مقدمة في علم التوحيد - موضوع علم التوحيد [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [الأنعام:102] .

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذانا صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

معشر الإخوة الكرام! كنا نتدارس مقدمة لتوحيد ذي الجلال والإكرام، وهذه المقدمة ستدور على أمور كثيرة، كان في عزمي أن نتدارس أربعة منها في الموعظة السابقة، تعريف علم التوحيد، وموضوع علم التوحيد، وثمرة علم التوحيد، والأدلة التي تدل على منزلة علم التوحيد ومكانته.

هذه الأمور الأربعة كان في عزمي أن أُنهي الكلام عليها في الموعظة السابقة، ولكن قدر الله جل وعلا أن يطول الكلام على الأمر الأول منها، ألا وهو تعريف علم التوحيد.

وقد انتهينا -إخوتي الكرام- من مدارسة ما يتعلق بالأمر الأول، وننتقل في هذه الموعظة المباركة إلى ما يتعلق بالأمر الثاني، ألا وهو موضوع علم التوحيد، الذي هو أجلُّ العلوم وأشرفها، وسنتدارس هنا بإذن ربنا المجيد: ما هي موضوعاته، وما هي مباحثه، وفي أي شيء يتكلم ويتحدث؟

إخوتي الكرام! إن موضوع علم التوحيد يدور على ثلاثة أمور، فانتبهوا لها واضبطوها:

أولها: ذات الله جل وعلا، وهذه الذات المباركة يبحث فيها علم التوحيد أيضاً ضمن ثلاثة أمور:

أولها: من حيث ما يتصف به ربنا، ومن حيث ما يتنزه عنه ربنا جل وعلا، ومن حيث ما يجب له على عباده.

الموضوع الأول من موضوعات علم التوحيد: ذات الله جل وعلا، هذه الذات لا نبحث في ماهيتها، ولا في كنهها، ولا في حقيقتها، ولا في ترتيبها، ولا في لونها، ولا فيما يتعلق بذلك، فالله أحد لا شريك له ولا شبيه ولا مثيل، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.

ومما يُؤثر عن أئمتنا الكرام قولهم:

العجز عن دَرَك الإدراكِ إدراكُ والبحث في كنه ذات الإله إشراك

العجز عن دَرَك الإدراكِ إدراكُ، أي: العجز عن الوصول إلى حقيقة الرب ومعرفة ماهيته وصول، فالمقصود منك أن تَعجِز وأن تقول: لا تحيط عقولنا بربنا، ولا تدرك عقولنا حقيقة ذات ربنا جل وعلا.

والبحث في كنه ذات الإله إشراك: في كنه، أي: في حقيقة وماهية من أي شيء هو؟ هو أحد، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وإذا خطر ببالك كيفية من الكيفيات لرب الأرض والسموات فالله بخلاف ذلك، هذه الكيفية التي تحصل وتخطر في ذهنك هي كيفية مخلوقة، فالله لا مثيل له ولا شبيه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] .

فعلم التوحيد يبحث في ذات الله من ثلاث جهات، ماذا يتصف به ربنا؟ يتصف ربنا بصفات كثيرة، ويتسمى جل وعلا بأسماء مباركة، هذه الصفات وتلك الأسماء ينبغي أن نعلمها، وأن نطلع عليها، فعلم التوحيد يبحث فيها، ما يتصف به ربنا من صفات: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24].

هذه صفات ربنا، إذاً البحث في ذات الله يكون ضمن ثلاثة أمور:

أولاً: ما تتصف به هذه الذات.

والثاني: ما تتنزه عنه، فالله جل وعلا لا يظلم أحداً: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] ، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] حي لا يموت سبحانه وتعالى، هذه نقائص يتنزه عنها ربنا، وسيأتينا هذا مفصلاً في مبحث الأسماء والصفات من توحيد رب الأرض والسموات، إنما نحن نتحدث الآن عن موضوع علم التوحيد وفي أي شيء يبحث؟

في ثلاثة أمور:

أولها: ذات الله من حيث ما يتصف به، ومن حيث ما يتنزه عنه، وثالث الأمور: من حيث حقه على عباده جل وعلا، فيجب على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، فهذا حقه على عباده وما أرسل رسولاً إلا لهذه الغاية، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، ولذلك كان كل نبي يقول لقومه يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] .

وهذه هي الغاية التي من أجلها خُلقنا وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .

إذاً: هذا هو الأمر الأول من موضوعات علم التوحيد، ذات الله من حيث ما يتصف به ويتنزه عنه، ومن حيث حقه على عباده.

الأمر الثاني: من موضعات علم التوحيد، ذوات الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام.

والبحث فيهم يكون ضمن أربعة أمور:

ما يلزم الرسل وما يجب عليهم

الأمر الأول: من حيث ما يلزمهم ويجب عليهم؛ فيلزمهم ويجب عليهم الصدق، الأمانة، تبليغ دعوة الله جل وعلا على أتم وجه، كما سيأتينا هذا مفصلاً عند مبحث النبوة إن شاء الله.

ما يجوز في حق الرسل

الأمر الثاني: من حيث ما يجوز في حقهم؛ فيجوز في حقهم ما يجوز في حق البشر من الأعراض البشرية، فيأكلون ويشربون وينامون وينكحون النساء في الحل، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] ، يجوز في حقهم ما يجوز على البشر من الأعراض البشرية قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110]، أي: لكن فضلني الله بأمر لم يحصل لكم يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110]، وإلا فمن حيث الأعراض البشرية يستوي النبي مع أمته، وهذه هي الحكمة من إرسال الرسول من البشر؛ ليكون قدوة لهم وأسوة لهم فيما يفعلون ويتركون؛ لأن ما أمروا بفعله فعله بشر مثلهم وهو نبيهم، وما أمروا بتركه تركه بشر مثلهم وهو نبيهم.

إذاً: في وسع البشر أن يقوموا بهذه التعاليم أمراً ونهياً: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] .

ما يستحيل في حق الرسل

الأمر الثالث الذي يبحث فيه علم التوحيد عند بحثه في ذوات الرسل: ما يستحيل في حقهم، فيستحيل في حقهم ضد ما يجب ويلزمهم، يستحيل الكذب وما يمكن لنبي أن يكون كذاباً.

ولذلك قال هرقل -كما في صحيح البخاري - أبا سفيان ، وكان أبو سفيان إذ ذاك مشركاً بعد صلح الحديبية، وهي المدة التي مادَّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المشركين، أي: اتفقوا على ترك الحرب، ففي العام السابع خرجت القوافل من مكة للتجارة؛ لأن الطريق أصبح آمناً، يمرون على المدينة المنورة ولا يخافون، فوُضعت الحرب بينهم وبين المشركين، فلما وصلوا لبلاد الشام، والحديث طويل، وهو في أول صحيح البخاري في كتاب الوحي، ويأتينا إن شاء الله عند مبحث النبوة لنرى كيف يُستدل بأمور كثيرة على صدق النبي، منها النظر إليه عليه صلوات الله وسلامه في حاله في نفسه قبل بعثته وبعد بعثته، فانظر لهذا الاستدلال:

قال هرقل وكان ملك الروم إذا ذاك لـأبي سفيان الذي هو مشرك: ( هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، ما كنا نتهمه بذلك )، وبأي شيء كان يُنعت نبينا عليه الصلاة والسلام، ويلقب بين قومه في الجاهلية قبل أن يكرمه الله بالبعثة والنبوة؟ بالصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه، فقال هرقل : ( فهل يغدر؟ ) ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين، النبي لا يغدر، هل يغدر؟ فهل قال أبو سفيان : لا، ما غدر معنا مرة من المرات، ونحن عاش معنا في مكة ثلاث عشرة سنة، والآن في المدينة مضت سبع سنين، أي صارت عشرين سنة وما غدر؟ هذا بعد بعثته، وقبل بعثته لا يُعرف عنه غدر ولا خيانة -انتبه لكلام العدو المبغض أبي سفيان - قال: ( ونحن منه في مدة )، يعني: في صلح لا ندري ما هو فاعل فيها، كأن أبا سفيان يقول: أيها الملك يا هرقل ، ما غدر فيما سبق، لكن لا أبرئه من الغدر فيما يأتي، لعله يغدر في هذه الأيام، هذا هو ما قدر عليه أبو سفيان من الطعن في نبينا عليه الصلاة والسلام.

يقول أبو سفيان : ( ولم يمكنِّي أن أزيد كلمة غير هذه، يقول: فما التفت إليها هرقل )، يعني: يعلم أنني كذاب فيها، لكن لا يستطيع أحد أن يكذبني، فالمستقبل لا يعلمه إلا الله عز وجل، هل سيغدر في المستقبل أم لا؟ لا ندري ما قال: سيغدر، يقول: ونحن منه في مدة -أي في صلح- لا ندري ما هو فاعل فيها، أي: هل سيغدر أم لا؟ يقول: وما أمكنني أن أزيد على هذا طعناً في النبي عليه الصلاة والسلام، قال: فما التفت إليها، يعني: أن هذه الجملة ما التفت إليها هرقل ، وعلم أنها كلمة عدو، وهرقل بلغ من دقة نظره وصواب رأيه أنه عندما أراد أن يسأل أبا سفيان عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال: أنا، فقال: قربوه، فصار وجهه لوجه هرقل ، قال: واجعلوا أصحابه وراء ظهره، بحيث لا يراهم، ثم قال هرقل : إني سائل هذا -يعني أبا سفيان - عن الرجل الذي يزعم أنه نبي فيكم، فإن كَذَبني فكذبوه، وأبو سفيان لا يستطيع أن يكذب خشية أن يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، فيقول بعض الحاضرين بأصبعه: لا أيها الملك، الآن أبو سفيان يكذب!

يقول أبو سفيان : والله لولا الحياء أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عليه، أي: كنت سأفتري وأقول إنه كذاب وخائن وغدار ومكار، لكن أخشى إذا كذبت كذبة أن يقول من ورائي: أيها الملك هذا يفتري، فيعاقبني الملك من أجل هذا وتسقط منزلتي من عينه وعند قومي، لكن ما أمكنه أن يزيد على قوله: (ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها)! يستحيل في حق الرسل الكذب.. الخيانة.. الغدر...؛ لماذا؟

لأنهم أسوة وقدوة لأممهم، والله يقول لكليمه ونبيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41]، يربون تربية خاصة منذ صغرهم ونعومة أظفارهم، بل وهم في أحشاء أمهاتهم وأصلاب آبائهم، لئلا يكون عليهم مطعن ولا مغمز بوجه من الوجوه: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41]، وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، فمثل هذا لا يكذب ولا يغدر.

ولذلك في صلح الحديبية عندما اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين -كما ذكرت- هذا سابقاً أن من جاء من المشركين يُرد إلى المشركين، ومن كفر من المؤمنين وجاء إلى المشركين لا يردونه إلى المؤمنين، في هذه الموقعة وقد اتفق النبي عليه الصلاة والسلام مع الصحابة جاء أبو جندل مهاجراً من مكة إلى النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية، فقال والده سهيل بن عمرو الذي كان نائباً عن المشركين: اتفقنا معك يا محمد وهذا ينبغي أن يعاد وأن نأخذه، فقال أبو جندل : أرد إلى المشركين ليفتنوني عن ديني؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول له: ( اتفقنا مع القوم، وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً ).

حق الرسل على أممهم

والأمر الرابع الذي نبحثه في ذوات الرسل: بيان حقوقهم على أممهم، أي: ما يجب لهم من حقوق على أممهم وأتباعهم ورعيتهم، فيجب عليهم أن يحبوهم، وأن يقدموا الأنبياء على أنفسهم، فالنبي يُقدم على النفس فما دونها، كما قال الله جل وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6] أي في المحبة والنصرة، يُحب أكثر مما نحب أنفسنا، وننصره أكثر مما ننصر أنفسنا.

ولذلك إذا اقتضى الأمر حياتنا أو حياة النبي عليه الصلاة والسلام، فحياته تسلم وحياتنا تفنى فداء له عليه صلوات الله وسلامه: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6].

وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين)؛ عليه صلوات الله وسلامه.

فهو المطاع وأمره العالي على أمر الورى وأوامر السلطان

وهو المقدم في محبتنا على الـ أهلين والأزواج والولدان

وعلى العباد جميعهم حتى على الـ النفس التي قد ضمها الجنبان

هذا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، كل شيء فداء له عليه صلوات الله وسلامه.

ولذلك يقول أئمتنا الكرام: يجب على الإنسان توحيدان، الأول: توحيد المعبود، والثاني توحيد المتبوع.

أما المعبود فهو الله، وتقدم معنا حقه على عباده، وهو أن يعبدوه وألا يشركوا به شيئاً؛ ولأجل هذا خلقهم.

وحق المتبوع وهو الرسول الإمام، ولا إمام لنا إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونسأل الله أن يدعونا باسمه يوم القيامة: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] فيقال: يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، يا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، كما يقال: يا أتباع لينين عليكم وعليه غضب رب العالمين يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] فتوحيد المعبود لابد منه، وتوحيد المتبوع لابد منه، وكما قلت فتوحيد المعبود بعبادته وحده لا شريك له، وتوحيد المتبوع بإفراده بالمتابعة فلا يزاحمه في ذلك أحد، فكل ما عارض شرعه وهديه فهو تحت الرجلين.

ولذلك لابد من توحيدين، لابد من هجرتين: هجرة إلى الله وحده لا شريك له بالعبادة، وهجرة إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فلا نبي معه ولا بعده بالمتابعة والطاعة، وكل شرع يعارض شرعه فهو ضلال: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32].

إذاً: نبحث في ذوات الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام: فيما يلزمهم ويجب عليهم، وفيما يجوز في حقهم، وفيما يستحيل عليهم، فيما لهم من حقوق وواجبات على أممهم وأتباعهم، وهذا سيأتي مفصلاً في مبحث النبوة، نحن -كما قلت- نستعرض صورة إجمالية موجزة لموضوعات علم التوحيد باختصار.

لو قيل لنا: أنتم تدرسون توحيد العزيز القهار ففي أي شيء يبحث؟

نقول: يبحث في ثلاثة أمور: أولها ذات الله، يقول: في أي شيء في ذات الله؟ نقول: فيما يتصف به ويتنزه عنه، وفي بيان حقه على عباده.

وفي ذوات الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام في أي شيء؟ أفي تركيبهم ورؤوسهم وعدد أعضائهم؟ قل: لا دخل لنا في هذا، هم بشر في ذلك، بل يبحث فيما يلزمهم ويجب عليهم، وفيما يجوز في حقهم ويستحيل عليهم، وفي بيان حقوقهم على أممهم.

الأمر الأول: من حيث ما يلزمهم ويجب عليهم؛ فيلزمهم ويجب عليهم الصدق، الأمانة، تبليغ دعوة الله جل وعلا على أتم وجه، كما سيأتينا هذا مفصلاً عند مبحث النبوة إن شاء الله.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مقدمة في علم التوحيد - من لم تجتمع فيه شروط التكليف بالتوحيد [5] 3754 استماع
مقدمة في علم التوحيد - من لم تجتمع فيه شروط التكليف بالتوحيد [1] 3457 استماع
مقدمة في علم التوحيد - من لم تجتمع فيه شروط التكليف بالتوحيد [3] 3410 استماع
مقدمة في علم التوحيد - شروط التكليف بالتوحيد [2] 3270 استماع
مقدمة في علم التوحيد - تعريف علم التوحيد [2] 3222 استماع
مقدمة في علم التوحيد - موضوع علم التوحيد [2] 3126 استماع
مقدمة في علم التوحيد - منزلة علم التوحيد [2] 3025 استماع
مقدمة في علم التوحيد - ثمرة علم التوحيد [1] 2683 استماع
مقدمة في علم التوحيد - الأقوال المرجوحة في مصير غير أولاد المسلمين [2] 2679 استماع
مقدمة في علم التوحيد - شروط التكليف بالتوحيد [1] 2667 استماع