شرح كتاب التوحيد [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب التوحيد:

وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ].

هذا الكتاب الذي بين أيدينا كتاب التوحيد كتاب مبارك, مؤلفه معروف, وهو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن مشرف التميمي, المولود سنة: 1115 للهجرة في بلد العيينة, والمتوفي عام 1206 للهجرة في الدرعية. والشيخ رحمه الله تعالى غني عن التعريف, نشأ في بيت علم, فأبوه كان قاضياً, وجده كان مفتياً, وله مؤلفات كثيرة, ومؤلفاته طرح الله عز وجل فيها البركة, فمن عهده إلى يومنا هذا والناس يعكفون عليها ويحفظونها ويتدارسونها ويدرسونها لتلامذتهم.

ومن هذه المؤلفات المهمة: هذا الكتاب الذي بين أيدينا, وهو كتاب التوحيد, فهو كتاب مهم جداً, وهو من أجمع الكتب فيما يتعلق بتوحيد الألوهية, فمؤلفه رحمه الله تعالى عني بتوحيد العبادة؛ لأن توحيد العبادة هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل, وأنزلت به الكتب, ووقع فيه الصدام بين أهل الحق وأهل الباطل, فإن توحيد الربوبية يقر به المشركون: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:26]. لكن توحيد الألوهية هو الذي خالف فيه المشركون, وأشركوا مع الله عز وجل غيره؛ ولهذا جاء القرآن به كثيراً, وجاء في تقريره والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته.. إلى آخره.

فالمؤلف رحمه الله تعالى كتابه هذا يدور على توحيد العبادة, وتوحيد العبادة -توحيد الألوهية- هو أهم أقسام التوحيد. وكما ذكرنا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل، وأنزلت فيه الكتب، ودعا إليه الرسل في دعواتهم.

ومعرفة توحيد العبادة مهم جداً, وسيأتينا أن المؤلف رحمه الله تعالى سيذكر من الأبواب ما يتعلق بالخوف من الشرك.

على كل حال هذا الكتاب يدور على التوحيد وما يناقض أصل التوحيد أو كماله، وسنجمل إن شاء الله ما يتعلق بالنصوص التي يوردها المؤلف رحمه الله, وسنعني إن شاء الله بذكر التقسيمات؛ لأنه سيعقد باباً لكل عبادة من العبادات, فالخوف والنذر والمحبة والتوكل ... إلى آخره هذه كلها عقد لها المؤلف رحمه الله تعالى أبواباً, وسنذكر أقسام كل باب من هذه الأبواب, وما يكون منها شركاً وما لا يكون شركاً؛ لكي يكون أدعى إلى الفهم.

والمؤلف رحمه الله تعالى ابتدأ كتابه بالبسملة؛ اقتداء بكتاب الله عز وجل، واقتداء بسنة نبينه محمد صلى الله عليه وسلم, وتقدم لنا بالأمس شرح البسملة فلا حاجة إلى الإعادة مرة أخرى.

وقال المؤلف رحمه الله تعالى: [ كتاب التوحيد ]. لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى مقدمة لكتابه هذا, وأجاب العلماء رحمهم الله على ذلك بجوابين, الجواب الأول: ما ذكره الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله أنه ذكر مقدمة, فقال بأن الشيخ كتب بخط يده: الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد.

وقيل بأن ترجمة المؤلف تغني عن المقدمة, فهو ترجم بكتاب التوحيد؛ مما يدل على ما سيكتب عنه, وأنه سيكتب عن التوحيد.

قال رحمه الله: [كتاب]. كما تقدم لنا أن الكتاب: مصدر كتب, وهو بمعنى الجمع؛ لأن الكتاب يجمع الحروف والكلمات.

والتوحيد: مصدر (وحده), أي: جعله واحداً، وهو في اللغة يطلق على معان, منها: الانفراد.

وأما في الاصطلاح فهو: إفراد الله عز وجل بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.

والمؤلف رحمه الله تعالى سيدور مؤلفه على القسم الأول من أقسام التوحيد, وإن كان سيذكر شيئاً عن الأسماء والصفات, لكنه سيدور مؤلفه رحمه الله تعالى في غالب أبوابه على توحيد العبادة؛ لأن هذا التوحيد هو الذي ضل فيه أكثر الخلق, وهو الذي أرسلت فيه الرسل وأنزلت فيه الكتب.

والتوحيد أو إفراد الله عز وجل -كما تقدم لنا- في تعريف التوحيد: بأنه إفراد الله عز وجل بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات. نأخذ من هذا أن التوحيد ينقسم ثلاثة أقسام.

القسم الأول: توحيد الألوهية, وهو: إفراد الله عز وجل بالعبادة، فهذا التوحيد باعتبار إضافته إلى الله عز وجل يسمى بتوحيد الألوهية, وباعتبار إضافته إلى العباد يسمى بتوحيد العبادة.

وعلى كل حال توحيد الألوهية هو: إفراد الله عز وجل بالعبادة.

والقسم الثاني: توحيد الربوبية, توحيد الربوبية هو: إفراد الله عز وجل بالملك والخلق والتدبير, وبقية معاني الربوبية ترجع إلى هذه المعاني الثلاثة.

فإفراد الله عز وجل بالخلق: بأن يعتقد المسلم بأنه لا خالق إلا الله, وإن كان المخلوق يخلق إلا أن خلق المخلوق خلق إضافي ومحصور.

فالمخلوق يخلق, كما قال الله عز وجل: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]. ويقال لهم -أي: يقال للمصورين- كما في الحديث: ( يقال للمصورين: أحيوا ما خلقتم ). فهذا دليل على أن المخلوق يخلق, لكن خلق المخلوق إضافي محصور, وأيضاً هو مقيد بالشرع, فهو وإن خلق هذه العلبة لا يخلق هذه الطاولة, وإن خلق هذه الطاولة لا يخلق هذه السيارة ... ونحو ذلك, فخلقه محصور إضافي, وأيضاً مقيد بالشرع, ليس له أن يخلق كل شيء.

إفراد الله بالملك: بأن يعتقد بأنه لا مالك إلا الله عز وجل, وأنه لا يملك الخلق إلا الله عز وجل, والمخلوق وإن كان يملك إلا أن ملكه محصور إضافي، وأيضاً هو مقيد بالشرع. فهو وإن ملك هذا الكتاب لا يملك هذه السيارة, وإن ملك هذا القلم لا يملك هذا الكتاب... ونحو ذلك, وأيضاً مقيد بالشرع, ليس له أن يملك ما نهى الشارع عن ملكه.

التدبير هو: أن يعتقد أنه لا مدبر للخلق إلا الله عز وجل, والمخلوق يدبر لكن تدبير المخلوق تدبير إضافي محصور، وأيضاً هو مقيد بالشرع.

قال رحمه الله تعالى: (وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]).

الخلق هو: إبداع الشيء من غير أصل.

والجن: هم عالم غيبي مستتر عنا, منحهم الله سبحانه وتعالى قوة ونفوذاً.

والإنس: هم بنو آدم.

إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. يعني: يتذللون لله عز وجل بالعبادة. والعبادة تفسر بتفسيرين:

التفسير الأول: باعتبار المتعبد, وهو التذلل لله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه محبة وتعظيماً.

والتفسير الثاني: باعتبار المتعبد به, فهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة, فالعبادة باعتبار المتعبد به: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

وقوله: إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] كما تقدم, يعني: إلا لكي يتذللوا لله عز وجل بالعبادة. ففي هذا بيان الحكمة من خلق الجن والإنس, وأن الحكمة من خلق الجن والإنس هي عبادة الله عز وجل.

وفي هذا دليل على وجوب توحيد الألوهية، وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة- وأن الله سبحانه وتعالى ما خلق الخلق من جن أو إنس إلا لعبادته سبحانه وتعالى.