عمدة الفقه - كتاب الحج [9]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين.

قال المؤلف رحمه الله: [الضرب الثاني: على الترتيب، وهو المتمتع يلزمه شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. وفدية الجماع بدنة فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع، وكذلك الحكم في دم الفوات. والمحصر يلزمه دم فإن لم يجد فصيام عشرة أيام، ومن كرر محظوراً ..].

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد:

المؤلف رحمه الله بعدما قسم باب الفدية إلى قسمين: قسم على التخيير, وقسم على الترتيب، وآخر ما جاء في القسم الأول -وهو التخيير- قال: [وجزاء الصيد] وجزاء الصيد معناه: هو ما يستحق بدله على من قتل هذا الصيد إما بمباشرة أو تسبب: كالدلالة أو الإعانة أو غير ذلك.

والصيد هنا ينقسم إلى قسمين:

الصيد المثلي للمحرم وأحكامه

الشيخ: القسم الأول: ما له مثل، والقسم الثاني: ما ليس له مثل، ومعنى ما له مثل: يعني ما يشابه بهيمة الأنعام من الصيد، وليس المراد بالمشابهة والمماثلة هنا حقيقة المشابهة أو حقيقة المماثلة, إذ بين النعم وبين الصيد فروق، ولكن المراد هو أن يكون ثمة شبه أو موافقة بين الصيد وبين بهيمة الأنعام، فإذا كان ثمة شبه ولو بصورة واحدة فإنه يجوز أن نقول: أنه من المماثلة.

مثال على ذلك: الحمامة مثلاً شابهت الشاة من حيث إن الحمامة إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تشرب ورأسها إلى جهة الماء، ولا ترفع رأسها وتضع الماء في الحويصلة مثل الدجاج وغيرها من الطيور ثم ترجع فتشرب، فشابهت الشاة -كما حكم بذلك الصحابة- بطريقة شرب الماء، فالحمامة إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تبع بعاً، بمعنى أنها لا تجمع الماء ثم ترفع رأسها وتبتلعه، بل إنها تشرب وما زال رأسها إلى الماء فشابهت الشاة من هذا الوجه، ولهذا نقول: لا يلزم في المماثلة المماثلة الكلية, بل ولو كان الشبه في صورة واحدة جاز أن يكون لهذا الصيد مثل.

وحكم ما له مثل ذكره الله سبحانه وتعالى بثلاثة أشياء، قال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، هذا القسم الأول: جزاء بالمثل، فإن لم يكن فله أيضاً أن ينتقل إلى كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، ومعنى كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ يعني: يقوّم هذا المثل بدراهم ويشتري بها طعاماً، فلو أنه قتل حمامة وقلنا: إن الحمامة تقدر بالشاة، فكم قيمة الشاة إذا أراد ألا يذبح شاة، قلنا: قيمة الشاة ثلاثمائة ريال، فيشتري بثلاثمائة ريال طعاماً، وهذا هو معنى قوله تعالى: أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، وهذا القسم الثاني الذي له الخيار فيه: إما أن يذبح مثله وهو الشاة، فإن لم يجد أو لم يستطع أو أحب أن يطعم فنقول: قدر الشاة بدراهم وتشتري بها طعاماً ويقسم هذا الطعام.

فالمؤلف يقول: إن كان براً -يعني قمحاً- فلكل مسكين مد بر، والمد هو ملء الكف المعتدلة المليئة، هذا هو المد إن كان براً، وإن لم يكن براً كغيره من الأطعمة فإنه يطعمه نصف صاع، والصاع هو: أربعة أمداد، ونصفه مدان، وربعه مد، فإذا كان الطعام غير بر فإن المؤلف رحمه الله يقول: يطعم نصف صاع لكل مسكين.

وإذا أحب ألا يطعم وأحب الصيام فالمؤلف يقول: يقدر كل مد فيصوم عنه يوماً، فلو قدر أني اشتريت بثلاثمائة ريال مائة صاع شعيراً أو مائة صاع أرزاً، والصاع فيه أربعة أمداد، وأربعة في مائة يساوي أربعمائة، فعلى كلام المؤلف يصوم الإنسان عن كل مدين؛ لأنه أرز وليس قمحاً، وفي المثال معنا أربعمائة مد فكم يصوم على كلام المؤلف؟ الجواب: مائتي يوم؛ لأن كل مدين يقدر بصيام يوم إذا كان الطعام غير بر، وإن كان الطعام براً صام أربعمائة يوم، وهذا هو معنى قوله: كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، عدل الطعام لكل مسكين مد بر أو غيره من الطعام نصف صاع، هذا كلام المؤلف رحمه الله، وسوف نأتي إليه قريباً، لكن هذا شرحنا له في الجملة.

والصيد الذي له مثل هو الصيد المثلي، ومعنى المثلي هو ما له مثل من بهيمة الأنعام، ويقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يتقدم فيه حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، فالمرجع إلى ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم، مثال ذلك: ما رواه ابن ماجه و الدارقطني وإن كان في سنده ضعف: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع شاة ) هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، فلو قتل رجل ضبعاً فإننا نقول: المرجع فيه إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: أن يتقدم فيه حكم من الصحابة رضي الله عنهم، فالمرجع في ذلك إلى ما حكم الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك: ما رواه البيهقي وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و علي بن أبي طالب و عثمان حكموا في الظبي -وهو أكبر من الغزال- بشاة, وفي الغزال بماعز، فيجب علينا أن نصير إلى ما صار إليه الصحابة رضي الله عنهم.

القسم الثالث: ألا يتقدم فيه حكم عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة، فالمرجع هنا ما ذكره الله بقوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، فيقوم رجلان خبيران فيقدران هذا الصيد بشيء مثله، فإن لم يكن له مثل فهذا هو القسم الثاني، وقد قسمنا الصيد إلى قسمين: ما له مثل، والثاني: ما ليس له مثل، وقلنا: إن ما له مثل يقدر بمثله من النعم، فإن أحب أن يفتدي بالنعم الشاة مثلاً وإلا قلنا له: قدر قيمة الشاة دراهم تشتري بها طعاماً وهذا القسم هو النوع الثاني من التخيير، فإن قال: أنا لا أريد أن أطعم؛ لأنه ليس عندي مال قلنا له: هذا الطعام قسمه على كلام المؤلف مداً إن كان براً، أو نصف صاع إن كان شعيراً أو أرزاً فقسم هذا الطعام لكل مسكين نصف صاع، ثم صم عن كل نصف صاع يوماً، والمؤلف رحمه الله ذكر أنه يطعم لكل مسكين مداً من بر أو يصوم عن كل مد يوماً، هذا مذهب الحنابلة، وذهب الحنفية وهو قول ابن عباس كما رواه البيهقي وغيره: إلى أن الطعام يقدر على أنه نصف صاع، لكل نصف صاع يوم يصومه الإنسان، ولا فرق في ذلك بين البر وبين غيره، وهذا هو فتوى ابن عباس رضي الله عنه، وهذا القول أقوى: أولاً: لأنها فتوى ابن عباس ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر كفارة الأذى إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة، وعلى هذا فيقال: كل كفارة فيها طعام فيقدر لكل مسكين نصف صاع، وعلى هذا فإذا مر معنا في الكفارات في كلام المؤلف الحنبلي أو كلام الشافعية؛ لأنهم وافقوا الحنابلة إذا قالوا: مداً لكل مسكين قلنا: الراجح هو مذهب أبي حنيفة أن يقدر بمدين لا بمد.

حكم ما ليس له مثل من صيد المحرم

الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول: (مثل ما قتل من النعم إلا الطائر) الطيور ليس لها مثل؛ لأنها لا تشابه الحيوانات، فالدجاجة مثلاً إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تجعل في حويصلتها شيئاً من الماء ثم ترفع رأسها حتى يدخل الماء إلى جوفها.

قال المؤلف: (إلا الطائر فإن فيه قيمته)؛ لأن الله يقول: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ وهذا هو القسم الثاني من أنواع الصيد مما ليس له مثل، فالطائر ليس له مثل، فلو قتل شخص مثلاً صفارة أو قتل قمرياً من الطيور التي تصاد، أو صاد حجلاً, فالحجل ليس له مثل من بهيمة الأنعام قال المؤلف: (إلا الحمامة)، فالحمامة مثلها تقدر بشاة كما حكم بذلك الصحابة؛ لأنها شابهت بهيمة الأنعام في طريقة شربها للماء.

أما لو قتل حجلاً أو قمرياً فإن المؤلف يقول: ليس له مثل، ولكن له القيمة، والسؤال: هل يقدر قيمة الصيد أم المثل؟ نقول: يقدر الصيد؛ لأنه ليس له مثل، فإذا قتل مثلاً حجلاً فإننا نقدر قيمته، فنقول مثلاً: قيمته مائة ريال .. مائة وخمسون ريالاً .. مائتا ريال تقريباً.

أما لو قتل شخص جراداً في الحرم، فالجرادة تقدر تقريباً بريال، فيطعم بريال، فإذا قال: والله أنا ما عندي ريال، فنقول: قدر هذا الريال طعاماً، -وقلنا: إن الراجح أنه يقدر الطعام نصف صاع لكل مسكين- والريال ما يأتي إلا بأقل من المد، والعلماء قالوا: إذا كان الطعام نصف صاع أو أقل يقدره على أنه يصوم بدله يوماً واحداً، فلو أننا قلنا: إنه يطعم عن كل مسكين نصف صاع ولكنه مع القسم صار بعض نصف الصاع يعني مد، أو صار بعض المد، فإن العلماء يقولون: يصوم عن بعض المد على أنه مد كامل أو على أنه نصف مد على الخلاف.

أعيد: فلو أنه قسم الطعام وبقي آخر الطعام -على كلام المؤلف- بعض المد، المؤلف يقول: يصوم عن كل مد يوماً، لكن لو كان بعض المد، فقال العلماء: يصوم أيضاً يوماً؛ قالوا: لأنه لا يتجزأ الصوم فيصوم يوماً سواء وعن مد أو عن نصف صاع.

فدية صيد المحرم للحمامة أو النعامة

الشيخ: المؤلف يقول: (إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة ففيها بدنة)، وقد حكم عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و عثمان و معاوية رضي الله عنهم أجمعين على أن من قتل نعامة ففيها بدنة، والبدنة بعير، فمن قتل نعامة فجزاؤها من النعم بعير، فلو قال شخص: الآن النعامة تساوي بدنة، والبدنة بعير، فهل تجزئ البقرة؟ الأقرب والله أعلم أنها تجزئ؛ لأن البقرة تسمى بدنة. طيب لو أننا في هذا الزمان جاء شخص وقال: قتلت نعامة، قالوا: النعامة تساوي الآن ألف ريال والبعير يساوي ألفين وخمسمائة، هل نقول: إن النعامة تقدر كبشاً كبيراً أو شاة من النوع الطيب؟ نقول: لا؛ لأن النعامة حكم بها الصحابة فلا يجوز لنا أن نعدل عن حكمهم.

المؤلف هنا قال: (ويخير بين إخراج المثل أو تقويمه بطعام فيطعم لكل مسكين مداً من بر)، وقلنا الراجح: أن يطعم لكل مسكين نصف صاع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالإطعام في فدية الأذى بنصف صاع لكل مسكين كما في حديث كعب بن عجرة قال: ( صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو اذبح شاة ) فنقول: المعول عليه هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الأذى.

الشيخ: القسم الأول: ما له مثل، والقسم الثاني: ما ليس له مثل، ومعنى ما له مثل: يعني ما يشابه بهيمة الأنعام من الصيد، وليس المراد بالمشابهة والمماثلة هنا حقيقة المشابهة أو حقيقة المماثلة, إذ بين النعم وبين الصيد فروق، ولكن المراد هو أن يكون ثمة شبه أو موافقة بين الصيد وبين بهيمة الأنعام، فإذا كان ثمة شبه ولو بصورة واحدة فإنه يجوز أن نقول: أنه من المماثلة.

مثال على ذلك: الحمامة مثلاً شابهت الشاة من حيث إن الحمامة إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تشرب ورأسها إلى جهة الماء، ولا ترفع رأسها وتضع الماء في الحويصلة مثل الدجاج وغيرها من الطيور ثم ترجع فتشرب، فشابهت الشاة -كما حكم بذلك الصحابة- بطريقة شرب الماء، فالحمامة إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تبع بعاً، بمعنى أنها لا تجمع الماء ثم ترفع رأسها وتبتلعه، بل إنها تشرب وما زال رأسها إلى الماء فشابهت الشاة من هذا الوجه، ولهذا نقول: لا يلزم في المماثلة المماثلة الكلية, بل ولو كان الشبه في صورة واحدة جاز أن يكون لهذا الصيد مثل.

وحكم ما له مثل ذكره الله سبحانه وتعالى بثلاثة أشياء، قال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، هذا القسم الأول: جزاء بالمثل، فإن لم يكن فله أيضاً أن ينتقل إلى كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، ومعنى كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ يعني: يقوّم هذا المثل بدراهم ويشتري بها طعاماً، فلو أنه قتل حمامة وقلنا: إن الحمامة تقدر بالشاة، فكم قيمة الشاة إذا أراد ألا يذبح شاة، قلنا: قيمة الشاة ثلاثمائة ريال، فيشتري بثلاثمائة ريال طعاماً، وهذا هو معنى قوله تعالى: أو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، وهذا القسم الثاني الذي له الخيار فيه: إما أن يذبح مثله وهو الشاة، فإن لم يجد أو لم يستطع أو أحب أن يطعم فنقول: قدر الشاة بدراهم وتشتري بها طعاماً ويقسم هذا الطعام.

فالمؤلف يقول: إن كان براً -يعني قمحاً- فلكل مسكين مد بر، والمد هو ملء الكف المعتدلة المليئة، هذا هو المد إن كان براً، وإن لم يكن براً كغيره من الأطعمة فإنه يطعمه نصف صاع، والصاع هو: أربعة أمداد، ونصفه مدان، وربعه مد، فإذا كان الطعام غير بر فإن المؤلف رحمه الله يقول: يطعم نصف صاع لكل مسكين.

وإذا أحب ألا يطعم وأحب الصيام فالمؤلف يقول: يقدر كل مد فيصوم عنه يوماً، فلو قدر أني اشتريت بثلاثمائة ريال مائة صاع شعيراً أو مائة صاع أرزاً، والصاع فيه أربعة أمداد، وأربعة في مائة يساوي أربعمائة، فعلى كلام المؤلف يصوم الإنسان عن كل مدين؛ لأنه أرز وليس قمحاً، وفي المثال معنا أربعمائة مد فكم يصوم على كلام المؤلف؟ الجواب: مائتي يوم؛ لأن كل مدين يقدر بصيام يوم إذا كان الطعام غير بر، وإن كان الطعام براً صام أربعمائة يوم، وهذا هو معنى قوله: كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، عدل الطعام لكل مسكين مد بر أو غيره من الطعام نصف صاع، هذا كلام المؤلف رحمه الله، وسوف نأتي إليه قريباً، لكن هذا شرحنا له في الجملة.

والصيد الذي له مثل هو الصيد المثلي، ومعنى المثلي هو ما له مثل من بهيمة الأنعام، ويقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يتقدم فيه حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، فالمرجع إلى ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم، مثال ذلك: ما رواه ابن ماجه و الدارقطني وإن كان في سنده ضعف: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع شاة ) هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، فلو قتل رجل ضبعاً فإننا نقول: المرجع فيه إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني: أن يتقدم فيه حكم من الصحابة رضي الله عنهم، فالمرجع في ذلك إلى ما حكم الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك: ما رواه البيهقي وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و علي بن أبي طالب و عثمان حكموا في الظبي -وهو أكبر من الغزال- بشاة, وفي الغزال بماعز، فيجب علينا أن نصير إلى ما صار إليه الصحابة رضي الله عنهم.

القسم الثالث: ألا يتقدم فيه حكم عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة، فالمرجع هنا ما ذكره الله بقوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، فيقوم رجلان خبيران فيقدران هذا الصيد بشيء مثله، فإن لم يكن له مثل فهذا هو القسم الثاني، وقد قسمنا الصيد إلى قسمين: ما له مثل، والثاني: ما ليس له مثل، وقلنا: إن ما له مثل يقدر بمثله من النعم، فإن أحب أن يفتدي بالنعم الشاة مثلاً وإلا قلنا له: قدر قيمة الشاة دراهم تشتري بها طعاماً وهذا القسم هو النوع الثاني من التخيير، فإن قال: أنا لا أريد أن أطعم؛ لأنه ليس عندي مال قلنا له: هذا الطعام قسمه على كلام المؤلف مداً إن كان براً، أو نصف صاع إن كان شعيراً أو أرزاً فقسم هذا الطعام لكل مسكين نصف صاع، ثم صم عن كل نصف صاع يوماً، والمؤلف رحمه الله ذكر أنه يطعم لكل مسكين مداً من بر أو يصوم عن كل مد يوماً، هذا مذهب الحنابلة، وذهب الحنفية وهو قول ابن عباس كما رواه البيهقي وغيره: إلى أن الطعام يقدر على أنه نصف صاع، لكل نصف صاع يوم يصومه الإنسان، ولا فرق في ذلك بين البر وبين غيره، وهذا هو فتوى ابن عباس رضي الله عنه، وهذا القول أقوى: أولاً: لأنها فتوى ابن عباس ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر كفارة الأذى إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة، وعلى هذا فيقال: كل كفارة فيها طعام فيقدر لكل مسكين نصف صاع، وعلى هذا فإذا مر معنا في الكفارات في كلام المؤلف الحنبلي أو كلام الشافعية؛ لأنهم وافقوا الحنابلة إذا قالوا: مداً لكل مسكين قلنا: الراجح هو مذهب أبي حنيفة أن يقدر بمدين لا بمد.

الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول: (مثل ما قتل من النعم إلا الطائر) الطيور ليس لها مثل؛ لأنها لا تشابه الحيوانات، فالدجاجة مثلاً إذا أرادت أن تشرب الماء فإنها تجعل في حويصلتها شيئاً من الماء ثم ترفع رأسها حتى يدخل الماء إلى جوفها.

قال المؤلف: (إلا الطائر فإن فيه قيمته)؛ لأن الله يقول: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ وهذا هو القسم الثاني من أنواع الصيد مما ليس له مثل، فالطائر ليس له مثل، فلو قتل شخص مثلاً صفارة أو قتل قمرياً من الطيور التي تصاد، أو صاد حجلاً, فالحجل ليس له مثل من بهيمة الأنعام قال المؤلف: (إلا الحمامة)، فالحمامة مثلها تقدر بشاة كما حكم بذلك الصحابة؛ لأنها شابهت بهيمة الأنعام في طريقة شربها للماء.

أما لو قتل حجلاً أو قمرياً فإن المؤلف يقول: ليس له مثل، ولكن له القيمة، والسؤال: هل يقدر قيمة الصيد أم المثل؟ نقول: يقدر الصيد؛ لأنه ليس له مثل، فإذا قتل مثلاً حجلاً فإننا نقدر قيمته، فنقول مثلاً: قيمته مائة ريال .. مائة وخمسون ريالاً .. مائتا ريال تقريباً.

أما لو قتل شخص جراداً في الحرم، فالجرادة تقدر تقريباً بريال، فيطعم بريال، فإذا قال: والله أنا ما عندي ريال، فنقول: قدر هذا الريال طعاماً، -وقلنا: إن الراجح أنه يقدر الطعام نصف صاع لكل مسكين- والريال ما يأتي إلا بأقل من المد، والعلماء قالوا: إذا كان الطعام نصف صاع أو أقل يقدره على أنه يصوم بدله يوماً واحداً، فلو أننا قلنا: إنه يطعم عن كل مسكين نصف صاع ولكنه مع القسم صار بعض نصف الصاع يعني مد، أو صار بعض المد، فإن العلماء يقولون: يصوم عن بعض المد على أنه مد كامل أو على أنه نصف مد على الخلاف.

أعيد: فلو أنه قسم الطعام وبقي آخر الطعام -على كلام المؤلف- بعض المد، المؤلف يقول: يصوم عن كل مد يوماً، لكن لو كان بعض المد، فقال العلماء: يصوم أيضاً يوماً؛ قالوا: لأنه لا يتجزأ الصوم فيصوم يوماً سواء وعن مد أو عن نصف صاع.

الشيخ: المؤلف يقول: (إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة ففيها بدنة)، وقد حكم عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و عثمان و معاوية رضي الله عنهم أجمعين على أن من قتل نعامة ففيها بدنة، والبدنة بعير، فمن قتل نعامة فجزاؤها من النعم بعير، فلو قال شخص: الآن النعامة تساوي بدنة، والبدنة بعير، فهل تجزئ البقرة؟ الأقرب والله أعلم أنها تجزئ؛ لأن البقرة تسمى بدنة. طيب لو أننا في هذا الزمان جاء شخص وقال: قتلت نعامة، قالوا: النعامة تساوي الآن ألف ريال والبعير يساوي ألفين وخمسمائة، هل نقول: إن النعامة تقدر كبشاً كبيراً أو شاة من النوع الطيب؟ نقول: لا؛ لأن النعامة حكم بها الصحابة فلا يجوز لنا أن نعدل عن حكمهم.

المؤلف هنا قال: (ويخير بين إخراج المثل أو تقويمه بطعام فيطعم لكل مسكين مداً من بر)، وقلنا الراجح: أن يطعم لكل مسكين نصف صاع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بالإطعام في فدية الأذى بنصف صاع لكل مسكين كما في حديث كعب بن عجرة قال: ( صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو اذبح شاة ) فنقول: المعول عليه هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الأذى.

الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول: (الضرب الثاني على الترتيب)، بعدما ذكر المؤلف الضرب الأول من الفدية: وهو على التخيير ذكر الضرب الثاني وهو على الترتيب، فقال: (وهو المتمنع)، من كان هديه هدي تمتع فإنه يلزمه أن يذبح شاة لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، ثم قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ وإذا جاء في القرآن والسنة (فمن لم يجد) فهي على الترتيب، وإذا جاء في القرآن (أو) فهي على التخيير كما قال ابن عباس عند البيهقي وغيره، قال: (أو) في القرآن على التخيير، و(فمن لم يجد) على الترتيب، والمؤلف يقول: (وهو المتمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع).

أولاً نقول: هدي التمتع يجب بشروط:

الشرط الأول: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ لأن حاضري المسجد حرام ليس عليهم الهدي لقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، وحاضرو المسجد الحرام على الراجح هم أهل مكة والحرم، خلافاً للمؤلف: حيث إن الحنابلة ذكروا أن حاضري المسجد الحرام هو ما دون مسافة القصر، ومسافة القصر عندهم أربعة برد، والأربعة برد تقدر في زماننا بثمانين كيلو.

الشرط الثاني: ألا يسافر بينهما سفراً إلى أهله، هذا الراجح -أنا أذكر الشروط هنا على الراجح- فلو أنه أخذ عمرة وهو من أهل الرياض، فسافر إلى المدينة ثم أهل بالحج من المدينة، فإننا نقول هنا: هل ينقطع تمتعه أو لا ينقطع؟ نقول: لا ينقطع تمتعه؛ لأنه لم يرجع إلى بلده، ودليل ذلك: ما رواه ابن حزم في المحلى و البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إذا أهل بالعمرة في أشهر الحج ثم أقام حتى حج فعليه هدي، وإذا رجع إلى أهله فلا هدي عليه)، وهذا الحديث إسناده جيد.

الشرط الثالث: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فلو أحرم بالعمرة في رمضان -ورمضان ليس من أشهر الحج- ثم فرغ منها في شوال وبقي في مكة فهل يعد متمتعاً أو مفرداً؟ يعد مفرداً؛ لأنه لم يهل بالعمرة في أشهر الحج لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196].

الشرط الرابع: أن يحج من عامه، فلو أخذ عمرة في أشهر الحج, وبقي في مكة حتى كان العام القادم، ثم أهل بالحج فهل يكون حجه مفرداً أم متمتعاً؛ لأنه أخذ عمرة في أشهر الحج في العام الماضي؟ نقول: انقطع تمتعه حينئذ وإهلاله بالحج يكون مفرداً.

الشرط الخامس: أن يحل من العمرة قبل إحرامه من الحج، فلو أنه أحرم بالعمرة فقال: لبيك عمرة. أو قال على كلام الفقهاء: لبيك بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، وإن كان هذا اللفظ لم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أحد من الصحابة فيما أعلم، إنما ذكره الفقهاء، فإذا أراد أن يتمتع يقول: لبيك عمرة، ومن لم يستطع أن يطوف، مثل المرأة الحائض إذا لبت بالعمرة ثم حاضت قبل طواف عمرتها، فإنها تنتظر حتى إذا كان يوم عرفة ولم تطهر فنقول: أدخلي الحج على العمرة فتكونين قارنة، فلو لم تكمل العمرة فإن المؤلف يقول: إنه يحل بالعمرة قبل إحرامه من الحج.

هذا هو هدي التمتع، وهذه شروطه، وكذا القران.

القارن هو الذي لبى بالحج والعمرة جميعاً، وكذلك من لبى بالعمرة فأدخل عليها الحج فإنه يكون قارناً وأيضاً يلزمه هدي لأمور:

أولاً: لما روى جابر في صحيح مسلم : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن عائشة بقرة ).

ثانياً: لإجماع الصحابة: على أن معنى قول الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] هو أن يأخذ عمرة وحجة في سفرة واحدة، ونقل الإجماع ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار، ومن المعلوم أن القارن حينما يقول: لبيك عمرة وحجة يكون سعيه بين الصفا والمروة, وطوافه بالبيت عن حجه وعمرته جميعاً لأجل نيته، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزئ عن حجك وعمرتك جميعاً ) هذا هو الراجح والله أعلم.

وذهب ابن حزم إلى أن القارن ليس عليه هدي إلا إن ساق الهدي، والراجح هو قول جماهير أهل العلم؛ لأن الصحابة يسمون القارن متمتعاً، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: ( تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي معه ) وكونه تمتع بالعمرة إلى الحج, وأهدى وساق الهدي معه هذا هو القران، بدليل قوله: ( فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالحج ثم أدخل عليه العمرة ).

يقول المؤلف: (يلزمه شاة) للآية، (فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) هذا الواجب عليه الترتيب، فلا يجوز له أن يصوم إلا إن لم يجد الهدي، وقوله رحمه الله: (ثلاثة أيام في الحج) يبدأ الصيام من حين إحرامه بالعمرة، فلو أنه أهل يوم الثاني من شوال بالعمرة فله أن يصوم إذا كان يقول: أنا ليس عندي هدي, وأنا أريد أن أكون متمتعاً, وليس عندي من المال ما أذبح به شاة، قلنا له: إذا لم تجد شاة فإنك تنتقل إلى الصيام لقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، فإذا قال: أنا ليس عندي ما أشتري به شاة، قلنا: فصم، فإذا قال: متى أبدأ بالصيام؟ قلنا: تبدأ بالصيام من حين شروعك وإحرامك بالعمرة، هذا هو مذهب الحنابلة ومذهب الحنفية، فلو أنه يوم الثاني من شوال أهل بالعمرة على أنه متمتع فله أن يبدأ الصوم يوم الثاني من شوال، مع العلم أنه لن يهل بالحج إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة، ودليل ذلك: أن إحرامه بالعمرة في أشهر الحج سبب لوجوب الهدي عليه، ومتى وجد السبب جاز تقديمه على وقت الوجوب، مثل: قول الفقهاء: من ملك نصاباً ولم يبلغ الحول فله أن يعجل الزكاة؛ لأنه وجد سببها وهو ملك النصاب ولو لم يوجد وقت الوجوب وهو تمام الحول، فيجوز أن يعجل الزكاة، وكذلك يقال هنا.

قال ابن تيمية : ولأن الصحابة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجعلوا حجهم عمرة ويكونوا متمتعين كانوا أهلوا صبيحة رابعة، ولكنهم بقوا على فرض يوم رابعة، فصام من لم يجد الهدي يوم الرابع والخامس والسادس قبل يوم الثامن، وقد أهلوا يوم الثامن كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن من لم يجد الهدي فإنه يجوز له أن يصوم في الحج من حين إحرامه بالعمرة.

يقول المؤلف: ( وسبعة إذا رجع ) وله أن يصوم إذا رجع إلى وطنه وهذا لا خلاف فيه، وله أن يصوم أيضاً إذا أنهى جميع أعمال الحج، فلو طاف للوداع مثلاً وهو في طريقه فله أن يصوم، وهو قول جماهير أهل العلم خلافاً للشافعي ؛ لأنه يصدق أن يسمى أنه رجع إلى أهله.

فدية جماع المحرم قبل إتمام النسك

الشيخ: يقول المؤلف: (وفدية الجماع بدنة) بدليل إجماع الصحابة، كما روى البيهقي أن عبد الله بن عمرو بن العاص و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس أفتوا من جامع قبل التحلل الأول أن عليه البدنة.

قال المؤلف: (فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) هذه مسألة الذي وجبت عليه فدية الجماع، وقلنا: فدية الجماع فدية مغلظة، وهي بدنة، فإذا لم يجد بدنة قال: أنا جامعت أهلي قبل التحلل الأول ولكن ليس عندي بدنة، فالمؤلف يقول: (فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) يعني: ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، هذا هو مذهب الحنابلة، ودليلهم في هذا أنه صار بإحرامه كالمتمتع إذا لم يجد الهدي.

والقول الثاني في المسألة: هو قول ابن حزم و أبي حنيفة قالوا: كل من وجب عليه هدي غير هدي التمتع كمن ترك واجباً أو المحصر إذا لم يجد الهدي فإنه يبقى في ذمته إلى حين الوجوب، ولا ينتقل إلى الصيام كما هو مذهب الحنابلة، وهذا القول كما قلنا: هو مذهب أبي حنيفة و ابن حزم ، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب على من لم يجد الهدي في الإحصار أن ينتقل إلى الصيام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا القول قوي، غير أننا وجدنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما روى البيهقي بسند جيد- أمر هبار بن الأسود حينما فاته الحج فلم يدرك عرفة وقد أهل بالحج، قال: إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى أهلك، فـعمر رضي الله عنه أمره بالهدي، والهدي هنا يسمى هدي الفوات، وهدي الفوات مثل هدي الإحصار، وقد قاس عمر بن الخطاب رضي الله عنه هدي الفوات بهدي التمتع، وإذا كان عمر بن الخطاب قاس هدي الفوات بهدي التمتع فنقول: هؤلاء أعلم منا بالقياس وبالفقه، ومما يدل على ذلك على قول الحنابلة: أن ابن عمر رضي الله عنه حكم المحصر إذا لم يجد الهدي أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا قياس آخر من الصحابة حكم به ابن عمر بن الخطاب ولا يعلم لهم مخالف، فيكون قول الحنابلة أقعد وأقوى، فكل من وجب عليه دم كدم الفوات أو دم الإحصار أو ترك واجباً إذا لم يجد فهو بالخيار: إما أن يبقى في ذمته، وإما أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، والله أعلم.

فدية المباشرة قبل التحلل الأول

الشيخ: المؤلف يقول: (وكذلك الحكم في البدنة الواجبة بالمباشرة)، ومعنى المباشرة -وهو المحظور الثامن من محظورات الإحرام- أن يباشر أهله دون الفرج، فنقول: إن عليه البدنة لو أنزل قبل التحلل الأول كما مر معنا، وقلنا: الأقرب أن عليه شاة، ودليل الشاة: أن الصحابة قالوا: وليهدي هدياً، قالت المرأة: أي الهدي، قال: أوتقدرين ذلك؟ يقول ابن عباس قالت: نعم، قال: فعليك البدنة.

قال: (ودم الفوات) ودليله حديث عمر بن الخطاب حينما أمر هبار بن الأسود فقال له: إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت. وهذا الحديث رواه البيهقي.

فدية المحصر

الشيخ: يقول المؤلف: (والمحصر يلزمه دم) هذا هو قول جماهير أهل العلم خلافاً للمالكية: أن المحصر يلزمه هدي لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وقوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يعني: إما شاة, وإما بقرة, وإما بعيراً أو ناقة.

(فإن لم يجد فصيام عشرة أيام) هذا لم يذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن ولهذا جعل أبو حنيفة بقاء الهدي في ذمته، وقال في بعض رواياته: لا يتحلل من إحصاره إلى أن يجد الهدي، وفي هذا كلفة ومشقة، ولهذا نقول: إذا لم يجد الهدي وهو محصر فإنه يصوم عشرة أيام ثم بعد ذلك يتحلل من حجه أو من عمرته.

الشيخ: يقول المؤلف: (وفدية الجماع بدنة) بدليل إجماع الصحابة، كما روى البيهقي أن عبد الله بن عمرو بن العاص و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس أفتوا من جامع قبل التحلل الأول أن عليه البدنة.

قال المؤلف: (فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) هذه مسألة الذي وجبت عليه فدية الجماع، وقلنا: فدية الجماع فدية مغلظة، وهي بدنة، فإذا لم يجد بدنة قال: أنا جامعت أهلي قبل التحلل الأول ولكن ليس عندي بدنة، فالمؤلف يقول: (فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) يعني: ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، هذا هو مذهب الحنابلة، ودليلهم في هذا أنه صار بإحرامه كالمتمتع إذا لم يجد الهدي.

والقول الثاني في المسألة: هو قول ابن حزم و أبي حنيفة قالوا: كل من وجب عليه هدي غير هدي التمتع كمن ترك واجباً أو المحصر إذا لم يجد الهدي فإنه يبقى في ذمته إلى حين الوجوب، ولا ينتقل إلى الصيام كما هو مذهب الحنابلة، وهذا القول كما قلنا: هو مذهب أبي حنيفة و ابن حزم ، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب على من لم يجد الهدي في الإحصار أن ينتقل إلى الصيام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا القول قوي، غير أننا وجدنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -كما روى البيهقي بسند جيد- أمر هبار بن الأسود حينما فاته الحج فلم يدرك عرفة وقد أهل بالحج، قال: إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى أهلك، فـعمر رضي الله عنه أمره بالهدي، والهدي هنا يسمى هدي الفوات، وهدي الفوات مثل هدي الإحصار، وقد قاس عمر بن الخطاب رضي الله عنه هدي الفوات بهدي التمتع، وإذا كان عمر بن الخطاب قاس هدي الفوات بهدي التمتع فنقول: هؤلاء أعلم منا بالقياس وبالفقه، ومما يدل على ذلك على قول الحنابلة: أن ابن عمر رضي الله عنه حكم المحصر إذا لم يجد الهدي أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا قياس آخر من الصحابة حكم به ابن عمر بن الخطاب ولا يعلم لهم مخالف، فيكون قول الحنابلة أقعد وأقوى، فكل من وجب عليه دم كدم الفوات أو دم الإحصار أو ترك واجباً إذا لم يجد فهو بالخيار: إما أن يبقى في ذمته، وإما أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2652 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2536 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2451 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2398 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2317 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2171 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2167 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2130 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2112 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2108 استماع