شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فقد بدأنا في مدارسة الباب الثالث من أبواب الطهارة من جامع الإمام أبي عيسى الترمذي عليه وعلى أئمتنا والمسلمين أجمعين رحمات رب العالمين، وقد دار هذا حول باب ما جاء في أن (مفتاح الصلاة الطهور)، ثم ساق الإمام الترمذي عليه رحمة الله في هذا الباب حديثين:

الحديث الأول رواه عن أربعةٍ من شيوخه: عن قتيبة بن سعيد ، وهناد بن السري ، ومحمود بن غيلان ، ومحمد بن بشار رضي الله عنهم أجمعين، عن علي رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، قال أبو عيسى : هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسن.

ثم روى حديثاً آخر في هذا الباب رواه عن شيخه أبي بكر محمد بن زنجويه البغدادي ، وعن غير واحدٍ من شيوخه أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء).

إخوتي الكرام! لا زلنا في المبحث الأول في دراسة إسناد الحديثين، وغالب ظني أننا انتهينا من ترجمة العبد الصالح سيد الحفاظ وإمام المسلمين في زمنه علماً وعملاً سفيان الثوري أبي عبد الله عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا، وآخر ما تكلمنا على هذه الترجمة المباركة فيما يتعلق بوصف التدليس الذي وصف به، وبينت معنى التدليس، وأقسام المدلسين الخمسة، بعض الإخوة يقول: إن بعض العلماء المعاصرين يقول: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان من المدلسين، وأنه أول المدلسين في هذه الأمة.

والجواب: أن وصف ابن عباس رضي الله عنهما بذلك لا يصح، وإن كان روى أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام بواسطةٍ وحذف تلك الواسطة، لكن ما أطلق على هذا الفعل من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وصف التدليس، التدليس كان فيمن بعدهم؛ لأن الراوي عندما يحذف شيخه الذي حدثه بالحديث، قلنا: هذا يوهم علينا الأمر، فقد يكون هذا المحذوف حوله كلام، فأما الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين سواءٌ سموا بأعيانهم أو لم يسموا لا يضر، ولذلك لو قال التابعي الثقة: حدثني من صحب النبي عليه الصلاة والسلام، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كذا، ولم يسم الصحابي فالحديث له حكم الاتصال بالاتفاق.

فما جرى وصدر من ابن عباس رضي الله عنهما سماه أئمتنا بمرسل الصحابي، وهو ما رواه الصحابي عن النبي عليه الصلاة والسلام ولم يسمعه منه، إنما أخذه بواسطة صحابيٍ آخر، هذا يقال له: مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة لها حكم الاتصال، وما خالف في ذلك إلا إمام واحد من أئمتنا الأبرار وهو الإمام أبو إسحاق الإسفراييني ، ولذلك يقول شيخ الإسلام الإمام العراقي في الألفية:

أما الذي أرسله الصحابي فحكمه الوصل على الصواب

والصواب يقابله الخطأ، فكأنه يقول: هناك إمامٌ من الأئمة قال: إن مراسيل الصحابة كمراسيل من بعدهم، نتوقف فيها حتى يتبين لنا من رووا عنهم عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا -كما قلت- خلاف الصواب.

فـابن عباس رضي الله عنهما كان عمره عندما توفي نبينا عليه الصلاة والسلام وانتقل إلى جوار ربه أربع عشرة سنة، أي ناهز الاحتلام، فأكثر الأحاديث التي رواها كانت عن الصحابة الكرام عن النبي عليه الصلاة والسلام، وكان أحياناً يصرح بالصحابي، وأحياناً يحذفه ويروي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام مباشرةً دون أن يقول: سمعت، إنما يقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام، أو أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل وما شاكل هذا، من غير تصريح بالسماع، إنما يحذف من حدثه به من الصحابة الكرام.

هذا كما قلت يقال له: مراسيل الصحابة، وحكمها أنها متصلة، فليس حالها كحال التدليس الذي وصف به بعض المحدثين ممن جاء بعد الصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين.

إخوتي الكرام! كلمة (ح) بعد سفيان تقدم معنا بيانها في الحديثين المتقدمين.

ترجمة محمد بن بشار

قول الإمام الترمذي عليه رحمة الله: وحدثنا محمد بن بشار ، هذا من شيوخه أيضاً كـقتيبة وهناد ومحمود بن غيلان ، هؤلاء هم شيوخ الإمام الترمذي الأربعة في هذا الحديث، ومحمد بن بشار ، هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري ، كنيته: أبو بكر، لقبه: بندار ، ثقةٌ من العاشرة، أخرج حديثه أهل الكتب الستة، توفي سنة اثنتين وخمسين، أي: بعد المائتين، هذا الذي جاء في التقريب، وفي الكتب التي بسطت ترجمته كما في تهذيب التهذيب والسير وغير ذلك ينقلون عن إمام الأئمة محمد بن خزيمة أنه كان إذا روى عن هذا الشيخ المبارك عن شيخه محمد بن بشار يقول: حدثنا إمام أهل زمانه بالعلم والأخبار محمد بن بشار.

ترجمة عبد الرحمن بن مهدي وذكر شيء من مناقبه

قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، وهو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري، ثقةٌ، ثبتٌ، حافظٌ، عارفٌ بالرجال والحديث، قال الإمام علي بن المديني: ما رأيت أعلم من عبد الرحمن بن مهدي -هذا كله في التقريب- من التاسعة، توفي سنة ثمانٍ وتسعين، أي بعد المائتين على حسب اصطلاح الحافظ في التقريب، وهذا خطأ؛ لأن ابن مهدي مات قبل هذا باتفاق! فلا بد من تصحيحها بأن نقول: ثمان وتسعين ومائة، وإلا أشكل علينا الأمر؛ لأن قول الحافظ من التاسعة يوهم أنه مات بعد المائتين، ولا يمكن أن يقال بأنه أراد الثامنة فتصحفت إلى التاسعة، فـالحافظ ذكر أن ما خرج عن اصطلاحه يبين الأصل فيقول: ومائة، ليزيل اللبس والإيهام، أما أن يقول: من التاسعة، توفي سنة ثمانٍ وتسعين فيوهم أنه بعد المائتين، وحقيقة الأمر أنه بعد المائة هذا حكمه كما تقدم معنا سابقاً في ترجمة وكيع والعلم عند الله.

أيضاً عبد الرحمن بن مهدي أخرج حديثه أهل الكتب الستة، ونعته الإمام الذهبي في السير وفي تذكرة الحفاظ بأنه سيد الحفاظ، وقف مرةً مع وكيع بن الجراح في المسجد الحرام بعد أداء صلاة العشاء في المسجد يتذاكران حتى أذن المؤذن للفريضة وهما يتذاكران حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وذهلا عن الوقت، وهذا حال أئمتنا الأخيار عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا، يتذاكران حديث النبي عليه الصلاة والسلام بعد صلاة العشاء دون شعورٍ بالوقت حتى طلع الفجر! وتقدمت معنا ترجمة وكيع بن الجراح، توفي سنة سبعٍ وتسعين، يعني قبل عبد الرحمن بن مهدي بسنة، عليهم جميعاً رحمة الله.

وكنت ذكرت شيئاً من مناقب عبد الرحمن بن مهدي في بدء مدارستنا لدروس الحديث وهي قصةٌ طريفةٌ عجيبةٌ غريبة، كان يقول: لولا أن تحب المعصية لتمنيت أن يغتابني كل من في البلد، وأي شيءٍ أهنأ من أن تجد حسناتٍ في صحيفتك بدون عمل! يعني يقول: لولا أن تكون معصية لتمنيت أن يغتابني كل واحد، وحقيقةً هذا حال من ينظر إلى الآخرة ولا يأبه بالدنيا، لكن يقول: ما أريد أن ارتكب معصيةً بهذا الهم، وإلا لو كان الإنسان عاقلاً لما حزن عند اغتياب الناس له.

وتقدم معنا أيضاً قصة ثانية من أخباره أنه كان يجلس بعد صلاة الجمعة للدرس، فكان إذا كثر الجمع فرح واستبشر، وإذا قلّ الجمع حزن واكتأب، فعرض هذا على صديقه وشيخه الإمام الرباني بشر بن منصور في ذلك الوقت، فقال: ما تقول؟ قال: هذا مجلس سوء فلا تعد إليه، يقول عبد الرحمن بن مهدي : فما ذكَّرت فيه بعد ذلك، ما دامت النفس تتطلع للكثرة وتحزن للقلة، فحقيقةً ينبغي على الإنسان أن يحتاط، ولا يقولن معترض بعد ذلك: ليجاهد نفسه وينصرف إلى مجلسٍ آخر، لكن لما حصلت هذه الرعونات وهذه الآفات، والإنسان على نفسه بصيرة ترك، وهكذا كانت معاملتهم في هذه الحياة لربهم جل وعلا، وحقيقةً كأنهم ينظرون إلى الآخرة بأعينهم.

وتقدم معنا عند فضل مدارسة الحديث أنه كان يقول: لأن أحفظ حديثاً أحب إليّ من أن يغفر لي ذنبٌ، وقلنا: لأنه بحفظ الحديث يحصل أجوراً ومغفرة ذنوبٍ كثيرة أكثر مما لو غفر له ذنب، يقول: لو خيرت بين أمرين: أن يغفر لي ذنب وأن أحفظ الحديث لاخترت حفظ حديثٍ على مغفرة ذنبٍ.

ومن مناقبه: أنه كان يقرأ كل ليلةٍ نصف القرآن، فكان يختم القرآن كل ليلتين رحمه الله ورضي الله عنه، وهو ممن جمع الله له خير الدنيا وخير الآخرة، وكان طلبة العلم يقولون: دار عبد الرحمن بن مهدي تذكرنا بالدنيا والآخرة، فإذا دخلناها نرى فيها نعيماً ونعماً ويتحفنا ويسعدنا، فيها خيرات ليست كحال بيوت المشايخ الفقراء، وتذكر بالآخرة؛ لأنه ليس فيها معصية، بل مجالس خشية وتذكير بالله الجليل سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يرحمه، وأن يرحم المسلمين أجمعين، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، هؤلاء هم المحدثون رحمهم الله ورضي عنهم.

عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان ، سفيان هو الثوري الذي تقدم معنا، فهناك إذاً قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان ، شيوخ الترمذي الثلاثة، رووا الحديث عن وكيع ، عن سفيان ، وهنا محمد بن بشار رواه عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، فبدل وكيع عبد الرحمن بن مهدي فقط، أما سفيان هذا فمشترك في الإسنادين -في الطريقين- يعني من طريق شيوخه الثلاثة عن وكيع، ومن طريق محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي، ثم سفيان شيخ عبد الرحمن بن مهدي، وشيخ وكيع عليهم جميعاً رحمة الله، ثم الإسناد بعد ذلك سيصبح واحداً للطريقين المتقدمين، اتفقا عند سفيان. وقد تقدمت ترجمته.

ترجمة عبد الله بن محمد بن عقيل

عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي أبي محمد المدني ، أمه زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، قال الحافظ في التقريب: صدوقٌ، وفي حديثه لين، يقال: تغير بآخره، أي: تغير حفظه في آخر عمره وحياته وبدأ يخلط ويهم ويخطئ إذا حدث، لكنه صدوق، وتقدم معنا اصطلاح الحافظ إذا أطلق هذا اللقب على رجلٍ فيقصد أن حديثه في درجة الحسن، وإذا وجد له شواهد ومتابعات فيرتقي إلى الصحة، وهو من الرابعة، مات بعد الأربعين، أي: ومائة، ثم رمز إلى أن حديثه في كتاب الأدب المفرد : بخ، باءٌ وخاء، أي: أخرج له البخاري لكن في الأدب المفرد لا في الصحيح، وأخرج له أهل السنن الثلاثة: أبو داود وابن ماجه القزويني والترمذي عن عبد الله بن محمد بن عقيل .

ترجمة محمد بن الحنفية

عن محمد بن الحنفية ، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وإنما نسب إلى أمه محمد بن الحنفية وهي من سبي بني حنيفة للتمييز بينه وبين أولاد فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، أي: بينه وبين الحسن والحسين ، فهذا من سبي بني حنيفة، وذكر بذلك.

ونعت فيما يبدو لي عند أئمتنا لعلةٍ أخرى، وهي الرد على الروافض الذين يقعون في الشيخين في أبي بكر وعمر ، ويطعنون في خلافتهما، ويقولون: خلافتهما باطلة، فأئمتنا كانوا ينعتون ولد علي بإضافته إلى أمه، إشارةٍ إلى أن هذا القول باطل، وأما قولكم لو ثبت لكان في ذلك منقصة ومطعن في علي رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن تصرفات الإمام غير الشرعي ليست شرعية، وقتال المرتدين في بلاد نجد من بني حنيفة وقع في عهد أبي بكر ، وسبى ذرية المرتدين، ووزعت الغنائم على المجاهدين ومنهم علي ، فأخذ امرأةً من السبي واستولدها، وولد له هذا المولود المبارك الذي سماه محمداً .

وولد محمد في العام الذي مات فيه أبو بكررضي الله عنهم أجمعين، إذاً حصل الاستيلاد في حياة أبي بكر، وولد في العام الذي مات فيه أبو بكر رضي الله عنه، وهذا كله في عهد خلافة أبي بكر ومن تصرفات أبي بكر ، فإذا كانت تصرفات هذا الخليفة غير نافذة ولا شرعية فكيف استباح علي أن يأخذ امرأةً من السبي وأن يستولدها؟! هذا برهانٌ قطعي على إقرار علي بصحة خلافة أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، والفروج يحتاط فيها غاية الاحتياط.

ونحن عندنا أمران فيما يتعلق بالمصاهرة نقطع بهما لسان كل رافضي:

الأمر الأول: محمد بن الحنفية ، فإذا جاء رافضي ليطعن في أبي بكر قل له: أخبرنا عن محمد بن الحنفية من أبوه؟ إن قال: أبوه علي رضي الله عنه وأرضاه، فقل له: من أمه؟ امرأةٌ من بني حنيفة، كيف تم اتصال علي بها؟ عن طريق توزيعها من السبي، في عهد خلافة من؟ في عهد خلافة أبي بكر ، كيف استباح علي هذا العرض في عهد هذا الخليفة الذي لا تنعقد خلافته عندكم، وخلافته باطلة؟! فتصرفاته باطلة إذاً.

والقصة الثانية: قصة زواج عمر من أم كلثوم، وهي بنت علي وبنت فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فإذا كان عمر رضي الله عنه فيه ما فيه كما تقولون من الظلم والجور والجبروت والكفر على تعبيركم، كيف رضي علي أن يزوج ابنته لهذا الصحابي الذي تصفونه بما هو منه بريء؟ وهذه أوصافكم، وأوصاف الضالين أمثالكم، وليست هذه بأوصاف الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فكأن أئمتنا كانوا يضيفون محمداً إلى أمه، لهذين الأمرين: للتفريق بينه وبين أولاد فاطمة ، والثاني: للإشارة إلى أن هذا الحدث له دلالة معينة في الرد على فرقةٍ ضالةٍ تتهم أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، ففعل علي يرد عليها، والدلالة الأولى كما قلت معتبرة.

وقد قيل لـمحمد بن الحنفية رضي الله عنهم أجمعين: ما بال والدك علي يقدمك بين يديه لما لا يقدم به الحسن والحسين ؟ يعني: يكلفك ويرسلك والحسن والحسين يصونهما عن كثيرٍ من الأفعال؟ فقال: أما علمتم أن الحسن والحسين لـعلي بمثابة الخدين والعينين، وأما أنا فبمثابة اليدين، والإنسان يدفع الأذى عن خديه وعن عينيه بيديه، الحسن والحسين لهما مكانة، فأبوهما علي وأمهما فاطمة ، وأنا والدي علي لكن أمي دون فاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فأنا إذاً أخدم أخوي الحسن والحسين ، كما أن الإنسان يخدم عينيه وخديه ووجهه بيديه، فأنا بمثابة يد تستعمل في خدمة علي وأولاده من نسل فاطمة رضي الله عنهم أجمعين.

محمد بن الحنفية هو أبو القاسم المدني ، ثقةٌ عالمٌ، من الثامنة، أخرج حديثه أهل الكتب الستة، توفي بعد الثمانين، ولم يجاوز المائة عليه رحمة الله، وهو ثقةٌ عالمٌ صالحٌ هذا الذي جاء في التقريب.

وذكر أئمتنا كما في تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء في ترجمة هذا العبد الصالح محمد بن الحنفية أنه كان يقول: من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر، فالله ما جعل للنفس ثمناً إلا الجنة، فكيف إذاً يجعل الإنسان للدنيا قدراً عنده، ونفسه اشتراها الله جل وعلا وجعل ثمنها الجنة!

وكان يقول: أهل بيتين من العرب اتخذهما الناس أنداداً: نحن وبنو عمنا بنو أمية، أي: بنو أمية جعلهم الناس أنداداً من أجل عرض الدنيا للحكم الذي حصل لهم، وهكذا آل البيت الطيبون الطاهرون اتخذهم بعض الناس أنداداً وغلوا فيهم، أولئك من أجل الدنيا، وهؤلاء من أجل الدين.

إذاً: لبس الشيطان على الناس بهذين الفريقين:

آل البيت عبدهم بعض الناس من دون الله من أجل وساوس اخترعها الشيطان لهم، وزين لهم أن حب آل البيت حسنة لا يضر معها خطيئة، فإذا ادعى حبهم فليس عليه بعد ذلك لو ترك الصلاة والصيام، أو فعل كبائر الآثام!

والبيت الثاني بنو أمية، الذين ما عبدوا من أجل الآخرة بل من أجل الدنيا، وباع كثيرٌ من الناس دينهم من أجل الدنيا التي عند بني أمية، وهناك أناسٌ -كما قلت-: ضيعوا دينهم زعماً أنهم على دين عندما غلوا في آل البيت الطيبين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين.

هذا فيما يتعلق برجال هذا الإسناد قبل الراوي من الصحابة الكرام وهو علي رضي الله عنه وأرضاه.

قول الإمام الترمذي عليه رحمة الله: وحدثنا محمد بن بشار ، هذا من شيوخه أيضاً كـقتيبة وهناد ومحمود بن غيلان ، هؤلاء هم شيوخ الإمام الترمذي الأربعة في هذا الحديث، ومحمد بن بشار ، هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري ، كنيته: أبو بكر، لقبه: بندار ، ثقةٌ من العاشرة، أخرج حديثه أهل الكتب الستة، توفي سنة اثنتين وخمسين، أي: بعد المائتين، هذا الذي جاء في التقريب، وفي الكتب التي بسطت ترجمته كما في تهذيب التهذيب والسير وغير ذلك ينقلون عن إمام الأئمة محمد بن خزيمة أنه كان إذا روى عن هذا الشيخ المبارك عن شيخه محمد بن بشار يقول: حدثنا إمام أهل زمانه بالعلم والأخبار محمد بن بشار.