شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب المواقيت - حديث 180-189


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

اليوم الثلاثاء (16/ربيع آخر) لعام (1410 للهجرة)، وفيه ينعقد هذا المجلس -وأظنه التاسع والستين- من مجالس شرح بلوغ المرام، يسر الله تعالى إتمامه بمنه وكرمه، وإن شاء الله تعالى مصممون في هذه الليلة على أن نجتاز باب المواقيت الذي أطلنا فيه بعض الشيء نظراً لانشغالنا أول الوقت بموضوع المراجعة، مراجعة كتاب الطهارة، وذلك لأن أحاديث الليلة كلها سبقت في الشرح، فلم يبقَ إلا الكلام عليها, وتحرير مقاصدها ومعانيها فحسب؛ ولذلك أستميحكم العذر أيضاً في موضوع تسميع الحصة المقررة, وإن كنا سنستمر على ما اتفقنا عليه في موضوع التسميع.

في الأسبوع الماضي داهمنا الوقت ونحن نتحدث عن أهم قضية تقريباً في موضوع المواقيت، في موضوع أوقات النهي، وهي الجمع بين الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في أوقات معلومة -كالنهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس, وبعد العصر حتى تغرب الشمس- وبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة مطلقاً في مناسبات معينة، كأمره بالصلاة -مثلاً- عند الكسوف أو الخسوف, وأمره بالصلاة عند دخول المسجد، وكذلك الصلاة بعد الطواف، والصلاة عند الوضوء، وقضاء الفائتة لمن أدركها في وقت النهي، وإعادة الجماعة في المسجد، وقضاء الراتبة الفائتة أيضاً، وكذلك الصلاة مع أئمة الجور، كما في حديث أبي ذر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( كيف بك إذا أدركت أقواماً يؤخرون الصلاة عن وقتها؟! قال: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، فإذا أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة )، ومعنى ذلك: أنه سوف يصلي العصر -مثلاً- في وقتها، ثم إذا أدرك العصر مع أئمة الجور وأمراء السوء فإنه يعيدها معهم, وتكون له نافلة، وكذلك جاء نحوه في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .. إلى غير ذلك.

فكيف يجمع بين هذه وتلك؟

سبب ترجيح جواز الصلوات السببية دون غيرها

ذكرت أن القول الراجح -وهذا ما أريد أن أبدأ من عنده الآن- أن القول الراجح والذي عليه أكثر أهل العلم: أن الصلاة التي لها سبب تفعل مطلقاً في وقت النهي وغيره.

أن الصلاة التي لها سبب كتحية المسجد وركعتي الطواف، وصلاة الوضوء -ركعتي الوضوء- وصلاة الكسوف, والجنازة, وغيرها مما لها سبب فإنها تفعل مطلقاً في وقت النهي وفي غيره.

وذلك لأن أمامنا الآن عمومين، وهذا سر الترجيح:

العموم الأول: في أحاديث النهي: ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس, ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس )، فهذا عموم من جهة النهي عن الصلاة، ولكنه خاص في أوقات معلومة.

ويقابل الأحاديث الأخرى التي فيها عموم في الأوقات، لكن خصوص في أسباب معلومة، كقوله -مثلاً- عليه السلام: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، فإن هذا الحديث في سبب خاص، وهو من دخل المسجد، لكنه من جهة الوقت عام غير محدد، فهو ما قال: (إلا بعد العصر وبعد الفجر)، قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس ..)، ومثل حديث بلال في صلاة ركعتي الوضوء؛ فإنه قال: ( لم أتطهر أية ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما شاء الله )، ولم يخص أوقات النهي أيضاً، وكذلك في حديث جبير بن مطعم : ( لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء )، ولم يقل: (إلا أوقات النهي)، ففي هذه الأحاديث عموم من جهة الوقت؛ ولذلك اختلف واضطرب أهل العلم فيها.

فمنهم من أخذ بعموم أحاديث النهي، فقال: لا تصلى أي صلاة في وقت النهي, وهذا مذهب الأحناف كما سبق معنا.

ومنهم من أخذ بالأمر الآخر، وقال: يؤخذ بعموم هذه الأحاديث لا بعموم أحاديث النهي.

ومنهم من توقف, وأذكر أن ممن توقف في ذلك الشوكاني، حتى إنه في عدد من كتبه -كـنيل الأوطار، وكذلك في رسالة خاصة له اسمها كشف الشبهات في شرح حديث وبينهما أمور مشتبهات - لجأ إلى قول أرى أنه في غاية الضعف في الجمع بين هذه الأحاديث، فمثلاً: في حديث دخول المسجد: ( فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) قال: لا يدخل المسجد في وقت النهي، لا تدخل المسجد في وقت النهي لماذا؟ قال: لأنك إن صليت خالفت حديثاً، وإن تركت الصلاة خالفت حديثاً آخر، فالأسلم لك أنك لا تدخل المسجد أصلاً في وقت النهي، وهذا في نظري أنه تورع، لكنه في غير محله؛ لأنه يبعد أن ينهى الإنسان عن دخول المسجد أبداً, أما كون الفقيه أو المجتهد تحير فهذا طبيعي، ليس بغريب.

المهم القول الذي أختاره: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من العمل بعموم الأحاديث الأخرى الآمرة بصلوات معينة لأسباب معلومة، وإنما يرجح عموم هذه الأحاديث على عموم أحاديث النهي لسبب ظاهر، وهو أن أحاديث النهي عمومها مخصوص، أو نقول: عمومها غير محفوظ، يعني: ورد عليه استثناءات كثيرة جداً، وذلك مثل الأمثلة التي سبقت، كونه صلى الله عليه وسلم وجد بعض الصحابة يقضون راتبة الفجر بعد الصلاة فلم ينكر عليهم، كونه صلى الله عليه وسلم قضى راتبة الظهر لما فاتته بعد العصر، إلى غير ذلك من الأحاديث التي سبقت في أدلة الفريق الثاني.

فهذا يضعف عموم أحاديث أوقات النهي؛ لأنه أصبح عموماً غير محفوظ، ومعنى قولنا: (غير محفوظ), أي: أنه مخصوص بأحاديث كثيرة جداً، في حين أن عموم النصوص الأخرى محفوظ مطلقاً, لم يرد ما يخصه أو يعتبر استثناءً.

فمثلاً: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، هل تحفظون دليلاً واحداً يشرع فيه -يعني: بمقتضى حديث الرسول عليه السلام- للإنسان الجلوس قبل الصلاة؟ هل تعرفون أن هناك صحابياً جاء والنبي عليه السلام -مثلاً- في المسجد, فصلى فقال له: اجلس لا تصل هذا وقت نهي مثلاً؟! كلا.

بل العكس، حتى أثناء خطبة الجمعة لما دخل رجل فجلس قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أصليت يا فلان؟! قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما ).

إذاً: عموم أحاديث النهي مخصوص، وعموم الأحاديث الأخرى في الصلوات التي لها سبب غير مخصوص، والعام غير المخصوص أقوى من العام المخصوص، أو نقول بأسلوب آخر: العام المحفوظ -المحفوظ الذي لم يأتِ ما يشكل عليه أو يستثنى منه- يقدم على العام غير المحفوظ.

وبناء على ذلك ترجح الأحاديث التي فيها فعل ذوات السبب، فيفعل الإنسان الصلوات التي لها سبب حتى في أوقات النهي.

ذكرت أن القول الراجح -وهذا ما أريد أن أبدأ من عنده الآن- أن القول الراجح والذي عليه أكثر أهل العلم: أن الصلاة التي لها سبب تفعل مطلقاً في وقت النهي وغيره.

أن الصلاة التي لها سبب كتحية المسجد وركعتي الطواف، وصلاة الوضوء -ركعتي الوضوء- وصلاة الكسوف, والجنازة, وغيرها مما لها سبب فإنها تفعل مطلقاً في وقت النهي وفي غيره.

وذلك لأن أمامنا الآن عمومين، وهذا سر الترجيح:

العموم الأول: في أحاديث النهي: ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس, ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس )، فهذا عموم من جهة النهي عن الصلاة، ولكنه خاص في أوقات معلومة.

ويقابل الأحاديث الأخرى التي فيها عموم في الأوقات، لكن خصوص في أسباب معلومة، كقوله -مثلاً- عليه السلام: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، فإن هذا الحديث في سبب خاص، وهو من دخل المسجد، لكنه من جهة الوقت عام غير محدد، فهو ما قال: (إلا بعد العصر وبعد الفجر)، قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس ..)، ومثل حديث بلال في صلاة ركعتي الوضوء؛ فإنه قال: ( لم أتطهر أية ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما شاء الله )، ولم يخص أوقات النهي أيضاً، وكذلك في حديث جبير بن مطعم : ( لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء )، ولم يقل: (إلا أوقات النهي)، ففي هذه الأحاديث عموم من جهة الوقت؛ ولذلك اختلف واضطرب أهل العلم فيها.

فمنهم من أخذ بعموم أحاديث النهي، فقال: لا تصلى أي صلاة في وقت النهي, وهذا مذهب الأحناف كما سبق معنا.

ومنهم من أخذ بالأمر الآخر، وقال: يؤخذ بعموم هذه الأحاديث لا بعموم أحاديث النهي.

ومنهم من توقف, وأذكر أن ممن توقف في ذلك الشوكاني، حتى إنه في عدد من كتبه -كـنيل الأوطار، وكذلك في رسالة خاصة له اسمها كشف الشبهات في شرح حديث وبينهما أمور مشتبهات - لجأ إلى قول أرى أنه في غاية الضعف في الجمع بين هذه الأحاديث، فمثلاً: في حديث دخول المسجد: ( فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) قال: لا يدخل المسجد في وقت النهي، لا تدخل المسجد في وقت النهي لماذا؟ قال: لأنك إن صليت خالفت حديثاً، وإن تركت الصلاة خالفت حديثاً آخر، فالأسلم لك أنك لا تدخل المسجد أصلاً في وقت النهي، وهذا في نظري أنه تورع، لكنه في غير محله؛ لأنه يبعد أن ينهى الإنسان عن دخول المسجد أبداً, أما كون الفقيه أو المجتهد تحير فهذا طبيعي، ليس بغريب.

المهم القول الذي أختاره: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من العمل بعموم الأحاديث الأخرى الآمرة بصلوات معينة لأسباب معلومة، وإنما يرجح عموم هذه الأحاديث على عموم أحاديث النهي لسبب ظاهر، وهو أن أحاديث النهي عمومها مخصوص، أو نقول: عمومها غير محفوظ، يعني: ورد عليه استثناءات كثيرة جداً، وذلك مثل الأمثلة التي سبقت، كونه صلى الله عليه وسلم وجد بعض الصحابة يقضون راتبة الفجر بعد الصلاة فلم ينكر عليهم، كونه صلى الله عليه وسلم قضى راتبة الظهر لما فاتته بعد العصر، إلى غير ذلك من الأحاديث التي سبقت في أدلة الفريق الثاني.

فهذا يضعف عموم أحاديث أوقات النهي؛ لأنه أصبح عموماً غير محفوظ، ومعنى قولنا: (غير محفوظ), أي: أنه مخصوص بأحاديث كثيرة جداً، في حين أن عموم النصوص الأخرى محفوظ مطلقاً, لم يرد ما يخصه أو يعتبر استثناءً.

فمثلاً: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، هل تحفظون دليلاً واحداً يشرع فيه -يعني: بمقتضى حديث الرسول عليه السلام- للإنسان الجلوس قبل الصلاة؟ هل تعرفون أن هناك صحابياً جاء والنبي عليه السلام -مثلاً- في المسجد, فصلى فقال له: اجلس لا تصل هذا وقت نهي مثلاً؟! كلا.

بل العكس، حتى أثناء خطبة الجمعة لما دخل رجل فجلس قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أصليت يا فلان؟! قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما ).

إذاً: عموم أحاديث النهي مخصوص، وعموم الأحاديث الأخرى في الصلوات التي لها سبب غير مخصوص، والعام غير المخصوص أقوى من العام المخصوص، أو نقول بأسلوب آخر: العام المحفوظ -المحفوظ الذي لم يأتِ ما يشكل عليه أو يستثنى منه- يقدم على العام غير المحفوظ.

وبناء على ذلك ترجح الأحاديث التي فيها فعل ذوات السبب، فيفعل الإنسان الصلوات التي لها سبب حتى في أوقات النهي.

لكن هاهنا بعض الأمور التي أريد أن أنبه عليها, منها:

أولاً: أن هناك أوقاتاً النهي فيها مغلظ كما سبق، وهي الأوقات الثلاثة, وخاصة عند طلوع الشمس وعند غروبها، حتى إن من السلف من قال: إن النهي بعد الفجر وبعد العصر إنما هو كنوع من الحماية لهذا الوقت، الذي هو مركز النهي وبؤرة النهي عند الطلوع وعند الغروب، وما قبله وما بعده أشبه ما يكون بالحريم والحياطة له.

فهذه الأوقات الثلاثة يتأكد فيها النهي، ولذلك ذهب من ذهب من السلف إلى قصر النهي على هذه الأوقات الثلاثة، فلهذا أرى أن يحرص الإنسان ألا يصلي في هذه الأوقات الثلاثة صلاة وهو يستطيع أن يؤجلها بلا مشقة.

أما إن كان في ذلك عليه مشقة فليصلها، فمثلاً: لو دخل المسجد في مثل هذه الأوقات لا نقول له: لا تصلها؛ لأننا إن قلنا له: اجلس بدون صلاة؛ فهذا مخالف لما رجحناه الآن، وإن قلنا له: انتظر واقفاً؛ فهذا فيه مشقة أنه سوف يقف ربع ساعة -مثلاً- أو عشر دقائق، فيه مشقة، فيقال له: صلّ في هذه الأوقات، لكن لو أن عنده أمراً يمكن تأجيله، ولا يفوت سببه؛ فإنني أرى أن الأولى أن يؤجله، هذه واحدة.

ولذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى عدم صلاة الجنازة في هذه الأوقات الثلاثة، وعدم دفن الموتى فيها أيضاً؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، في حين أنهم ذهبوا كلهم -أو جلهم- إلى أن الجنازة تصلى في بقية أوقات النهي، فهذا دليل على تأكد النهي في هذه الأوقات الثلاثة، ومما يخفف الأمر والخطب فيها: أنها أوقات قصيرة، فما بين طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح وقلنا: إنه يساوي بالدقائق عشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة، ووقت الزوال

خمس إلى عشر دقائق، ووقت الغروب تقريباً يعادل خمساً إلى عشر دقائق, فبناءً على ذلك تكون هذه الأوقات قصيرة.

الملاحظة الثانية: تتعلق بصلاة الاستخارة، وصلاة الاستخارة ثابتة كما في الصحيح من حديث جابر : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك, وأستقدرك بقدرتك, وأسألك من فضلك، فإنك تعلم ولا أعلم, وتقدر ولا أقدر, وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر -ويسميه باسمه- خيراً لي في ديني ودنياي ومعاشي ومعادي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي, ويسره لي، وإن كنت تعلم غير ذلك فاصرفه عني واصرفني عنه, واقدر لي الخير حيث كان, ثم رضني به )، فهذه الاستخارة, يشرع للإنسان أن يفعلها لكن عند الحاجة إليها، لكن إذا كان الأمر الذي يستخير من أجله لا يفوت فلا ينبغي له أن يفعلها في أوقات النهي، لكن لو كان أمراً يفوت، فلو أجل الاستخارة إلى ما بعد خروج وقت النهي لفات الأمر الذي يريد أن يستخير بشأنه؛ فإنه يفعل هذه الصلاة حتى في وقت النهي.

أما في هذا اليوم فعندنا مجموعة من الأحاديث:

أولها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الشفق الحمرة ).

تخريج الحديث

والمصنف يقول: رواه الدارقطني , وصححه ابن خزيمة -كذا- وغيره وقفه على ابن عمر .

لاحظوا عبارة المصنف حسب المطبوع الذي بين أيديكم إن كان كالذي معي، يقول: رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة , وغيره وقفه على ابن عمر .

والذي أعتقد في صحة العبارة -وإن كنت راجعت بعض المخطوطات ووجدت أنها محتملة- لكن الذي أعتقد في صحة العبارة: أن العبارة الصحيحة: رواه الدارقطني وصحح ابن خزيمة وغيره وقفه على ابن عمر، فتكون كلمة (وصححه) الهاء هذه زائدة، والحديث رواه الدارقطني في سننه في باب صفة المغرب والصبح، وزاد في آخره: ( الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة )، والحديث قال فيه الإمام البيهقي رحمه الله في سننه : روي -يعني: هذا الحديث- بلفظ: (الشفق الحمرة) عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وشداد بن أوس وأبي هريرة , ولا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن البيهقي رجح أنه موقوف على بعض الصحابة, وهو الصحيح.

وكذلك ممن رجح أنه موقوف الإمام الحاكم في كتابه المدخل، فإنه رجح أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر وغيره.

المراد بالشفق

ولكن هذا الحديث فيه بيان لمعنى كلمة، وابن عمر وغيره من الصحابة حجة في اللغة العربية، فقولهم: (إن الشفق الحمرة) هو المعتمد، وهذا الحديث يدل على أن الشفق الذي قيد به وقت المغرب ووقت العشاء -إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء الآخرة- ليس المقصود به البياض كما ذهب إليه أبو حنيفة وزفر وابن المنذر والمزني من الشافعية، كلا، بل هو الحمرة كما ذهب إليه جمهور العلماء كـأحمد ومالك والشافعي وإسحاق وسفيان .. وغيرهم، وهو مروي عن جماعة من الصحابة كما سبق، وهذا الذي رجحه أئمة اللغة العربية كـالخليل بن أحمد وابن دريد والفراء والجوهري والزبيدي وغيرهم، رجحوا أن المقصود بالشفق في اللغة: الحمرة، وقد سبق أن بحثت هذه المسألة في حديث أبي موسى الأشعري فيما أذكر: ( ووقت العشاء إذا غاب الشفق ) .

فهذه المسألة سبقت, والراجح فيها: أن المقصود بالشفق الحمرة.

والمصنف يقول: رواه الدارقطني , وصححه ابن خزيمة -كذا- وغيره وقفه على ابن عمر .

لاحظوا عبارة المصنف حسب المطبوع الذي بين أيديكم إن كان كالذي معي، يقول: رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة , وغيره وقفه على ابن عمر .

والذي أعتقد في صحة العبارة -وإن كنت راجعت بعض المخطوطات ووجدت أنها محتملة- لكن الذي أعتقد في صحة العبارة: أن العبارة الصحيحة: رواه الدارقطني وصحح ابن خزيمة وغيره وقفه على ابن عمر، فتكون كلمة (وصححه) الهاء هذه زائدة، والحديث رواه الدارقطني في سننه في باب صفة المغرب والصبح، وزاد في آخره: ( الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة )، والحديث قال فيه الإمام البيهقي رحمه الله في سننه : روي -يعني: هذا الحديث- بلفظ: (الشفق الحمرة) عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وشداد بن أوس وأبي هريرة , ولا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن البيهقي رجح أنه موقوف على بعض الصحابة, وهو الصحيح.

وكذلك ممن رجح أنه موقوف الإمام الحاكم في كتابه المدخل، فإنه رجح أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر وغيره.

ولكن هذا الحديث فيه بيان لمعنى كلمة، وابن عمر وغيره من الصحابة حجة في اللغة العربية، فقولهم: (إن الشفق الحمرة) هو المعتمد، وهذا الحديث يدل على أن الشفق الذي قيد به وقت المغرب ووقت العشاء -إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء الآخرة- ليس المقصود به البياض كما ذهب إليه أبو حنيفة وزفر وابن المنذر والمزني من الشافعية، كلا، بل هو الحمرة كما ذهب إليه جمهور العلماء كـأحمد ومالك والشافعي وإسحاق وسفيان .. وغيرهم، وهو مروي عن جماعة من الصحابة كما سبق، وهذا الذي رجحه أئمة اللغة العربية كـالخليل بن أحمد وابن دريد والفراء والجوهري والزبيدي وغيرهم، رجحوا أن المقصود بالشفق في اللغة: الحمرة، وقد سبق أن بحثت هذه المسألة في حديث أبي موسى الأشعري فيما أذكر: ( ووقت العشاء إذا غاب الشفق ) .

فهذه المسألة سبقت, والراجح فيها: أن المقصود بالشفق الحمرة.

الحديث الذي يليه: هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الفجر فجران: فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة -أي: صلاة الصبح- ويحل فيه الطعام ).

تخريج الحديث

رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه.

وهذا الحديث أيضاً: رواه ابن خزيمة في صحيحه في (باب ذكر بيان الصبح الذي تحل فيه الصلاة ويحرم فيه الطعام)، وقال عقب روايته: لم يرفعه في الدنيا غير أبي أحمد الزبيري , وأشار الدارقطني إلى نحو من ذلك، فكأن ابن خزيمة والدارقطني رحمهما الله يرجحان أن الحديث موقوف ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

شواهد الحديث

لكن الحديث له شواهد عديدة سبقت أيضاً، أذكر منها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه -متفق عليه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس الفجر الذي يقول هكذا -وجمع أصابعه وطأطأها هكذا - وإنما الفجر الذي يكون هكذا- وجمع أصبعيه السباحتين ومدهما )، يعني: ليس الفجر هو المستطيل، وإنما الفجر هو المستطير المعترض في الأفق، وحديث ابن مسعود في الصحيحين، فهو شاهد لحديث الباب.

وقد سبق أيضاً في بحث هذه المسألة: أن الفجر فجران: الأول: الفجر الكاذب، وهو الفجر المستطيل، وهذا الفجر لا يتعلق به شيء من الأحكام مطلقاً.

وأما الفجر الثاني: فهو الفجر الصادق, وهو الفجر المعترض المستطير في الأفق الذي إذا ظهر لا يغيب؛ بخلاف الفجر الأول فإنه يبدو ثم يختفي، وهذا الفجر الثاني الصادق المستطير -بالراء- هو الذي تتعلق به جميع الأحكام الشرعية، فيدخل به وقت صلاة الفجر، ووقت الصيام, يحرم فيه الطعام, وتحل فيه الصلاة .. إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية، فإن الأحكام الشرعية كلها معلقة بالفجر الصادق لا بالفجر الكاذب.

وللحاكم من حديث جابر نحوه, وزاد في الذي يحرم الطعام: ( إنه يذهب مستطيلاً في الأفق )، وفي الآخر: ( إنه كذنب السرحان ) والمقصود بالسرحان: هو الذئب.

فهذا الحديث الذي رواه الحاكم من طريق جابر هو شاهد للحديث الأول، وقد رواه الحاكم في مستدركه وقال: إسناده صحيح، وهو بمعنى الحديث السابق فلا شيء فيه.

رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه.

وهذا الحديث أيضاً: رواه ابن خزيمة في صحيحه في (باب ذكر بيان الصبح الذي تحل فيه الصلاة ويحرم فيه الطعام)، وقال عقب روايته: لم يرفعه في الدنيا غير أبي أحمد الزبيري , وأشار الدارقطني إلى نحو من ذلك، فكأن ابن خزيمة والدارقطني رحمهما الله يرجحان أن الحديث موقوف ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن الحديث له شواهد عديدة سبقت أيضاً، أذكر منها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه -متفق عليه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس الفجر الذي يقول هكذا -وجمع أصابعه وطأطأها هكذا - وإنما الفجر الذي يكون هكذا- وجمع أصبعيه السباحتين ومدهما )، يعني: ليس الفجر هو المستطيل، وإنما الفجر هو المستطير المعترض في الأفق، وحديث ابن مسعود في الصحيحين، فهو شاهد لحديث الباب.

وقد سبق أيضاً في بحث هذه المسألة: أن الفجر فجران: الأول: الفجر الكاذب، وهو الفجر المستطيل، وهذا الفجر لا يتعلق به شيء من الأحكام مطلقاً.

وأما الفجر الثاني: فهو الفجر الصادق, وهو الفجر المعترض المستطير في الأفق الذي إذا ظهر لا يغيب؛ بخلاف الفجر الأول فإنه يبدو ثم يختفي، وهذا الفجر الثاني الصادق المستطير -بالراء- هو الذي تتعلق به جميع الأحكام الشرعية، فيدخل به وقت صلاة الفجر، ووقت الصيام, يحرم فيه الطعام, وتحل فيه الصلاة .. إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية، فإن الأحكام الشرعية كلها معلقة بالفجر الصادق لا بالفجر الكاذب.

وللحاكم من حديث جابر نحوه, وزاد في الذي يحرم الطعام: ( إنه يذهب مستطيلاً في الأفق )، وفي الآخر: ( إنه كذنب السرحان ) والمقصود بالسرحان: هو الذئب.

فهذا الحديث الذي رواه الحاكم من طريق جابر هو شاهد للحديث الأول، وقد رواه الحاكم في مستدركه وقال: إسناده صحيح، وهو بمعنى الحديث السابق فلا شيء فيه.

أما حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها ) .

تخريج الحديث

يقول المصنف: رواه الترمذي والحاكم وصححاه، وأصله في الصحيحين.

فالذي أعلم أنه في الترمذي : (الصلاة على وقتها)، ليس فيه (في أول وقتها)، وإنما رواية الترمذي : (الصلاة على وقتها)، وبناء على ذلك فرواية الترمذي كرواية الصحيحين لا فرق، والحديث في الصحيحين -كما ذكر- من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولفظه: ( أفضل الأعمال الصلاة على وقتها )، وفي بعض ألفاظ مسلم : ( الصلاة لوقتها ), باللام.

إذاً: الفرق بين رواية الصحيحين وبين رواية الحاكم وغيره: أن الحاكم رواه بلفظ: ( الصلاة في أول وقتها )، فهو نص.

أما رواية الصحيحين والترمذي وغيرهما فهي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها) أو (الصلاة لوقتها).

وفي هذا الحديث عدة مسائل, منها:

ثبوت لفظ: (أول وقتها)

أولاً: أن الحديث -كما ذكر المصنف- صححه الترمذي والحاكم، وممن صححه أيضاً الذهبي ووافق الحاكم على تصحيحه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان حيث روياه في صحيحيهما.

وقد اختلف أهل العلم في هذا اللفظ الذي ساقه المصنف: (الصلاة في أول وقتها)، فضعفه جماعة من أهل العلم، بل جزم النووي بتضعيفه، وذلك لتفرد علي بن حفص به وهو صدوق، لكنه تفرد بهذه اللفظة كما ذكر النووي .

والواقع: أنه لم يتفرد بها بل قد توبع بعض المتابعات، وإن كان أكثر الرواة ساقوا الحديث بلفظ: ( الصلاة على وقتها ).

استحباب الصلاة أول الوقت بأحاديث أخرى

ولكن لا أجد ما يدعو إلى إطالة الكلام في رواية: (الصلاة في أول وقتها) لعدة أسباب:

أولاً: أن الصلاة في أول وقتها مستحبة، وهذا سبق تقرير وذكر بعض أدلته، أن الصلاة في أول وقتها أفضل, إلا ما يستثنى من ذلك كصلاة العشاء وكصلاة الظهر عند اشتداد الحر، أما ما عدا ذلك فالأفضل أن يصلي الإنسان الصلاة في أول وقتها، يعني: أول ما يدخل وقتها، هذا سبب.

ولذلك روى الدارقطني والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله )، والحديث رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه الدارقطني أيضاً.

فهذا من ضمن الأدلة على الصلاة في أول وقتها, ومحافظة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

إذاً: ما يدل عليه الحديث من فضل الصلاة في أول وقتها ثابت في غير هذا الحديث.

الفرق بين قوله: (في أول وقتها) وقوله: (على وقتها) و(لوقتها)

ثانياً: ذكر جماعة من شراح الحديث: أنه لا يوجد فرق كبير بين قوله: (الصلاة في أول وقتها) وبين قوله: (الصلاة على وقتها) أو (الصلاة لوقتها)؛ لأن اللام هنا: (الصلاة لوقتها) ما معنى اللام؟

يحتمل أن يكون معنى اللام هو للاستقبال, كما في قوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: في قبل عدتهن، فتكون اللام للاستقبال، يعني: في أول الوقت, ومن المعلوم أنه لن يصلي قبل دخول الوقت، وإنما بدخول الوقت.

وقيل: إن اللام هاهنا كاللام في قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] يعني: لابتداء الوقت، فيكون معنى قوله: (الصلاة لوقتها) يعني: لابتداء وقتها، لأول وقتها، والمعنى والمؤدى واحد.

أما قوله: (الصلاة على وقتها) فقيل: إن (على) هنا بمعنى: اللام، كما سبق، وهاهنا لا إشكال أيضاً، وقيل: إن (على) تدل على التمكن والاستعلاء والاستقرار، وهذا لا يكون إلا إذا صلى الإنسان في أول الوقت بحيث يكون متمكناً من الوقت، صلى في أوله، بخلاف من صلى -مثلاً- في آخر الوقت، فكأنه يكون في طرف الوقت لم يتمكن منه، وعلى هذا فإن الظاهر -والله تعالى أعلم- أن عدداً من رواة الحديث عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود، عدد منهم ظنوا أو فهموا أن قول (الصلاة في أول وقتها) أو (لوقتها) أو (على وقتها) أن المعنى واحد؛ ولذلك اختلفوا في لفظ هذا الحديث اختلافاً بيناً، والذي رجحه الشيخان -كما ذكرت- (الصلاة على وقتها) أو (لوقتها).


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4761 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4393 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4212 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4094 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4045 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4019 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3972 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3916 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3898 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3877 استماع