خطب ومحاضرات
المصرون على الهلاك
الحلقة مفرغة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجه ربنا وعظيم سلطانه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله حتى يرضى والشكر له إذا رضي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، نشهد أن لا إله إلا الله ولا رب ولا معبود بحقٍ سواه، نشهد أن الذي خلقنا هو الله، وأن الذي أحيانا ويميتنا ويبعثنا ويحشرنا وينشرنا هو الله، نشهد أن الذي يرزقنا ويمنعنا ويقبض رزقنا ويبسط في حظنا هو الله جل وعلا.
نشهد أنه المتصرف المالك المدبر المحيي المميت، المعز المذل، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك عمن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أشهد أن لا إله إلا الله فلا سجود ولا ركوع ولا توكل ولا حلف إلا به وعليه وله، ولا يجوز صرف قليل أو كثيرٍ من ذلك لغيره: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
أشهد أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى .. وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] فأسماء الله حسنى بالغة في الحسن غايتها، وصفات الله جُلَّى لا يشابهه فيها أحد جل عن الشبيه والند والنظير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
أيها الأحبة في الله: أحمد الله الذي جمعنا وإياكم وهدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي منَّ على قلوبنا فأَمرَتْ جوارحنا وانقادت لحضور حلقة من حلق الذكر لا نرجو فيها إلا ثواب الله جل وعلا، أنتم تعلمون أن المكان هنا ليس فيه حظٌ من حظوظ الدنيا، لا مال نقبضه، ولا رزق تقبضونه، ولا مرتبة تنالونها، وإنما اجتمعنا ونشهد الله ربنا المطلع علينا وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور منا، نشهده أنا جئنا حباً لكم في الله وأشهد الله جل وعلا وأشهدوا ربكم على أنفسكم أن ما جاء بكم إلا ابتغاء أن تحفكم الملائكة، وتغشاكم السكينة، وتتنزل عليكم الرحمة، ويذكركم الله فيمن عنده، ففي الحديث (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٍ من ملئه).
أحبابنا .. إخواننا يا رجال التوحيد .. يا وجوه الإيمان .. يا عزة الأمة بإذن الله جل وعلا: أيسركم أن تذكروا الآن في السماء السابعة في الملأ الأعلى؟
الله أكبر! فلان بن فلان تذكره الملائكة في الملأ الأعلى في السماء السابعة، يجلس حلقة من حلق الذكر جاء إليها لا يريد ريالاً ولا درهماً ولا خميصة ولا خميلة، ولا وظيفة ولا منصباً، جاء لكي يرضى الله عنه، وفي الحديث الطويل تعرفونه وأعيده حتى نستذكر النية: (إن لله ملائكة سيارين يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا نادى بعضهم بعضاً أن هلموا، فإذا اجتمعوا ناداهم ربهم علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمعوا يسألونك الجنة، ويستعيذون بك من النار، فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! وهل رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: لا يا رب! ما رأوها، فيقول الله: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً، فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا. فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! كيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً، فيقول الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرت لهم
هنيئاً لنا إن مشت بنا الأقدام إلى هذا المكان خالصين مخلصين لوجه الله لا نريد إلا رضا الله، هنيئاً لنا إن خلصت نياتنا لا نبتغي إلا رضا الله، إن رضي الله عنا فلا نسأل، إن رضي الله عنا فلا نبالي، إن صحت الحال بيننا وبين الله فما بيننا وبين الناس يصلح.
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضاب |
إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب تراب |
وليت الذي بيني وبينك عامـرٌ وبيني وبين العالمين خراب |
وفي الحديث وقول النبي أبلغ وقول الله أبلغ: (من ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عنه الناس).
اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، اللهم اجعل لنا من كل ضيقٍ مخرجاً، اللهم اجعل لنا من كل بلاءٍ عافية، ومن كل فتنة عصمة، اللهم جئنا نبتغي خيراً من فضلك ونعمة من نعمك، اللهم فلا تردنا محرومين يا رب العالمين!
اللهم لا تفرق جمعنا إلا بذنبٍ مغفور، وعيبٍ مستور، وتجارة لا تبور، اللهم لا تدع لهذه الوجوه الطيبة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً من ذكرٍ أو أنثى إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين!
أيها الأحبة: حديثنا اليوم بعنوان: " المصرون على الهلاك " تصور أن ناراً ملتهبة وألسنتها تتطاير في السماء، وأنتم ترون مجموعة من الرجال والنساء والفتيان والفتيات كلٌ ينزع ثيابه يريد أن يدخل هذه النار ويقتحمها، وأنتم تمسكون بحجزهم، وتأخذون بأعناقهم، وتدفعونهم إلى الوراء عن النار دفعاً، وهم يقولون: ابعدوا أيها المعقدون! ابعدوا أيها المتشددون! ابعدوا أيها المطاوعة! انقلعوا، يا أيها الذين لا تفقهون! نحن نفقه، هذه ليست ناراً .. هذه حضارة .. هذه مدنية .. هذه جنة .. هذه ليست ناراً .. هذه تقدم وتمدن وتحضر! أولئك هم المصرون على الهلاك.
المصرون على الهلاك: الظالمون الفاسقون، المصرون على المعاصي الذين لا يريدون أن يتوبوا .. المصرون على الهلاك .. الذين آذوا عباد الله، وناصبوا أولياء الله العداوة، وجعلوا وظيفتهم ومهمتهم إيذاء الصالحين من عباد الله جل وعلا، هؤلاء هم المصرون على الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولن نستعرض اليوم كل المصرين لكن سنستعرض طائفة منهم.
أيها الأحبة: ديننا عظيم! ديننا عظيم عظيم عظيم! ومادام الذي شرع الدين عظيماً فلا غرابة أن يكون الدين عظيماً، إذا شرع الدين حكيمٌ فلا عجب أن تكون الحكمة فيه، إذا شرع الدين رحيمٌ فلا غرابة أن تكون الرحمة في هذا الدين: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] إن ما ترون مِنْ شرع الله في هذا الدين في كل أمرٍ ونهي فيه من علم الله وصفاته جل وعلا حظاً ونصيباً، فرفع الحرج ودفع المشقة والتخفيف عن الناس من باب الرحمة بالعباد، والرحمة من أين جاءت؟ جاءت من الرحمن الرحيم، الذي نردد ونلهج بذكر اسمه في كل يومٍ في سبع عشرة ركعة في المفروضات:
بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3] وأنت يوم أن يحرم عليك في الدين شيء ليقال لك: اجتنب .. واترك .. وانزجر .. وابتعد .. وجانب .. ولا تقرب .. إنما ذلك لحكمة؛ لأن الله لا يشرع بلا حكمة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! لأن الله لا يشرع عبثاً لأن الله لا يشرع حيفاً أو ظلماً أو جوراً، إنما يشرع الله لحكمة: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8]؟ بلى.
إذاً: فإذا قال الله: افعلوا كذا، اجتنبوا كذا، فإن الله ما أمرنا بهذا الأمر تشدداً أو تزمتاً أو هوىً أو ظلماً أو جوراً، إنما ذلك لحكمة يراها الله.
ما هو رأيكم -يا إخوان- لو أننا زرنا مريضاً في المستشفى ووجدناه ينتفض من البرد، ووجدنا الطبيب قد مد يده هكذا على السرير ووضع المغذي في وريده، ماذا سيكون في المغذي؟ (جلوكوز) أو (دكتروز) سكر ثنائي أو سكر أحادي على ما يقرر الأطباء مع أشياء تنفع المريض في حالة الحمى أو البرد أو انخفاض درجة الحرارة، فإذا جاء واحدٌ من الذين لا يفقهون قال: يا دكتور! لماذا لا تضع في هذا المغذي زنجبيلاً حتى يدفيه؟! هذا مريض بردان ما تراه ينتفض من البرد؟ ما رأيك لو أننا أخذنا حقنة زنجبيل وجعلناها في المغذي لأجل يستدفئ الرجل فيتصبب عرقاً!! ماذا يقول الطبيب؟ يقول: يا أحمق! وهل تفقه في الطب شيئاً؟! هل تظن أننا جعلنا هذا المغذي من هذا النوع من فصيلة هذا الدواء عبثاً، أم أننا جعلناه لحكمة يعرفها الأطباء، ويعرفون أنها حينما تسري في بدن المريض فإن حرارته تعتدل من الانخفاض إلى الاعتدال أو من الارتفاع إلى الاعتدال؟! إذاً الطبيب لا يقرر من هوى نفسه حينما يعطيك دواءاً، وإنما يقرر لحكمة يعرفها درسها في الطب أن الذي يناسب هذا المريض هذا الدواء.
الطبيب حينما يكشف عليك ويقلب السماعات على صدرك -والحمد لله أن السماعات ما تخرج ما في القلوب لو أن السماعة تخرج ما يفكر به الإنسان لما ذهب أحد إلى المستشفى؛ لأن الناس في نفوسهم الشيء الكثير الكثير، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل) فحديث النفس معفو عنه، قال جل وعلا: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] قال الصحابة: يا رسول الله! إن كان الذي نبديه نحاسب عليه، وإن كان الذي نخفيه نحاسب عليه فقد هلكنا، فأنزل الله جل وعلا: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:184-286].
فإذا كان حديث النفس مما لا يقدر الإنسان على رده وكبحه، وإذا كانت خطرات الفكر مما لا يستطيع الإنسان أن يردها فحينئذٍ يعفى عن ذلك، وقال الله جل وعلا حينما دعاه المؤمنون، قال: قد فعلت قد فعلت .. رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286] وفي كلٍ يقول الله: قد فعلت قد فعلت، فالله جل وعلا لحكمة سلمنا وعافانا من حديث القلوب وما يدور في الخطرات، الحاصل أنك حينما تذهب إلى الطبيب ثم يعطيك الكبسولة الحمراء والصفراء والخضراء فإذا ذهبت إلى (الصيدلي) وأعطيته الورقة وقلت له: تفضل .. الطبيب كشف عليَّ وأعطاني هذا العلاج، فقام (الصيدلي) ونظر ما كتب الطبيب فأخذ كبسولاتٍ صفراء وحمراء وخضراء، لا يمكن أن يقول أحد: يا أخي! أنا هلالي أريد كبسولة زرقاء وبيضاء، أو أنا نصراوي أريد كبسولة صفراء وزرقاء! لا. القضية ليست أمزجة وهوى، المسألة مسألة حكمة، الطبيب يعرف ما يناسبك من الدواء فلا تتجاوز ذلك.
إذاً: فليست هوى، أتظن أن الطبيب الذي يصرف لك من الدواء ما يناسبك ولا يتعداه إلى ما تشتهي أو تهوى، يعطيك الدواء المر وأنت تشتهي الحلو، ويحرمك هذا الحلو ويختار لك المر؟ الطبيب يفعل ذلك لحكمة، أفتظن أن الله حرم عليك شيئاً وأباح لك شيئاً لغير حكمة؟! الله أكبر! الله جل وعلا ما شرع عبثاً وما خلق عبثاً: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ [المؤمنون:115-116] تعالى الله ربنا، جل تعالى وتقدست أسماؤه! ننزه ربنا أن يحرم علينا أشياء هوى، أو أن يأمرنا بأشياء مزاجاً وإنما هي لحكمة، وقد عرفنا أن الطبيب يأمرك لحكمة وينهاك عن حكمة، ويأمرك بأكل هذا الطعام وينهاك ويحجبك عن الطعام الآخر لحكمة، فإن الله أحكم الحاكمين يوم أن يأمرك وينهاك أيها العبد الفقير الذليل المسكين! يوم أن ينهاك عن الربا وعن التحاكم إلى غير شرعه، وينهاك عن الظلم، ويأمرك بالصلاة، ويأمرك على لسان نبيه بإعفاء لحيتك، ويأمرك بترك اللهو، ويأمرك بترك المعاصي، ليس ذلك عبثاً وإنما ذلك لحكمة جليلة.
إذا عرفنا ذلك -أيها الأحبة!- فإن كل خصال الدين مبنية على الحكمة، والله جل وعلا لا يقدِّر عبثاً.
من رحمة الله عدم محاسبته على حديث النفس
الطبيب حينما يكشف عليك ويقلب السماعات على صدرك -والحمد لله أن السماعات ما تخرج ما في القلوب لو أن السماعة تخرج ما يفكر به الإنسان لما ذهب أحد للمستشفى؛ لأن الناس في نفوسهم الشيء الكثير الكثير، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل) يعني: حديث النفس معفو عنه، قال جل وعلا: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] قال الصحابة: يا رسول الله! إن كان الذي نبديه نحاسب عليه، وإن كان الذي نخفيه نحاسب عليه فقد هلكنا، فأنزل الله جل وعلا: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:184-286].
فإذا كان حديث النفس مما لا يقدر الإنسان على رده وكبحه، وإذا كانت خطرات الفكر مما لا يستطيع الإنسان أن يردها فحينئذٍ يعفى عن ذلك، وقال الله جل وعلا حينما دعاه المؤمنون، قال: قد فعلت قد فعلت .. رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286] وفي كلٍ يقول الله: قد فعلت قد فعلت، فالله جل وعلا لحكمة سلمنا وعافانا من حديث القلوب وما يدور في الخطرات، الحاصل أنك حينما تذهب إلى الطبيب ثم يعطيك الكبسولة الحمراء والكبسولة الصفراء والكبسولة الخضراء فإذا ذهبت إلى الصيدلي وأعطيته الورقة وقلت له: تفضل الطبيب كشف عليَّ وأعطاني هذا العلاج، فقام الصيدلي ونظر ما كتب الطبيب فأخذ كبسولاتٍ صفراء وحمراء وخضراء، لا يمكن أن يقول أحد: يا أخي! أنا هلالي أريد كبسولة أزرق وأبيض، أو أنا نصراوي أريد كبسولة أصفر وأزرق! لا. القضية ليست أنسجة وهوى، المسألة مسألة حكمة الطبيب يعرف أنما يناسبك من الدواء الكبسولة الزرقاء والخضراء والحمراء لا تتجاوزها.
إذاً: فليست هوى، أتظنون أن الطبيب الذي يصرف لك من الدواء ما يناسبك ولا يتعداه إلى ما تشتهي أو تهوى يعطيك الدواء المر وأنت تشتهي الحلو، ويحرمك هذا الحلو ويختار لك المر، الطبيب يفعل ذلك لحكمة، أفتظن أن الله حرم عليك شيئاً وأباح لك شيئاً إلا لحكمة؟! الله أكبر! الله جل وعلا ما شرع عبثاً وما خلق عبثاً: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ [المؤمنون:115-116] تعالى الله يجل ربنا جل تعالى تقدست أسماؤه تنزه ربنا أن يحرم علينا أشياء هوى، أو أن يأمرنا بأشياء مزاج وإنما هي لحكمة، وقد عرفنا أن الطبيب يأمرك لحكمة وينهاك عن حكمة، ويأمرك بأكل هذا الطعام وينهاك ويحجبك عن الطعام الآخر لحكمة، فإن الله أحكم الحاكمين يوم أن يقول وينهاك أيها العبد الفقير الذليل المسكين يوم أن ينهاك عن الربا وينهاك عن التحاكم إلى غير شرعه، وينهاك عن الظلم، ويأمرك بالصلاة، ويأمرك على لسان نبيه بإعفاء لحيتك، ويأمرك بترك اللهو، ويأمرك بترك المعاصي، ليس ذلك عبثاً وإنما ذلك لحكمة جليلة.
إذا عرفنا ذلك -أيها الأحبة!- فإن كل خصال الدين مبنية على الحكمة، والله جل وعلا لا يقدر عبثاً.
مثال يدل على حكمة الله
أحبابنا .. لا تظنوا أن الله جل وعلا قدر شيئاً عبثاً، وما دامت مقادير الله في العباد ليست عبثاً، فمن باب أولى أن شرع الله دينه الذي هو مبني على افعل .. ولا تفعل .. التزم واجتنب .. وأن تلتزم وتفعل وأن تنتهي وتترك هذه مبنية على الحكمة البالغة.
دخول الجنة برحمة الله لا بالأعمال
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان |
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان |
يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان |
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان |
خودٌ تزف إلى ضرير مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان |
الجنة قريبة إلينا، إن بغياً من بغايا بني إسرائيل نزلت بئراً لتستقي فشربت، فلما خرجت من البئر إذ بها تر ى كلباً يأكل الثرى من العطش، فقالت الزانية: لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي من العطش، فنزلت مرة أخرى إلى البئر فنزعت موقها -أي: خفها- ثم ملأته ماءً وخرجت به إلى الكلب فسقت الكلب؛ فغفر الله لها فدخلت الجنة.
يا إخوان .. أتظنون أن الله جل وعلا محتاج إلينا حتى يجعل قضية الجنة محاسبة، القضية مبنية على الرحمة، وبعد ذلك على الاستجابة، الله جل وعلا حينما يدخلك الجنة لا يدخلك الجنة بأعمالك فقط، إنما قبل عملك برحمته، وبعد رحمته ينظر إلى استجابتك، ولو أن من عصى الله لا يدخل الجنة، ما دخل الجنة إلا المعصومون، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
من رحمة الله مناداة المسرفين بـ(يا عبادي)
الله جل وعلا ينادينا نحن المذنبين المفرطين المسرفين، وينادي معنا الذين زنوا، والذين فعلوا اللواط، والذين أكلوا الربا، والذين اقترفوا المكس، والذين نشروا الملاهي، والذين فعلوا..، الذي يتوب منهم توبة نصوحاً بشروطها يغفر الله له: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا [الزمر:53] ما قال: أذنبوا فقط، بل أسرفوا وبالغوا في الذنوب: أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] (وأنيبوا) نريد إنابة! نحتاج إلى استجابة: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].
وهذا نداءٌ فيه بشارة وبعده تحذير: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] لأن الله ما دعانا ليشق علينا، وإنما دعانا لكي يحيينا ويسعدنا وينفعنا ويجعل الطمأنينة في قلوبنا، وإن لم نستجب، وإن لم نتب؟ فإن ذلك يعني أن الإنسان قد يحال بينه وبين قلبه، ويصبح كالذي أصيب بحالة إدمانٍ لا يمكن معها الشفاء إلا برحمة الله جل وعلا.
أرجو ألا يقول سامعٌ: إنني في حالة إدمان ولست من الذين يشفون، لا. أنت الآن بإمكانك الشفاء، والطريق بين يديك، وباب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أو أن روحك بلغت الحلقوم وأصبحت في حال الغرغرة فحينئذٍ تنتهي القضية، لكن لا شك أن الذين يتوبون من قريب خيرٌ من الذين يتوبون من بعيد، الذي يتوب بعد فاحشة واحدة أقرب إلى الله من الذي يتوب بعد عشر فواحش، والذي يتوب إلى الله بعد ذنب أقرب إلى الله منه بعد كبيرة، والذي يتوب إلى الله بعد كبيرة أقرب إلى الله من الذي يتوب إلى الله بعد كبائر، وكل الناس قربهم من الله بحسب تقواهم، وبحسب إخباتهم إلى الله جل وعلا، المهم أن نعرف أن ديننا يدعونا إلى الخير، ويقربنا إلى الجنة، ويفتح لنا أبواب السعادة
عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلينا |
وكل طريقنا نورٌ وعزٌ ولكن ما رأينا السالكينا |
من سعة رحمة الله عدم مضاعفة السيئات بعكس الحسنات
من بركات هذا الدِّين أن السيئة سيئة والحسنة حسناتٌ تتضاعف، لكن الذين يعاجلون الحسنات، بعض الناس منذ أن يعمل حسنة يتبعها بسيئة، نحن أولاً متى نعرف أن الحسنة قبلت؟ متى نعلم أن هذه العبادة قبلت حتى تكتب لنا بها حسنة؟ فليس كل من صلى كتبت له الحسنات، إن من الناس من يدخل الصلاة فلا يكتب له إلا نصفها .. إلا ثلثها .. إلا ربعها، ومن الناس من يخرج من الصلاة لم يكتب له منها شيء، بمعنى أنه يؤدي الركوع والسجود ويحضر الجماعة فقط ليسلم من الإثم لكن قد لا يكسب حسنات يكبر: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقلبه في درج المدير.
وفيما يروى أن موسى عليه السلام قال: يا رب! إن عبدك فلان يدعوك فلا تستجيب له، فقال الله: يا موسى! إنه يدعوني وقلبه عند ماله. لو أن أحدكم يكلم المدير أو الضابط أو الرئيس وتنظر بعينك إلى وجهه، وقلبك عند الغنم أو عند الإبل، ولله المثل الأعلى، ولا نقيس الخالق بالمخلوق، لكن حتى تعرف أن المسألة ليست مجرد أفعال بل هي أفعالٌ وعبادة قلب، فمن حضر قلبه نفعته عبادته بإذن الله جل وعلا.
الطبيب حينما يكشف عليك ويقلب السماعات على صدرك -والحمد لله أن السماعات ما تخرج ما في القلوب لو أن السماعة تخرج ما يفكر به الإنسان لما ذهب أحد للمستشفى؛ لأن الناس في نفوسهم الشيء الكثير الكثير، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل) يعني: حديث النفس معفو عنه، قال جل وعلا: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] قال الصحابة: يا رسول الله! إن كان الذي نبديه نحاسب عليه، وإن كان الذي نخفيه نحاسب عليه فقد هلكنا، فأنزل الله جل وعلا: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:184-286].
فإذا كان حديث النفس مما لا يقدر الإنسان على رده وكبحه، وإذا كانت خطرات الفكر مما لا يستطيع الإنسان أن يردها فحينئذٍ يعفى عن ذلك، وقال الله جل وعلا حينما دعاه المؤمنون، قال: قد فعلت قد فعلت .. رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286] وفي كلٍ يقول الله: قد فعلت قد فعلت، فالله جل وعلا لحكمة سلمنا وعافانا من حديث القلوب وما يدور في الخطرات، الحاصل أنك حينما تذهب إلى الطبيب ثم يعطيك الكبسولة الحمراء والكبسولة الصفراء والكبسولة الخضراء فإذا ذهبت إلى الصيدلي وأعطيته الورقة وقلت له: تفضل الطبيب كشف عليَّ وأعطاني هذا العلاج، فقام الصيدلي ونظر ما كتب الطبيب فأخذ كبسولاتٍ صفراء وحمراء وخضراء، لا يمكن أن يقول أحد: يا أخي! أنا هلالي أريد كبسولة أزرق وأبيض، أو أنا نصراوي أريد كبسولة أصفر وأزرق! لا. القضية ليست أنسجة وهوى، المسألة مسألة حكمة الطبيب يعرف أنما يناسبك من الدواء الكبسولة الزرقاء والخضراء والحمراء لا تتجاوزها.
إذاً: فليست هوى، أتظنون أن الطبيب الذي يصرف لك من الدواء ما يناسبك ولا يتعداه إلى ما تشتهي أو تهوى يعطيك الدواء المر وأنت تشتهي الحلو، ويحرمك هذا الحلو ويختار لك المر، الطبيب يفعل ذلك لحكمة، أفتظن أن الله حرم عليك شيئاً وأباح لك شيئاً إلا لحكمة؟! الله أكبر! الله جل وعلا ما شرع عبثاً وما خلق عبثاً: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ [المؤمنون:115-116] تعالى الله يجل ربنا جل تعالى تقدست أسماؤه تنزه ربنا أن يحرم علينا أشياء هوى، أو أن يأمرنا بأشياء مزاج وإنما هي لحكمة، وقد عرفنا أن الطبيب يأمرك لحكمة وينهاك عن حكمة، ويأمرك بأكل هذا الطعام وينهاك ويحجبك عن الطعام الآخر لحكمة، فإن الله أحكم الحاكمين يوم أن يقول وينهاك أيها العبد الفقير الذليل المسكين يوم أن ينهاك عن الربا وينهاك عن التحاكم إلى غير شرعه، وينهاك عن الظلم، ويأمرك بالصلاة، ويأمرك على لسان نبيه بإعفاء لحيتك، ويأمرك بترك اللهو، ويأمرك بترك المعاصي، ليس ذلك عبثاً وإنما ذلك لحكمة جليلة.
إذا عرفنا ذلك -أيها الأحبة!- فإن كل خصال الدين مبنية على الحكمة، والله جل وعلا لا يقدر عبثاً.
حدثني قبل يومين رجلٌ عن صديقٍ له قال: توفيت زوجته أثناء الولادة رحمها الله، والمرأة التي تموت بالولد شهيدة، وهذه من كرامات النساء إن المرأة إذا ماتت أثناء الولادة فلها أجر الشهيد عند الله جل وعلا، قال: ماتت هذه المرأة وقد أنجبت طفلة وخرجت الطفلة إلى الحياة، روحٌ تخرج وروحٌ تصعد! روحٌ تخرج إلى الحياة من ظلمات ثلاث وروحٌ تصعد إلى باريها! انتهى أجلها، فأين الثدي الذي يرضع هذه البنية؟! من يربي هذه الفتاة؟! من يلتفت لها؟! كتب الله أن تزوج الرجل زوجة أخرى، فمكث معها سنة وسنتين وثلاث سنوات ما أنجبت فأراد أن يطلقها، قال له أحد العلماء: لا تطلقها يا أخي، لا تعجل والله جل وعلا سيقسم لك رزقاً، فبلغت السنة الرابعة ما أنجبت، فأبى الرجل يريد أن يطلق قال له الشيخ: يا بن الحلال! لا تطلق، الله عز وجل يريد لك خيراً، فلما جاءت السنة السابعة حملت المرأة فأنجبت، فجاء الرجل إلى الشيخ وقال: يا شيخ! أنجبت المرأة في السنة السابعة، قال: لو أنجبت المرأة في أول سنة لانشغلت بولدها عن طفلتك، فمنعها الله الحمل سبع سنين حتى تتفرغ لرعاية ابنتك الصغيرة، ولما بلغت سبع سنين في بداية التمييز، أذن الله بالنطفة أن تلتقي في رحمها بما أودع في جوفها فكان إنساناً كونه الله وهو أرحم الراحمين.
أحبابنا .. لا تظنوا أن الله جل وعلا قدر شيئاً عبثاً، وما دامت مقادير الله في العباد ليست عبثاً، فمن باب أولى أن شرع الله دينه الذي هو مبني على افعل .. ولا تفعل .. التزم واجتنب .. وأن تلتزم وتفعل وأن تنتهي وتترك هذه مبنية على الحكمة البالغة.
أيها الأحبة: قال صلى الله عليه وسلم: (الجنة أدنى إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك) إن الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الجنة التي يقول فيها ابن القيم :
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان |
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان |
يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان |
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان |
خودٌ تزف إلى ضرير مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان |
الجنة قريبة إلينا، إن بغياً من بغايا بني إسرائيل نزلت بئراً لتستقي فشربت، فلما خرجت من البئر إذ بها تر ى كلباً يأكل الثرى من العطش، فقالت الزانية: لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي من العطش، فنزلت مرة أخرى إلى البئر فنزعت موقها -أي: خفها- ثم ملأته ماءً وخرجت به إلى الكلب فسقت الكلب؛ فغفر الله لها فدخلت الجنة.
يا إخوان .. أتظنون أن الله جل وعلا محتاج إلينا حتى يجعل قضية الجنة محاسبة، القضية مبنية على الرحمة، وبعد ذلك على الاستجابة، الله جل وعلا حينما يدخلك الجنة لا يدخلك الجنة بأعمالك فقط، إنما قبل عملك برحمته، وبعد رحمته ينظر إلى استجابتك، ولو أن من عصى الله لا يدخل الجنة، ما دخل الجنة إلا المعصومون، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2437 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |