شرح سنن أبي داود [508]


الحلقة مفرغة

شرح حديث أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب يقاد من القاتل.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة) ].

قوله: [ باب: يقاد من القاتل ].

هذه ترجمة لهذا الباب، وقد جاء في بعض النسخ: [ باب يقاد من القاتل بحجر أو غيره أو نحوه ].

والمقصود من ذلك هو قتل القاتل بمثل ما قتل به، وليس المقصود من ذلك إثبات القود، فالقود ثابت وإنما المقصود القود بالمماثلة.

وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به، إلا أن يكون ذلك الذي قتل به أمراً محرماً لا يجوز فعله، كإسقاء الخمر، أو فعل الفاحشة؛ فإنه لا يقاد بالطريقة المحرمة وإنما يقاد بالسيف في مثل ذلك، وأما إذا كان رضه بحجارة أو ألقاه من شاهق أو سقاه سماً، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن المماثلة فيها وليست محرمة، فإنه يقاد بهذه الطريقة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن كل قتل إنما يقاد بالسيف، ولكن الأحاديث التي وردت في هذا الباب دالة على أنه يقتل بمثل ما قتل به، وأن الطريقة التي قتل بها يقتل بها، ولا يقال: إن هذا فيه مثلة؛ لأن هذا التمثيل فيما يحصل ابتداء، أما إذا كان من باب العقوبة ومن باب المقابلة فهذا سائغ وجائز، ولكن يستثنى من ذلك ما أشرت إليه، وهو إذا كان الفعل محرماً فلا يجوز فعله ابتداء ولا انتهاء.

قوله: [ (أن جارية وجدت قد رض رأسها) ].

يعني: أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، وكان بها رمق -أي: بقية حياة- فكانوا يسألونها: من فعل بك هذا؟ فلان؟ ممن هم متهمون، وهي تومئ برأسها: أن لا، ولما عرضوا عليها اسم من باشر قتلها أشارت: أن نعم، وعند ذلك أحضروه فاعترف فرض رأسه بين حجرين.

وهذا السؤال لا يعتبر بينة، ولكنه يعتبر قرينة وحصراً للتهمة في جهة معينة، بدلاً من أن تكون موزعة ومنتشرة فإنها تحصر التهمة في جهة معينة، فلما انحصرت التهمة به سألوه فاعترف فقتل باعترافه، أما مجرد دعوى من يدعي بأن فلاناً قتله وليس هناك بينة فإنه لا يصار إلى ذلك، ولكن العمل إنما هو بالاعتراف الذي حصل من الجاني.

وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة، أما الدية فتختلف دية المرأة عن الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ أخبرنا همام ].

هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن أنس ].

أنس رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود .

شرح حديث: (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها، ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة، فأخذ، فأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أنه قتلها من أجل حلي أخذه منها، فقتلها حتى لا يعلم به، وألقاها في بئر ورمى عليها بالحجارة، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلبه وأمر بأن يرمى بالحجارة حتى يموت.

والمقصود من ذلك أنه قتل مماثلة؛ لأنه قتل بالحجارة فيقتل كذلك بالحجارة، وقد جاء أنه رض رأسه بين حجرين، فيكون معناه: أن الحجر الأعلى رمي به عدة مرات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني وقد مر ذكره.

[ عن معمر عن أيوب ].

معمر مر ذكره، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي قلابة ].

هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس مر ذكره.

[ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن أيوب نحوه ].

ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن جارية كان عليها أوضاح لها فرضخ رأسها يهودي بحجر ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن هشام بن زيد عن جده أنس رضي الله عنه: (أن جارية كان عليها أوضاح لها، فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟ فقالت: لا، برأسها، قال: من قتلك؟ فلان قتلك؟ قالت: لا، برأسها، قال: فلان قتلك؟ قالت: نعم، برأسها، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل بين حجرين) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن جارية كان عليها أوضاح لها) ].

الأوضاح هي حلي، قيل: إنه من الفضة؛ لأنه وضحه البياض.

قوله: [ (فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق) ].

يعني: دخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام وبها رمق فسألها، والظاهر أنها أخرجت من القليب وبها حياة.

[ (فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟) ]

هنا أطلق القتل على من لم يمت بالفعل، ولكنه وجدت أسبابه، كما أن الموت يذكر ويطلق على من قاربه، كما جاء في حديث: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فأطلق الموت على من لم يمت؛ لأنه على وشك الموت، وهنا أطلق القتل على من من حصلت به أسباب القتل.

فهو سألها: من قتلك؟ فلان فلان؟ حتى أشارت إلى الشخص الذي قتلها، فأتي به فرمي بحجر حتى مات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن جارية كان عليها أوضاح لها فرضخ رأسها يهودي بحجر...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[ حدثنا ابن إدريس ].

هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن زيد ].

هو هشام بن زيد بن أنس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جده أنس ]

أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب يقاد من القاتل.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرض رأسه بالحجارة) ].

قوله: [ باب: يقاد من القاتل ].

هذه ترجمة لهذا الباب، وقد جاء في بعض النسخ: [ باب يقاد من القاتل بحجر أو غيره أو نحوه ].

والمقصود من ذلك هو قتل القاتل بمثل ما قتل به، وليس المقصود من ذلك إثبات القود، فالقود ثابت وإنما المقصود القود بالمماثلة.

وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به، إلا أن يكون ذلك الذي قتل به أمراً محرماً لا يجوز فعله، كإسقاء الخمر، أو فعل الفاحشة؛ فإنه لا يقاد بالطريقة المحرمة وإنما يقاد بالسيف في مثل ذلك، وأما إذا كان رضه بحجارة أو ألقاه من شاهق أو سقاه سماً، أو غير ذلك من الأسباب التي يمكن المماثلة فيها وليست محرمة، فإنه يقاد بهذه الطريقة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن كل قتل إنما يقاد بالسيف، ولكن الأحاديث التي وردت في هذا الباب دالة على أنه يقتل بمثل ما قتل به، وأن الطريقة التي قتل بها يقتل بها، ولا يقال: إن هذا فيه مثلة؛ لأن هذا التمثيل فيما يحصل ابتداء، أما إذا كان من باب العقوبة ومن باب المقابلة فهذا سائغ وجائز، ولكن يستثنى من ذلك ما أشرت إليه، وهو إذا كان الفعل محرماً فلا يجوز فعله ابتداء ولا انتهاء.

قوله: [ (أن جارية وجدت قد رض رأسها) ].

يعني: أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، وكان بها رمق -أي: بقية حياة- فكانوا يسألونها: من فعل بك هذا؟ فلان؟ ممن هم متهمون، وهي تومئ برأسها: أن لا، ولما عرضوا عليها اسم من باشر قتلها أشارت: أن نعم، وعند ذلك أحضروه فاعترف فرض رأسه بين حجرين.

وهذا السؤال لا يعتبر بينة، ولكنه يعتبر قرينة وحصراً للتهمة في جهة معينة، بدلاً من أن تكون موزعة ومنتشرة فإنها تحصر التهمة في جهة معينة، فلما انحصرت التهمة به سألوه فاعترف فقتل باعترافه، أما مجرد دعوى من يدعي بأن فلاناً قتله وليس هناك بينة فإنه لا يصار إلى ذلك، ولكن العمل إنما هو بالاعتراف الذي حصل من الجاني.

وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة، أما الدية فتختلف دية المرأة عن الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ أخبرنا همام ].

هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن أنس ].

أنس رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه (أن يهودياً قتل جارية من الأنصار على حلي لها، ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة، فأخذ، فأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أنه قتلها من أجل حلي أخذه منها، فقتلها حتى لا يعلم به، وألقاها في بئر ورمى عليها بالحجارة، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلبه وأمر بأن يرمى بالحجارة حتى يموت.

والمقصود من ذلك أنه قتل مماثلة؛ لأنه قتل بالحجارة فيقتل كذلك بالحجارة، وقد جاء أنه رض رأسه بين حجرين، فيكون معناه: أن الحجر الأعلى رمي به عدة مرات.

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني وقد مر ذكره.

[ عن معمر عن أيوب ].

معمر مر ذكره، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي قلابة ].

هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس مر ذكره.

[ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن أيوب نحوه ].

ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن هشام بن زيد عن جده أنس رضي الله عنه: (أن جارية كان عليها أوضاح لها، فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟ فقالت: لا، برأسها، قال: من قتلك؟ فلان قتلك؟ قالت: لا، برأسها، قال: فلان قتلك؟ قالت: نعم، برأسها، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقتل بين حجرين) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن جارية كان عليها أوضاح لها) ].

الأوضاح هي حلي، قيل: إنه من الفضة؛ لأنه وضحه البياض.

قوله: [ (فرضخ رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها رمق) ].

يعني: دخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام وبها رمق فسألها، والظاهر أنها أخرجت من القليب وبها حياة.

[ (فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟) ]

هنا أطلق القتل على من لم يمت بالفعل، ولكنه وجدت أسبابه، كما أن الموت يذكر ويطلق على من قاربه، كما جاء في حديث: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فأطلق الموت على من لم يمت؛ لأنه على وشك الموت، وهنا أطلق القتل على من من حصلت به أسباب القتل.

فهو سألها: من قتلك؟ فلان فلان؟ حتى أشارت إلى الشخص الذي قتلها، فأتي به فرمي بحجر حتى مات.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[ حدثنا ابن إدريس ].

هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن زيد ].

هو هشام بن زيد بن أنس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جده أنس ]

أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره.

شرح حديث (... المؤمنون تتكافأ دماؤهم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أيقاد المسلم بالكافر؟

حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا يحيى بن سعيد أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال: (انطلقت أنا والأشتر إلى علي رضي الله عنه، فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال مسدد : قال: فأخرج كتاباً، وقال أحمد : كتاباً من قراب سيفه، فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) . قال مسدد : عن ابن أبي عروبة : (فأخرج كتاباً) ].

يقول المصنف رحمه الله: [ باب أيقاد المسلم بالكافر؟ ] أي: إذا قتل المسلم كافراً فهل يقتل المسلم أو لا يقتل؟

أورد أبو داود الحديث الذي فيه أنه لا يقتل مسلم بكافر، وقالوا: إن هذا يدل على أنه لا يقتل مطلقاً، حتى ولو كان الكافر معاهداً أو ذمياً فإنه لا يقتل المسلم به، وقالوا: إن هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أي: أنه لا توارث بين المسلمين والكفار، ولا بين الكفار والمسلمين، وهنا إذا قتل المسلم كافراً فإنه لا يقتل به، هذا هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومن أهل العلم من قال: إنه يقتل بالذمي والمعاهد.

وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قيل له: [ (أعهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا، إلا ما في هذه الصحيفة، وأخرج صحيفة من قراب سيفه، وإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) ].

قوله: [ (ولا ذو عهد في عهده) ] قيل: ليس المقصود من ذلك النهي عن أن يقتل المعاهد في حال عهده؛ لأن هذا من الأمور المعلومة أنه إذا كان عنده أمان وعهد فلا يجوز قتله، وإنما معنى ذلك: أنه لما ذكر أنه لا يقتل مؤمن بكافر قال هذه الجملة لئلا يستهين الناس بقتل المعاهدين، وأن يحافظ على دمائهم، وألا يقتلوا، ويكون المقصود من ذلك دفع من يتوهم أن أمر قتلهم سهل وهين، فجاءت هذه الجملة لتبين المنع من ذلك بهذه المناسبة: [ (لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده) ].

والذمي والمستأمن حكمه حكم المعاهد؛ لأن الذمي أُخذ منه الجزية وبقي تحت الأمان، وكذلك المستأمن الذي أذن له وأعطي الأمان فإنه يبقى آمناً.

قوله: [ (من أحدث حدثاً فعلى نفسه) ] أي: أن جنايته على نفسه وليست على غيره، فقد سبق أن مر أنه لا يقتل أحد بجريرة غيره، وأن الجاني جنايته على نفسه فلا يعاقب غيره، قال عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

قوله: [ (من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ] أي: من فعل أمراً محدثاً في الدين، أو آوى محدثاً في الدين، أو من كان عليه حق وهرب فحماه رجل دون أن يوصله إلى أخذ الحق منه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وهذا يدل على خطورة هذا العمل.

وقوله في أول الحديث: [ (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) ] أي: أن المسلم يقتل بالمسلم، وأن دماءهم متكافئة، وأنه لا فرق بين الشريف والوضيع، بل يقتل الشريف إذا قتل الوضيع؛ لأن اسم الإسلام هو الذي يجمع بينهم، ويقتل الرجل بالمرأة، ويقتل الكبير بالصغير، وهكذا.

قوله: [ (وهم يد على من سواهم) ] أي: يتعاونون على غيرهم من أعدائهم.

قوله: [ (ويسعى بذمتهم أدناهم) ] أي: أنه إذا أجار المسلم أحداً فإنه لا يخفر جواره، بل يعطى الأمان لمن أمنه، ولو كان هو من أدناهم، ولا يقال: إنه لا يكون إلا في حق من كان كبيراً أو كان رجلاً أو ما إلى ذلك، وقد جاء في حديث أم هانئ رضي الله عنها عام الفتح أنها أجارت رجلاً، وأن علياً رضي الله عنه أراد أن يقتله، فجاءت تخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).

تراجم رجال إسناد حديث (... المؤمنون تتكافأ دماؤهم ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ ومسدد ].

هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ].

سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة وقد مر ذكره.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قيس بن عباد ].

قيس بن عباد ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي ].

هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ قال مسدد : عن ابن أبي عروبة : (فأخرج كتاباً) ].

ذكر فروقاً بين مسدد وبين أحمد ، فقال مسدد : عن ابن أبي عروبة [ (فأخرج كتاباً) ] أي: فأخرج علي كتاباً من القراب.

[ وقال أحمد : (كتاباً من قراب سيفه) ].

أي: أخرج كتاباً من قراب سيفه. والقراب: هو وعاء من جلد يوضع فيه السيف وغيره.

شرح حديث: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر نحو حديث علي ، زاد فيه: (ويجير عليهم أقصاهم، ويرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم)].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو بمعنى حديث علي رضي الله، وفيه زيادة: [ (ويجير عليهم أقصاهم) ] أي: أن من أجار وهو من أدناهم وأقلهم فإنه تعتبر إجارته، وهو من جنس قوله: (ويسعى بذمتهم أدناهم).

قوله: [ (ويرد مشدهم على مضعفهم) ].

أي: القوي الذي عنده إبل قوية يساعد من كان عنده إبل ضعيفة ويعينه.

قوله: [ (ومتسريهم على قاعدهم) ] المتسرون هم الذين يذهبون في السرايا في الجيش، والسرية فرقة من الجيش تذهب، وما غنموا من الغنائم فهي لهم ولأصل الجيش؛ لأن الجيش هو ردء لهم وهو قوة لهم، فما يحصلونه لا يختصون به، إلا النفل الذي يعطيهم إياه الإمام أو الوالي فإنهم يأخذون ذلك النفل، وأما أصل الغنيمة التي يحصلونها فليست خاصة بهم، بل هي لهم وللجيش الذي كان باقياً في المكان الذي انطلقت منه تلك السرية.

تراجم رجال إسناد حديث: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن شعيب ].

هو عمرو بن شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن.

[ عن جده ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع