كتاب الطهارة [32]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [ والقول المحيط بأصول هذه الطهارة وقواعدها ينحصر في ستة أبواب:

الباب الأول: في معرفة حكم هذه الطهارة، أعني: في الوجوب أو في الندب، إما مطلقاً وإما من جهة أنها مشترطة في الصلاة.

الباب الثاني: في معرفة أنواع النجاسات.

الباب الثالث: في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها.

الباب الرابع: في معرفة الشيء الذي به تزال.

الباب الخامس: في صفة إزالتها في المحل.

الباب السادس: في آداب الإحداث ].

قال المصنف رحمه الله: [ الباب الأول: في معرفة حكم هذه الطهارة، والأصل في هذا الباب، أما من الكتاب، فقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، وأما من السنة، فآثار كثيرة ثابتة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر ) ]، فهذا فيه دلالة على إزالة النجاسة من المخرجين.

[ ومنها: أمره صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيض من الثوب وأمره بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي ]، وهذه الأحاديث كلها صحيحة.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم في صاحبي القبر: ( إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ) ]، وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم وجماعة.

[ واتفق العلماء لمكان هذه المسموعات ] أي: الكتاب والسنة [ على أن إزالة النجاسة مأمور بها في الشرع ]، وقوله: مأمور بها في الشرع يفيد الوجوب والندب.

[ واختلفوا: هل ذلك على الوجوب أو على الندب المذكور؟ ]، يعني: هل إزالة النجاسة واجب أو سنة؟

[ وهو الذي يعبر عنه بالسنة ]، يعني: أن المندوب عند المالكية أقل من السنة، والسنة قريبة من الوجوب.

[ فقال قوم: إن إزالة النجاسات واجبة، وبه قال أبو حنيفة و الشافعي ]، وهو مذهب أحمد ، [ وقال قوم: إزالتها سنة مؤكدة وليست بفرض.

وقال قوم: هي فرض مع الذكر، ساقطة مع النسيان، وكلا هذين القولين عن مالك وأصحابه ].

سبب اختلاف العلماء في حكم الطهارة من النجس

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في هذه المسألة راجع إلى ثلاثة أشياء:

أحدها: اختلافهم في قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، هل ذلك محمول على الحقيقة أو محمول على المجاز؟. ]، والحقيقة: الثياب، والمجاز: القلب.

[ والسبب الثاني: تعارض ظواهر الآثار في وجوب ذلك. ] يعني: أن بعض الأحاديث تدل على الوجوب وبعضها لا تدل على الوجوب.

[ والسبب الثالث: اختلافهم في الأمر والنهي الوارد لعلة معقولة المعنى ]، أي: إذا ورد أمر لعلة معقولة المعنى، هل يدل على الوجوب أو يدل على الندب؟

[ هل تلك العلة المفهومة من ذلك الأمر أو النهي، قرينة تنقل الأمر من الوجوب إلى الندب والنهي من الحظر إلى الكراهة؟ أم ليست قرينة؟ ]، فبعضهم قال: إذا كانت العبادة معقولة المعنى فهذا من كمال الأخلاق.

[ وأنه لا فرق في ذلك بين العبادة المعقولة وغير المعقولة وإنما صار من صار إلى الفرق في ذلك; لأن الأحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي من باب محاسن الأخلاق، أو من باب المصالح، وهذه في الأكثر هي مندوب إليها فمن حمل قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] على الثياب المحسوسة قال: الطهارة من النجاسة واجبة، ومن حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة ]، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] يعني: أن الإنسان يطهر قلبه، وفي هذا كلام لـابن القيم في قوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، يقول: إنك إذا قربت من ثياب المؤمنين الطيبين ترى فيها رائحة طيبة تعجبك، وإذا قربت من ثياب الكفرة والملحدين وإن كانت نظيفة فإنك ترى فيها صنانة، وهذا شيء معروف. والصنانة الزهوم.

وقد عرفنا أن الطهارة على كل حال تشمل الطهارة الحسية للثياب والطهارة المعنوية وهي طهارة القلب فقد جاء في الحديث: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )، فلا بد من طهارة القلب ومن طهارة الثوب ومن إقبال القلب إلى الرب، فإن الرب لا يحب قلباً يشتغل بغيره.

[ ومن حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة.

والراجح أن الآية محمولة على المعنيين أي: الحقيقة والمجاز.

[ وأما الآثار المتعارضة في ذلك، فمنها حديث صاحبي القبر المشهور ]، يعني: الذي رواه البخاري و مسلم .

[ وقوله فيهما: ( إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بولهْ )، فظاهر هذا الحديث يقتضي الوجوب; لأن العذاب لا يتعلق إلا بالواجب، وأما المعارض لذلك فما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه رمي عليه وهو في الصلاة سلا جزور بالدم والفرث فلم يقطع الصلاة ]، وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم .

وهذا في أول الإسلام، فهو محمول على البراءة الأصلية، فلا يعارض الأحاديث الأخرى، لأن ذاك كان في أول الإسلام.

[ وظاهر هذا أنه لو كانت إزالة النجاسة واجبة كوجوب الطهارة من الحدث لقطع الصلاة، ومنها ما روي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة من الصلوات يصلي في نعليه، فطرح نعليه، فطرح الناس لطرحه نعليه، فأنكر ذلك عليهم عليه الصلاة والسلام وقال: إنما خلعتها ; لأن جبريل أخبرني أن فيها قذراً ) ]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود و أحمد و الحاكم وجماعة، وقال النووي في المجموع: إنه حديث حسن رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال الحاكم : هو على شرط مسلم ، وأقره الذهبي .

وحاصل هذا أنه يعذر عند عدم العلم، وليس فيه أن النجاسة لا يجب إزالتها. وقد قال العلماء: إن ما كان من باب المنهي فإنه يعذر فيه بالجهل، وما كان من باب الأمر فلا يعذر، ويدل على ذلك عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تكلم في الصلاة بالإعادة، وأمره المسيء صلاته بالإعادة، وهذا الحديث هنا من باب المنهي عنه، فلا دلالة فيه لما قاله المؤلف. انظر المسائل الماردينية لـابن تيمية (ص50-52).

والمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه وبها قذر، وهو لا يعلم بذلك القذر، فجاءه جبريل فأخبره أن بها قذراً، فنزعها وبنى على صلاته، فهذا الحديث استدل به المؤلف على أن النجاسة لا يجب الابتعاد عنها وإنما هو من باب الندب لأنها لو كانت من باب الوجوب وكانت شرطاً في صحة الصلاة لكانت الصلاة باطلة، ولابتدأ الصلاة مرة أخرى، هذا ما يدل عليه كلام المؤلف.

ونحن نقول: إن الأشياء في الصلاة تنقسم إلى قسمين:

الأول: أشياء مأمور بها في الصلاة كالطهارة.

والثاني: أشياء مأمور بعدم التلبس بها كالنجاسة، فما كان من باب المنهي عنه فإن القاعدة فيه أنه يغتفر فيه بالجهل، والنجاسة من باب المنهي عنه فيغتفر فيها بالجهل.

وما كان من باب المأمور به كالوضوء فإنه لا يغتفر فيه بالجهل، فلا بد فيه من الإعادة، ويدل على هذا حديثان ثابتان في الصحيح: الأول: في باب المنهي عنه فعذره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهل، وهو الذي تكلم في الصلاة، فترك الكلام في الصلاة من باب المنهي عنه، فعذره ولم يأمره بالإعادة.

والثاني: الطمأنينة في الصلاة فمن المأمور بها في الصلاة، فلذلك أمره بالإعادة.

[ فظاهر هذا أنه لو كانت واجبة لما بنى على ما مضى من الصلاة فمن ذهب في هذه الآثار مذهب ترجيح الظواهر ] أي: لم يجمع [ قال إما بالوجوب إن رجح ظاهر حديث الوجوب، وإما بالندب إن رجح ظاهر حديثي الندب، أعني الحديثين اللذين يقضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد.

ومن ذهب مذهب الجمع، فمنهم من قال: هي فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع النسيان وعدم القدرة. وهذا جمع جيد.

ومنهم من قال: هي فرض مطلقا وليست من شروط صحة الصلاة، وهو قول رابع في المسألة وهو ضعيف ] يعني: القول أن النجاسة واجب إزالتها، ومن تلبس بالصلاة فقد ارتكب إثماً إلا أن صلاته صحيحة، وممن قال بهذا القول الشوكاني في النيل ورده شيخنا ناصر الدين الألباني وقال: إنها شرط كما يدل على ذلك حديث أسماء فإنه رتب الصلاة على غسل الجنابة بثم المقتضية للشرطية، ( اغسليه، ثم صلي فيه )؛ لأن النجاسة إنما تزال قبل الصلاة.

[ لأن النجاسة إنما تزال في الصلاة وكذلك من فرق بين العبادة المعقولة المعنى وبين الغير معقولته أعني: أنه جعل الغير معقولة آكد في باب الوجوب فرق بين الأمر الوارد في الطهارة من الحدث وبين الأمر الوارد في الطهارة من النجس؛ لأن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة، وذلك من محاسن الأخلاق، وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى، مع ما اقترن بذلك من صلاتهم في النعال وهذا يدل على أن الأمر بالابتعاد عن النجاسة إنما هو للأخلاق، [ مع أنها لا تنفك من أن يطأ بها النجاسات غالباً، وما أجمعوا عليه من العفو عن اليسير في بعض النجاسات ].

وسيأتي أنه يوجد نجاسات يعفى عنها، كقليل الدم، لكن هذا لا يدل على أنها ليست بنجسة، بل يدل على أن هناك من النجاسات ما تكون مشقة في إزالته، فيعفى عنها، وليس المشقة كما يقول إمام الحرمين الجويني : إن المشقة هي: عدم القدرة والشيء الكثير المتعب، ولكن المشقة المراد بها أن يأتي أمراً أكثر مما يتحمل في العادة.

الراجح في حكم الطهارة من النجاسة

والراجح أن الطهارة من النجاسة شرط في صحة الصلاة في حال الذكر، كما يدل على ذلك حديث أسماء ، وأما مع الجهل أو النسيان فالصلاة صحيحة كما يدل على ذلك حديث خلع النعل في الصلاة والبناء على ما سبق منها.

قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في هذه المسألة راجع إلى ثلاثة أشياء:

أحدها: اختلافهم في قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، هل ذلك محمول على الحقيقة أو محمول على المجاز؟. ]، والحقيقة: الثياب، والمجاز: القلب.

[ والسبب الثاني: تعارض ظواهر الآثار في وجوب ذلك. ] يعني: أن بعض الأحاديث تدل على الوجوب وبعضها لا تدل على الوجوب.

[ والسبب الثالث: اختلافهم في الأمر والنهي الوارد لعلة معقولة المعنى ]، أي: إذا ورد أمر لعلة معقولة المعنى، هل يدل على الوجوب أو يدل على الندب؟

[ هل تلك العلة المفهومة من ذلك الأمر أو النهي، قرينة تنقل الأمر من الوجوب إلى الندب والنهي من الحظر إلى الكراهة؟ أم ليست قرينة؟ ]، فبعضهم قال: إذا كانت العبادة معقولة المعنى فهذا من كمال الأخلاق.

[ وأنه لا فرق في ذلك بين العبادة المعقولة وغير المعقولة وإنما صار من صار إلى الفرق في ذلك; لأن الأحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي من باب محاسن الأخلاق، أو من باب المصالح، وهذه في الأكثر هي مندوب إليها فمن حمل قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] على الثياب المحسوسة قال: الطهارة من النجاسة واجبة، ومن حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة ]، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] يعني: أن الإنسان يطهر قلبه، وفي هذا كلام لـابن القيم في قوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، يقول: إنك إذا قربت من ثياب المؤمنين الطيبين ترى فيها رائحة طيبة تعجبك، وإذا قربت من ثياب الكفرة والملحدين وإن كانت نظيفة فإنك ترى فيها صنانة، وهذا شيء معروف. والصنانة الزهوم.

وقد عرفنا أن الطهارة على كل حال تشمل الطهارة الحسية للثياب والطهارة المعنوية وهي طهارة القلب فقد جاء في الحديث: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )، فلا بد من طهارة القلب ومن طهارة الثوب ومن إقبال القلب إلى الرب، فإن الرب لا يحب قلباً يشتغل بغيره.

[ ومن حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة.

والراجح أن الآية محمولة على المعنيين أي: الحقيقة والمجاز.

[ وأما الآثار المتعارضة في ذلك، فمنها حديث صاحبي القبر المشهور ]، يعني: الذي رواه البخاري و مسلم .

[ وقوله فيهما: ( إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بولهْ )، فظاهر هذا الحديث يقتضي الوجوب; لأن العذاب لا يتعلق إلا بالواجب، وأما المعارض لذلك فما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه رمي عليه وهو في الصلاة سلا جزور بالدم والفرث فلم يقطع الصلاة ]، وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم .

وهذا في أول الإسلام، فهو محمول على البراءة الأصلية، فلا يعارض الأحاديث الأخرى، لأن ذاك كان في أول الإسلام.

[ وظاهر هذا أنه لو كانت إزالة النجاسة واجبة كوجوب الطهارة من الحدث لقطع الصلاة، ومنها ما روي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة من الصلوات يصلي في نعليه، فطرح نعليه، فطرح الناس لطرحه نعليه، فأنكر ذلك عليهم عليه الصلاة والسلام وقال: إنما خلعتها ; لأن جبريل أخبرني أن فيها قذراً ) ]، وهذا الحديث أخرجه أبو داود و أحمد و الحاكم وجماعة، وقال النووي في المجموع: إنه حديث حسن رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال الحاكم : هو على شرط مسلم ، وأقره الذهبي .

وحاصل هذا أنه يعذر عند عدم العلم، وليس فيه أن النجاسة لا يجب إزالتها. وقد قال العلماء: إن ما كان من باب المنهي فإنه يعذر فيه بالجهل، وما كان من باب الأمر فلا يعذر، ويدل على ذلك عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تكلم في الصلاة بالإعادة، وأمره المسيء صلاته بالإعادة، وهذا الحديث هنا من باب المنهي عنه، فلا دلالة فيه لما قاله المؤلف. انظر المسائل الماردينية لـابن تيمية (ص50-52).

والمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه وبها قذر، وهو لا يعلم بذلك القذر، فجاءه جبريل فأخبره أن بها قذراً، فنزعها وبنى على صلاته، فهذا الحديث استدل به المؤلف على أن النجاسة لا يجب الابتعاد عنها وإنما هو من باب الندب لأنها لو كانت من باب الوجوب وكانت شرطاً في صحة الصلاة لكانت الصلاة باطلة، ولابتدأ الصلاة مرة أخرى، هذا ما يدل عليه كلام المؤلف.

ونحن نقول: إن الأشياء في الصلاة تنقسم إلى قسمين:

الأول: أشياء مأمور بها في الصلاة كالطهارة.

والثاني: أشياء مأمور بعدم التلبس بها كالنجاسة، فما كان من باب المنهي عنه فإن القاعدة فيه أنه يغتفر فيه بالجهل، والنجاسة من باب المنهي عنه فيغتفر فيها بالجهل.

وما كان من باب المأمور به كالوضوء فإنه لا يغتفر فيه بالجهل، فلا بد فيه من الإعادة، ويدل على هذا حديثان ثابتان في الصحيح: الأول: في باب المنهي عنه فعذره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهل، وهو الذي تكلم في الصلاة، فترك الكلام في الصلاة من باب المنهي عنه، فعذره ولم يأمره بالإعادة.

والثاني: الطمأنينة في الصلاة فمن المأمور بها في الصلاة، فلذلك أمره بالإعادة.

[ فظاهر هذا أنه لو كانت واجبة لما بنى على ما مضى من الصلاة فمن ذهب في هذه الآثار مذهب ترجيح الظواهر ] أي: لم يجمع [ قال إما بالوجوب إن رجح ظاهر حديث الوجوب، وإما بالندب إن رجح ظاهر حديثي الندب، أعني الحديثين اللذين يقضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد.

ومن ذهب مذهب الجمع، فمنهم من قال: هي فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع النسيان وعدم القدرة. وهذا جمع جيد.

ومنهم من قال: هي فرض مطلقا وليست من شروط صحة الصلاة، وهو قول رابع في المسألة وهو ضعيف ] يعني: القول أن النجاسة واجب إزالتها، ومن تلبس بالصلاة فقد ارتكب إثماً إلا أن صلاته صحيحة، وممن قال بهذا القول الشوكاني في النيل ورده شيخنا ناصر الدين الألباني وقال: إنها شرط كما يدل على ذلك حديث أسماء فإنه رتب الصلاة على غسل الجنابة بثم المقتضية للشرطية، ( اغسليه، ثم صلي فيه )؛ لأن النجاسة إنما تزال قبل الصلاة.

[ لأن النجاسة إنما تزال في الصلاة وكذلك من فرق بين العبادة المعقولة المعنى وبين الغير معقولته أعني: أنه جعل الغير معقولة آكد في باب الوجوب فرق بين الأمر الوارد في الطهارة من الحدث وبين الأمر الوارد في الطهارة من النجس؛ لأن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة، وذلك من محاسن الأخلاق، وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى، مع ما اقترن بذلك من صلاتهم في النعال وهذا يدل على أن الأمر بالابتعاد عن النجاسة إنما هو للأخلاق، [ مع أنها لا تنفك من أن يطأ بها النجاسات غالباً، وما أجمعوا عليه من العفو عن اليسير في بعض النجاسات ].

وسيأتي أنه يوجد نجاسات يعفى عنها، كقليل الدم، لكن هذا لا يدل على أنها ليست بنجسة، بل يدل على أن هناك من النجاسات ما تكون مشقة في إزالته، فيعفى عنها، وليس المشقة كما يقول إمام الحرمين الجويني : إن المشقة هي: عدم القدرة والشيء الكثير المتعب، ولكن المشقة المراد بها أن يأتي أمراً أكثر مما يتحمل في العادة.


استمع المزيد من الشيخ محمد يوسف حربة - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب الزكاة [9] 2957 استماع
كتاب الزكاة [1] 2913 استماع
كتاب الطهارة [15] 2906 استماع
كتاب الطهارة [3] 2619 استماع
كتاب الصلاة [33] 2567 استماع
كتاب الصلاة [29] 2416 استماع
كتاب الطهارة [6] 2397 استماع
كتاب أحكام الميت [3] 2389 استماع
كتاب الطهارة [2] 2365 استماع
كتاب الصلاة [1] 2328 استماع