ديوان الإفتاء [540]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

السلام عليكم ورحمة الله.

أما بعد:

فأحمد الله الذي جمعنا على البر والتقوى، وأسأله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ومع حلقة جديدة أسأل الله أن يجعلها نافعة مفيدة.

السؤال: لقد سألت مراراً عن شروط التوبة النصوح، ورأي الدين في الذهاب إلى الشيوخ بغرض العلاج واستخدام البخرات؟

الجواب: من سأل مراراً فقد أجيب مراراً، وشروط التوبة النصوح قد بينت في كلام أهل العلم، وهي مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، وأول هذه الشروط: الإخلاص لله عز وجل؛ فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه، سواء كان توبة أو استغفاراً، أو فعلاً للمأمور أو اجتناباً للمحظور، فلا بد أن يخلص الإنسان لربه: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ[الزمر:3].

الشرط الثاني: الإقلاع عن المعصية، أما إنسان مستمر على المعصية ثم يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، فهذا لا تقبل توبته، بل هي توبة الكذابين، كما قال ربنا جل جلاله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:17-18].

الشرط الثالث: الندم على ما فات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الندم توبة )، أما إنسان يقول: أنا تائب ولكن قلبه يحن إلى المعصية ويشتاق إليها، ولا يشعر بالندم على اقترافها فهذه ليست بتوبة.

الشرط الرابع: العزم على عدم العود، وهو أن يعزم الإنسان بقلبه عزماً أكيداً ألا يعود إلى الذنب، أما إنسان يتوب إلى الله؛ لأنه أصبح عاجزاً عن الذنب، أو لأن الذنب صار بعيد المنال، لكنه تحدثه نفسه أنه متى ما تيسرت له الأسباب وفتحت له الأبواب عاد إلى اقتراف الذنب، فمثل هذا أيضاً توبته لا تنفعه.

الشرط الخامس: إذا كان الذنب متعلقاً بحقوق العباد فلا بد من ردها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا: ( أن الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً ).

أما (الديوان الذي لا يغفره الله ) فهو: الشرك، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

وأما (الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً) فما كان من ذنب بين العبد وربه.

وأما ( الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً) فهي: حقوق العباد.

فهذه هي شروط التوبة الخمسة: إخلاص لله عز وجل، وإقلاع عن الذنب، وندم على ما فات، وعزم على عدم العود، ثم رد الحقوق إلى أهلها.

السؤال: ولد أحمد يقول: بعض الناس قالوا: السجائر ليست حراماً، أريد دليلاً على ذلك؟

الجواب: هؤلاء أقول لهم: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116]، فلا ينبغي للإنسان أن يتجاسر على القول بأن هذا حلال وهذا حرام، بل الواجب عليه أن يسأل أهل الذكر كما أمرنا ربنا بقوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

والتبغ عموماً سواء كان سجائر أو سيجاراً أو شيشة أو غليوناً قد أطبقت كلمة أهل العلم على القول بتحريمه؛ لما ثبت من ضرره الأكيد، وأنه مسبب لأمراض قاتلة، وقد قال الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، وقال الله عز وجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، ولما ثبت من الضرر الذي يسببه لمتناوله والمحيطين به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار )؛ ولأنه من الخبائث، والله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم محلاً للطيبات ومحرماً للخبائث.

ثم إن هذا الشيء القبيح -أعني الدخان- مؤذ برائحته حتى من كان يصلي، يعني: بعض الناس ممن ابتلي بتناول الدخان قد يكون من المصلين، بل قد يكون من المواظبين على الصلاة في المسجد، لكنه يؤذي من يجاوره في الصف بهذه الرائحة النتنة التي لا تستسيغها النفس، وأسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.

السؤال: أنا مطلقة ولا أريد أن أرجع؛ لأن زوجي خائن، ومشاكله معي كثيرة؟

الجواب: لا بأس إن شاء الله، إذا ما تريدين الرجوع فهذا من حقك، طالما أن الزوج خائن ومشاكله كثيرة، فالطلاق ما شرع إلا من أجل أن يوضع حد للمشكلات الزوجية التي استعصت على العلاج، والله عز وجل قال: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، وإذا كان الزوج ما يتقي الله في زوجه، بل يؤذيها ويضرها، ويسوق الشر إليها، فمثل هذا لا خير في البقاء معه، فإذا كان الطلاق بائناً فالحمد لله قد أراحك الله، وإن كان الطلاق رجعياً وانقضت العدة ولم يراجع فالحمد لله، أما إذا راجعك في العدة فيمكنك الاختلاع منه، يعني: بأن تدفعي له شيئاً من المال في مقابل أن يطلقك، ويمكنك كذلك أن تلجئي إلى القضاء، وتثبتي الضرر من أجل أن تحصلي على الطلاق.

السؤال: أنا حين أسمع القرآن أدخل في حالة غير عادية، أسرح وأكبر وأهلل؟

الجواب: والله يا أخي ما أدري، لكن ينبغي لمن سمع القرآن أن ينصت، قال الله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، فلا ينبغي للإنسان أن يكبر ولا أن يهلل، بل الحال كما قال ربنا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم، وسكنت جوارحهم، ودمعت عيونهم، هذا هو حالهم.

السؤال: ما حكم التصفيق في كل الحالات وجزاك الله خيراً؟

الجواب: التصفيق بالنسبة للرجال أقل أحواله الكراهة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام حصر فقال: ( إنما التصفيق للنساء )، وأنكر على الصحابة وقال: ( ما بالكم إذا نابكم في الصلاة شيء صفقتم، إنما التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال )؛ ولذلك الإمام إذا سها في صلاته أو أخطأ فنحن معشر الرجال نسبح ونقول له: سبحان الله! من أجل أن يصلح الخطأ، أما النساء فإنهن يصفقن أو يصفحن. قالوا: وصفة التصفيق أن تجعل أصبعيها على ظاهر كفها، يعني: ما تصفق المرأة في الصلاة التصفيق المعروف وإنما بأصبعيها على ظاهر كفها، فيحصل التنبيه للإمام بأنه قد أخطأ.

وبعض الرجال إذا سره شيء صفق، أو إذا حصلت له نعمة صفق، أو إذا فرح صفق، ولا ينبغي هذا، بل الرجل إذا فرح كبر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بشر بقتل كعب بن الأشرف كبر، ولما بشر بقتل أبي رافع تاجر الحجاز كبر، ولما بشر بقتل أبي جهل كبر، ولما أخبر بنقض بني قريظة العهد كبر، وهكذا التكبير هو شعارنا معشر أهل الإسلام.

السؤال: ما تفسير قول ربنا: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:153-154]؟

الجواب: هذا الكلام في الرد على المشركين الذين جعلوا: الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً [الزخرف:19]، وجعلوا: لله البنات وهم يكرهونهن، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل:57]، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [النحل:62].

هؤلاء الناس الله عز وجل يطرح عليهم هذا السؤال الاستنكاري: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الصافات:153-157]، وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات:158]، يعني: هؤلاء كانوا يخبطون خبط عشواء، مرة يقولون: الملائكة بنات الله، ومرة يجعلون بين الله عز وجل وبين الجن نسباً، ومرة يسمون أصنامهم بأسماء الله عز وجل يؤنثونها، فبدل الإله يجعلونها: اللات، وبدل العزيز يجعلونها: العزى، وبدل المنان يجعلونها: مناة، وهكذا يخبطون خبط عشواء كما قال ربنا: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً [الكهف:5].

السؤال: دائماً أشك في الركعة الثالثة وإلا الرابعة؟

الجواب: أنت مستنكح يا أخي، قد استنكحك الشك، الشيطان لبس عليك صلاتك حتى ما تدري كم صليت، والواجب على من كان مثلك أن يطرح الشك ولا يلتفت إليه، والإنسان الذي يعاوده الشك دائماً يبني على ما عنده ولا يلتفت إلى الشك ولا يهتم به، وأيضاً مطلوب منه أن يتفل عن يساره ثلاثاً ويستعيذ بالله منه، فإن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الشيطان قد لبس علي صلاتي فما أدري كم صليت؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب، فاتفل عن يسارك ثلاثاً واستعذ بالله منه، قال عثمان : ففعلته فأذهبه الله عني ).

السؤال: ممكن تكلمنا عن شرعية المحبة المتبادلة بين الولد والبنت؟

الجواب: أين تأتي الشرعية؟

المحبة التي تجعل الشاب يجلس مع الفتاة على الكافتيريا ويمازحها ويضاحكها ويحدثها بمكنون نفسه، وهي تحدثه، كالذي يكون بين الزوجين سواء بسواء، من يقول بشرعية هذا؟! لا أحد يقول بأن هذا مشروع، ولا بأنه سائغ، وهم يسمونه حباً، لكنه في شرع الله عز وجل تهتك وضياع وانتهاك للأعراض.

وأنا دائماً أقول لإخواني وأخواتي: بأن ديننا مبناه على الحب، حب لله عز وجل، وحب الأنبياء والمرسلين، وحب للملائكة، وحب للصالحين من عباد الله، وحب لدين الله وشرعه، وحب للقرآن، وحب للحلال، ثم بعد ذلك حب للأزواج، وحب للأولاد، وحب للوالدين، وحب للأرحام، هذا هو ديننا، حب للخير، وحب الخير للناس، وحب الهداية والصلاح والسداد، وحب الخير للناس جميعاً بأن يصب الله عليهم الخير صباً، وأن يغني فقيرهم، وأن يشفي مريضهم، وأن يداوي جريحهم هذا الذي يحبه المسلم للناس، فيحب للناس جميعاً الخير، وهذا هو هدي نبينا عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك حين كان يبشر بإسلام أحد من الناس كان يفرح عليه الصلاة والسلام، مع أنه إذا أسلم فالنفع له، وإن أعرض فالضر عليه؛ لكنه عليه الصلاة والسلام يحب للناس أن ينقذوا من النار، ويحب للناس أن يصلوا إلى الجنة، وأن ينالوا رضوان الله هذا هو الحب في ديننا.

لكنهم قصروا الحب الآن في اصطلاح المعاصرين على العلاقة الآثمة، التي تكون بين ذكر وأنثى، وتحملهم على ارتكاب ما حرم الله عز وجل، وهذا ليس حباً، وإنما هو تهتك واعتداء على الشرع وانتهاك للعرض، وتعدٍ لحدود الله عز وجل، فهذا الذي ينبغي أن يقال في هذا المقام.

السؤال: لو كنت صائمة تطوعاً وشربت أكثر من مرة سهواً، ما رأي الدين في ذلك؟

الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه )، وفي رواية: ( ولا قضاء عليه ولا كفارة )، ولذلك مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع: (أن من أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح)، وهذا السؤال يكثر طرحه في رمضان خاصة في الأيام الأول؛ لأن الناس لم يكونوا قد تعودوا على الصيام فيشرب أحدهم ويأكل، وبعض الناس صام في شعبان يوماً من الأيام ثم بعد ذلك قال: وجد ناساً يفطرون فأكل معهم فولاً وكبدة، فقلت له: لا شيء عليك فأنت ناسي، قال: ثم بعد ذلك شربت شاياً، فقلت له: لا مشكلة فأنت ناسي، قال: ثم رجعت إلى البيت فتغديت، قلت له: الله أعلم، ما أدري بعد ذلك هذا صيام أم أنه لعب، فأنت متصور أن الإنسان يخطئ فيأكل لقمة أو لقيمات، أو يشرب جرعة أو جرعات، أو يأخذ غرفة أو غرفات، لكن أن يأكل فولاً ثم يشرب شاياً ثم يرجع فيتغدى ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.

السؤال: صاحبتي تحبني وتستشيرني في كل شيء، لكنها لا تصلي، ماذا أعمل لها؟

الجواب: تعملين لها عدة أشياء: أولاً: الدعاء لها، فأكثري من الدعاء لها بالهداية، وأن يأخذ الله بناصيتها إلى الخير.

ثانياً: نصحها بالرفق.

ثالثاً: مهاداتها، فإن الهدية تلين القلب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الناس استمالهم إلى الدين.

رابعاً: تستعينين بمن يستطيع التأثير عليها ممن تجلهم وتوقرهم.