خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 340-343
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
عندنا اليوم أحاديث أربعة:
الحديث الأول: حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )، رواه أبو داود بإسناد صحيح، كما يقول المؤلف.
تخريج الحديث
وإسناد الحديث كما ذكر المؤلف صحيح، رجاله رجال الصحيح، فكلهم ثقات، وقد صححه جماعة من العلماء، منهم: المؤلف، كما قال هنا: وإسناده صحيح، ومنهم النووي، فإنه صححه في المجموع، وصححه أيضاً في كتابه الخلاصة، وهو مخطوط.
وممن صححه أيضاً: عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام، وصححه أيضاً ابن عبد الهادي في كتابه المحرر في أحاديث الأحكام، وصححه أيضاً الشيخ ناصر الدين الألباني، فالحديث إسناده صحيح لا مطعن فيه.
ولكن جاء في بعض نسخ أبي داود، ذكر: ( وبركاته ) في التسليمة الأولى فحسب، وفي بعضها في التسليمتين كما ذكر المصنف هنا، ففي بعض نسخ أبي داود : (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يمينه، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله) وفي بعضها كما ذكر المصنف بذكر: (وبركاته) في التسليمتين.
شواهد الحديث
وحديث ابن مسعود هذا: أخرجه أبو داود أيضاً، والنسائي والترمذي وأبو عوانة والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد .. وغيرهم، وحديث ابن مسعود حديث صحيح، بل أصله في صحيح مسلم رحمه الله: ( أن ابن مسعود ابن مسعود
وقال الترمذي عقب رواية حديث ابن مسعود قال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي حديث ابن مسعود أيضاً وهو شاهد لحديث وائل في بعض طرقه: ذكر زيادة: (وبركاته) في التسليمة الأولى: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) عن يمينه، أما عن يساره فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله) فحسب، ولكن هذه الزيادة ضعيفة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولكنها واردة؛ ولهذا تعجب الحافظ ابن حجر رحمه الله من الإمام ابن الصلاح، حيث أنكر ورود هذه الزيادة، وقال: إنه لم يقف عليها في شيء من كتب الحديث، وهي واردة في حديث وائل بن حجر، وواردة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، لكن كلمة ابن الصلاح هذه، وجدت النووي نقلها في المجموع، وأضاف ابن الصلاح : أنه قال: إنه لم يقف عليها في شيء من كتب السنة، إلا من حديث ابن مسعود وهي ضعيفة، ثم استطرد في ذكر تخريجها، فلا أدري ما هي الكلمة التي نقلها ابن حجر رحمه الله عن ابن الصلاح .
فعلى أي حال هذه الرواية واردة في كتب السنة، وإن كانت ضعيفة.
صيغ التسليم من الصلاة
الصيغة الأولى: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) عن اليمين واليسار
الصيغة الثانية: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) عن اليمين وبدون زيادة: (وبركاته) عن اليسار
إذاً: الصيغة الثانية في اليمين يقول: (وبركاته) أما في الشمال (ورحمة الله) فحسب، لا يزيد عليها.
الصيغة الثالثة: (السلام عليكم ورحمة الله) عن اليمين واليسار
الصيغة الرابعة: الاقتصار على تسليمة واحدة فقط
وهذا الحديث هو حديث ابن عمر : رواه أحمد وغيره وسنده صحيح، وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها في المسند أيضاً بنحو حديث ابن عمر وسنده أيضاً صحيح، بل أصله في صحيح مسلم، ولكن بدل قوله: (تسليمة) قال في مسلم : ( تسليماً يسمعنا ) وإلا فأصل الحديث في مسلم من طريق عائشة رضي الله عنها.
وقد جاء عن عائشة أيضاً حديث آخر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئًا )، يعني: شيئًا قليلاً.
فهذا الحديث من طريق عائشة رضي الله عنها رواه الترمذي في سننه، والحاكم، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً ابن الملقن في الخلاصة، وضعفه جماعة من أهل العلم وأعلوه، من أشهرهم: ابن عبد البر فقد ضعف الحديث، وأطال الحديث عليه، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وكذلك ضعفه النووي كما سوف يأتي، بل قال: إنه لا يثبت في التسليمة الواحدة حديث، وكذلك ضعفه البغوي والترمذي .. وغيرهم.
هذا حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، ينصرف إلى الشق الأيمن شيئًا، أو يميل إلى الشق الأيمن شيئًا ).
وثمة للحديث شاهد آخر عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة )، وقد أخرجه البيهقي، والضياء المقدسي في أحاديثه المختارة التي اشترط فيها: ألا يخرج إلا الصحيح، فهو صحيح على شرط الضياء المقدسي في أحاديثه المختارة، ورواه البيهقي أيضاً، وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية قال: رجاله ثقات، يعني: حديث أنس رضي الله عنه.
أحاديث التسليمة الواحدة
منهم النووي قال: ليس في الاقتصار على تسليمة واحدة حديث صحيح، أو شيء يثبت، هذا كلام النووي كما في كتاب المجموع، ونحوه أيضًا قال في كتاب الخلاصة.
وقريب من ذلك ذكر ابن عبد البر : فإنه ضعف أحاديث التسليمة الواحدة.
ولكن بتأمل ما سبق من الأحاديث وغيرها أيضاً مما لم أذكره، وقد أطال بذكره صاحب نصب الراية الزيلعي، فاستطرد في آخر الجزء الأول في ذكر أحاديث التسليمة الواحدة، يتبين أن أحاديث التسليمة الواحدة قد وردت عن جماعة من الصحابة، نذكر منهم من سبق الآن، من ذكرت حديثهم وهم: ابن عمر ، عائشة ، أنس بن مالك.
هؤلاء ذكرنا أحاديثهم: ابن عمر، عائشة .. عائشة كم لها من حديث؟ حديثان، لها حديث بمعنى حديث ابن عمر في الفصل بين الشفع والوتر بتسليمة، ولها حديث آخر: ( كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئًا )، فلـعائشة حديثان.
الرابع: هو حديث أنس رضي الله عنه، وقد جاء أيضاً معنى هذه الأحاديث عن سهل بن سعد الساعدي، وسلمة بن الأكوع، وسمرة بن جندب .. وغيرهم، ومجموع هذه الأحاديث يدل على أن للتسليمة الواحدة أصلاً يعتمد عليه، وإن كان غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم التسليمتان.
إذاً: جاءت التسليمة الواحدة عن عائشة وأنس وابن عمر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع، وأيضاً سمرة بن جندب، ومجموع هذه الأحاديث الستة، بل هي سبعة إذا اعتبرنا لـعائشة حديثين، وهذا يدل على أن التسليمة الواحدة ثابتة من حيث الأصل، وإن كان غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقتصر على تسليمة واحدة، بل يسلم تسليمتين: الأولى عن يمينه، والأخرى عن شماله.
حكم التسليم من الصلاة وأقوال العلماء فيه
وقد رأيت مزج أقوال العلماء وآرائهم اختصارًا وتوضيحًا أيضًا في ثلاثة أقوال؛ بحيث نستطيع ندمج مسألتين في مسألة واحدة، ونقتصر على أهم الأقوال في ذلك، بما لا يخل بالناحية العلمية المنهجية في ذلك.
فأقول: مسألة التسليم من الصلاة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: استحباب التسليم
واستدل لهذا المذهب الذي لا يرى السلام واجباً في الصلاة أصلاً، استدل له بأدلة منها: (حديث المسيء صلاته) وقد سبق الجواب عليه.
الدليل الثاني: أنهم قالوا: إن إحدى التسليمتين ليست واجبة، وهي التسليمة الثانية عند جماهير أهل العلم، بل بإجماعهم كما نقل بعضهم، وسوف يأتي الكلام عنها، قالوا: فواجب أن تكون التسليمة الأولى أيضاً ليست واجبة كالتسليمة الثانية، فما دامت الثانية ليست بواجبة، فالأولى أيضاً مثلها ليست بواجبة، فقاسوا الأولى على الثانية، وهذا أولاً ليس بواجب، فقد تكون الأولى واجبة؛ لأنه يتم بها الانصراف من الصلاة، والثانية ليست بواجبة، ثم إن القول بأن التسليمة الثانية ليست بواجبة ليس ثابتاً بدليل شرعي قاطع، بحيث يمكن أن يقاس عليه، بل هو موضع خلاف كما سوف يأتي، المهم أنهم استدلوا ثانياً بأن التسليمة الأولى ليست واجبة، فكذلك الثانية.
الدليل الثالث: حديث عبد الله بن عمرو وقد سبق معنا: ( .. ثم أحدث قبل أن يسلم -وفي رواية: قبل أن يتشهد- فقد تمت صلاته )، فقالوا: هذا دليل على عدم وجوب التسليم، كما استدلوا به على عدم وجوب التشهد.
والجواب على هذا الحديث أنه ضعيف، فيه ثلاث علل: مضطرب، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وفيه انقطاع.
إذاً: فالحديث ضعيف من ثلاثة أوجه ولا يحتج به، هذا هو الدليل الثالث لهم، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
الدليل الرابع: أيضاً سبق معنا: قول ابن مسعود لما ذكر التشهد قال: ( إذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ) ولم يذكر السلام، فقالوا: هذا دليل على أن السلام ليس بواجب، وأن الصلاة تتم بدونه، وهذا أيضاً نقول: هو من كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو يحتمل وجهاً آخر، فلا دلالة فيه، وليس صريحًا في عدم وجوب السلام.
وقد يحتمل أن يكون معناه: فقد تمت صلاتك، وبقي عليك التسليم، يعني: قد تمت صلاتك فسلم، ولم يبقَ عليك شيء من الذكر يلزمك الانتظار له.
الدليل الخامس: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من التشهد أقبل علينا بوجهه -لاحظ لفظ الحديث- وقال: من أحدث حدثاً بعدما يفرغ من التشهد، فقد تمت صلاته )، وهذا الحديث لو صح كان دليلاً صريحًا على عدم وجوب السلام؛ لأنه اعتبر أن من أحدث بعدما يتشهد تمت صلاته، ولو لم يسلم، وهذا الحديث رواه أبو نعيم في الحلية وقال: غريب تفرد به أبو مسعود الزجاج، ورواه غيره مرسلاً.
والغالب من كلام أبي نعيم في الحلية : أنه إذا أطلق على حديث ما أنه غريب أن هذا الحديث ضعيف، كما هو أيضاً اصطلاح الترمذي وجماعة الأئمة المتقدمين، إذا أطلقوا على حديث أنه غريب فهو ضعيف عندهم، إلا إذا قرنوا مع الغريب وصفًا آخر، كأن يقولوا: حسن غريب، أو صحيح غريب.
فالحديث إذاً ضعيف.
والدليل السادس عندهم: أثر علي رضي الله عنه وأرضاه، وقد سبق أن ذكرته في المسألة في الدرس الماضي، فأثر علي رضي الله عنه يقول: [ إذا جلس الإمام في الرابعة ثم أحدث، فقد تمت صلاته، فليقم حيث شاء ]، فظاهر أثر علي رضي الله عنه أن السلام ليس بواجب؛ لأنه رأى أن الإمام أو المأموم إذا جلس في الرابعة -يعني: في التشهد- ثم أحدث، فقد تمت صلاته، وهذا الأثر عن علي رواه ابن أبي شيبة والبيهقي والشافعي والطحاوي والدارقطني والبيهقي .. وغيرهم، وفيه: عاصم بن ضمرة ضعيف، وتابعه في بعض الطرق الحارث الأعور وهو أشد ضعفًا، فالحديث بذلك ضعيف، وقد أسند البيهقي -كما أسلفت- عن الإمام أحمد أنه قال: هذا حديث لا يصح، وربما تعزز مذاهبهم وأقوالهم بما أسلفته عن جماعة من السلف، أنهم سلموا تسليمة واحدة، كما نقل ابن أبي شيبة هذا عن الحسن البصري وابن المسيب والنخعي وعطاء .
فهذه أهم الأدلة التي استدلوا بها على أن التسليم ليس بلازم، وبعرضها تبين أنه ليس شيء من هذه الأدلة يثبت للاستدلال، فهي ما بين ضعيف، ولو كان صريحًا فهو ضعيف، وما بين صحيح، لكنهم لا يستدل لهم به، كحديث المسيء صلاته .. وغير ذلك.
القول الثاني: وجوب التسليمة الأولى واستحباب الثانية
قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة صحيحة، وهذا من ابن المنذر دليل على أنه يرى نقل الإجماع من العلماء على أنهم يرون من اقتصر على تسليمة واحدة في صلاته أن صلاته صحيحة، ولو كانت التسليمة الثانية واجبة لكان تاركها عمدًا لا تصح صلاته، والله تعالى أعلم، فهذا منهم مصير إلى أن التسليمة الثانية سنة وليست بواجبة، وهو على أي حال وإن لم يكن إجماعًا كما سوف يتبين بعد قليل، إلا أنه مذهب الجماهير من العلماء، فهو المشهور في المذاهب الأربعة.. وغيرها.
ومن أدلة من اقتصروا على تسليمة واحدة:
أولاً: حديث عائشة كما سبق، أو حديثا عائشة رضي الله عنها وسبقا، أما أحدهما: فبنحو حديث ابن عمر : ( أنه يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها ).
وأما الحديث الثاني فهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئًا )، هذان دليلان.
الدليل الثالث: حديث أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة ).
الرابع: حديث عبد الله بن عمر .
الخامس: حديث سلمة بن الأكوع .
السادس: حديث سهل بن سعد .
السابع: سمرة بن جندب .
الثامن: سلمة بن الأكوع، هذه ثمانية أدلة فيها الاقتصار على تسليمة واحدة.
ومن أدلتهم: حديث: ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) وكذلك حديث عائشة : ( كان يختم الصلاة بالتسليم ) قالوا: هذا مطلق، يحصل ويتم بقوله: (السلام عليكم ورحمة الله) ولو مرة واحدة. هذه تسعة أدلة.
وأيضًا من أدلتهم: صلاة الجنازة، كم تسلم مرة في صلاة الجنازة؟ مرة واحدة، وقد أجمع على هذا أهل العلم، حتى الذين خالفوا في غير الجنازة، وافقوا في الجنازة على الأقل، يعني: على جواز الاقتصار على تسليمة واحدة في صلاة الجنازة، فهو إجماع، كما نقله ابن قدامة في المغني وغيره، وكذلك في سجود التلاوة، فإنهم أجمعوا على جواز الاقتصار على تسليمة واحدة في سجود التلاوة، هذا على قول من قالوا بالتسليم فيها، كما نقله أيضاً ابن قدامة وغيره، فقالوا: غيرها مثلها في جواز الاقتصار على تسليمة واحدة.
الدليل الحادي عشر: قالوا لم يقم دليل على وجوب التسليمة الثانية، وأما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يدل على الوجوب، بل غالب أفعاله صلى الله عليه وسلم تحمل على السنية لا على الوجوب، خاصة وقد ورد في بعض الأحاديث الاقتصار على تسليمة واحدة.
ومن أدلتهم وهو الدليل الثاني عشر: أنهم قالوا: إن التسليمة الأولى يخرج بها الإنسان من الصلاة، بدليل أنه يشرع له أن يلتفت، وأنه يقول: السلام عليكم، وهذا خطاب لمن؟ للمخلوقين، سواء للملائكة أو للذين عن يمينه، ولو أنه كان يخاطب في صلب صلاته أحدًا لبطلت صلاته، فقالوا: إنه بتسليمة خرج من صلاته، فلا يجب عليه بعد خروجه شيء.
الدليل الأخير: ما نقله ابن قدامة عن عمار بن أبي عمار قال: كان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة، وكان الأنصار يسلمون تسليمتين، وذكر هذا غيره أيضاً، ولم يعزه لأحد، فهذا إن ثبت دل على أن المهاجرين كانوا يقتصرون على تسليمة واحدة، وهذه أهم أدلتهم.
الآن تسلسل منطقي، القول الأول يقول: لا يشترط التسليم كله أصلاً ولا يلزم.
القول الثاني يقول: لابد من تسليمة واحدة.
القول الثالث: وجوب التسليمتين في الصلاة
إذاً: هي رواية عن أحمد، ومذهب الحسن بن صالح، وقال بها بعض المالكية أنه لابد من تسليمتين.
من أدلة من قالوا باشتراط التسليمتين: حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله )، والحديث رواه مسلم في باب الأمر بالسكون في الصلاة، فقوله: (يكفي أحدكم)، دليل على أنه لا يكفيه أقل من ذلك، (أن يسلم عن يمينه وعن شماله) فهذا دليل على وجوب التسليمتين.
الدليل الثاني: حديث وائل بن حجر، وأيضاً فيه التسليم عن يمينه: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن شماله).
الدليل الثالث: حديث: ( تحليلها التسليم )، فقالوا: المقصود بالتسليم، التسليم المعهود من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( وكان يسلم عن يمين
هذا الحديث رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في السلام.
وإسناد الحديث كما ذكر المؤلف صحيح، رجاله رجال الصحيح، فكلهم ثقات، وقد صححه جماعة من العلماء، منهم: المؤلف، كما قال هنا: وإسناده صحيح، ومنهم النووي، فإنه صححه في المجموع، وصححه أيضاً في كتابه الخلاصة، وهو مخطوط.
وممن صححه أيضاً: عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام، وصححه أيضاً ابن عبد الهادي في كتابه المحرر في أحاديث الأحكام، وصححه أيضاً الشيخ ناصر الدين الألباني، فالحديث إسناده صحيح لا مطعن فيه.
ولكن جاء في بعض نسخ أبي داود، ذكر: ( وبركاته ) في التسليمة الأولى فحسب، وفي بعضها في التسليمتين كما ذكر المصنف هنا، ففي بعض نسخ أبي داود : (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يمينه، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله) وفي بعضها كما ذكر المصنف بذكر: (وبركاته) في التسليمتين.
وللحديث شاهد عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله )، ولم يذكر فيها (وبركاته) في هذه الرواية.
وحديث ابن مسعود هذا: أخرجه أبو داود أيضاً، والنسائي والترمذي وأبو عوانة والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد .. وغيرهم، وحديث ابن مسعود حديث صحيح، بل أصله في صحيح مسلم رحمه الله: ( أن ابن مسعود ابن مسعود
وقال الترمذي عقب رواية حديث ابن مسعود قال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي حديث ابن مسعود أيضاً وهو شاهد لحديث وائل في بعض طرقه: ذكر زيادة: (وبركاته) في التسليمة الأولى: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) عن يمينه، أما عن يساره فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله) فحسب، ولكن هذه الزيادة ضعيفة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولكنها واردة؛ ولهذا تعجب الحافظ ابن حجر رحمه الله من الإمام ابن الصلاح، حيث أنكر ورود هذه الزيادة، وقال: إنه لم يقف عليها في شيء من كتب الحديث، وهي واردة في حديث وائل بن حجر، وواردة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، لكن كلمة ابن الصلاح هذه، وجدت النووي نقلها في المجموع، وأضاف ابن الصلاح : أنه قال: إنه لم يقف عليها في شيء من كتب السنة، إلا من حديث ابن مسعود وهي ضعيفة، ثم استطرد في ذكر تخريجها، فلا أدري ما هي الكلمة التي نقلها ابن حجر رحمه الله عن ابن الصلاح .
فعلى أي حال هذه الرواية واردة في كتب السنة، وإن كانت ضعيفة.
والحديث يومئ إلى الصيغ التي ورد فيها التسليم، فقد ورد التسليم بصيغ عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي وقفت عليه منها تقريباً يزيد على أربع صيغ:
الصيغة الأولى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يساره. وهذه وردت بزيادة: (وبركاته) في اليمين وفي اليسار من حديث وائل بن حجر، هو الذي قرأناه الآن، حديث وائل بن حجر، الذي رواه أبو داود وإسناده صحيح ( أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )، هذه الصيغة الأولى، وهي أكمل الصيغ وأوفاها.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4761 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4393 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4212 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4094 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4045 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4019 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3972 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3916 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3898 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3877 استماع |