شرح زاد المستقنع - كتاب الجنائز [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [فصل: غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية، وأولى الناس بغسله: وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم ذوو أرحامه. وأنثى: وصيتها ثم القربى فالقربى من نسائها، ولكل من الزوجين غسل صاحبه، وكذا سيد مع سريته. ولرجل وامرأة غسل من له سبع سنين فقط، وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه يمم كخنثى مشكل، ويحرم أن يغسل مسلم كافراً أو يدفنه بل يوارى لعدم من يواريه. وإذا أخذ في غسله ستر عورته وجرده وستره عن العيون، ويكره لغير معين في غسله حضوره، ثم يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفق، ويكثر صب الماء حينئذ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه، ولا يحل مس عورة من له سبع سنين، ويستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة ثم يوضيه ندباً، ولا يدخل الماء في فيه، ولا في أنفه، ويدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه، وفي منخريه فينظفهما، ولا يدخلهما الماء].

لما تكلم المؤلف رحمه الله عن بعض الأحكام المتعلقة بالمريض، والسنن التي تشرع لمن حضرته الوفاة، والسنن التي تشرع بعد الوفاة، شرع المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بتغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

حكم غسل الميت

قال المؤلف رحمه الله: (غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية) أفاد أن تغسيل الميت فرض كفاية.

وقوله: (فرض كفاية) يحتاج إلى دليلين: الدليل الأول: على أنه فرض، والدليل الثاني: على أن هذا الفرض على الكفاية وليس على سبيل التعيين.

أما الدليل على أنه فرض فما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الذي وقصته راحلته فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين)، فقال: (اغسلوه)، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

وكذلك أيضاً في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للاتي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك).

وأما الدليل على أن هذا الفرض على الكفاية؛ فلأن هذا الأمر ليس ملاحظاً فيه العامل، وإنما ملاحظ فيه العمل فالمراد تغسيل الميت، وتغسيل الميت إذا قام به طائفة من المؤمنين سقط الفرض عن الباقين.

وقوله: (وتكفينه فرض كفاية). أيضاً الكلام على التكفين كالكلام على التغسيل، فإن تكفين الميت فرض كفاية، والدليل على أنه فرض قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكفنوه في ثوبيه)، والدليل على أنه على الكفاية أن هذا الأمر لم يلاحظ فيه العامل وإنما لوحظ فيه العمل؛ أي المقصود تحقيق هذا العمل وهو تكفين الميت، فإذا قام به طائفة من المسلمين سقط الفرض عن الباقين.

وسيعقد المؤلف رحمه الله فصلاً فيما يتعلق بتكفين الميت، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالصلاة عليه، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بدفنه.

وقوله: (والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية) هذا أيضاً يقال فيه كما قلنا في التغسيل، فهو فرض للأمر، وعلى الكفاية؛ لأن هذا الأمر لم يلاحظ فيه العامل وإنما لوحظ فيه العمل.

أولى الناس بغسل الميت

قال رحمه الله: (وأولى الناس بغسله وصيه).

هذا في حال المشاحة والتنازع، فإذا تشاح الأقارب أو الناس في تغسيل هذا الميت من يغسله فإننا ننظر هل هناك وصية أو ليس هناك وصية؟

نقول: بالنسبة لتغسيل الميت الأمر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون هناك مشاحة، فهنا ننظر إلى المراتب التي ذكرها العلماء رحمهم الله .

الأمر الثاني: ألا يكون هناك مشاحة، كما هو حال كثير من الناس اليوم؛ فالناس لا يتشاحون في تغسيل الميت ولا يتخاصمون في ذلك، فنقول: الأولى أن يغسله الأمين العارف بأحكام التغسيل.

قوله: (وصيه) أي: إذا أوصى لأحد أن يغسله فإنه يصار إلى هذه الوصية، فإذا أوصى أن يغسله زيد من الناس فنقول: هو الأولى بتغسيله، والدليل على ذلك أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها، وهذا الأثر فيه ضعف أخرجه عبد الرزاق وذلك أيضاً ابن أبي شيبة في مصنفيهما، وابن سعد في الطبقات، وكذلك أيضاً البيهقي في سننه، كذلك أيضاً ورد أن أنساً أوصى أن يغسله محمد بن سيرين رحمه الله، وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات، وإسناده صحيح.

قال: (ثم أبوه ثم جده).

يعني بعد الوصي ننظر إلى الأصول فيقدم الأب؛ وإنما قدم العلماء الأب قالوا: لاختصاصه بالحلم والشفقة، فيقدم الأب ثم بعد ذلك الجد؛ لأن الجد أب كما قال الله عز وجل عن يوسف: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ [يوسف:38]، فسمى إبراهيم أباً وهو جد.

فنقول: بعد الوصي الأب، ثم بعد الأب الجد وإن علا، يعني الجد ثم بعد ذلك أب الجد .. وهكذا وإن علا بمحض الذكورة.

قال: (ثم الأقرب فالأقرب من عصباته).

يعني: كترتيب الميراث، فبعد الأصول الفروع؛ والفروع الابن ثم ابن الابن وإن نزل بمحض الذكورة، ثم بعد الفروع الإخوة الأشقاء وبنوهم، ثم بعد ذلك الأخ لأب، ثم بعد ذلك ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، وبعد الإخوة وبنيهم الأعمام وبنوهم؛ العم الشقيق، ثم بعد ذلك العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب.. وهكذا على ترتيب الميراث.

ويدل على تقديم الأقارب أن النبي صلى الله عليه وسلم تولى تغسيله أقاربه، فالذي تولى تغسيله علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، والعباس، فدل ذلك على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أنه يقدم الأقرب فالأقرب عند المشاحة بالتغسيل.

قال: (ثم ذوو أرحامه).

يعني: إذا لم نجد عصبات؛ فإنه يتولى تغسيله ذوو أرحامه؛ وذوو الأرحام مثل الجد من قبل الأم، وكذلك أيضاً مثل الخال وابن البنت، وكذلك أيضاً الأخ لأم.. إلى آخره كالميراث.

فالخلاصة في من يتولون التغسيل عند المشاحة نقول: نبدأ أولاً بالوصي، فإن لم يكن فالأقارب يقدم منهم الأصول ثم الفروع ثم الحواشي ثم ذوو الأرحام، هذه خلاصة الترتيب.

كذلك أيضاً بالنسبة للأنثى قال: (وأنثى وصيتها، ثم القربى فالقربى من نسائها).

فإذا أوصت المرأة أن تغسلها فلانة من الناس فإن الوصية تقدم أو الموصى إليها تقدم، كما تقدم الدليل على ذلك أن أنساً رضي الله تعالى عنه أوصى أن يغسله محمد بن سيرين، فإن لم يكن هناك وصية فكما سلف يقدم الأقارب، فيقدم الأصول ثم الفروع ثم الحواشي، ثم ذوو الأرحام، الأصول تقدم الأم ثم الجدة، ثم الفروع البنت وهكذا، ثم الحواشي الأخت.. وهكذا، ثم العمة.. إلى آخره.

فالخلاصة في مراتب تغسيل الأنثى: نقدم الوصية إذا أوصت، ثم بعد ذلك الأصول، ثم الفروع، ثم الحواشي.

تغسيل الرجل لزوجته أو سريته والعكس

قال رحمه الله: (ولكل من الزوجين غسل صاحبه).

لكل واحد من الزوجين أن يغسل صاحبه، فالزوج له أن يغسل زوجته، والزوجة لها أن تغسل زوجها، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك)، وهذا أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه.

وكذلك أيضاً استدلوا بأن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه غسل فاطمة. وهذا الأثر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وابن سعد في الطبقات، وهو ثابت.

وكذلك أيضاً ما تقدم أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها. هذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وخالف في ذلك أبو حنيفة رحمه الله تعالى، فـأبو حنيفة يقول: لا يجوز للزوج أن يغسل زوجته، ودليل المنع أن الفرقة حصلت بالموت، فقالوا: بأن فرقة الموت تبيح للزوج أن يتزوج أربعاً، لو أن الزوج تزوج أربعاً بعد أن ماتت زوجته له ذلك، فدل على حصول البينونة بين الزوجين، وأيضاً أن الزوج له أن يتزوج أخت زوجته لما ماتت زوجته.

وهذا نظر في مقابلة أثر، والنظر في مقابلة الأثر مردود، هذا الجواب الأول.

والجواب الثاني: أن علائق النكاح لا تزال باقية، فالعدة تجب على الزوجة، والإحداد، والتوارث بين الزوجين، فالتعليل هذا فيه نظر، والصواب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، وأن كل واحد من الزوجين له أن يغسل زوجته.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أن لكل واحد من الزوجين أن يغسل الآخر سواء كان هناك دخول أم لم يكن هناك دخول؛ يعني: حتى وإن حصل العقد ثم مات أحد الزوجين فلكل واحد منهما أن يغسل زوجته.

وكذلك أيضاً ظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أن الزوجة تغسل زوجها وإن لم يكن هناك عدة، كما لو أن الزوجة بعد أن مات الزوج ولدت مباشرة، فإذا ولدت مباشرة خرجت من عدتها، وعلى هذا تغسله ولو خرجت من عدتها.

قال: (وكذا سيد مع سريته).

السيد مع سريته يعني: أمته، إذا كان السيد له أمة مباحة فله أن يغسلها، ولها أن تغسله لما تقدم.

ضابط تغسيل الذكر للأنثى والعكس

قال رحمه الله: (ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين فقط).

يعني أن الرجل له أن يغسل الأنثى التي لها دون سبع سنوات، فالرجل له أن يغسل الأنثى التي لها سنة أو سنتان أو ثلاث أو أربع أو خمس أو ست سنوات، لكن إذا بلغت سبعاً فليس له أن يغسلها، والعكس بالعكس؛ فالمرأة لها أن تغسل الذكر الذي له سنة وسنتان وثلاث وأربع وخمس وست، لكن ليس لها أن تغسل الذكر الذي له سبع سنوات، واستدلوا على ذلك بأن من دون السابعة لا حكم لعورته، هذا دليل، ودليل آخر قالوا: إن إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام غسله النساء، فالمؤلف رحمه الله حد الأمر بالسنين. هذا الرأي الأول.

الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله والحنفية: إن الأمر لا يحد بالسن وإنما يحد بالحال، فالعبرة عندهم بالتكلم فقالوا: إذا تكلم الصبي فليس للنساء أن تغسله، وإذا تكلمت الصبية فليس للرجال أن يغسلوها، فقيدوا الأمر بالحال.

والرأي الثالث: قول للحنفية والشافعية أيضاً أن العبرة بالحال، فقالوا: ما لم يكن محلاً للشهوة، فإذا كانت البنت محلاً للشهوة فليس للرجال أن يغسلوها، وكذلك أيضاً الذكر قالوا: إن العبرة بكونه محلاً للشهوة أو لا، وهذا القول هو الأقرب، فإذا كانت البنت محلاً للشهوة فإنه ليس للرجال أن يغسلوها، ولعورتها حكم، وكذلك أيضاً العكس.

كيفية تغسيل الرجل إذا مات بين النساء أو العكس

قال رحمه الله: (وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه يممت كخنثى مشكل).

إذا مات رجل بين نسوة وليس هناك رجال فلا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون في هؤلاء النسوة زوجة له أو أمة مباحة، فإذا كان في هؤلاء النسوة زوجة أو أمة مباحة فإنها تقوم بتغسيله.

الأمر الثاني: وإذا لم يكن هناك زوجة ولا أمة مباحة فإنهن لا يغسلنه، وإنما ييممنه؛ فتأتي المرأة وتضرب على الصعيد وتمسح وجهه وكفيه ولا تقوم بتغسيله، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. وهذا الرأي الأول.

الرأي الثاني: أن النساء يغسلنه من وراء الثياب، وهذا قال به الزهري وقتادة؛ فيقمن بصب الماء عليه من وراء الثياب، وهذا القول هو الأقرب. والرأي الأول القول: بأنه ييمم، هذا مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهو المشهور عن مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أيضاً قال به الحنفية والمالكية والشافعية، فجمهور أهل العلم يقولون بذلك، والرأي الثاني: أنه يصب عليه الماء من وراء الثياب.

والأقرب أنه يصب عليه الماء من وراء الثياب كما ذهب إليه الزهري وقتادة رحمهم الله.

وأما القول: بأنه ييمم فهذا فيه نظر؛ لأن المقصود من التغسيل النظافة، والتيمم هذا ليس فيه نظافة حسية، وإنما طهارته طهارة معنوية وليست طهارةً حسية، ولهذا قال الأوزاعي رحمه الله: يدفن كما هو بلا تغسيل ولا تيمم، لكن الأحسن في ذلك ما ذهب إليه الزهري وكذلك قتادة ، وقال به الحسن البصري وإسحاق بن راهويه أنه يصب عليه الماء من فوق الثياب.

قال: (أو عكسه يممت كخنثى مشكل).

كذلك أيضاً عكسه: لو أن امرأة بين الرجال نقول: هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون هناك زوج، فإن كان هناك زوج لها فإنه يقوم بتغسيلها.

الأمر الثاني: ألا يكون هناك زوج، وإنما رجال أجانب، أو حتى من المحارم، فهل يقال: بأنها تيمم أو نقول: بأنه يصب الماء من فوق الثياب؟ نقول: الأقرب في ذلك أنه يصب عليها الماء من فوق الثياب.

وقوله: (كخنثى مشكل) الخنثى المشكل الذي بلغ ولم تتضح ذكورته أو أنوثته؛ يعني بلغ وله آلتان: آلة ذكر وآلة أنثى فهذا الخنثى، وهذا يسميه العلماء رحمهم الله مشكل، فالخنثى إذا وجد يتربص به العلماء رحمهم الله حتى يبلغ، ثم بعد ذلك يتضح هل هو ذكر أو ليس ذكراً، فإذا بلغ ولم يتضح هل هو ذكر أو أنثى فإنه يسمى بالخنثى المشكل، هذا الخنثى المشكل إذا لم تحضر له أمة تغسله وكان بين الرجال والنساء فإنه ييمم. وهذا الرأي الأول.

الرأي الثاني: أنه يصب عليه الماء من فوق الثياب.

إذاً الخنثى المشكل له أمرين:

الأمر الأول: أن تكون هناك أمة له، فإنها تقوم بتغسيله.

الأمر الثاني: إذا لم تكن له أمة وكان بين الرجال والنساء فإنه ييمم على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أنه يصب عليه الماء من فوق الثياب.

تغسيل المسلم للميت الكافر

قال رحمه الله: (ويحرم أن يغسل مسلم كافراً أو يدفنه.

نعم يحرم أن يغسل المسلم الكافر، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة:13]، ولا شك أن تغسيله هذا من توليه، فلا يجوز أن يغسل المسلم الكافر، أو أن يكفنه، أو أن يحمل جنازته، أو أن يتبع جنازته، أو أن يصلي عليه؛ لقول الله عز وجل: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فلا تجوز الصلاة عليه، أو القيام على قبره، أو تغسيله، أو تكفينه، ونحو ذلك فهذا كله لا يجوز.

هذا ما ذهب إليه أحمد ومالك.

وخالف في ذلك أبو حنيفة والشافعي فقالوا: بأن المسلم له أن يغسل الكافر، وأن يدفنه، وأن يتبعه، وهذا فيه نظر، والصواب في ذلك ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

الواجب تجاه جثة الميت الكافر

قال: (بل يوارى لعدم من يواريه).

يجب أن يوارى هذا الكافر؛ لئلا يؤذي الناس برائحته.

وقوله: (لعدم من يواريه).

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى صناديد قريش بعد غزوة بدر في القليب.

وكذلك أيضاً حديث علي رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب قال: اذهب فواره) وهذا أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وأبو داود والنسائي، وسكت عنه أبو داود.

قال المؤلف رحمه الله: (غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية) أفاد أن تغسيل الميت فرض كفاية.

وقوله: (فرض كفاية) يحتاج إلى دليلين: الدليل الأول: على أنه فرض، والدليل الثاني: على أن هذا الفرض على الكفاية وليس على سبيل التعيين.

أما الدليل على أنه فرض فما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الذي وقصته راحلته فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين)، فقال: (اغسلوه)، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

وكذلك أيضاً في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للاتي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك).

وأما الدليل على أن هذا الفرض على الكفاية؛ فلأن هذا الأمر ليس ملاحظاً فيه العامل، وإنما ملاحظ فيه العمل فالمراد تغسيل الميت، وتغسيل الميت إذا قام به طائفة من المؤمنين سقط الفرض عن الباقين.

وقوله: (وتكفينه فرض كفاية). أيضاً الكلام على التكفين كالكلام على التغسيل، فإن تكفين الميت فرض كفاية، والدليل على أنه فرض قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكفنوه في ثوبيه)، والدليل على أنه على الكفاية أن هذا الأمر لم يلاحظ فيه العامل وإنما لوحظ فيه العمل؛ أي المقصود تحقيق هذا العمل وهو تكفين الميت، فإذا قام به طائفة من المسلمين سقط الفرض عن الباقين.

وسيعقد المؤلف رحمه الله فصلاً فيما يتعلق بتكفين الميت، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالصلاة عليه، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بدفنه.

وقوله: (والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية) هذا أيضاً يقال فيه كما قلنا في التغسيل، فهو فرض للأمر، وعلى الكفاية؛ لأن هذا الأمر لم يلاحظ فيه العامل وإنما لوحظ فيه العمل.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2678 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2645 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع