شرح سنن أبي داود [451]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب اللباس.. باب.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا ابن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه إما قميصاً أو عمامة ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) .

قال أبو نضرة : فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب اللباس ].

ذكر أبو داود رحمه الله هذا الكتاب باسم اللباس، وكذلك كثير من المؤلفين مثل البخاري وغيره يذكرونه بهذا الاسم، وأما النسائي رحمه الله فإنه عبر عنه بالزينة، وجعل اللباس جزءاً من الزينة، بحيث أنه يشتمل على اللباس وعلى ما يتعلق بالتجمل وبما يتعلق بالشعر والترجيل وغير ذلك.

أما الإمام أبو داود رحمه الله فقد عقد لما يلبسه الإنسان كتاباً خاصاً به هو اللباس، بين فيه ما يحل وما يحرم من ذلك، ما يسوغ وما لا يسوغ، وأتى بعد ذلك بكتاب الترجل الذي هو الزينة التي هي غير اللباس، وأما النسائي رحمه الله فقد جمع الاثنين في كتاب واحد فقال: كتاب الزينة، فجمع بين ما يتعلق باللباس وما يتعلق بالتجمل الذي يتعلق بالشعر ما يؤخذ وما يترك وما إلى ذلك، فجعل الكتاب عاماً شاملاً للباس وغيره، ومن المعلوم أن اللباس من الزينة.

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوباً..) يعني: لبس ثوباً جديداً سماه باسمه -ثوب أو قميص أو عمامة أو إزار أو سراويل- وقال: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه؛ أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) يحتمل أنه كان يسميه، ويقول: هذا ثوب أو هذا قميص الحمد لله الذي ..، أو أنه يسميه في داخل الدعاء يعني بأن يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتني هذا الثوب -كسوتني هذا القميص، ويسميه في داخل الدعاء.

وإذا ذكره في داخل الدعاء فيكون من جنس ما ورد في الاستخارة أن الإنسان يذكر حاجته في داخل الدعاء: (اللهم إن كنت تعلم أن هذه الحاجة المعينة التي هي كذا وكذا خير لي في ديني ودنياي) فيكون هذا من جنس ذاك أو هذا نظير ذاك.

وعندما يلبس الإنسان الثوب الجديد فإنه يدعو بهذا الدعاء، أولاً: يحمد الله عز وجل على ما أنعم به عليه، وأن هذا من فضل الله عز وجل عليه، وهو الذي يكسو ويرزق عباده، وهو الذي يتفضل على عباده بكل خير وبكل نعمة كما قال الله عز وجل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، قال وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، وجاء في حديث أبي ذر الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه وهو حديث قدسي: (يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته) وهو حديث طويل، وفيه ذكر الكسوة، وأن الله تعالى هو الذي بيده كل خير وبيده كل نعمة وهو المتفضل بالنعم والذي يجود على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، ومنها ما يتعلق باللباس.

(أسألك من خيره وخير ما صنع له) يعني كونه يستفيد منه في ستر العورات، وفي حصول الزينة، ويستعمل في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

(وأعوذ بك من شره) وهو أن يصير عند المرء كبر وترفع وتعاظم إذا لبس ثوباً جديداً أو نفيساً فإن هذا من شره الذي يحصل بسببه، وكذلك أن يستعمل هذه النعمة في المعصية بأن يكون كسا نفسه من أجل الوصول إلى مضرة الآخرين، مثل أن يظهر نفسه بالمظهر الجميل، حتى أن من يراه لا يظن فيه سوءاً من ناحية السرقة، ثم بعد ذلك يسعى إلى السرقة وإلى أخذ أموال الناس بالباطل، فكل هذا من الأمثلة التي هي داخلة في الشر الذي يكون في الثياب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شرها وشر ما صنعت له.

[ قال أبو نضرة : فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى ].

أورد هذا الأثر عن الصحابة وهو بالإسناد المتقدم، أعني أنه بنفس الإسناد.

[ فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله ].

يعني: أنك لبست هذا الثوب، والله تعالى يبقيك حتى يبلى، وإذا بلي يخلف الله عوضاً عنه، ويعوض عنه مثله وما هو أحسن منه.

فقوله: [ تبلى ويخلف الله ].

هذا دعاء له بطول العمر وبالبقاء حتى يبلى الثوب من طول لبس صاحبه له، وبعد بلائه وذهابه يخلف الله عز وجل عنه خيراً منه، ويعوض عنه ما هو خير منه، فيكون في ذلك دعاء له بالبقاء وبحصول الخير وبحصول العوض الذي يكون بعد بلاء الثوب وطول مكث صاحبه.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة بعدما كساها -أعطاها ثوباً-: (أبلي وأخلقي) أو (أبلي وأخلفي) فيكون المعنى على رواية (أخلفي) أنه إذا بلي الثوب يحصل الخلف والعوض عن الشيء الذي قد حصل، فهذا الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مطابق لما جاء في الحديث الذي سيأتي.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه...)

ٍقوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عبد الله بن المبارك ].

عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الجريري ].

هو سعيد بن إياس الجريري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي نضرة ].

هو المنذر بن مالك بن قطعة ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي سعيد الخدري].

هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته ونسبته -بكنيته أبي سعيد ، ونسبته الخدري - وهو صاحبي مكثر من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد طريق ثانية لحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن الجريري بإسناده نحوه ].

أورد الحديث من طريق أخرى، وأحال على السابقة.. وقال: نحوه.

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عيسى بن يونس ].

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

تراجم رجال إسناد طريق ثالثة لحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا محمد بن دينار عن الجريري بإسناده ومعناه ].

أورد الحديث من طريق أخرى وأحال على ما تقدم.

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن دينار ].

محمد بن دينار صدوق سيئ الحفظ ورمي بالقدر وتغير قبل موته، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن الجريري بإسناده ومعناه].

تراجم رجال إسناد طريق رابعة لحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه...)

[ قال أبو داود : عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد وحماد بن سلمة ، قال: عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال أبو داود : حماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد ].

أورد أبو داود أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي رويا الحديث ولكنهما ما ذكرا أبا سعيد .

ومعناه أن أبا نضرة أضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون مرسلاً.

و حماد بن سلمة قال: عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم..

وهذا كذلك مرسل ولكنه من غير طريق أبي نضرة ، وإنما من طريق أبي العلاء وهو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير .

قوله: [ قال أبو داود : عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيها أبا سعيد ].

عبد الوهاب الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحماد بن سلمة قال عن الجريري عن أبي العلاء ].

حماد بن سلمة دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

و الجريري تقدم.

و أبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : حماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد ].

يعني من ناحية روايتهما عن الجريري.

شرح حديث (..ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال حدثنا نصير بن الفرج حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب - عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل طعاماً ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ].

أورد أبو داود حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل طعاماً وقال: الحمد لله الذي أطمعني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول لي ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) وفي هذا أن الإنسان عندما يلبس اللباس يحمد الله عز وجل على هذه النعمة، وهو الذي كسا ورزق، وهو الذي أطعم ورزق، وكل ذلك من رزق الله، سواء كان ذلك طعاماً أو لباساً، وكل شيء يحصل الإنسان منه على فائدة سواء كان مالاً أو ولداً أو زوجة أو طعاماً أو لباساً؛ كل ذلك من رزق الله؛ فإذا حمد الله عز وجل على تلك النعمة التي يتفضل الله بها عليه، أثابه بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه.

وفي هذه الرواية زيادة: (وما تأخر)، لكن هذه الزيادة غير صحيحة؛ لأن الأحاديث التي وردت ثبتت فيها مغفرة ما تقدم دون ما تأخر، ولكن هذا لا شك أنه فضل عظيم من الله عز وجل، وهو كون الإنسان تكفر له الذنوب بسبب حمد الله عز وجل وشكره على نعمه.

ومن المعلوم أن هذه الذنوب التي تكفر إنما هي الصغائر، وتكفر بكون الإنسان يحمد الله ويثني عليه سبحانه وتعالى، أو كونه يأتي بعبادة مثل الصيام كيوم عاشوراء ويوم عرفة، فإن الله تعالى يكفر له ما تقدم بالنسبة للاثنين، وما تأخر بالنسبة إلى يوم عرفة، بالإضافة إلى ما تقدم.

وهذا إنما هو في الصغائر دون الكبائر التي لا تكفر إلا بالتوبة.

أما كونه يلبس اللباس ويحمد الله، وهو مصر على الكبائر، كالزنا وشرب الخمر، فلا يقال: إن هذا الكلام كفَّر كل ما مضى من جرائم وقعت منه مع أنه مقيم عليها، ويتحين الفرص ليقع فيها مرة أخرى والعياذ بالله؛ فإن هذا لا يكفر بمثل هذا الدعاء ولا يكفِّره الصيام يوم عرفة أو عاشوراء، ولكن تكفره التوبة.

وأما الصغائر فإنها تكفر بالأعمال الصالحة، وتكفر بمثل هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والثناء عليه سبحانه وتعالى على نعمه من لباس وطعام.

تراجم رجال إسناد حديث (.. ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة...)

قوله: [ حدثنا نصير بن الفرج].

نصير بن الفرج؛ ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الله بن يزيد ].

عبد الله بن يزيد المقري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب - ].

سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي مرحوم].

أبو مرحوم صدوق، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن سهل بن معاذ بن أنس ].

سهل بن معاذ بن أنس لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

وهو صحابي أخرج له البخاري

في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

تكرار الدعاء عند الطعام أو لبس الثوب

أما هل يكون الدعاء كلما لبس الثوب، وأكل الطعام أو هذا لأول مرة؟ فالذي يظهر فيما يتعلق بالطعام أنه كلما أكل طعاماً ذكر الدعاء، وأما فيما يتعلق باللباس فإذا قاله في كل مناسبة يلبس فيها ثوبه فحسن، وإن أتى به عندما يلبس الثوب لأول مرة؛ فالذي يبدو أن ذلك كافٍ، وإن أتى به في كل مناسبة أو في كل حالة فذلك خير وثناء على الله عز وجل لقوله: (من لبس ثوباً فقال: ...) إلخ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب اللباس.. باب.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا ابن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه إما قميصاً أو عمامة ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) .

قال أبو نضرة : فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب اللباس ].

ذكر أبو داود رحمه الله هذا الكتاب باسم اللباس، وكذلك كثير من المؤلفين مثل البخاري وغيره يذكرونه بهذا الاسم، وأما النسائي رحمه الله فإنه عبر عنه بالزينة، وجعل اللباس جزءاً من الزينة، بحيث أنه يشتمل على اللباس وعلى ما يتعلق بالتجمل وبما يتعلق بالشعر والترجيل وغير ذلك.

أما الإمام أبو داود رحمه الله فقد عقد لما يلبسه الإنسان كتاباً خاصاً به هو اللباس، بين فيه ما يحل وما يحرم من ذلك، ما يسوغ وما لا يسوغ، وأتى بعد ذلك بكتاب الترجل الذي هو الزينة التي هي غير اللباس، وأما النسائي رحمه الله فقد جمع الاثنين في كتاب واحد فقال: كتاب الزينة، فجمع بين ما يتعلق باللباس وما يتعلق بالتجمل الذي يتعلق بالشعر ما يؤخذ وما يترك وما إلى ذلك، فجعل الكتاب عاماً شاملاً للباس وغيره، ومن المعلوم أن اللباس من الزينة.

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوباً..) يعني: لبس ثوباً جديداً سماه باسمه -ثوب أو قميص أو عمامة أو إزار أو سراويل- وقال: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه؛ أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) يحتمل أنه كان يسميه، ويقول: هذا ثوب أو هذا قميص الحمد لله الذي ..، أو أنه يسميه في داخل الدعاء يعني بأن يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتني هذا الثوب -كسوتني هذا القميص، ويسميه في داخل الدعاء.

وإذا ذكره في داخل الدعاء فيكون من جنس ما ورد في الاستخارة أن الإنسان يذكر حاجته في داخل الدعاء: (اللهم إن كنت تعلم أن هذه الحاجة المعينة التي هي كذا وكذا خير لي في ديني ودنياي) فيكون هذا من جنس ذاك أو هذا نظير ذاك.

وعندما يلبس الإنسان الثوب الجديد فإنه يدعو بهذا الدعاء، أولاً: يحمد الله عز وجل على ما أنعم به عليه، وأن هذا من فضل الله عز وجل عليه، وهو الذي يكسو ويرزق عباده، وهو الذي يتفضل على عباده بكل خير وبكل نعمة كما قال الله عز وجل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، قال وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، وجاء في حديث أبي ذر الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه وهو حديث قدسي: (يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته) وهو حديث طويل، وفيه ذكر الكسوة، وأن الله تعالى هو الذي بيده كل خير وبيده كل نعمة وهو المتفضل بالنعم والذي يجود على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، ومنها ما يتعلق باللباس.

(أسألك من خيره وخير ما صنع له) يعني كونه يستفيد منه في ستر العورات، وفي حصول الزينة، ويستعمل في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

(وأعوذ بك من شره) وهو أن يصير عند المرء كبر وترفع وتعاظم إذا لبس ثوباً جديداً أو نفيساً فإن هذا من شره الذي يحصل بسببه، وكذلك أن يستعمل هذه النعمة في المعصية بأن يكون كسا نفسه من أجل الوصول إلى مضرة الآخرين، مثل أن يظهر نفسه بالمظهر الجميل، حتى أن من يراه لا يظن فيه سوءاً من ناحية السرقة، ثم بعد ذلك يسعى إلى السرقة وإلى أخذ أموال الناس بالباطل، فكل هذا من الأمثلة التي هي داخلة في الشر الذي يكون في الثياب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شرها وشر ما صنعت له.

[ قال أبو نضرة : فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى ].

أورد هذا الأثر عن الصحابة وهو بالإسناد المتقدم، أعني أنه بنفس الإسناد.

[ فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله ].

يعني: أنك لبست هذا الثوب، والله تعالى يبقيك حتى يبلى، وإذا بلي يخلف الله عوضاً عنه، ويعوض عنه مثله وما هو أحسن منه.

فقوله: [ تبلى ويخلف الله ].

هذا دعاء له بطول العمر وبالبقاء حتى يبلى الثوب من طول لبس صاحبه له، وبعد بلائه وذهابه يخلف الله عز وجل عنه خيراً منه، ويعوض عنه ما هو خير منه، فيكون في ذلك دعاء له بالبقاء وبحصول الخير وبحصول العوض الذي يكون بعد بلاء الثوب وطول مكث صاحبه.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة بعدما كساها -أعطاها ثوباً-: (أبلي وأخلقي) أو (أبلي وأخلفي) فيكون المعنى على رواية (أخلفي) أنه إذا بلي الثوب يحصل الخلف والعوض عن الشيء الذي قد حصل، فهذا الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مطابق لما جاء في الحديث الذي سيأتي.

ٍقوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عبد الله بن المبارك ].

عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الجريري ].

هو سعيد بن إياس الجريري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي نضرة ].

هو المنذر بن مالك بن قطعة ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي سعيد الخدري].

هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته ونسبته -بكنيته أبي سعيد ، ونسبته الخدري - وهو صاحبي مكثر من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن الجريري بإسناده نحوه ].

أورد الحديث من طريق أخرى، وأحال على السابقة.. وقال: نحوه.

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عيسى بن يونس ].

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا محمد بن دينار عن الجريري بإسناده ومعناه ].

أورد الحديث من طريق أخرى وأحال على ما تقدم.

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن دينار ].

محمد بن دينار صدوق سيئ الحفظ ورمي بالقدر وتغير قبل موته، أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن الجريري بإسناده ومعناه].

[ قال أبو داود : عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد وحماد بن سلمة ، قال: عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال أبو داود : حماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد ].

أورد أبو داود أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي رويا الحديث ولكنهما ما ذكرا أبا سعيد .

ومعناه أن أبا نضرة أضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون مرسلاً.

و حماد بن سلمة قال: عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم..

وهذا كذلك مرسل ولكنه من غير طريق أبي نضرة ، وإنما من طريق أبي العلاء وهو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير .

قوله: [ قال أبو داود : عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيها أبا سعيد ].

عبد الوهاب الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحماد بن سلمة قال عن الجريري عن أبي العلاء ].

حماد بن سلمة دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

و الجريري تقدم.

و أبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : حماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد ].

يعني من ناحية روايتهما عن الجريري.