الأسهم والشركات


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

الأسهم والشركات حديث ذو شجون، كيف لا، وقل أن تجد شخصاً له عائلة، ويريد أن ينمي ماله، أو عنده فضل من مال لم يدخل في سوق المال، وما ذاك إلا لسهولة كسبها، وسهولة التخلص منها، وسهولة الربح الذي يحصل جراء ما يسمى بالمضاربة في فروق الأسعار.

والشركات المساهمة -أحبتي الكرام- لها عمر طويل، وكبير، وكان أول نشأتها في بداية عام 1844 للميلاد في بريطانيا، وكذا ألمانيا، وبعد ذلك بمائة سنة تقريباً، أو ثمانين سنة وجدت في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا أجدني مضطراً إلى الحديث عن تاريخ الشركة المساهمة؛ لأن بين يدي مسائل أرى أنها من الأهمية بمكان، وأننا بحاجة إلى طرحها، وأرى أن طرحها هنا سوف يكون فيه نوع من المناقشة والتحليل؛ لأن بعض الإخوة الذين ذهبوا إلى التحريم، أو إلى الإباحة ربما لم يعلموا منزع الدليل في القول بالإباحة، أو منزع الدليل في القول بالتحريم إلا نسخاً ربما لا تشبع جائعاً، ولا تروي ضماناً.

وبين يدي محاور أرى أنها من الأحاديث التي نحن بحاجة إلى طرحها، ولعلي أذكرها على عجل.

المحور الأول: ما هي الشركة المساهمة، وما هي خصائصها؟

المحور الثاني: حكم إنشاء الشركات المساهمة.

المحور الثالث: ما حقيقة السهم في الشركة المساهمة؟

المحور الرابع: حكم تداول أسهم الشركات المساهمة.

المحور الخامس: حكم تداول الأسهم قبل طرحها للاكتتاب.

المحور السادس: حكم تداول الأسهم بعد الاكتتاب قبل التخصيص.

المحور السابع: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص وقبل الإذن بالتداول.

المحور الثامن: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص والإذن بالتداول.

المحور التاسع: انتفاع المكتتب لاسم غيره في الاكتتاب.

المحور العاشر: سلوكيات المضاربين، أو ما يسمى بهوامير السوق في سوق المال، ووقفة مع المضاربة في فروق الأسعار.

هذه هي المحاور التي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمني الرشد والصواب، والفتح من العزيز الوهاب بأن أصل إلى كامل هذه المحاور، وإلا فعذري هو الوقت.

المحور الأول: ما هي الشركة المساهمة؟

تعريف الشركة المساهمة

الشركة المساهمة: هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسماً إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء منها يسمى سهماً، هذا السهم قابل للتداول، ولا يكون كل شريك مسئولاً إلا بمقدار حصته من رأس المال، وبهذا التعريف تكون الشركة المساهمة من شركات الأموال التي لا تعتمد على العنصر الشخصي في الشركة، وإنما تعتمد أول ما تعتمد على ما يقدمه الشريك من حصة في رأس المال دون النظر إلى شخصه فقيراً كان أم مليئاً، معسراً أم غير معسر، بخلاف شركات الأشخاص التي تهتم بالعنصر الشخصي، فيكون الإنسان مسئولاً أمام الغير برأس مال هذه الشركة، أو بما يملكه من أسهم، أو بما يملكه من مال من عقارات وغير ذلك.

مميزات الشركة المساهمة

وحينئذٍ تكون الشركة المساهمة لها خصيصتان: الخصيصة الأولى: المسئولية المحدودة، الخصيصة الثانية: الاعتبار الشخصي، أو الشخصية الاعتبارية. ومعنى المسئولية المحدودة في شركة المساهمة: أن مسئولية الشريك في الشركة المساهمة تتحدد بمقدار القيمة الاسمية، أو القيمة الدفترية بعد عمل الشركة لما يملكه من أسهم في رأس مال الشركة، فلا يُسأل الشريك عن الديون المترتبة على الشركة إلا بمقدار رأس ماله، أو بمقدار أسهمه.

وعلى هذا أيضاً فلو كان الشريك مفلساً، فلا علاقة بالشركة المساهمة أيضاً إلا بمقدار حصته من رأس المال الذي يقدمه الشريك.

أما الشخصية الاعتبارية فهي: شخصية يصنعها النظام، ويضفي عليها كثيراً من سمات وصفات الشخصية الذاتية، أو الشخصية الطبيعية، فيجعل للشركة المساهمة ذمة مالية لها حقوق وواجبات، وأيضاً يكون لها التزامات، فهي تستطيع أن تطالب، وأن تطالب، ويجعل لها اسماً وحياة وموطناً، كما يكون بالضبط للشخص الطبيعي، ويكون أعضاء مجلس الإدارة هم الذين يتصرفون في هذه الشركة، أو هذه الشخصية الاعتبارية.

خصائص الشركة المساهمة

وبناءً على هذا التعريف، فإن الشركة المساهمة لها خصائص:

أولاً: تقسيم رأس مال الشركة إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول بالطرق التجارية، وهذه الخصيصة لا تكاد توجد في الشركات الموجودة في الفقه الإسلامي.

ثانياً: عدم مسئولية الشركاء إلا بمقدار حصصهم من رأس المال.

ثالثاً: ليس للشركة المساهمة عنوان تجاري باسم أحد الشركاء، كما يوجد في الشركة الشخصية، تقول: شركة فلان ابن فلان، فهذه لا تكاد توجد في الشركة المساهمة، ولكن يوضع لها اسم على حسب طبيعة عملها، وحسب طبيعة نشاطها.

الشركة المساهمة: هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسماً إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء منها يسمى سهماً، هذا السهم قابل للتداول، ولا يكون كل شريك مسئولاً إلا بمقدار حصته من رأس المال، وبهذا التعريف تكون الشركة المساهمة من شركات الأموال التي لا تعتمد على العنصر الشخصي في الشركة، وإنما تعتمد أول ما تعتمد على ما يقدمه الشريك من حصة في رأس المال دون النظر إلى شخصه فقيراً كان أم مليئاً، معسراً أم غير معسر، بخلاف شركات الأشخاص التي تهتم بالعنصر الشخصي، فيكون الإنسان مسئولاً أمام الغير برأس مال هذه الشركة، أو بما يملكه من أسهم، أو بما يملكه من مال من عقارات وغير ذلك.

وحينئذٍ تكون الشركة المساهمة لها خصيصتان: الخصيصة الأولى: المسئولية المحدودة، الخصيصة الثانية: الاعتبار الشخصي، أو الشخصية الاعتبارية. ومعنى المسئولية المحدودة في شركة المساهمة: أن مسئولية الشريك في الشركة المساهمة تتحدد بمقدار القيمة الاسمية، أو القيمة الدفترية بعد عمل الشركة لما يملكه من أسهم في رأس مال الشركة، فلا يُسأل الشريك عن الديون المترتبة على الشركة إلا بمقدار رأس ماله، أو بمقدار أسهمه.

وعلى هذا أيضاً فلو كان الشريك مفلساً، فلا علاقة بالشركة المساهمة أيضاً إلا بمقدار حصته من رأس المال الذي يقدمه الشريك.

أما الشخصية الاعتبارية فهي: شخصية يصنعها النظام، ويضفي عليها كثيراً من سمات وصفات الشخصية الذاتية، أو الشخصية الطبيعية، فيجعل للشركة المساهمة ذمة مالية لها حقوق وواجبات، وأيضاً يكون لها التزامات، فهي تستطيع أن تطالب، وأن تطالب، ويجعل لها اسماً وحياة وموطناً، كما يكون بالضبط للشخص الطبيعي، ويكون أعضاء مجلس الإدارة هم الذين يتصرفون في هذه الشركة، أو هذه الشخصية الاعتبارية.

وبناءً على هذا التعريف، فإن الشركة المساهمة لها خصائص:

أولاً: تقسيم رأس مال الشركة إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول بالطرق التجارية، وهذه الخصيصة لا تكاد توجد في الشركات الموجودة في الفقه الإسلامي.

ثانياً: عدم مسئولية الشركاء إلا بمقدار حصصهم من رأس المال.

ثالثاً: ليس للشركة المساهمة عنوان تجاري باسم أحد الشركاء، كما يوجد في الشركة الشخصية، تقول: شركة فلان ابن فلان، فهذه لا تكاد توجد في الشركة المساهمة، ولكن يوضع لها اسم على حسب طبيعة عملها، وحسب طبيعة نشاطها.

المحور الثاني: حكم إنشاء شركة المساهمة؟

أو إن شئت فقل: هل للشركة المساهمة وجود في كتب الفقهاء؟

وجود الشركة المساهمة في كتب الفقهاء

الشركة المساهمة -أحبتي الكرام- بهذا الكيان، وبهذه الخصائص التي ذكرتها غير موجودة في كتب الفقهاء، فهي وليدة التطورات الاقتصادية، فغالب المشاريع العملاقة لا تستطيع الدول، ولا يستطيع الأفراد إنشاءها؛ فلهذا وجد ما يسمى بالشركة المساهمة.

وقد حاول بعض الباحثين، وبعض الفقهاء المعاصرين تكييف الشركة المساهمة إلى الشركات الموجودة في كتب الفقهاء على أنها شركة عنان، وحاول بعضهم أن يجعلها شركة مضاربة، وحاول بعضهم أن يجمع بينهما فيقول: هي شركة عنان من وجه، وشركة مضاربة من وجه آخر. ولا أجدني مضطراً إلى التكلف، هل الشركة المساهمة لها وجود أو كيان في كتب الفقهاء أو لا؟ لأننا وجدنا أن الفقهاء رحمهم الله أوجدوا شركات ليس لها ذكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد كبار الصحابة، ولكن أوجدها التطور وزيادة الاستثمار بما يسمى بشركة المفاوضة مثلاً، أو شركة الوجوه.

فهاتان الشركتان لم يكن لهما ذكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا شركة الأبدان إن صح الحديث الوارد في هذا الباب، كما صححه يعقوب بن شيبة و ابن رجب وشيخ الإسلام ابن تيمية وهو ما يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (اشتركت أنا و عمار و سعد بن أبي وقاص على أنه من جاء منا بشيء، فهو بيننا بالسوية، قال: فجئت بعبدين أو كما قال، ولم يجيء صاحبي بشيء، فقسمناه بيننا بالسوية).

وقد قال الإمام الشافعي: إن لم تكن شركة الأبدان باطلة فلا أعلم شيئاً في الأرض باطلاً، ومع ذلك جوزها جمهور الفقهاء.

شروط جواز شركة المساهمة

أقول أيها الإخوة: إذا كان الفقهاء رحمهم الله قد جوزوا شركة الوجوه وشركة المفاوضة، خلافاً للشافعية؛ بسبب التطور الاقتصادي فأقول: لا مانع أن نقول: بأن الشركة المساهمة أوجدها التطور، بشرط أن لا تخرج عن القواعد المرعية، والضوابط الشرعية التي ذكرها فقهاء الإسلام. فإذا كانت الشركة متضمنة شروطاً أربعة صحت، وهذه الشروط هي:

الشرط الأول: أن يكون المساهمون متساوين في الأرباح، وفي توزيع الأرباح.

الشرط الثاني: أن لا يكون في الشركة استثمار في الربا، أو الغرر، أو يكون رأس مالها منصباً على هذا التأسيس أي: التأسيس في التعامل بالربا أو الغرر أو المحرم.

الشرط الثالث: أن يكون رأس المال معلوماً.

الشرط الرابع: أن لا يكون لأحد المساهمين ميزة على غيره.

فإذا وجدت هذه الشروط الأربعة، فلا بأس ولا حرج في إنشاء أي عقد من العقود التي ينشئها أو يفرضها الواقع التجاري، والشركة بهذا الاعتبار داخلة في القواعد العامة التي ذكرها أهل العلم، وهي أن الأصل في العقود والشروط الصحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما ثبت في الكتاب والسنة تحريمه، كما أنه لا يشرع لهم من العبادات التي يتعبدون الله بها إلا ما ثبت في الكتاب والسنة شرعه.

وعلى هذا فذكر بعض الباحثين أن الشركة المساهمة محرمة؛ بحجة أن المسئولية المحدودة ليس لها ذكر في كتب الفقهاء، فيقال: لا بأس بذلك؛ لأن المؤمنين على شروطهم، و( المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً )، كما روي مرفوعاً عند الترمذي، والصواب أنه ضعيف، وأنه من قول عمر بن الخطاب ، كما رواه ابن أبي شيبة وغيره.

وعلى هذا فأقول: إن الشركة المساهمة التي يدخل فيها المساهم، على أنه لا يكون مسئولاً إلا بمقدار حصته من رأس المال، كذلك الذين يريدون أن يتاجروا مع هذه الشركة المساهمة علموا ما حقيقتها، وأنهم لا يستطيعون أن يطالبوا المؤسسين إلا بمقدار حصصهم، فنقول: هؤلاء دخلوا على علم وعلى دراية.

وقد يقول قائل: إن الشركة المساهمة لا تجوز؛ لأن السهم في الغالب لا بد أن يكون فيه نقود، وإن كان فيه أعيان، فإذا كان في السهم نقود، فإنه لا يجوز شراء هذا السهم إلا بإجراء عملية الصرف التي ذكرها الفقهاء، وذكروا من أمثلة ذلك: مسألة ما يسمى بمد عجوة ودرهم، وهو من باع ربوياً بربوي معه غير ربوي، فإن العلماء اختلفوا في ذلك.

وأقول: إن الأقرب -والله تبارك وتعالى أعلم- أن الشركة إذا قامت وصار لها كيان، وصار لها حقوق معنوية، وقامت وعملت العمل الذي أنشئت من أجله، فلا بأس بشراء أسهمها ولو كان فيها نقود، قلت أم كثرت، ولو كان فيها ديون كثرت أم قلت، ولنا في ذلك أسوة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه المبتاع )، هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة، والصحابة فهموه بالفهم المراد من النبي صلى الله عليه وسلم، وتقييد بعض الفقهاء تقييدات لم توجد في الحديث تحتاج إلى دليل، ولهذا قال ابن قدامة في المغني: وهذا إذا لم يكن المال مقصوداً، فإذا كان المال غير مقصود، فسواء كان المال كثيراً أم قليلاً، معلوماً أم مجهولاً، نقداً أم ديناً.

وعلى هذا فنقول: شراء السهم، ولو كان فيه نقود لا بأس؛ لأن هذا النقد دخل تبعاً، ومعنى التبعية هنا هو: أنه دخل من ضمن عقود أو حقوق للشركة المعنوية، من الاسم التجاري، ومن قوة الإدارة، ومن التزامات الشركة.

ومن الامتيازات التي تفرضها الدول لهذه الشركة مثل: شركة الجبس لها امتياز فلا تستطيع شركة أن توجد جبساً إلا بشركة الجبس، فهذا امتياز له اعتباره في قيمة السهم، وله اعتباره في قوة الشركة، وله اعتباره في استثمارات الشركة وغيرها.