حياؤك إيمانك


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

ثم أما بعــد:

أختي الكريمة: أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكِ في هذا المجلس، وأن يكون ما نقول في هذا المجلس حجة لنا لا حجة علينا.

أبدأ حديثي إليكِ بقصة لا علاقة لها بالموضوع عن طريقٍ مباشر فاسمعي إليها:

لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لـعمر رضي الله عنهما: مر بنا إلى أم أيمن ، من هي أم أيمن؟ إنها إحدى الصحابيات.. إنها امرأة.. وهي واحدة من بنات جنسك.. عاشت في العصر الأول وفي الصدر الأول.. من يزورها؟ إنهما خير من يمشي على وجه الأرض حين ذاك، إنهما أبو بكر وعمر -الشيخان- رضي الله عنهما.

قال: مر بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما وصولا إليها بكت أم أيمن ، فقالا لها: ما يبكيك رحمك الله؟ إن ما عند الله خيرٌ لرسوله، تبكين على رسول الله؟! رسول الله غادر هذه الدنيا الملعونة الحقيرة إلى ما هو خير، إلى ما هو أعظم، فلم تبكين؟ فقالت: إني لأعلم أن ما عند الله خيرٌ لرسوله، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار إلى خير مما كان فيه، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع عنا من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعل أبو بكر يبكي، وجعل عمر يبكي، وبكى الثلاثة جميعاً أن الوحي قد انقطع من السماء.

إن أم أيمن تبكي وإن المرأة في القرن العشرين تبكي، لكن ما الفرق بين البكائين؟! ما هَمُّ أم أيمن؟! همها أن الوحي قد انقطع، أما الآن فلا وحي جديد، ولا قرآن ينزل، لهذا بكت، هذا هَمُّ أم أيمن ، وما هم فتاة القرن العشرين؟! تبكي آخر الليل لفراق حبيبها، وتبكي أول النهار لسماعها ذلك المطرب وهو يتغزل بالنساء، تبكي لأنها ما لقيت عشيقها في تلك الليلة، تبكي لأنه تزوج ولم يتزوجها!

فرقٌ بين أم أيمن وبين فتاة القرن العشرين، أم أيمن تبكي لأنها تسمع قول الله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً [الزمر:23] اسمعي إلى أم أيمن كيف كانت تستشعر إلى هذا القرآن اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر:23] تقشعر الجلود، تدمع العيون.

هذا المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول لأحد أصحابه: (اقرأ، قال: اقرأ عليك وقد أنزل القرآن عليك! قال: أقرأ، إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت حتى وصلت إلى قول الله تعالى في سورة النساء: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41] قال: حسبك -لمَ حسبك؟- قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان) ما تحمل عليه الصلاة والسلام ذلك الكلام، يقوم الليل كله بآية، فهلا جلسنا هذه الساعة كما جلست أم أيمن تبكي لأن الوحي قد انقطع.

أختي الكريمة: كيف حالك مع القرآن؟! هل دمعت عينك يوماً ما؟! سلي نفسك هذا السؤال، كم تقرئين في اليوم والليلة؟ كيف أنت مع أوامر القرآن ونواهيه وأحكامه؟ كم تحفظين من القرآن؟ هلا سألت نفسك هذا السؤال؟ هل هذبت به النفس، وطهرت به القلب، ورفعت به الإيمان؟ هل عملت به؟ هل دعوت إليه؟ هل شغلت به الأوقات؟ أم أنها المسلسلات والمجلات والأغنيات والفيلم والمرآة والزيارات وغيرها، إننا نفقد أم أيمن في هذا الزمن.

أختي الكريمة: ولنبدأ بموضوعنا: حياؤك إيمانك.

إن المرأة قبل الإسلام لا شيء، إن المرأة قبل الإسلام في متاعب بل هي أحقر حتى من الدواب، المرأة قبل هذا الدين وقبل هذه الشريعة المتاع خيرٌ منها، بعض الدواب تُرحم أما هي لا ترحم، إذا مات زوجها هل ترث منه شيئاً؟ لا بل هي تورث، يرثها إخوان الزوج، أقرباء الزوج يرثونها كالمتاع الساقط اللاقط، بل البنت كانت يوماً من الأيام عاراً وفضيحة.

انظري إلى عبد الله بن المغفل بعد أن أسلم كان يبكي، لماذا؟ لأنه طلب من زوجته أن تزين تلك البنت، من؟ إنها ابنته، زينيها، فأخذها وقلبه يرق لها ولكن يخشى العار والفضيحة، فإذا به يذهب بها إلى ذلك البئر الذي قد جف منه الماء، فيتردد هل يلقيها في ذلك البئر والبنت تداعبه وتلاعبه، وقد زينتها أمها بأحسن زينة، وهو يتردد بين عاطفة الأبوة وبين الجاهلية الجهلاء، من خوف الفضيحة والعار يتردد ويتلكأ، ثم إذا به بعد لحظات يسقطها من شفير البئر إلى قاعه لتسقط بجسدها في ذلك البئر الذي جف فتناديه تقول: يا أبتِ! ضيعت الأمانة! يا أبتِ ضيعت الأمانة!

يأتي رجل ويقول: (يا رسول الله! كانت لي في الجاهلية اثنتي عشرة بنتاً وأدتهن كلهن فقال: من لا يرحم لا يُرحم).

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58] قبل الإسلام، قبل شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، قبل هذا القرآن الذي بين يديك وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59] يتردد بين هذا وهذا، هل يمسكه على هونٍ وذلٍ وفضيحة وعار، أم يدسه في التراب؟ يدس من؟ تلك البنت الصغيرة التي شرفها الله، بل جاء الإسلام ورفع شأنها حتى جعل سورة كاملة في القرآن وسماها "النساء"، بل وسورة أخرى سماها "مريم"، بل سورة ثالثة سماها "المجادلة"، كل هذا لمن أختي الكريمة؟ تكريماً وتشريفاً لك يا أمة الله!

إن المرأة في هذا الدين قسيمة الرجل، لا فرق بينها وبين الرجل إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ [الأحزاب:35] نعم، لها ما للرجل وعليها ما على الرجل إلا فيما اختصت به، وإلا فيما اختص به ذلك الرجل.

أختي الكريمة: جاء الإسلام ليرفع من شأنك وليعزك، هذا الإسلام الذي جاء موافقاً لفطرة المرأة، المرأة مفطورة على ماذا؟ مفطورة على الحياء، مفطورة على الحجاب، على الستر، على العفاف، هذه فطرة المرأة فطرت عليها، ولهذا لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهن ذلك الأدب، ويحثهن على ذلك الحياء، قال لهن لما خرجن من المسجد: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق) لا تمشين في الوسط، لا تزاحمن الرجال في الطرقات، هذا وهي ليست خارجة من مسرح، أو ملهى، أو مقهى، أو مطعم! لا. أختي الكريمة، بل وهي خارجة من بيت الله قال: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق -أي تتوسطن الطريق- عليكن بحافات الطريق).

هل اعترضت إحداهن؟ هل قالت: كيف وكيف؟! هل قالت: أنا امرأة لي الوسط كما للرجل؟! هل قالت المرأة هذا الكلام؟ لا، قال الراوي: (فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليلصق بالجدار من لصوقها به) الثوب يلصق بالجدار، فطر الله المرأة على هذا.

أيما امرأة خالفت حياءها وعفتها فإنها خالفت فطرتها، ومسخت فطرتها؛ لأن الله جل وعلا يخاطبها بالفطرة فيقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59] هل أنتِ من نساء المؤمنين؟ إذن اسمعي: وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] قال بعضهم: أي يضعن الغطاء من الرأس إلى الصدر فلا تبدو إلا عينٌ واحدة للطريق فقط، حتى ترى بها الطريق، عينٌ غير مكحلة، ولا مزينة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].

امرأة من أهل الجنة

عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: [ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت: بلى يا ابن عباس] امرأة في الدنيا تمشي وهي من أهل الجنة الله أكبر! كيف استحقت الجنة هذه المرأة؟

قال: [هذه المرأة السوداء انظر إليها] انظر إليها إنها من أهل الجنة وهي تمشي على الأرض، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني أصرع وأتكشف فادع الله لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئتِ صبرت ولك الجنة -الصبر على هذا الصرع، وهذا البلاء ما الثمن؟ الجنة، الجنة يا أختي الكريمة- وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك -تريدين المعافاة؟ أو تريدين الصبر على البلاء ثم الجنة؟- فقالت: بل أصبر يا رسول الله).

القضية جنة أختي الكريمة، جنة عرضها السماوات والأرض، جنة فيها الأنهار تجري من تحتهم، جنة فيها القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة، جنة عرضها السماوات والأرض، قالت: (بل أصبر ولكني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها صلى الله عليه وسلم) نعم.

أحب الجنة، وسوف أصبر على هذا البلاء وأتحمل هذا المرض، وأتحمل هذا الصرع إلا شيئاً واحداً لا أتحمله، ما هو؟ إنه التكشف يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

نعم، أختي الكريمة إنها صبرت لكنها لم تصبر على التكشف، والسبب حياؤها، تقول: يا رسول الله! نعم أريد الجنة، لكن لا أتحمل أن أتكشف، فيراني الرجال، ففرحها بالجنة لم ينسها حياؤها.

ضرورة التمسك بالحياء والصبر على ذلك

أختي الكريمة: إياك إياك! أن تبالي بالدعوات السافرة، قالوا: معقدة، قالوا: متزمتة، قالوا: من يتزوجك؟ قالوا: انظروا إلى الخيمة التي وضعتها على رأسها، قالوا: انظروا إليها لا تستطيع أن تمشي، من سوف يقودك إلى الجامع؟ إلى المدرسة؟ من قال لك: إن الحجاب واجب؟! ومن ألزمك بالحجاب؟! دعوات ما تحملتها تلك المرأة فإذا بها تقول لهم: كفى كفى. لا أتحمل هذا، فنزعت حياءها، وتعرت من جلبابها، ورمت حجابها، ثم انكشفت أمام الناس، والله جل وعلا يقول لها ولأمثالها: ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )) [النور:31] قال العلماء: يعني الثوب الخارجي، هذا الذي يظهر، هل لك على العباءة سبيل؟ لا، العباءة لا بد أن تظهر، وكل الصحابيات كُن َ كالغربان السود، أرأيت الغراب الأسود؟ هل يُرى منه شيء أبيض؟ لا، فهن كالغربان السود، يمشين في الطرقات، ويلتصقن بالجدار، فيتعلق ثوبها بالجدار. أرأيت: ((وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )) [النور:31] بعض الناس يقول: ما ظهر أي: الوجه والكفان لا، خاب وخسر، والكفان، تقول عائشة: [كنا محرمات فإذا مر علينا الرجال أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها] تسدل الواحدة جلبابها على وجهها، وهي محرمة لا يجوز لها أن تغطي وجهها، ولكن كشف الوجه أشد، لا بد أن تغطي وجهها إذا مر عليها الرجال، ولكن تقول: [فإذا جاوزونا كشفناه] نعم، إذا جاوزونا كشفناه ((وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) [الأحزاب:59] ثم قال في نهاية الآية، اسمعي وعي: ((وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ )) [النور:31] يعني: حتى لو كان في رجلك خلخال، أو أي شيء يوضع في الرجل، أو كان كعب عالٍ؛ فانتبهي، لا يجوز لك أن تضربي بالرجل على الأرض، بل ما الذي دعاك ودهاك فلبستي هذا الخلخال؟! أختي الكريمة: أين الحياء؟ (الحياء والإيمان مقترنان، إذا ذهب أحدهما ذهب الآخر) واسمعي ما يقوله بعضهم:
إنا سمعنا أختنا شيئاً عجاب
قالوا كلاماً لا يسر عن الحجاب
قالوا خيام علقت فوق الرقاب
قالوا ظلام حالكٌ بين الثياب
قالوا التأخر والتخلف في النقاب
قالوا الرشاقة والتطور في غياب
نادوا بتحرير الفتاة وألفوا فيه الكتاب
رسموا طريقاً للتبرج لا يضيعه الشباب
يا أختنا هم ساقطون إلى الحضيض إلى التراب
يا أختنا هم سافلون بغيهم مثل الكلاب
يا أختنا هذا عواء الحاقدين من الذئاب
يا أختنا صبراً تذوب ببحره كل الصعاب
يا أختنا أنت العفيفة والمصونة بالحجاب
يا أختنا فيك العزيمة والنزاهة والثواب
فالنار مثوى الظالمين لهم عقاب
والله يكشف ظلمهم يوم الحساب
والجنة المأوى ويا حسن المآب

قصة تبين أثر العفة

أختي الكريم: أسمعت بـسارة؟ من هي؟ إنها زوجة الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، سارة أخذت عنوة إلى ذلك الظالم الطاغية الذي كان يحكم مصر في ذلك الزمن.

قام جنوده بالقبص عليها، قبضوا على من؟ على العفيفة الطاهرة سارة، ليذهبوا عفتها، وليسلبوا كرامتها، أخذوا زوجة خليل الرحمن! فإذا بها تربط وتحبس لتنتظر مصيرها الأسود المظلم، فرفعت يدها وقلبها إلى الله جل وعلا وهي تبكي فقالت: اللهم إن كنت تعلم أني أؤمن بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليَّ هذا الكافر، اللهم اكفنيه بما شئت، اللهم اكفنيه بما شئت.

فاقترب منها الكافر ليسلب منها ما يريد، فإذا بجسمه ينشل، وإذا بجسمه يتجمد، وإذا به لا يستطيع الحراك، فيصرخ ويصيح، فإذا تركها زال ما به، ثم إذا اقترب منها مرة أخرى يتجمد جسمه مرة ثانية وينشل ولا يستطيع أن يحرك الجسد، وكلما أراد الاقتراب منها تجمدت يده وانشل جسمه وصرخ: أخرجوها من عندي ما جئتموني إلا بشيطان، ثم أرسلها إلى زوجها ومعها هدية هاجر فأصبحت جارية لإبراهيم خليل الرحمن وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].

  1.   

واقع المرأة في العصر الحديث

أختي الكريمة: هذا الزمن الأمر تغير، والنساء تغيرن، أين الحياء؟

تجدين المرأة في هذا الزمن تجلس مع رجل، وتختلي معه في غرفة، وتغلق الباب وهي معه، بحجة ماذا؟ دكتور في الجامعة، أو في الكلية، تناقشه في رسالتها، أو تسأله بعض الأسئلة، أو تبحث معه بعض المواضيع الدراسية، من هو؟ هل هو رسول الله؟!

من هو؟! هل هو أبو بكر؟! لو كان أبو بكر فإنه لا يجوز.

وإن كنَّ بعض النساء تأتي بحجة أنها مريضة، فتذهب إلى المستشفى، أو إلى المستوصف فتدخل على الطبيب وتخلو به لوحدها، بلا محرم من محارمها كالأب والأخ وغيرهما، حتى ولا أمٌ ترافقها، تدخل على الطبيب لوحدها، فيغلق الباب فيسألها عما شاء، وينظر إليها كيف شاء، بل والمصيبة والأدهى والأمر أ، يكشف منها ما شاء! الله أكبر! أين الحياء؟! أين العفة؟! أين الطهارة؟! إلى هذه الدرجة تنازلت المرأة؟! إلى هذه الدرجة -أختي الكريمة- تساهلتِ في الحياء؟! عفتكِ عندك لا شيء؛ إن المرأة لا تساوى شيئاً بغير عفة، المرأة بغير حياء لا تساوى شيئاً، لا تساوى ذلك المنديل الذي ترميه في القمامة، إي والله!

أختي الكريمة: هل نسيتِ نداء الله جل وعلا؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59].

أختي الكريمة: بعض النساء تذهب مع زوجها، أو أخيها، أو حد محارمها. إلى أين؟! تذهب إلى ملهى، أو إلى مطعم تقول: هذا مكان مخصص للعائلات وفيه اختلاط الرجال مع النساء، وهي تقول: هذا مكان للعائلات، هل هذه حجة؟ هل هذا تأويلٌ أم تحريف لنصوص الشرع؟

وبعضهن تذهب للأسواق بحاجة وبغير حاجة، لم؟ تقول: أريد أن أخرج من البيت، مللت هذا السجن، مللت هذا البيت، أريد أن أذهب كي أتسكع في الأسواق، ثم تقول: الحمد لله لست بمفردي، مع من تذهبين؟ أذهب مع السائق! الله أكبر! أين الحياء؟! أين العفة؟! إيمانك مرتبطٌ بالحياء، كلما قل الإيمان قل الحياء، وإذا ذهب الحياء: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

تجلس بعض النساء في أماكن مختلطة وليس لها في ذلك حاجة، مثلاً: تذهب إلى المستشفى هناك طبيبة أو طبيباتٌ وطبيبٌ واحد، وتقول: لا أريد طبيبة، أريد طبيباً بحجة أنها ضعيفة، إنها لا تفهم مثل غيرها، تريد طبيباً، الله أكبر! أين حياؤك؟ أين عفتك؟ هل وضعتي الحياء في البيت ثم خرجتِ!

اسمعي أختي الكريمة: إن هذا الوجه الذي طالما كنتِ في الدنيا تحسنيه، وتجمليه، وهذا الجسد كم كنت في الدنيا تحرصين على نعومته، وهذه الثياب التي تلبسينها، أتعلمين -يا أختي الكريم- أنه سوف يأتي يوم إن كنت من الغافلات، وكنتِ ممن ذهب عنهن الحياء وضاعت منهن العفة، اسمعي يا أختي الكريمة إلى هذا الوجه، ما الذي سوف يحصل له يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب:66] أرأيتي السمكة كيف تشوى في النار؟ وهكذا يتقلب هذا الوجه الحسن، والوجه الجميل، ما الذي حدث له؟ ما الذي جرى له؟ أين جمالك؟ أين تلك النضارة؟ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هل تعرفين ما السبب؟ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66].

يا ليتنا أطعنا الله عندما قال: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] يا ليتنا أطعنا الرسول عندما قال: (المرأة عورة) (صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما، وذكر منهما نساء كاسيات عاريات) نعم تلبس لكن اللبس عارٍ، تجعل أسفل الثياب شقوقاً وخرقاً لماذا؟

بحجة أن تمشي على راحتها، ولم تجعلين الثياب ضيقة؟ من أباح لك هذه الثياب الضيقة؟ وتجعل أعلى الصدر فتحة، وعند الساقين فتحة، وإذا الأكمام قصيرة حتى بدا الساعدان، والثياب ضيقة حتى انكشفت الصدور، واتصف الجسد.

المصير المحتوم للمرأة المتبرجة

أختي الكريمة: أتعلمين ما الذي سوف يحدث لهذا الوجه الذي كنتِ طالما تحسنيه وتجمليه وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا [الكهف:29] يستغيثون في النار، يستغيثون يريدون الماء يريدون الشراب البارد، يريدون أي شيء حتى الموت ولا يحصلونه.

وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ [الكهف:29] انظري إلى رحمة الله، يعطيهم الله عز وجل الماء، يقتربون ليشربوا من الماء فإذا بفروة الرأس تسقط، وإذا بالوجه يشوى، أرأيت كيف يشوى اللحم؟ يشوى الوجه قبل شرب الماء وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29].

هذا الجلد الناعم، أتعرفين ما الذي سوف يحصل له؟ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [المعارج:15-16] نزاعة للشوى: ينفصل العظم عن اللحم، يظهر العظم دون اللحم، لم؟ من شدة حر النار كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56] يا من تلبسين الملابس الفاتنة، وتخرجين إلى الناس لتقولي لهم: هيت لك! يا من تلبسين الملابس التي هي من فرنسا وأمريكا وبريطانيا، مجلات داعرة، حتى إن بعض المسلمات تسبق الكافرات باللباس الفاتن، يا من تخرجين إلى الناس، وتظنين أنه لا أحد يراك، وقد فتحت في الثوب فتحة، أو رميت العباءة، أو وضعتها على الكتف، أو تلبس البنطلون، نسأل الله العافية! الله أكبر!

أختي الكريمة: كوني صادقة، ارجعي إلى نفسك، حاسبيها حساباً صادقاً، أتعرفين ماذا يلبس أهل النار؟ اسمعي أختي الكريمة! اسمعي وتفكري واستشعري فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ تفصل لهم ثياب، أتعرفين ما هذه الثياب؟ من حرير؟ أم ممَ؟ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:19-20] بل أكثر من هذا، يلبسون قبل دخولهم النار ثياباً، أتعرفين ممَ؟ من نحاس منصهر، تخيلي النحاس إذا انصهر، هل تستطيعي أن تضعي إصبعك فيه؟! أهل النار يلبسونه رجالاً ونساءً وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:49-50].

أختي الكريمة: لقد سمعنا أن امرأة تأتي إلى بائعٍ في محل فتداعبه، وتضاحكه، بحجة ماذا؟ حتى يخفض السعر، سبحان الله! الدينار أغلى عندك من الحياء؟! الدرهم والدينار صارا عند بعض النساء أغلى من العفة والكرامة، وأغلى من العرض.

أختي الكريمة: كيف تختلي امرأة في محلٍ مع بائع وقد كشفت وجهها وساعديها وتنظر إليه وتكلمه ويكلمها، وكأنه محرمٌ لها، اسمعي لما يقول الشاعر، وتفكري وتدبري واجعلي نفسك مثلما يقوله هذا الشاعر:

كيف احتيالي إذا جاء الحساب غداً      وحشرجت بي أثقالي وأوزاري

وقد نظرت إلى صحفي مسودة      من شؤم ذنبٍ قديم العهد أوطار

وقد تجلى لبسط العدل خالقنا      يوم المعاد ويوم الذل والعار

يوم الذل، ذل والله! وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89].

وقد تجلى لبسط العدل خالقنا      يوم المعاد ويوم الذل والعار

يفوز كل مطيعٍ للعزيز غداً      بدار عدلٍ وأشجار وأنهار

لهم نعيم خلود لا نفاد له      يخلدون بدار الواحد الباري

ومن عصى في قرار النار مسكنه      لا يستريح من التعذيب في النار

فابكوا كثيراً فقد حق البكاء لكم      خوف العذاب بدمع واكفٍ جاري

العفة في أعلى مراتبها.. نماذج وشواهد

فاطمة بنت محمد بن عبد الله رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها، أسمعتي بها؟ هل جاءتك أخبارها؟ هل تشكين فيها يوماً من الأيام؟ اسمعي إليها وهي تحاور صديقة لها، من هي؟ إنها أسماء بنت عميس، تقول لها: [يا أسماء -اسمعي للحوار، وعيه، وانتبهي إليه، وتدبري معانيه- إني لأستحي أن أخرج غداً على الرجال من خلال هذا النعش] أتعلمين ماذا تقصد؟ تقول: يا أسماء أخاف أن أحمل يوماً من الأيام على الأكتاف، فينظر الناس إلى جسمي، وقد وصف هذا الجسم تقول: أخاف من هذا المنظر، أخاف من هذا الموقف، لا أتحمله، نعم تخاف على حيائها بعد الموت، وتخشى على عفتها بعد الموت، تريد أن تعيش عفيفة وتموت عفيفة وتحشر إلى الله عفيفة.

فقالت لها أسماء: [يا فاطمة! أولا نصنع لك شيئاً رأيته في الحبشة؟ تقول: فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه] مثل الصندوق، توضع فيه المرأة فلا يراها من حولها، وتحمل على الأكتاف لا يراها الناس، الله أكبر! الله أكبر! تقول فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، سترك الله كما سترتني.

أرأيت -أختي- عفافاً مثل هذا العفاف؟ أرأيت طهراً أفضل من هذا الطهر، تقول فاطمة يوماً من الأيام: [خيرٌ للنساء ألا يرين الرجال ولا يراهن الرجال].

هي بنت من هي زوج من هي أم من     من ذا يداني في الأنام علاها

أما أبوها فهو أفضل مرسلٍ      جبريل بالتوحيد قد رباها

وعلي زوج لا تسل عنه سوى      سيف غدا بيمينه تياها

أختي الكريمة: يا من بدأ الناس يتكلمون على عفتك، وحيائك، وحجابك! قوليها صادقة:

لست من تأسر الحلي صباها      فكنوزي قلائد القرآن

وحجابي الإسلام فوق جبيني      هو عندي أبهى من التيجان

لست أبغي من الحياة قصوراً      فقصوري في خالدات الجنان

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31].

هذه امرأة قتل ولدها في المعركة، فجاءت بعد المعركة تبحث عن ولدها بين القتلى، تبحث عنه يمنة ويسرة، تبحث عنه بين القتلى فلا تجده، امرأة متنقبة محتجبة محتشمة تبحث عن ولدها القتيل بين القتلى، فرآها الرجال تبحث عن ولدها، فقالوا لها: يا فلانة اكشفي النقاب لتبحثي عن ولدك حتى تريه، أتعلمين ماذا قالت؟ إن حزن فقد ولدها لم ينسها عفتها وكرامتها وحياؤها، قالت تلك المرأة كلماتٍ عجيبة قالت: لأن أفقد ولدي خيرٌ لي من أن أفقد حيائي وديني.

يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ      ويبقى العود ما بقي اللحاء

فلا والله ما في العيش خيرٌ      ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

  1.   

نساء في الهاوية

قبل أيام جاءني بعض الإخوة -واسمعي وانتبهي فالخطب جلل- من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، من الدعاة الصادقين، رأوا بعض العمارات التي يدخلها النساء غير الشريفات، عمارات وشقق مخصصة لهذه الدعارة الفاضحة الماجنة، فانتظروا تلك المرأة حتى خرجت، فجاءوا إليها يكلموها وينصحوها، فاتضح أنها تملك بيتاً وزوجاً وأولاداً وبناتاً، لا إله إلا الله! من الذي جرها إلى هذا؟ من الذي ضحك عليها؟ من الذي غرها؟

أختي الكريمة: إن هذا الحياء الذي نطالبك به وذلك الحجاب، وأن تصبح المرأة كلها محجبة محتشمة ليس طاعة لفلان أو علان، وليست عادة، وليست تقاليد، أو موروثات، لا يا أختي الكريمة، إنما هي طاعة لله ولرسوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] ليست لك الخيرة، إنه أمر الله، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام.

أختي الكريمة: كلها ستين أو سبعين سنة ثم ماذا؟! ثم سوف تقفين بين يدي الجبار العزيز القهار، الذي لا تخفى عليه خافية يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].

أختي الكريمة: سوف تقفين بين يدي العزيز القهار الجبار، يقول لك: يا فلانة! ألم أوجب عليك الحجاب؟! يا فلانة ماذا فعلت بالحياء؟! يا فلانة ألم تعلمي أنني أراك وأنت تكلمين ذلك الرجل؟! ألم تعلمي أنني أسمعك وأنت ترفعين سماعة الهاتف فتكلمي فلاناً ويكلمك فلان؟! فلانة ما الذي غرك بي؟ ألم أصح لك جسدك؟ ألم أسقك من الماء البارد؟

وإن كذبت على الله وقلتي: يا رب ما فعلت شيئاً، يا رب ما ارتكبت شيئاً، ما كلمت رجلاً قال: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65] تنطق اليد فتقول: يا رب! في اليوم الفلاني فتحت تلك المجلة، وذلك التلفزيون، ونظرت إلى ذلك المسلسل، يا رب! في اليوم الفلاني صافحت ابن عمها، وصافحت ابن خالها، يا رب! في اليوم الفلاني لمست ذلك الرجل ولمسها ذلك الرجل، إنها الفضيحة، إنه العار، والذل بين يدي العزيز القهار، ذلك اليوم تصبح المرأة -واسمعي إلى حالها-: وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].

هل تتحملين يا أختي الكريمة وقوفك أمام الله جل وعلا، الجلد يتكلم، والرجل تنطق، تقول: يا رب في اليوم الفلاني سافرت بغير محرم، يا رب في اليوم الفلاني ذهبت إلى ذلك المطعم، ولذلك الملهى، ولذلك النادي، وإلى ذلك السوق وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ [فصلت:21].

حوار شعري مع متبرجة

اسمعي إلى هذا الرجل وهو يخاطب تلك المرأة التي كشفت عينيها المكحلتين، وشيئاً من خديها، والكفين وشيئاً من الساعدين، بل لما كانت تمشي تنزل من السيارة تظهر شيئاً من ساقيها، أو تصعد السلالم تظهر شيئاً من ساقيها ولا تبالي ولا تهتم، اسمع إلى هذا الشاعر كيف يخاطبها يقول لها:

هذي العيون وذلك القدُ     والشيح والريحان والندُّ

من أين جئت أأنجبتك رؤىً      بيض فأنت الزهر والوردُ

قالت وفي أجفانها كحلٌ      يغري وفي كلماتها جدُ

عربية حريتي جعلت      مني فتاةً ما لها ندُّ

أغشى بقاع الأرض ما سنحت      لي فرصةٌ بالنفس يعتدُّ

عربيةٌ فسألت مسلمةٌ      قالت نعم ولخالقي الحمدُ

فسألتها والحزن يعصف بي      والنار في قلبي لها وقدُ

من أين هذا الزي ما عرفت      أرض الحجاز ولا رأت نجد

هذا التبذل يا محدثتي      سهم من الإلحاد مرتد

فتنمرت ثم انثنت صلفاً      ولسانها لسبابها عبدُ

قالت أنا بالنفس واثقة      حريتي دون الهوى سد

فأجبتها والنار تلفحني      أخشى بأن يتناثر العقدُ

ضدان يا أختاه ما اجتمعا      دين الهدى والكفر والصد

والله ما أزرى بأمتنا      إلا ازدواجٌ ما له حدُ

ألا تفكرين في ذلك اليوم؟

أين المتبرجات من هذه المرأة

أختي الكريمة: والله إن الأب ليتبرأ، وإن الأم لتهرب، وإن الأطفال ليتبرءون منك عند الله جل وعلا، تأتين إلى ابنك، أو إلى زوجك، أو أخيك تطلبين منه حسنة أو شفاعة فكلٌ منهم يقول: نفسي نفسي يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

أختي الكريمة: هذه عجوزٌ ذهبت إلى المستشفى لتعمل عملية في عينيها، فلما خرجت من العملية ونجحت، بكت هذه العجوز، فقيل لها: ما يبكيك يا فلانة وقد نجحت العملية؟ فقالت: لا أبكي على عيني، وإن فقدتها، ولكني أبكي أن رجلاً قد كشف عن وجهي ولم ير وجهي أحدٌ من الناس طوال هذه السنين، عجوزٌ تبكي لأن رجلاً نظر إلى وجهها مع الضرورة ومع الحاجة لها، ولكن: إنه الحياء، إنها العفة يا أمة الله!

انظري إلى نساء هذا الزمن، كل يوم يرتخي الثوب، كل يوم يقصر الثوب، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: كيف يصنع النساء في ذيولهن؟ -إلى أعلى من الكعب، يا رسول الله المرأة ما تتحمل هذا الشيء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرخينه شبراً -يعني يرخين الثياب على الأرض شبراً- قالت أم سلمة رضي الله عنها: إذاً تنكشف أقدامهن -يعني شبر لا يكفي يا رسول الله- قال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه).

أختي الكريمة: الأمر خطير، المرأة هذا الزمن بدأت فقط لا تكشف من ساعديها ولا شيئاً من ساقيها، بل وصل الأمر إلى الركبتين.

لحد الركبتين تشمرينا      بربك أي نهرٍ تعبرينا

كأن الثوب ظلٌ في صباحٍ      يزيد تقلصاً حيناً فحينا

تظنين الرجال بلا شعورٍ      لأنك ربما لا تشعرينا

أختي الكريمة: في هذا الزمن أصبحت بعض النساء تلزم زوجها أن يأتي في حفلة الزفاف وفي ليلة العرس فيدخل أمام النساء على شيء مثل المنصة ليقف عليها أمام الناس، لينظر إلى النساء بغير حياء، ولا عفة، أو طهر، يدخل الرجل أمام النساء لينظر إليهن واحدة تلو الأخرى، بل صارت المرأة تخالط ابن عمها وابن خالها وابن خالتها وتجلس معه، بل وتركب معه في السيارة، بل ويصافحها وتصحافه، بحجة أنه من القبيلة، أو أنه من العشيرة، بل صارت المرأة هذا الزمن تختلط حتى بالسائقين وتختلي بهم، تذهب معهم إلى أين؟ إلى السوق، أو الطبيب، أو المدرسة، أو الكلية، سائقٌ يخلو بها لوحدها، لا محرم، حتى الأم لا تركب معها، ما الذي حدث؟ ما الذي جرى يا أختي الكريمة؟ (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت) حقاً وصدقاً.

عائشة كانت فتاةً صغيرة، تقول: (كنت أنظر إلى الحبشة يلعبون بالمسجد وأنا متسترة بالنب

عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: [ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت: بلى يا ابن عباس] امرأة في الدنيا تمشي وهي من أهل الجنة الله أكبر! كيف استحقت الجنة هذه المرأة؟

قال: [هذه المرأة السوداء انظر إليها] انظر إليها إنها من أهل الجنة وهي تمشي على الأرض، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني أصرع وأتكشف فادع الله لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئتِ صبرت ولك الجنة -الصبر على هذا الصرع، وهذا البلاء ما الثمن؟ الجنة، الجنة يا أختي الكريمة- وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك -تريدين المعافاة؟ أو تريدين الصبر على البلاء ثم الجنة؟- فقالت: بل أصبر يا رسول الله).

القضية جنة أختي الكريمة، جنة عرضها السماوات والأرض، جنة فيها الأنهار تجري من تحتهم، جنة فيها القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة، جنة عرضها السماوات والأرض، قالت: (بل أصبر ولكني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها صلى الله عليه وسلم) نعم.

أحب الجنة، وسوف أصبر على هذا البلاء وأتحمل هذا المرض، وأتحمل هذا الصرع إلا شيئاً واحداً لا أتحمله، ما هو؟ إنه التكشف يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

نعم، أختي الكريمة إنها صبرت لكنها لم تصبر على التكشف، والسبب حياؤها، تقول: يا رسول الله! نعم أريد الجنة، لكن لا أتحمل أن أتكشف، فيراني الرجال، ففرحها بالجنة لم ينسها حياؤها.

أختي الكريمة: إياك إياك! أن تبالي بالدعوات السافرة، قالوا: معقدة، قالوا: متزمتة، قالوا: من يتزوجك؟ قالوا: انظروا إلى الخيمة التي وضعتها على رأسها، قالوا: انظروا إليها لا تستطيع أن تمشي، من سوف يقودك إلى الجامع؟ إلى المدرسة؟ من قال لك: إن الحجاب واجب؟! ومن ألزمك بالحجاب؟! دعوات ما تحملتها تلك المرأة فإذا بها تقول لهم: كفى كفى. لا أتحمل هذا، فنزعت حياءها، وتعرت من جلبابها، ورمت حجابها، ثم انكشفت أمام الناس، والله جل وعلا يقول لها ولأمثالها: ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )) [النور:31] قال العلماء: يعني الثوب الخارجي، هذا الذي يظهر، هل لك على العباءة سبيل؟ لا، العباءة لا بد أن تظهر، وكل الصحابيات كُن َ كالغربان السود، أرأيت الغراب الأسود؟ هل يُرى منه شيء أبيض؟ لا، فهن كالغربان السود، يمشين في الطرقات، ويلتصقن بالجدار، فيتعلق ثوبها بالجدار. أرأيت: ((وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )) [النور:31] بعض الناس يقول: ما ظهر أي: الوجه والكفان لا، خاب وخسر، والكفان، تقول عائشة: [كنا محرمات فإذا مر علينا الرجال أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها] تسدل الواحدة جلبابها على وجهها، وهي محرمة لا يجوز لها أن تغطي وجهها، ولكن كشف الوجه أشد، لا بد أن تغطي وجهها إذا مر عليها الرجال، ولكن تقول: [فإذا جاوزونا كشفناه] نعم، إذا جاوزونا كشفناه ((وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) [الأحزاب:59] ثم قال في نهاية الآية، اسمعي وعي: ((وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ )) [النور:31] يعني: حتى لو كان في رجلك خلخال، أو أي شيء يوضع في الرجل، أو كان كعب عالٍ؛ فانتبهي، لا يجوز لك أن تضربي بالرجل على الأرض، بل ما الذي دعاك ودهاك فلبستي هذا الخلخال؟! أختي الكريمة: أين الحياء؟ (الحياء والإيمان مقترنان، إذا ذهب أحدهما ذهب الآخر) واسمعي ما يقوله بعضهم:

إنا سمعنا أختنا شيئاً عجاب
قالوا كلاماً لا يسر عن الحجاب
قالوا خيام علقت فوق الرقاب
قالوا ظلام حالكٌ بين الثياب
قالوا التأخر والتخلف في النقاب
قالوا الرشاقة والتطور في غياب
نادوا بتحرير الفتاة وألفوا فيه الكتاب
رسموا طريقاً للتبرج لا يضيعه الشباب
يا أختنا هم ساقطون إلى الحضيض إلى التراب
يا أختنا هم سافلون بغيهم مثل الكلاب
يا أختنا هذا عواء الحاقدين من الذئاب
يا أختنا صبراً تذوب ببحره كل الصعاب
يا أختنا أنت العفيفة والمصونة بالحجاب
يا أختنا فيك العزيمة والنزاهة والثواب
فالنار مثوى الظالمين لهم عقاب
والله يكشف ظلمهم يوم الحساب
والجنة المأوى ويا حسن المآب

قصة تبين أثر العفة

أختي الكريم: أسمعت بـسارة؟ من هي؟ إنها زوجة الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، سارة أخذت عنوة إلى ذلك الظالم الطاغية الذي كان يحكم مصر في ذلك الزمن.

قام جنوده بالقبص عليها، قبضوا على من؟ على العفيفة الطاهرة سارة، ليذهبوا عفتها، وليسلبوا كرامتها، أخذوا زوجة خليل الرحمن! فإذا بها تربط وتحبس لتنتظر مصيرها الأسود المظلم، فرفعت يدها وقلبها إلى الله جل وعلا وهي تبكي فقالت: اللهم إن كنت تعلم أني أؤمن بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليَّ هذا الكافر، اللهم اكفنيه بما شئت، اللهم اكفنيه بما شئت.

فاقترب منها الكافر ليسلب منها ما يريد، فإذا بجسمه ينشل، وإذا بجسمه يتجمد، وإذا به لا يستطيع الحراك، فيصرخ ويصيح، فإذا تركها زال ما به، ثم إذا اقترب منها مرة أخرى يتجمد جسمه مرة ثانية وينشل ولا يستطيع أن يحرك الجسد، وكلما أراد الاقتراب منها تجمدت يده وانشل جسمه وصرخ: أخرجوها من عندي ما جئتموني إلا بشيطان، ثم أرسلها إلى زوجها ومعها هدية هاجر فأصبحت جارية لإبراهيم خليل الرحمن وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].

أختي الكريم: أسمعت بـسارة؟ من هي؟ إنها زوجة الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، سارة أخذت عنوة إلى ذلك الظالم الطاغية الذي كان يحكم مصر في ذلك الزمن.

قام جنوده بالقبص عليها، قبضوا على من؟ على العفيفة الطاهرة سارة، ليذهبوا عفتها، وليسلبوا كرامتها، أخذوا زوجة خليل الرحمن! فإذا بها تربط وتحبس لتنتظر مصيرها الأسود المظلم، فرفعت يدها وقلبها إلى الله جل وعلا وهي تبكي فقالت: اللهم إن كنت تعلم أني أؤمن بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليَّ هذا الكافر، اللهم اكفنيه بما شئت، اللهم اكفنيه بما شئت.

فاقترب منها الكافر ليسلب منها ما يريد، فإذا بجسمه ينشل، وإذا بجسمه يتجمد، وإذا به لا يستطيع الحراك، فيصرخ ويصيح، فإذا تركها زال ما به، ثم إذا اقترب منها مرة أخرى يتجمد جسمه مرة ثانية وينشل ولا يستطيع أن يحرك الجسد، وكلما أراد الاقتراب منها تجمدت يده وانشل جسمه وصرخ: أخرجوها من عندي ما جئتموني إلا بشيطان، ثم أرسلها إلى زوجها ومعها هدية هاجر فأصبحت جارية لإبراهيم خليل الرحمن وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].