سورة البقرة - الآية [278]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضا،

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فمع النداء العاشر في الآية الثامنة والسبعين بعد المائتين في سورة البقرة، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[البقرة:278].

سبب النزول: ذكر زيد بن أسلم و ابن جريج و مقاتل و السدي أن الآية نزلت في بني عمرو بن عمير من ثقيف وبني المغيرة من بني المخزوم، و كان بينهم رباً في الجاهلية، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه طلبت ثقيف أن تأخذه منهم فتشاوروا وقالت بنو المغيرة: لا نؤد الربا في الإسلام لكسب الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد رضي الله عنه وهو نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[البقرة:278-279]، فقالوا: نتوب إلى الله ونذر ما بقي من الربا، فتركوه كله.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب ثم قرأ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[البقرة:279].

معنى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)

معاني المفردات: يقول الله عز وجل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )) أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون، قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: أمروا بتقوى الله قبل الأمر بترك الربا؛ لأن تقوى الله هي أصل الامتثال والاجتناب؛ ولأن ترك الربا من جملتها.

قال سبحانه: (( اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا )) أي أتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رءوس الأموال بعد هذا الإنذار، (( إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )) أي: إن كنتم مؤمنين بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك.

قال الرازي رحمه الله تعالى: فإن قيل: كيف قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) -ثم قال في آخره- ((إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ))، فالجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا مثل ما يقال: إن كنت أخاً فأكرمني، معناه: أن من كان أخاً أكرم أخاه.

الوجه الثاني: قيل: معناه إن كنتم مؤمنين قبله.

الوجه الثالث: إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان.

الوجه الرابع: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) بلسانهم (( َذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )) بقلوبكم.

قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ[البقرة:279]، بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ )) أي: بوضع رءوس الأموال أيضاً، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه.

وقيل في تعريف الربا: هو عقد في الشرع فاسد وإن لم تكن فيه زيادة؛ لأن بيع الدراهم بالدراهم نسيئة ربا، وإن لم تتحقق فيه زيادة.

ذم الربا في القرآن

الآيات في ذم الربا كثيرة، كقوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة:275]، وقال سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ[البقرة:276]، وقال سبحانه في ذم اليهود وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ[النساء:161]، وقال تبارك اسمه: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ[الروم:39].

ذم الربا في السنة

الأحاديث في ذم الربا قد تواترت تواتراً معنوياً، منها: ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

ومنها حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي آكل الربا يوم القيامة مخبلاً يجر شقيه، ثم قرأ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة:275])، قال المنذري رحمه الله في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني و الأصفهاني من حديث أنس ونحوه عند ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ومنها ما جاء عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم حجة الوداع فقال: (وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله) رواه مسلم.

وعن عبد الله بن حنظلة -غسيل الملائكة- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)، قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد و الطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح.

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم) رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، فإذا في النهر سابح يسبح، وإذا على شاطئ النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي الجالس الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً، قلت: ما هذان؟ قالا: إنه آكل الربا).

وعن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله)، قال المنذري في الترغيب: رواه أبو يعلى بإسناد جيد، وأخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي .

ما يستفاد من هذه الآية

في هذه الآية الكريمة فوائد:

أولها: وجوب تقوى الله في الأمر كله.

ثانيها: حرمة الربا وأنه من كبائر الذنوب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه.

ثالثها: وجوب التوبة من الربا ومن كل المعاصي.

رابعها: اجتناب الربا من مقتضيات الإيمان.

خامسها: قال الرازي رحمه الله: اعلم بأن هذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار إذا أسلموا؛ وذلك لأن ما مضى في وقت الكفر فإنه يبقى ولا ينقض ولا يفسخ، وما لا يوجد منه شيء في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ولا يجوز في الإسلام فهو عفو لا يتعقب، فإن كان النكاح وقع على محرم فقبضته المرأة فقد مضى، -أي: ذلك الصداق- وإن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون المهر المسمى.

أسأل الله سبحانه أن يطيب مطاعمنا ومشاربنا، وأن يستعملنا في طاعته إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين.

معاني المفردات: يقول الله عز وجل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )) أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون، قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: أمروا بتقوى الله قبل الأمر بترك الربا؛ لأن تقوى الله هي أصل الامتثال والاجتناب؛ ولأن ترك الربا من جملتها.

قال سبحانه: (( اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا )) أي أتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رءوس الأموال بعد هذا الإنذار، (( إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )) أي: إن كنتم مؤمنين بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك.

قال الرازي رحمه الله تعالى: فإن قيل: كيف قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) -ثم قال في آخره- ((إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ))، فالجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا مثل ما يقال: إن كنت أخاً فأكرمني، معناه: أن من كان أخاً أكرم أخاه.

الوجه الثاني: قيل: معناه إن كنتم مؤمنين قبله.

الوجه الثالث: إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان.

الوجه الرابع: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) بلسانهم (( َذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ )) بقلوبكم.

قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ[البقرة:279]، بأخذ الزيادة وَلا تُظْلَمُونَ )) أي: بوضع رءوس الأموال أيضاً، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه.

وقيل في تعريف الربا: هو عقد في الشرع فاسد وإن لم تكن فيه زيادة؛ لأن بيع الدراهم بالدراهم نسيئة ربا، وإن لم تتحقق فيه زيادة.

الآيات في ذم الربا كثيرة، كقوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ[البقرة:275]، وقال سبحانه: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ[البقرة:276]، وقال سبحانه في ذم اليهود وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ[النساء:161]، وقال تبارك اسمه: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ[الروم:39].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
سورة التحريم - الآية [8] 2638 استماع
سورة المجادلة - الآية [11] 2578 استماع
سورة آل عمران - الآية [102] 2538 استماع
سورة المائدة - الآية [105] 2524 استماع
سورة النساء - الآية [19] 2348 استماع
سورة البقرة - الآية [104] 2313 استماع
سورة الأحزاب - الآيات [70-71] 2305 استماع
سورة التوبة - الآية [119] 2296 استماع
سورة البقرة - الآية [182] 2231 استماع
سورة التغابن - الآية [14] 2190 استماع