شرح سنن أبي داود [266]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: ( إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الشهر يكون تسعاً وعشرين.

حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو -يعني: ابن سعيد بن العاص - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة، يعني: تسعاً وعشرين وثلاثين ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الشهر يكون تسعاً وعشرين، والمقصود من هذا: بيان أن الشهر لا يكون ثلاثين دائماً وإنما يكون ثلاثين ويكون تسعاً وعشرين، فلا ينقص الشهر العربي عن تسعة وعشرين ولا يزيد عن ثلاثين، فهو إما هكذا وإما هكذا.

وأورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وأشار بيديه العشر ثلاث مرات وخنس إصبعاً في الثالثة، يعني: تسعة وعشرين، وجاء أيضاً أنه فعل ذلك مرتين، فمرة يكون ثلاثين ومرة يكون تسعة وعشرين، فإنه قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وبهذا يصير ثلاثين بدون قبض إصبع، ثم قال: (ويكون هكذا وهكذا وهكذا، وقبض إصبعاً) يعني: أنه يكون تسعة وعشرين.

وقوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) الأمية: نسبة إلى الأميين، والمقصود بذلك كثير منهم، ولا يعني ذلك أنه لا توجد الكتابة والقراءة فيهم، بل كانت ففيهم ولكن بقلة، والحكم هنا الغالب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا، وهو من عند الله عز وجل، وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب هذا من أوضح الأدلة على أنه أتى بالقرآن من عند الله عز وجل، ولهذا يقول الله وجل: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]، أي: لو أنه كان قارئاً كاتباً فيمكن أن يأتي به من عند نفسه، لكنه كان لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم.

ثم إن الله عز وجل جعل الأمور والعبادات مبنية على أمور مشاهدة ومعاينة لا يختص بها الحاذق والفطن، وإنما الكل يعرفها، فالعبادات أنيطت بأمور مشاهدة ومعاينة، فالصلاة أنيطت بطلوع الشمس وغروبها وزوالها، ومغيب الشفق.. وهكذا، فالحضري والبدوي يعرف ذلك، وكذلك الصيام يعرف بأنه يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون برؤية الهلال، وكل هذه الأمور تشاهد وتعاين ولا تتوقف على حساب ولا على خلق ولا على فطنة.

تراجم رجال إسناد حديث: ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ... )

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود بن قيس ].

الأسود بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن عمرو يعني: ابن سعيد بن العاص ].

هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: ( الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه .... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين)، قال: فكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نظر له فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يَحُل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً، قال: فكان ابن عمر يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون) يعني: أحياناً ولا يكون دائماً تسعة وعشرين، وإنما يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين، فأحياناً كذا وأحياناً كذا، ولهذا ينظر الهلال به، فإن رئي ليلة الثلاثين فالشهر تسعة وعشرون وإلا فتكمل العدة.

وقوله: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه) يعني: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان، ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال، وهذا معناه أن الأمر منوط برؤية الهلال لا بالحساب، فينظر ليلة الثلاثين من شعبان فإن رئي الهلال صام الناس وإن لم يروه أكملوا عدة شعبان، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، وهذا يبين أنه إن رؤي ليلة الثلاثين صار الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ أُكمل الشهر، كاملاً ثم يصبح الناس صائمين بعد الثلاثين؛ لإكمال العدة، فالشهر لا يزيد عن ثلاثين كما أنه لا ينقص عن تسع وعشرين.

وقوله: (فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين) يعني: إن غم عليكم فاعتبروه ثلاثين، وأكلموا عدة شهر شعبان، وكذلك رمضان، فإن رئي الهلال سواء هلال رمضان أو هلال شعبان ليلة الثلاثين اعتبر الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ تُكمل العدة ويكون الشهر كاملاً.

وقوله: [ وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نُظر له، فإن رئي فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً، قال: فكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب ].

يعني: أن ابن عمر كان يحتاط لرمضان في أوله فيما إذا كان هناك غيم وقتر يمنع من رؤية الهلال، فكان يأمر أن ينظر له الهلال، فإذا كان الجو صحواً ولم ير الهلال فإنه يكمل العدة؛ لأنه لم ير الهلال والجو صحو، وإن كان هناك احتمال أن يكون الهلال موجوداً ولكنه حال دونه الغيم أو القتر فإنه يصبح صائماً، ولكنه في آخر الشهر يفطر مع الناس، ولا يحسب هذا الحساب، بمعنى: أنه يكمل ثلاثين وبعد ذلك يفطر ولو كانت العدة ما كملت، وإنما كان يفعل ذلك احتياطاً، لكن الحديث واضح في أنه إذا غم الهلال على الناس فإنهم يحسبونه ثلاثين ما دام أنهم لم يروا الهلال سواء كان الجو صحواً أو كان غائماً فإنهم يكملون العدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).

إذاً فـ ابن عمر وبعض أهل العلم يقولون: إنه يصام إذا هناك غيم في السماء في ليلة الشك، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) يدل على أنه لا يصام، وأن الناس يكملون العدة سواء كان الجو صحواً ولم يروا الهلال، أو كان غيماً لا سبيل لهم فيه إلى رؤية الهلال.

تراجم رجال إسناد حديث: ( الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ... )

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].

هو سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب وروى عنه سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني فالمقصود به حماد بن زيد، فإنه يأتي حماد غير منسوب كثيراً وهو محتمل أن يكون ابن زيد ويحتمل أن يكون ابن سلمة ، ومعرفة ذلك تكون بمعرفة التلاميذ، فمثلاً: سليمان بن داود لا يروي إلا عن حماد بن زيد ، وسليمان بن حرب لا يروي إلا عن حماد بن زيد ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي لا يروي إلا عن حماد بن سلمة وهكذا.

[ حدثنا أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.

شرح أثر عمر بن عبد العزيز في بيان متى يبدأ صيام رمضان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا عبد الوهاب حدثني أيوب قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، زاد: وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا إلا أن يروا الهلال قبل ذلك ].

أورد أبو داود هذا الحديث المرسل عن عمر بن عبد العزيز ، ولكنه مطابق لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وعن غيره.

وقوله: (بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر ) يعني: نحو حديث ابن عمر الذي تقدم.

وقوله: [ وزاد: وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا، إلا أن تروا الهلال قبل ذلك ].

يعني: أن تكمل العدة، إلا أن يروا الهلال قبل ذلك فإن الشهر يكون تسعة وعشرين، وعلى ذلك يكون ناقصاً.

تراجم رجال إسناد أثر عمر بن عبد العزيز في بيان متى يبدأ صيام رمضان

قوله: [ حدثنا حميد بن مسعدة ].

حميد بن مسعدة صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الوهاب ].

هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني أيوب قال: كتب عمر بن عبد العزيز ].

أيوب قد مر ذكره.

و عمر بن عبد العزيز هو الخليفة المشهور، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: ( لما صمنا مع النبي تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن منيع عن ابن أبي زائدة عن عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: (لما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنهم صاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين وصاموا تسعة وعشرين، أي: أنهم صاموا أشهراً ناقصة وأشهراً كاملة، وأن الأشهر الناقصة كانت أكثر من الكاملة، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم صام تسعة رمضانات؛ لأن رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة، فصام الرسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة الثانية إلى السنة العاشرة، فأكثر هذه الأشهر كما جاء في حديث ابن مسعود كانت ناقصة، أي: أنها كانت تسعة وعشرين.

تراجم رجال إسناد حديث: ( لما صمنا مع النبي تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين )

قوله: [ حدثنا أحمد بن منيع ].

أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي زائدة ].

هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عيسى بن دينار ].

عيسى بن دينار ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والترمذي .

[ عن أبيه ].

أبوه هو دينار ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والترمذي .

[ عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار ].

عمرو بن الحارث بن أبي ضرار رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن مسعود ].

ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: ( شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن يزيد بن زريع حدثهم قال: حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة) ].

أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة)، وقوله: (شهرا عيد)، يعني: أن كلاً منهما له عيد، فهناك عيد الفطر وعيد الأضحى، فعيد الفطر هو في شوال، فالعيد ليس من شهر رمضان، وإنما هو من الشهر الذي يليه، فقيل لرمضان: شهر عيد وإن كان العيد ليس منه لأنه مقارب له ومتصل به، وهذا كما جاء: (المغرب وتر النهار)، مع أن صلاة المغرب في أول الليل ولكنها متصلة بالنهار، فقيل لها: وتر النهار لقرب أدائها أو وقتها من النهار، فكذلك عيد الفطر هو قريب من شهر الصيام؛ لأنه متصل به مباشرة، فهو أول يوم من شوال، ولهذا نسب العيد إلى الفطر فقيل: عيد الفطر، أي: الفطر من رمضان.

وعيد الأضحى هو الذي يكون فيه نحر الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل.

وقوله: (شهرا عيد لا ينقصان)، قيل: إنهما يكونان كاملين، وهذا يكون في بعض الأحوال، وقيل: إن معنى ذلك أنهما لا ينقصان في الأجر وإن حصل نقصان في العدد، فالناس إذا صاموا تسعاً وعشرين يحصلون الأجر كاملاً، ولا يقال: إنه لو كان ثلاثين يصير أكثر أجراً وإذا كان تسعة وعشرين يصير أقل أجراً، بل الأجر يكون كاملاً سواءً صام الإنسان تسعة وعشرين أو ثلاثين، فهو شهر كامل سواءً كان تسعة وعشرين أو ثلاثين.

تراجم رجال إسناد حديث: ( شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة )

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ أن يزيد بن زريع حدثهم ].

يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: حدثنا خالد الحذاء ].

خالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ].

عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه ].

أبوه هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الشهر يكون تسعاً وعشرين.

حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو -يعني: ابن سعيد بن العاص - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة، يعني: تسعاً وعشرين وثلاثين ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الشهر يكون تسعاً وعشرين، والمقصود من هذا: بيان أن الشهر لا يكون ثلاثين دائماً وإنما يكون ثلاثين ويكون تسعاً وعشرين، فلا ينقص الشهر العربي عن تسعة وعشرين ولا يزيد عن ثلاثين، فهو إما هكذا وإما هكذا.

وأورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وأشار بيديه العشر ثلاث مرات وخنس إصبعاً في الثالثة، يعني: تسعة وعشرين، وجاء أيضاً أنه فعل ذلك مرتين، فمرة يكون ثلاثين ومرة يكون تسعة وعشرين، فإنه قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وبهذا يصير ثلاثين بدون قبض إصبع، ثم قال: (ويكون هكذا وهكذا وهكذا، وقبض إصبعاً) يعني: أنه يكون تسعة وعشرين.

وقوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) الأمية: نسبة إلى الأميين، والمقصود بذلك كثير منهم، ولا يعني ذلك أنه لا توجد الكتابة والقراءة فيهم، بل كانت ففيهم ولكن بقلة، والحكم هنا الغالب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا، وهو من عند الله عز وجل، وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب هذا من أوضح الأدلة على أنه أتى بالقرآن من عند الله عز وجل، ولهذا يقول الله وجل: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]، أي: لو أنه كان قارئاً كاتباً فيمكن أن يأتي به من عند نفسه، لكنه كان لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم.

ثم إن الله عز وجل جعل الأمور والعبادات مبنية على أمور مشاهدة ومعاينة لا يختص بها الحاذق والفطن، وإنما الكل يعرفها، فالعبادات أنيطت بأمور مشاهدة ومعاينة، فالصلاة أنيطت بطلوع الشمس وغروبها وزوالها، ومغيب الشفق.. وهكذا، فالحضري والبدوي يعرف ذلك، وكذلك الصيام يعرف بأنه يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون برؤية الهلال، وكل هذه الأمور تشاهد وتعاين ولا تتوقف على حساب ولا على خلق ولا على فطنة.

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود بن قيس ].

الأسود بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن عمرو يعني: ابن سعيد بن العاص ].

هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2891 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2837 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2732 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2704 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2689 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2656 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع