شرح سنن أبي داود [081]


الحلقة مفرغة

شرح حديث أم ورقة في إمامتها أهل دارها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة النساء:

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع حدثتني جدّتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً، قالت: قلت له: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتكي، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة. قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاماً لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة).

حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله عنها بهذا الحديث والأول أتم قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها) قال عبد الرحمن : فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً. ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في إمامة النساء]، يعني: كون النساء يصلين جماعة ويؤم بعضهن بعضاً.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم ورقة بنت الحارث بن عبد الله وفي الطريق الأولى بنت الحارث بن نوفل أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب معه في الغزو تمرض المرضى، فأمرها بأن تقر في دارها، وأخبرها أن الله تعالى سيرزقها الشهادة، فكان يقال لها: الشهيدة، وكانت دبرت غلاماً لها وجارية، أي: علقت عتقهما بوفاتها، وذلك بأن قالت: هما أحرار بعد موتي، وهذا هو التدبير، فالتدبير هو: تعليق العتق بالموت، والمدبر هو: الذي علق السيد عتقه بموته، فيكون في حياته في ملكه، وعندما يموت فإنه يعتق، ولكن في حدود الثلث؛ لأن الإنسان ليس له أن يكون له من ماله بعد موته إلا ما كان في حدود الثلث، ولكن هذا الغلام والجارية استعجلا موتها، فتسببا في موتها من أجل أن يحصل لهما العتق، فغماها في قطيفة، يعني: كتما أنفاسها بأن لفا قطيفة على رأسها فماتت بسبب ذلك، ثم إنهما هربا، فأمر عمر رضي الله عنه من وجدهما أن يحضرهما، فوجدا فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة، وكانت استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل دارها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن تتخذ مؤذناً، وكان ذلك المؤذن شيخاً كبيراً.

وهذا الحديث يدل على إمامة المرأة للنساء وصلاتها للنساء، وقد جاءت روايات وآثار متعددة عن ابن عباس وعائشة وأم سلمة أن إمامة النساء تقف وسطهن، يعني: لا تتقدم عليهن.

فالحديث يدل على إمامة المرأة للنساء ، ويدل أيضاً على اتخاذ المؤذن في ذلك، ولكن الحديث فيه من تكلم فيه بسبب الجهالة، وهو عبد الرحمن بن خلاد وكذلك جده الوليد بن عبد الله بن جميع، لكن ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن ابن خزيمة صححه، والحديث صححه أيضاً الشيخ الألباني ، ولكن الحديث في إسناده ذلك الشخص الذي تكلم فيه وهو عبد الرحمن بن خلاد وقد قال عنه الحافظ في التقريب: مجهول، فلا أدري ما وجه تصحيح هذا الحديث وفي سنده هذا الرجل المجهول، ولكن الحديث إذا صح فإنه يدل على إمامة النساء، والآثار التي وردت تدل على أن المرأة تؤم النساء ، ولكن الإشكال هو في اتخاذ المؤذن؛ لأن كون المرأة تؤم النساء وتقف في وسطهن قد جاء ذلك عن ابن عباس في مصنف عبد الرزاق ، وكذلك جاء عن أم سلمة وعائشة أن المرأة تصلي بالنساء وتقف وسطهن.

لكن اتخاذ المؤذن ووجود الأذان في البيت، وأن هذا الذي يؤذن لا أدري هل يصلي وراء المرأة، أو يصلي مع النساء أو الرجال يصلون مع النساء، والأصل أن الرجال هم الذين يؤمون النساء والنساء لا تؤم الرجال، ففيه إشكال، ولا أدري ما وجه تصحيحه، وأما قضية إمامة المرأة للنساء فهذه قد جاء عن ابن عباس وعن غيره ما يدل عليه.

تراجم رجال إسناد حديث أم ورقة في إمامتها أهل دارها

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا وكيع بن الجراح ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ].

الوليد بن عبد الله بن جميع صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثتني جدتي ].

جدته هي ليلى بنت مالك لا تعرف، أخرج لها أبو داود.

[ وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري ].

عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري مجهول الحال، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن أم ورقة بنت نوفل ].

أم ورقة بنت نوفل أو بنت الحارث بن عبد الله صحابية، أخرج حديثها أبو داود وحده.

وهذا الإسناد فيه مجهولان في طبقة واحدة، والطريق الثانية فيها عبد الرحمن بن خلاد وحده.

وقوله: [ حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي ].

الحسن بن حماد الحضرمي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ حدثنا محمد بن فضيل ].

هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ].

هؤلاء قد مر ذكرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة النساء:

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع حدثتني جدّتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً، قالت: قلت له: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتكي، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة. قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاماً لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة).

حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله عنها بهذا الحديث والأول أتم قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها) قال عبد الرحمن : فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً. ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في إمامة النساء]، يعني: كون النساء يصلين جماعة ويؤم بعضهن بعضاً.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم ورقة بنت الحارث بن عبد الله وفي الطريق الأولى بنت الحارث بن نوفل أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب معه في الغزو تمرض المرضى، فأمرها بأن تقر في دارها، وأخبرها أن الله تعالى سيرزقها الشهادة، فكان يقال لها: الشهيدة، وكانت دبرت غلاماً لها وجارية، أي: علقت عتقهما بوفاتها، وذلك بأن قالت: هما أحرار بعد موتي، وهذا هو التدبير، فالتدبير هو: تعليق العتق بالموت، والمدبر هو: الذي علق السيد عتقه بموته، فيكون في حياته في ملكه، وعندما يموت فإنه يعتق، ولكن في حدود الثلث؛ لأن الإنسان ليس له أن يكون له من ماله بعد موته إلا ما كان في حدود الثلث، ولكن هذا الغلام والجارية استعجلا موتها، فتسببا في موتها من أجل أن يحصل لهما العتق، فغماها في قطيفة، يعني: كتما أنفاسها بأن لفا قطيفة على رأسها فماتت بسبب ذلك، ثم إنهما هربا، فأمر عمر رضي الله عنه من وجدهما أن يحضرهما، فوجدا فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة، وكانت استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل دارها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن تتخذ مؤذناً، وكان ذلك المؤذن شيخاً كبيراً.

وهذا الحديث يدل على إمامة المرأة للنساء وصلاتها للنساء، وقد جاءت روايات وآثار متعددة عن ابن عباس وعائشة وأم سلمة أن إمامة النساء تقف وسطهن، يعني: لا تتقدم عليهن.

فالحديث يدل على إمامة المرأة للنساء ، ويدل أيضاً على اتخاذ المؤذن في ذلك، ولكن الحديث فيه من تكلم فيه بسبب الجهالة، وهو عبد الرحمن بن خلاد وكذلك جده الوليد بن عبد الله بن جميع، لكن ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن ابن خزيمة صححه، والحديث صححه أيضاً الشيخ الألباني ، ولكن الحديث في إسناده ذلك الشخص الذي تكلم فيه وهو عبد الرحمن بن خلاد وقد قال عنه الحافظ في التقريب: مجهول، فلا أدري ما وجه تصحيح هذا الحديث وفي سنده هذا الرجل المجهول، ولكن الحديث إذا صح فإنه يدل على إمامة النساء، والآثار التي وردت تدل على أن المرأة تؤم النساء ، ولكن الإشكال هو في اتخاذ المؤذن؛ لأن كون المرأة تؤم النساء وتقف في وسطهن قد جاء ذلك عن ابن عباس في مصنف عبد الرزاق ، وكذلك جاء عن أم سلمة وعائشة أن المرأة تصلي بالنساء وتقف وسطهن.

لكن اتخاذ المؤذن ووجود الأذان في البيت، وأن هذا الذي يؤذن لا أدري هل يصلي وراء المرأة، أو يصلي مع النساء أو الرجال يصلون مع النساء، والأصل أن الرجال هم الذين يؤمون النساء والنساء لا تؤم الرجال، ففيه إشكال، ولا أدري ما وجه تصحيحه، وأما قضية إمامة المرأة للنساء فهذه قد جاء عن ابن عباس وعن غيره ما يدل عليه.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا وكيع بن الجراح ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ].

الوليد بن عبد الله بن جميع صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثتني جدتي ].

جدته هي ليلى بنت مالك لا تعرف، أخرج لها أبو داود.

[ وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري ].

عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري مجهول الحال، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن أم ورقة بنت نوفل ].

أم ورقة بنت نوفل أو بنت الحارث بن عبد الله صحابية، أخرج حديثها أبو داود وحده.

وهذا الإسناد فيه مجهولان في طبقة واحدة، والطريق الثانية فيها عبد الرحمن بن خلاد وحده.

وقوله: [ حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي ].

الحسن بن حماد الحضرمي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ حدثنا محمد بن فضيل ].

هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ].

هؤلاء قد مر ذكرهم.

شرح حديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون:

حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً -والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل اعتبد محررة) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون].

وهذا ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء وعداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا يؤثر.

وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: رجل تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً)، أي أنه يكون من عادته أنه يتخلف عن الصلاة ولا يأتي إلى المسجد إلا إذا فرغ الناس، فيأتي ليصلي وحده، ويمكن أن يكون ذلك إما كسلاً أو لكونه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، وكل هذا مذموم، فالدبار فسر بأنه يأتيها متأخراً ويكون ذلك من عادته، أما أن يحصل ذلك منه في بعض الأحيان فهذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر هو أن يكون من عادته أنه يتهاون في شأن الصلاة، أو أنه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، بل يريد أن يصلي في المسجد وحده، بحيث لا يصلي وراء الإمام أو مع تلك الجماعة القائمة.

وقد ذكرنا فيما مضى أن وجود جماعة ثانية لا يجوز إذا كان المقصود منه عدم الصلاة مع الجماعة الأولى أو متابعة الجماعة الأولى، وأن المقصود هو الانفراد عنهم، وأما إذا كان ذلك ليس مقصوداً وإنما كان يريد أن يصلي في المسجد ولكنه فاتته الصلاة، وكان يريد ألا تفوته، فهذا يمكن أن يصلي معه غيره سواء كان عن طريق الصدقة بأن يصلى معه بعض من صلى، أو أن يكونوا اثنين فأكثر ويصلون جماعة ثانية، كل ذلك لا بأس به.

والحاصل: أن من يأتي الصلاة دباراً هو الذي من عادته أن يتأخر عن الصلاة بحيث يأتي بعدما يصلي الناس.

وقيل: إن المقصود بذلك الذي يأتيها في آخر وقتها ويؤخرها حتى يخرج وقتها، أو يؤخرها بحيث يكاد وقتها يخرج فيكون في ذلك تفريط.

وقوله: (ورجل اعتبد محرره) وفي بعض نسخ أبي داود : (محررة) وكلمة (محررة) ليس المقصود بها المرأة فقط، وإنما المقصود: النسمة أو النفس، فيشمل العبيد والإماء، الذكور والإناث.

وقوله: (محرره) الضمير يرجع إلى المعتق وليس تاء التأنيث، وإنما هو هاء الضمير مضاف ومضاف إليه، واعتباده محرره يكون بأن يعتقه ويكتم عتقه، أو يعتقه ثم ينكر عتقه ، أو يعتقه ولكنه يتسلط عليه ويجبره بأن يخدمه ويستخدمه، فيكون في ذلك كله استعباد المحرر، بمعنى أنه يعتقه ويكتم عتقه، أو أنه أعتقه وأنكر أنه أعتقه، أو أنه استخدمه بالقوة والقهر والغلبة والقسر، وكل هذه أمور محرمة.

والحديث فيه من تكلم فيه، والشيخ الألباني قال: إنه ضعيف إلا الشطر الأول منه، وهو قوله: (من أم قوماً وهم له كارهون) ولكن لا شك أن هؤلاء كلهم مذمومون، سواء الذي اعتبد المحرر، أو الذي أتى الصلاة دباراً، أو الذي أمَّ قوماً وهم له كارهون.

وقوله: (لا يقبل الله صلاة) يعني: أنه لا تقبل له تلك الصلاة التي يصليها، بمعنى: أنه يحرم أجرها أو يحرم ثواب تلك الإمامة أو الجماعة التي صلاها، وهذا بالنسبة لمن صلى وأم الناس، وأما ذاك الذي أتى دباراً واعتبد محرره، فظاهره أنها لا تقبل، ولكن الحديث غير صحيح، ولا أدري ما وجه تصحيح القسم الأول منه، فيمكن أن يكون التصحيح لشواهد ولأمور أخرى خارجة عما جاء في الحديث، وإلا فإن الحديث طريقه واحدة، إلا أن القسم الأول يمكن أنه صحح لشيء من الشواهد والأمور الأخرى التي هي غير هذا الحديث، ولعل الألباني صححه من أجل هذا.

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ...)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم ].

عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج حديثه أبو داود وحده.

[ عن عبد الرحمن بن زياد ].

هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عمران بن عبد المعافري ].

عمران بن عبد المعافري ضعيف أيضاً، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث فيه ضعيفان يروي أحدهما عن الآخر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون:

حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً -والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل اعتبد محررة) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون].

وهذا ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء وعداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا يؤثر.

وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: رجل تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً)، أي أنه يكون من عادته أنه يتخلف عن الصلاة ولا يأتي إلى المسجد إلا إذا فرغ الناس، فيأتي ليصلي وحده، ويمكن أن يكون ذلك إما كسلاً أو لكونه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، وكل هذا مذموم، فالدبار فسر بأنه يأتيها متأخراً ويكون ذلك من عادته، أما أن يحصل ذلك منه في بعض الأحيان فهذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر هو أن يكون من عادته أنه يتهاون في شأن الصلاة، أو أنه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، بل يريد أن يصلي في المسجد وحده، بحيث لا يصلي وراء الإمام أو مع تلك الجماعة القائمة.

وقد ذكرنا فيما مضى أن وجود جماعة ثانية لا يجوز إذا كان المقصود منه عدم الصلاة مع الجماعة الأولى أو متابعة الجماعة الأولى، وأن المقصود هو الانفراد عنهم، وأما إذا كان ذلك ليس مقصوداً وإنما كان يريد أن يصلي في المسجد ولكنه فاتته الصلاة، وكان يريد ألا تفوته، فهذا يمكن أن يصلي معه غيره سواء كان عن طريق الصدقة بأن يصلى معه بعض من صلى، أو أن يكونوا اثنين فأكثر ويصلون جماعة ثانية، كل ذلك لا بأس به.

والحاصل: أن من يأتي الصلاة دباراً هو الذي من عادته أن يتأخر عن الصلاة بحيث يأتي بعدما يصلي الناس.

وقيل: إن المقصود بذلك الذي يأتيها في آخر وقتها ويؤخرها حتى يخرج وقتها، أو يؤخرها بحيث يكاد وقتها يخرج فيكون في ذلك تفريط.

وقوله: (ورجل اعتبد محرره) وفي بعض نسخ أبي داود : (محررة) وكلمة (محررة) ليس المقصود بها المرأة فقط، وإنما المقصود: النسمة أو النفس، فيشمل العبيد والإماء، الذكور والإناث.

وقوله: (محرره) الضمير يرجع إلى المعتق وليس تاء التأنيث، وإنما هو هاء الضمير مضاف ومضاف إليه، واعتباده محرره يكون بأن يعتقه ويكتم عتقه، أو يعتقه ثم ينكر عتقه ، أو يعتقه ولكنه يتسلط عليه ويجبره بأن يخدمه ويستخدمه، فيكون في ذلك كله استعباد المحرر، بمعنى أنه يعتقه ويكتم عتقه، أو أنه أعتقه وأنكر أنه أعتقه، أو أنه استخدمه بالقوة والقهر والغلبة والقسر، وكل هذه أمور محرمة.

والحديث فيه من تكلم فيه، والشيخ الألباني قال: إنه ضعيف إلا الشطر الأول منه، وهو قوله: (من أم قوماً وهم له كارهون) ولكن لا شك أن هؤلاء كلهم مذمومون، سواء الذي اعتبد المحرر، أو الذي أتى الصلاة دباراً، أو الذي أمَّ قوماً وهم له كارهون.

وقوله: (لا يقبل الله صلاة) يعني: أنه لا تقبل له تلك الصلاة التي يصليها، بمعنى: أنه يحرم أجرها أو يحرم ثواب تلك الإمامة أو الجماعة التي صلاها، وهذا بالنسبة لمن صلى وأم الناس، وأما ذاك الذي أتى دباراً واعتبد محرره، فظاهره أنها لا تقبل، ولكن الحديث غير صحيح، ولا أدري ما وجه تصحيح القسم الأول منه، فيمكن أن يكون التصحيح لشواهد ولأمور أخرى خارجة عما جاء في الحديث، وإلا فإن الحديث طريقه واحدة، إلا أن القسم الأول يمكن أنه صحح لشيء من الشواهد والأمور الأخرى التي هي غير هذا الحديث، ولعل الألباني صححه من أجل هذا.

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم ].

عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج حديثه أبو داود وحده.

[ عن عبد الرحمن بن زياد ].

هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عمران بن عبد المعافري ].

عمران بن عبد المعافري ضعيف أيضاً، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث فيه ضعيفان يروي أحدهما عن الآخر.

شرح حديث: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة البر والفاجر.

حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب إمامة البر والفاجر]، وإمامة البر هي الأصل، وإمامة الفاجر على خلاف الأصل، والمقصود هنا: ما حكم إمامة الفاسق؟ هل تسوغ أو لا تسوغ؟

والجواب: أن الحديث الذي ورد في هذا ضعيف، ووردت أحاديث أيضاً ضعيفة تتعلق بإمامة الفاجر، ولكن الذي ورد في الإمامة فيما يتعلق بأئمة الجور، حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وعثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر في داره وصار يصلى بالناس رجل من الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه، فجاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة فماذا تأمرنا؟ قال: (يابن أخي! الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه، حيث بوب: [باب إمامة المفتون والمبتدع]، وأورد هذا الأثر عن عثمان .

والأحاديث التي فيها التنصيص على البر والفاجر ضعيفة، لكن الأصل عند العلماء أن من صحت صلاته صحت إمامته، فمن كان مسلماً وصلاته صحيحة فتصح إمامته، بمعنى: أن الإنسان لا يعيد الصلاة.

ومن يكون فاسقاً أو مبتدعاً بدعة غير مكفرة لا يجوز أن يقدم في الصلاة أو أن يختار لإمامة الناس، ولكنه لو تقدم أو حصل أنه تقدم وصلى الناس وراءه فلا يعيدون الصلاة، وصلاتهم صحيحة؛ لأنه هو نفسه صلاته صحيحة ما دام أنه مسلم ولم يصل إلى حد الكفر.

فمن صحت صلاته صحت إمامته، ولكنه لا يختار ليكون إماماً من يكون فاسقاً، وإنما الشأن فيما إذا وجدت الصلاة، أو كان إماماً راتباً، ولا يتمكن الإنسان من الصلاة في مسجد آخر، فإذا صلى وراءه فإن الصلاة تصح، والأحاديث التي وردت في ذلك ضعيفة، لكن الذي ورد فيما يتعلق بأئمة الجور يدل على أنهم يصلون، وأن صلاة من وراءهم تكون صحيحة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وقول عثمان رضي الله عنه: (الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) أخرجه البخاري في باب إمامة المفتون والمبتدع.

وقوله: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر) يعني: وإن حصل من هذا الإمام الفاجر الكبائر.

تراجم رجال إسناد حديث: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني معاوية بن صالح ].

هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن العلاء بن الحارث ].

العلاء بن الحارث صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن مكحول ].

مكحول هو الشامي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي هريرة ].

هوأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

والحديث في إسناده مكحول وهو لم يلق أبا هريرة ، ففيه انقطاع.

وهذا الانقطاع بين مكحول وبين أبي هريرة هو سبب ضعفه، لكن الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن القاعدة المعروفة عند العلماء هي: أن من صحت صلاته صحت إمامته، والأحاديث وردت في الصلاة خلف أئمة الجور، ومن الذين حصل منهم التقدم في الناس كذلك الرجل الذي كان من الخارجين على عثمان رضي الله عنه، حيث قال فيه عثمان رضي الله عنه: (إن الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم). يعني: صل معهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة البر والفاجر.

حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب إمامة البر والفاجر]، وإمامة البر هي الأصل، وإمامة الفاجر على خلاف الأصل، والمقصود هنا: ما حكم إمامة الفاسق؟ هل تسوغ أو لا تسوغ؟

والجواب: أن الحديث الذي ورد في هذا ضعيف، ووردت أحاديث أيضاً ضعيفة تتعلق بإمامة الفاجر، ولكن الذي ورد في الإمامة فيما يتعلق بأئمة الجور، حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وعثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر في داره وصار يصلى بالناس رجل من الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه، فجاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة فماذا تأمرنا؟ قال: (يابن أخي! الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه، حيث بوب: [باب إمامة المفتون والمبتدع]، وأورد هذا الأثر عن عثمان .

والأحاديث التي فيها التنصيص على البر والفاجر ضعيفة، لكن الأصل عند العلماء أن من صحت صلاته صحت إمامته، فمن كان مسلماً وصلاته صحيحة فتصح إمامته، بمعنى: أن الإنسان لا يعيد الصلاة.

ومن يكون فاسقاً أو مبتدعاً بدعة غير مكفرة لا يجوز أن يقدم في الصلاة أو أن يختار لإمامة الناس، ولكنه لو تقدم أو حصل أنه تقدم وصلى الناس وراءه فلا يعيدون الصلاة، وصلاتهم صحيحة؛ لأنه هو نفسه صلاته صحيحة ما دام أنه مسلم ولم يصل إلى حد الكفر.

فمن صحت صلاته صحت إمامته، ولكنه لا يختار ليكون إماماً من يكون فاسقاً، وإنما الشأن فيما إذا وجدت الصلاة، أو كان إماماً راتباً، ولا يتمكن الإنسان من الصلاة في مسجد آخر، فإذا صلى وراءه فإن الصلاة تصح، والأحاديث التي وردت في ذلك ضعيفة، لكن الذي ورد فيما يتعلق بأئمة الجور يدل على أنهم يصلون، وأن صلاة من وراءهم تكون صحيحة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وقول عثمان رضي الله عنه: (الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) أخرجه البخاري في باب إمامة المفتون والمبتدع.

وقوله: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر) يعني: وإن حصل من هذا الإمام الفاجر الكبائر.