خطب ومحاضرات
القواعد لابن اللحام [28]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فليس كل ما ذكره المؤلف في مسألة مخالفة الصحابي لصحابي آخر محل إجماع، فمسألة أمهات الأولاد مثلاً خالف فيها علي بن أبي طالب، ونأخذ مثالاً آخر: مسألة ما زاد على أربع تكبيرات في الجنائز، اختلفوا فالذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أربع، وثبت عن ابن عباس ثلاث، وثبت عن علي ست، وكانوا قد اختلفوا في عهد عمر، وقد ذكره أبو عمر بن عبد البر رواية عنه، وروى عبد الرزاق أن عمر جمع الصحابة في ذلك، فاتفقوا على ألا يزاد عن أربع، لكن المشكلة أن علي بن أبي طالب كما روى عبد الرزاق و البيهقي صلى على سهل بن حنيف وكبر ستاً وقال: إنه من أهل بدر، فهذا بعد الخلاف، فدل على أن هذا من باب الاستحسان وليس من باب الإجماع، والله أعلم، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح مسلم : ( كبر خمساً )، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أكثر من ذلك، فدل على أن الواجب أربع والخامسة جائزة، وأما الست فإنما هو من فعل الصحابي وهو علي رضي الله عنه.
وأما ما زاد على ذلك فقد صحح الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر سبعاً أو تسعاً، وهذا خطأ؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على أهل بدر، كما ثبت في الصحيحين؛ لأنهم شهداء، وما روي من أنه كبر سبعاً أو تسعاً كما ذكر الألباني رحمه الله وصححه إنما هو في شهداء أهل بدر، والصحيح أن شهداء أهل بدر لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وإنما دعا لهم، والدعاء بمثابة الصلاة، فظن بعضهم أن الصلاة عليهم كانت بالمعنى الشرعي وليس كذلك بل هو مثلما ذهب إلى أهل البقيع فصلى عليهم صلاته على الميت، وصلاته على الميت يعني دعاءه كما يدعو للميت، والله أعلم.
فما زاد على أربع من التكبيرات لا نقول فيها مستحبات، نقول: جائزة أحياناً تفعل، ما تفعل دائماً، إنما فعلها صلى الله عليه وسلم مرة لبيان الجواز، والذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً هو الأربع، ودائماً نحن نقول: إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر على الدوام، وفعله مرة على خلافه فذلك يدل على الجواز، وقد قررنا أن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم على مراتب، ذكرنا أفعاله التي خرجت بياناً لمجمل القول وداوم عليها، وأنها تحمل على الوجوب مثل خطبة الجمعة، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ [الجمعة:9]، فهذا أمر بينه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والمراتب كثيرة في هذا.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا تظن أنها تنفي كون قوله حجة بناء على ما تلقيته من اصطلاح المتأخرين أن التقليد: قبول قول الغير بغير حجة، فهذا اصطلاح حادث، وقد صرح الشافعي في موضع من كلامه بتقليد خبر الواحد فقال: قلت: هذا تقليداً للخبر].
مسألة التقليد عند المتقدمين يقصدون بها الاتباع، والتقليد عندهم ليس مثل تقليد المتأخرين؛ لأن تقليد المتأخرين هو: أن يوافق قول من يقلده من غير علم، كالعامي يقلد العالم، وأما العالم فلا يقلد عالماً مثله، ولا يقلَّد، والصحيح أن التقليد نوع من الاتباع أيضاً؛ ولهذا يقول الشافعي : أنا أقلد النص، يعني: أنا أتبع النص، والله أعلم.
قول التابعي إذا لم يخالف القياس
قال الشيخ أبو البركات في منتهى الغاية في مسألة: من قام من نوم الليل فغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، في ضمن كلامه وزوال طهوريته: قول أبى الحسن البصري وهو مخالف للقياس، والتابعي إذا قال مثل ذلك فإنه حجة؛ لأن الظاهر أنه توقيف عن صحابي أو نص ثبت عنده، وقال أيضاً عن قول أسد بن وداعة : في التخفيف بقراءة يس عند المحتضر.
قلت: وقد احتج أحمد بقول عطاء: أقل يوم، وقال ذلك أيضاً ابن الأنباري المتأخر في حلية العربية في قول مقاتل: كلام أهل السماء عربي، ولكن ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم أنه ليس بحجة وذكره ابن عقيل محل وفاق ].
أما الإمام أحمد رحمه الله عندما أخذ بقول عطاء فإنه حينما يأخذ بقول التابعي فإنه يرى أنه أقرب إلى صحة القول، وليس معناه أنه يراه حجة، وفرق بين الأمرين، فأنا حينما أقول: أقرب الأقوال هو قول الحسن البصري، أو محمد بن سيرين فليس معنى ذلك أني أرى قوله حجة، فإنني قد أرى أن قوله أقرب إلى القياس، وأقرب إلى ظاهر النص، وأقرب إلى ظاهر عموم الكتاب والسنة، فإن الذي يعرف أن أحمد لا يرى قول التابعي حجة، وإنما يرى قول الصحابي، وبالتالي فإن الأمثلة كهذه لا تفيد وجوب الاتباع أو الحجية.
قول التابعي إذا خالف القياس
هذا هو الصحيح.
قال المؤلف: [ وحكى بعضهم رواية عن أحمد أنه حجة، قال ابن عقيل : لا يخص العموم ولا يقيد به؛ لأنه ليس بحجة، قال: وعنه جواز ذلك، ثم ذكر قول أحمد: لا يكاد يجيء بشيء عن التابعين إلا يوجد عن الصحابة ].
كل هذه أقوال، قال فلان، قال فلان، والخلافات لا تنتهي، وأنا دائماً أقول: مثل هذه المسائل المبنية على القواعد الأصولية لا ينبغي كثرة الخلاف فيها، انظر إلى أقوال عموم العلماء، وعموم الصحابة، وعموم التابعين، وعموم مذاهب الجمهور؛ لأنها تقعيدات وليست نصوصاً جزئية، فأنت لا بد أن تقعد قولك وتبنيه على أصول كبيرة، أما المسائل الفرعية مثل قول الإسفراييني أو قول الرازي وغيره، ومثل الرازي أو الآمدي ربما يكون تقريرهم للقواعد مبنياً على العقل، وليست مبنية على النص، ولهذا يخفى عليهم مسائل كثيرة في الأحاديث، أما جمهور الأئمة فبنوا أصولهم على أمرين:
الأول: على مدارس الصحابة، والثاني: على أنها أقرب إلى ظاهر الكتاب والسنة، وأما المسائل الجزئية التي نسميها: المسائل العملية وليست الأصول فيرجع فيها إلى الدليل، والله أعلم.
تفسير التابعي
أما تفسير الصحابي فإنه لا يخلو من أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون تفسير الصحابي في أمور لا يعلمها العقل، يعني: أمور الغيب، فإن أكثر أهل العلم يرى أن تفسير الصحابي فيما لا يدرك بالعقل، ولا يعرف صاحبه أنه يأخذ من أهل الكتاب فهو حجة.
فقول الصحابي إذا فسر القرآن أو قال قولاً لا يعرف بالعقل، ولم يكن يأخذ عن بني إسرائيل يعتبر حجة، وأما إن كان يأخذ عن بني إسرائيل كــابن عباس و أبي هريرة و عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنهم لا يرونه حجة، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ).
قال المؤلف رحمه الله: [ فائدة: قال القاضي أبو يعلى: وإذا اختلف التابعون في الحادثة جاز لغيرهم الدخول معهم في الاجتهاد إذا كانوا من أهل الاجتهاد.
قلت: وذكر أبو العباس رواية أخرى عن أحمد أنهم لا يدخلون معهم في الاجتهاد، ويسقط قولهم، معهم، والله أعلم.
تمت القواعد وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم والحمد لله رب العالمين ].
الحمد لله رب العالمين، الآن والحمد لله انتهينا من الكتاب، وأما المسائل والفوائد هذه فنأخذها على عجل.
قال المؤلف رحمه الله: [ فائدة: فإن قال التابعي قولاً لا يخالف القياس فهل يكون حكمه في ذلك حكم الصحابي، بأن يجعل في حكم التوقيف على القول به، أم يجعل كمجتهداته؟
قال الشيخ أبو البركات في منتهى الغاية في مسألة: من قام من نوم الليل فغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، في ضمن كلامه وزوال طهوريته: قول أبى الحسن البصري وهو مخالف للقياس، والتابعي إذا قال مثل ذلك فإنه حجة؛ لأن الظاهر أنه توقيف عن صحابي أو نص ثبت عنده، وقال أيضاً عن قول أسد بن وداعة : في التخفيف بقراءة يس عند المحتضر.
قلت: وقد احتج أحمد بقول عطاء: أقل يوم، وقال ذلك أيضاً ابن الأنباري المتأخر في حلية العربية في قول مقاتل: كلام أهل السماء عربي، ولكن ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم أنه ليس بحجة وذكره ابن عقيل محل وفاق ].
أما الإمام أحمد رحمه الله عندما أخذ بقول عطاء فإنه حينما يأخذ بقول التابعي فإنه يرى أنه أقرب إلى صحة القول، وليس معناه أنه يراه حجة، وفرق بين الأمرين، فأنا حينما أقول: أقرب الأقوال هو قول الحسن البصري، أو محمد بن سيرين فليس معنى ذلك أني أرى قوله حجة، فإنني قد أرى أن قوله أقرب إلى القياس، وأقرب إلى ظاهر النص، وأقرب إلى ظاهر عموم الكتاب والسنة، فإن الذي يعرف أن أحمد لا يرى قول التابعي حجة، وإنما يرى قول الصحابي، وبالتالي فإن الأمثلة كهذه لا تفيد وجوب الاتباع أو الحجية.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
القواعد لابن اللحام [21] | 2467 استماع |
القواعد لابن اللحام [3] | 2349 استماع |
القواعد لابن اللحام [23] | 2233 استماع |
القواعد لابن اللحام [22] | 2224 استماع |
القواعد لابن اللحام [8] | 2083 استماع |
القواعد لابن اللحام [2] | 1925 استماع |
القواعد لابن اللحام [16] | 1923 استماع |
القواعد لابن اللحام [9] | 1871 استماع |
القواعد لابن اللحام [17] | 1825 استماع |
القواعد لابن اللحام [27] | 1796 استماع |