لليهود، والسبب في قولهما هذا: أن اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود لما سمعوا كلام نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح ) قالوا: ما يريد هذا الرجل أن يترك شيئاً مما نحن عليه إلا ويخالفنا فيه، فقال عباد بن بشر، وأسيد بن حضير رضي الله عنهما: يا رسول الله! - عليه الصلاة والسلام - أفلا نجامعهن، يعني: نزيد أيضاً في مخالفة اليهود نؤاكلهن ونشاربهن ونجامعهن في البيوت.

فأعرض عنهما النبي عليه الصلاة والسلام ولم يجبهما بشيء، فظنا أن النبي عليه الصلاة والسلام وجد عليهما، فلما لم يكلمهما بشيءٍ خرجا، فجاءت النبي عليه الصلاة والسلام هدية من لبن، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعلما أنه لم يجد النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه شيئاً عليهما، إنما سكت؛ لأن هذا لا يرخص لهذه الأمة، وينبغي أن نمتنع عنه فهو أذى فيه ضرر على الإنسان وعلى زوجه في هذه الحالة.

وقد تقدم معنا ضمن مباحث النبوة أن الإمام الزجاج اعترض على السادة الحنفية حيث قالوا: إن النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد، والشافعية خالفوا فقالوا: إنه مجاز في الوطء حقيقة في العقد، والمالكية والحنابلة جمعوا بين الأمرين فقالوا: حقيقة فيهما، وعلى هذا تدل الأدلة، وتقدم معنا أن معناه اللغوي الضم والجمع، والشاهد الآن أن الزجاج قال: لا يعلم في لغة العرب أن النكاح يأتي بمعنى الوطء، وإنما هو بمعنى العقد.

قلت: هذا باطل، فهذا الحديث الصحيح صريح يراد فيه من النكاح الجماع والوطء قطعاً، ولو كانت المرأة حائضاً وهي غير مزوجة صح العقد عليها بالاتفاق، وهنا قال: ( اصنعوا كل شيءٍ -أي: مع الزوجة الحائض- إلا النكاح ) أي: إلا الجماع بمعنى الوطء، وقلت: غفل الزجاج عن الآية القرآنية التي في سورة البقرة: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] قلت: لا يراد من النكاح هنا العقد فقط، فلا يحلها عقد الثاني للأول إذا طلقها بعد العقد حتى يطأ، للحديث كما تقدم معنا، وهذا شاهد للسادة الحنفية.

وقول المالكية والحنابلة أظهر في أن لفظ النكاح حقيقة في العقد وفي الوطء.

إذاً: اتفق أئمتنا على أمرين عندما تحيض المرأة:

الأول أنه لا يجوز وطؤها في قبلها وهذا مجمع عليه.

الأمر الثاني: يجوز التمتع بها بما فوق السرة وما تحت الركبة بالإجماع أيضاً بأي نوعٍ من أنواع التمتع -ولا حياء في الدين- بذكر الإنسان أو بيده أو بقبلته أو بأي شيءٍ أراد مما فوق السرة وتحت الركبة جائز بجميع أنواع التمتع، وهذا مجمع عليه كما أنه مجمع على تحريم الوطء في القبل.

إذاً: ما فوق السرة وما تحت الركبة جائز التمتع به من الحائض بالاتفاق، وما نقل عن العبد الصالح عبيدة السلماني رضي الله عنه وأرضاه أنه لا يجوز التمتع بما فوق السرة من أعالي المرأة فهذا القول قال عنه الإمام النووي : هذا شاذ منكر غير معروف ولا مقبول، قاله في الروضة، وقال في المجموع (2/364): وما أظنه يصح عن عبيدة .

أنا أقول لشيخ الإسلام: تحقق أنه لا يصح عن عبيدة ، فقد ثبت عنه في مصنف ابن أبي شيبة في الجزء (4/256): أنه سئل عما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً، قال: تمتع بما فوق الإزار، فالقول عنه بأنه يمنع من التمتع بالمرأة مما فوق الإزار لم يثبت.

مباشرة الرجل زوجته الحائض فيما بين السرة والركبة

المسألة الثالثة في التمتع: هل يحل للإنسان أن يتمتع بما تحت السرة وفوق الركبة من امرأته إذا كانت حائضاً إذا اجتنب الوطء في قبلها؟

هذا محل خلاف بين أئمتنا على قولين:

ذهب الجمهور وهم السادة الحنفية والسادة المالكية والسادة الشافعية إلى تحريم مباشرتها في ما بين سرتها وركبتها، ثم شأنه بعد ذلك بما علا منها وما نزل.

قالوا: لأن هذا المكان حريم بالفرج، الفخذان ما فوق الركبتين، والبطن حريم للفرج، ومن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فهو ليصان عن المحظور لا يكشف عن البطن ولا عن الفخذين، ويتمتع بما شاء بعد ذلك من المرأة، تشد وتتزر بإزارها ويباشرها في غير هذا المكان.

وقرروا هذا بأدلة كثيرة منها ما ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة، والحديث في موطأ الإمام مالك ، ومصنف ابن أبي شيبة ، والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى، وأبو داود الطيالسي في مسنده، وابن حزم في المحلى، والحديث في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كانت إحدانا إذا حاضت وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها فاتزرت ثم باشرها وهي حائض )، ثم قالت رضي الله عنها وأرضاها: وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟! يعني: حاجته وشهوته وعضوه، فهو خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، وهو المعصوم المبارك الميمون عندما يباشر أهله تتزر من السرة إلى الركبة ثم يباشرها.

ثم أمنا عائشة تقول: هو عليه الصلاة والسلام يفعل هذا ويملك إربه، فكيف بكم أنتم، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟

وثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود، والنسائي ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن حزم في المحلى عن أمنا المباركة الطيبة القانتة سيدتنا ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه وهي حائض أمرها فاتزرت ثم باشرها وهي حائض )، وفي بعض روايات الحديث: ( أمرها فاتزرت إلى أنصاف فخذيها )، يعني: تلبس إلى منتصف الفخذين، ثم يباشرها النبي عليه الصلاة والسلام وهي حائض.

وثبت في المسند والصحيحين أيضاً، وسنن ابن ماجه والنسائي ، والحديث في مصنف ابن أبي شيبة والسنن الكبرى للبيهقي ، ورواه ابن حزم في المحلى، عن أمنا القانتة المباركة سيدتنا أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها أنها كانت مضطجعة مع حبيبنا خير خلق الله نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فجاءها الحيض، قالت: فانسللت وخرجت من الفراش، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( أنفست؟ ) يقال هذا إذا ولدت المرأة وإذا جاءها الحيض، وقيل: أَنِفست؛ إذا جاءها الحيض، ويقال: أَنُفِست؛ إذا ولدت.

( أنفست؟ ) يعني: جاءك الحيض والدم؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) أي: هذا شيء مقدر على نساء البشر، فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تتزر، قالت: فشددت على نفسي خرقة استثفرت بها -تضع خرقة عريضة من أجل أن تمنع سيلان الدم- ثم دخلت مع النبي عليه الصلاة والسلام في الفراش.

إذاً: قال الأئمة الثلاثة وهم الجمهور: من باب الحيطة والاحتياط على الإنسان أن يجتنب ما بين السرة والركبة من زوجه وهي حائض، وله ما عدا ذلك، والدليل معتبر.

والقول الثاني للإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنه: له أن يباشر الحائض في أي مكان شاء، ولو تعرت بشرط ألا يطأ فالإيلاج يتجنبه، وما عدا هذا يفعل ما يشاء، قال الحنابلة: إن المحيض اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت، والله جل وعلا يقول في كتابه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] أي: مكان الحيض، أما لو أردنا من المحيض نفس الحيض: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: في حال حيضهن لاقتضى أن نفعل ما يفعل اليهود، فإنهم يعتزلون النساء حال حيضهن، فاعتزلوهن في محيضهن، يعني: في مكان خروج الدم فقط.

قال الإمام ابن حزم في الجزء (10/ 79) والإمام ابن قدامة في المغني في الجزء (1/ 350) عند حديث أنس المتقدم، قال: هذا تفسير لمراد الله ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح )، وقال الإمام ابن حزم : هذا خبر في غاية الصحة، وهو بيان للآية.. بين النبي عليه الصلاة والسلام إثر نزولها مراد ربه منها، فاعتزلوهن يعني: اعتزلوا وطأهن في أقبالهن عند حيضهن.

الأحوط في مباشرة الحائض

ما قاله الحنابلة رضي الله عنهم وأرضاهم هو الذي رجحه شيخ الإسلام الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، قال في شرح صحيح مسلم في الجزء (3/ 205)، وفي المجموع في الجزء (2/ 363): هذا أقوى الأقوال من حيث الدليل وهو المختار، وهذا ما ذهب إليه الإمام الغزالي وهو أيضاً شافعي آخر في الإحياء في الجزء (5/ 377) مع شرح الإحياء للزبيدي ، فقال الغزالي : يستمتع من الحائض بما تحت الإزار بما يشتهي سوى الوقاع وهو الجماع.

نعم.. يستحب له أدباً.. من باب الأدب والاحتياط ألا يباشرها فيما بين السرة والركبة، أما من ناحية الجواز فهو جائز، وهذا ما اختاره الإمام محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة ففي كتاب الاختيار لتعليل المختار في الجزء (1/ 28) قال محمد : يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك، وحقيقةً هذا القول هو الذي تدل عليه الآثار الحسان، ففي بعض الآثار المتقدمة كما تقدم معنا في أثر أمنا ميمونة رضي الله عنها: إلى أنصاف الفخذين، فالمرأة إذا لبست إزاراً إلى منتصف الفخذين يمنع سيلان الدم على الأرض وعلى الفراش، فالذي يظهر لي الجواز، والأمر فيه سعة، نعم إذا أراد الإنسان أن يحتاط لنفسه فلا بأس، إنما من ناحية الجواز يجتنب الوطء كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح ) أي: إلا الوطء، وعليه فيحل ما عدا هذا، وقد وردت آثار كثيرة عن التابعين الطيبين تقرر هذا الأمر، ففي مصنف عبد الرزاق في الجزء (1/ 327) والمحلى للإمام ابن حزم في الجزء (6/ 211) عن مسروق ، والأثر رواه أيضاً الإمام ابن حزم في المحلى لكن في الجزء (10/ 79) والطحاوي في شرح معاني الآثار في الجزء (2/ 95) عن حكيم بن عقال ، وحكيم بن عقال من التابعين الأبرار، روى عن أمنا عائشة وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

وأثر حكيم بن عقال علقه البخاري في صحيحه، انظروا الفتح في الجزء (4/ 149) ولفظ الأثر، قال مسروق وحكيم بن عقال لأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: ما دون الفرج، وفي روايةٍ: ما يحرم على الرجل من امرأته إذا حاضت؟ قالت: فرجها، وما ذكرت الفخذين والبطن وما بين السرة والركبة، وفي بعض الروايات قال لها: فما يحل لي من امرأتي إذا كنت صائماً؟ قالت: كل شيء إلا الجماع، عاشر أهلك لكن لا تطأ هذا هو المحظور، وهو المحذور الذي ينبغي أن تحذره.

وفي بعض الروايات قال لها: ما يحرم علي إذا كنت صائماً؟ فقالت له: فرجها.. لا تباشر ولا تطأ، ومع عدا هذا حلال لك أن تباشر زوجتك بأي طريقةٍ كانت في حال صومك وفي حال حيضها، وهذا كله لا بد من تقييده بمن يضبط نفسه كما سيأتي الإشارة إلى ذلك.

المسألة الثالثة في التمتع: هل يحل للإنسان أن يتمتع بما تحت السرة وفوق الركبة من امرأته إذا كانت حائضاً إذا اجتنب الوطء في قبلها؟

هذا محل خلاف بين أئمتنا على قولين:

ذهب الجمهور وهم السادة الحنفية والسادة المالكية والسادة الشافعية إلى تحريم مباشرتها في ما بين سرتها وركبتها، ثم شأنه بعد ذلك بما علا منها وما نزل.

قالوا: لأن هذا المكان حريم بالفرج، الفخذان ما فوق الركبتين، والبطن حريم للفرج، ومن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فهو ليصان عن المحظور لا يكشف عن البطن ولا عن الفخذين، ويتمتع بما شاء بعد ذلك من المرأة، تشد وتتزر بإزارها ويباشرها في غير هذا المكان.

وقرروا هذا بأدلة كثيرة منها ما ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة، والحديث في موطأ الإمام مالك ، ومصنف ابن أبي شيبة ، والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى، وأبو داود الطيالسي في مسنده، وابن حزم في المحلى، والحديث في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كانت إحدانا إذا حاضت وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها فاتزرت ثم باشرها وهي حائض )، ثم قالت رضي الله عنها وأرضاها: وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟! يعني: حاجته وشهوته وعضوه، فهو خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، وهو المعصوم المبارك الميمون عندما يباشر أهله تتزر من السرة إلى الركبة ثم يباشرها.

ثم أمنا عائشة تقول: هو عليه الصلاة والسلام يفعل هذا ويملك إربه، فكيف بكم أنتم، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟

وثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود، والنسائي ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن حزم في المحلى عن أمنا المباركة الطيبة القانتة سيدتنا ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه وهي حائض أمرها فاتزرت ثم باشرها وهي حائض )، وفي بعض روايات الحديث: ( أمرها فاتزرت إلى أنصاف فخذيها )، يعني: تلبس إلى منتصف الفخذين، ثم يباشرها النبي عليه الصلاة والسلام وهي حائض.

وثبت في المسند والصحيحين أيضاً، وسنن ابن ماجه والنسائي ، والحديث في مصنف ابن أبي شيبة والسنن الكبرى للبيهقي ، ورواه ابن حزم في المحلى، عن أمنا القانتة المباركة سيدتنا أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها أنها كانت مضطجعة مع حبيبنا خير خلق الله نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فجاءها الحيض، قالت: فانسللت وخرجت من الفراش، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: ( أنفست؟ ) يقال هذا إذا ولدت المرأة وإذا جاءها الحيض، وقيل: أَنِفست؛ إذا جاءها الحيض، ويقال: أَنُفِست؛ إذا ولدت.

( أنفست؟ ) يعني: جاءك الحيض والدم؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) أي: هذا شيء مقدر على نساء البشر، فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تتزر، قالت: فشددت على نفسي خرقة استثفرت بها -تضع خرقة عريضة من أجل أن تمنع سيلان الدم- ثم دخلت مع النبي عليه الصلاة والسلام في الفراش.

إذاً: قال الأئمة الثلاثة وهم الجمهور: من باب الحيطة والاحتياط على الإنسان أن يجتنب ما بين السرة والركبة من زوجه وهي حائض، وله ما عدا ذلك، والدليل معتبر.

والقول الثاني للإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنه: له أن يباشر الحائض في أي مكان شاء، ولو تعرت بشرط ألا يطأ فالإيلاج يتجنبه، وما عدا هذا يفعل ما يشاء، قال الحنابلة: إن المحيض اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت، والله جل وعلا يقول في كتابه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] أي: مكان الحيض، أما لو أردنا من المحيض نفس الحيض: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: في حال حيضهن لاقتضى أن نفعل ما يفعل اليهود، فإنهم يعتزلون النساء حال حيضهن، فاعتزلوهن في محيضهن، يعني: في مكان خروج الدم فقط.

قال الإمام ابن حزم في الجزء (10/ 79) والإمام ابن قدامة في المغني في الجزء (1/ 350) عند حديث أنس المتقدم، قال: هذا تفسير لمراد الله ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح )، وقال الإمام ابن حزم : هذا خبر في غاية الصحة، وهو بيان للآية.. بين النبي عليه الصلاة والسلام إثر نزولها مراد ربه منها، فاعتزلوهن يعني: اعتزلوا وطأهن في أقبالهن عند حيضهن.