البشارة العظيمة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهي ليست محاضرة كما ذكر المقدم، ولكنها كلمة إن شاء الله، وكما قيل: خير الكلام ما قلَّ ودلَّ، فإن أصبت فمن الله عز وجل، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.

أيها الإخوة الكرام: العنوان: (البشارة العظيمة) والله جلَّ وعلا يقول: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] والمؤمنون مبشَّرون من الله جل وعلا ومن النبي صلى الله عليه وسلم ببشائر عظيمة، وهذه بعض منها وإلا فهي أكبر وأكثر وأعظم، وسوف تسمع بعضها أيها الأخ الكريم.

أُبَشِّر كل داعية إلى الله، وكل مصلح، وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، وأبشر كل مُصْلِحَة، وكل آمِرَة بالمعروف وناهِيَةٍ عن المنكر، أبشركم جميعاً أيها الإخوة بأن هذا الدين منتصر، وأن الله عز وجل مُعْلٍ دينه، وناصرٌ كتابه جل وعلا، وأن هذا الدين مهما حاولوا إطفاء نوره فلن يستطيعوا: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] بل قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإن الإنسان ليصيبه الحزن والكآبة عندما ينظر في الناس فيرى المنكرات، والفساد ينتشر في الأرض، ويرى فلاناً الذي كان يصلي الفجر في جماعة؛ اليوم لا يصلي حتى ولا في بيته، ونرى ذلك الذي كان ينادي للصلاة؛ اليوم يرفع صوته بالغناء، ويرى الذي كان يحفظ القرآن؛ قد ارتد عن سبيل الله، إن القلب ليحزن وإن الصدر ليضيق من هول ما يرى.

بل عندما يدعو الإنسانُ الناسَ إلى الله جل علا، ولَمَّا يدعو الداعية إلى الله بالمعروف وينهى عن المنكر ويرى الصدود والإعراض؛ يصيبه بعض الحزن والكآبة، فإذا فتح الجرائد وسمع أخبار الناس: المسلمون يُذَبَّحون ويُقَتَّلون، وتستباح دماؤهم وتُسْلَب أراضيهم وأموالُهم؛ يصيب الإنسان منا الضيق والحزن والكآبة، ثم ماذا؟

ثم أبشر يا عبد الله! فإن نصر الله قريب.

حب قوم لوط لفاحشتهم

هذا لوط عليه السلام يصيب قومه داءٌ عظيم، أتعرف ما هذا الداء؟

داء إتيان الذكور: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ [الشعراء:165] يأتون فاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، يأتون الذكران أجلكم الله، وهذا حادث في بعض الدول في هذه الأيام للأسف!

فإذا به يأمر قومه وينهاهم ولكن للأسف لا مجيب ولا مستجيب.

فتأتي الملائكة في صورة ضيوف -واسمع لهذا الخبر فلكأنه يحكي واقعاً قريباً من واقعنا- فيسمع القوم بأن هناك ذكوراً ورجالاً قد دخلوا؛ فارتفعت الشهوة، وعَمِي البصر، وذهب العقل، وانمسخت الفطرة؛ فجاءوا إليه يهرعون ويركضون ويسرعون، قرعوا الباب على لوط، ففزع منهم: وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ [هود:77-78].

وتَخَيَّلْ نفسك يا عبد الله! وأنت في مثل هذه الحالة التي فيها لوط، قوم لا يعرفون الزواج، ولا يعرفون نكاح النساء، لا يعرفون -أجلكم الله- إلا نكاح الرجال بعضهم بعضاً، حتى لما طرقوا عليه الباب قال لهم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] اتقوا الله، ألا رجل واحد رشيد؟!

يتبعون الشهوات، بل يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فإذا جاءت مواطن الشهوات أتى الجميع يطلبون شهوتهم وتكالبوا وتآلبوا وتآمروا؛ وكادوا لأجل ذلك أن ينشروا الفاحشة في المجتمع.

ولأجل أن يقضوا الشهوات ويتمتعوا بشهواتهم جاءوا من بعيد يهرعون ويركضون، طرقوا الباب وقالوا للوط: وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي [هود:77-78] هؤلاء بناتي إي: تزوجوا بناتي، اتركوا هذه القذارة والنجاسة، فقد أعطاكم الله الحلال، أما ترضون إلا بالحرام؟!

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] لا والله يا لوط! ليس هناك في القوم رشيد للأسف!

للأسف بعضهم يحصل على أرفع الشهادات، وأعلى المناصب وأكبر المنابر يركبها ويعتليها ثم هو ليس برشيد ليتكلم عن نفسه فكيف يتكلم عن غيره؟! أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78].

أتعرف بِمَ ردوا عليه؟!

قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ [هود:79] تعلم يا لوط أننا لا نقبل بالزواج، ولا نرضى بالحلال، ولا نرضى إلا بالحرام والشهوات: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:79].

التفت لوطٌ عليه السلام إلى الضيوف، فحزن وضاق صدره، فضيحة! فهم ضيوفه! ثم قال: قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً [هود:80] لو أن لي في هذه الظروف قوة أتَقَوَّى بـها على رد هؤلاء الأعداء: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80] رحم الله لوطاً! لقد آوى إلى ركن شديد، أتعرف أي ركن هذا أيها الداعية؟!

آوى إلى ركن الله، ليست هناك أسباب مادية، ضاعت القوة، جُوْبِهَ من جميع الجهات: مِن فوقه، ومِن أسفل منه، ومِن أمامه، ومن خلفه، أغلقوا كل الأبواب في وجهه، أرغموه على الفساد، وقالوا اقتحِموا بيته بالفساد؛ ولكنه آوى إلى ركن شديد.

أليس الصبح بقريب

هنا تكلمت الملائكة ونطقت بإذن الله: قَالُوا يَا لُوطُ [هود:81] من هنا بدأ الفرج وبدأت البشائر: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود:81] تدخلت القوة من السماء، وأذن الله عز وجل بالانفراج، وبدأت البشائر: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْك [هود:1].

أيها الداعية إلى الله: لا تنظر ولا تقرأ الأخبار والإحصائيات والتقارير: كم عندهم من الصواريخ! ومن الأسلحة! ومن الجيوش الجرارة! ومن الأموال الهائلة! والدعاة إلى الله لا يملكون إلا ألسنتهم، وبعض الأقلام! لا تظن أنه لا مقارنة ولا سبيل للنصر، فإن النصر من عند الله وحده.

يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود:81] وبدأت الآن خطة النصر: يا لوط اخرج في الليل.

ولربما يعمل الدعاة إلى الله أحياناً في الليل، ولا يملكون إلا العمل في الظلام بعض الأحيان، وبعض الأحيان يدعون إلى الله بالسر، بل بعضهم في روسيا الاتحادية والجمهوريات الشيوعية كانوا يعملون في السراديب.

فإذا بلوط عليه السلام يؤمر بالخروج ليلاً، قال: لِمَ؟

قالت الملائكة: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ [هود:81] سوف يأتي الفجر أيها النبي الكريم -أيها الداعية إلى الله! سوف يأتي الفجر- فإذا بلوط عليه السلام يستبطئ الفجر.. الفجر بعيد.. والليل طويل.. ولكن الملائكة ترد على لوط فتقول له: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81].

هذا لوط عليه السلام يصيب قومه داءٌ عظيم، أتعرف ما هذا الداء؟

داء إتيان الذكور: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ [الشعراء:165] يأتون فاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، يأتون الذكران أجلكم الله، وهذا حادث في بعض الدول في هذه الأيام للأسف!

فإذا به يأمر قومه وينهاهم ولكن للأسف لا مجيب ولا مستجيب.

فتأتي الملائكة في صورة ضيوف -واسمع لهذا الخبر فلكأنه يحكي واقعاً قريباً من واقعنا- فيسمع القوم بأن هناك ذكوراً ورجالاً قد دخلوا؛ فارتفعت الشهوة، وعَمِي البصر، وذهب العقل، وانمسخت الفطرة؛ فجاءوا إليه يهرعون ويركضون ويسرعون، قرعوا الباب على لوط، ففزع منهم: وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ [هود:77-78].

وتَخَيَّلْ نفسك يا عبد الله! وأنت في مثل هذه الحالة التي فيها لوط، قوم لا يعرفون الزواج، ولا يعرفون نكاح النساء، لا يعرفون -أجلكم الله- إلا نكاح الرجال بعضهم بعضاً، حتى لما طرقوا عليه الباب قال لهم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] اتقوا الله، ألا رجل واحد رشيد؟!

يتبعون الشهوات، بل يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فإذا جاءت مواطن الشهوات أتى الجميع يطلبون شهوتهم وتكالبوا وتآلبوا وتآمروا؛ وكادوا لأجل ذلك أن ينشروا الفاحشة في المجتمع.

ولأجل أن يقضوا الشهوات ويتمتعوا بشهواتهم جاءوا من بعيد يهرعون ويركضون، طرقوا الباب وقالوا للوط: وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي [هود:77-78] هؤلاء بناتي إي: تزوجوا بناتي، اتركوا هذه القذارة والنجاسة، فقد أعطاكم الله الحلال، أما ترضون إلا بالحرام؟!

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78] لا والله يا لوط! ليس هناك في القوم رشيد للأسف!

للأسف بعضهم يحصل على أرفع الشهادات، وأعلى المناصب وأكبر المنابر يركبها ويعتليها ثم هو ليس برشيد ليتكلم عن نفسه فكيف يتكلم عن غيره؟! أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78].

أتعرف بِمَ ردوا عليه؟!

قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ [هود:79] تعلم يا لوط أننا لا نقبل بالزواج، ولا نرضى بالحلال، ولا نرضى إلا بالحرام والشهوات: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:79].

التفت لوطٌ عليه السلام إلى الضيوف، فحزن وضاق صدره، فضيحة! فهم ضيوفه! ثم قال: قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً [هود:80] لو أن لي في هذه الظروف قوة أتَقَوَّى بـها على رد هؤلاء الأعداء: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80] رحم الله لوطاً! لقد آوى إلى ركن شديد، أتعرف أي ركن هذا أيها الداعية؟!

آوى إلى ركن الله، ليست هناك أسباب مادية، ضاعت القوة، جُوْبِهَ من جميع الجهات: مِن فوقه، ومِن أسفل منه، ومِن أمامه، ومن خلفه، أغلقوا كل الأبواب في وجهه، أرغموه على الفساد، وقالوا اقتحِموا بيته بالفساد؛ ولكنه آوى إلى ركن شديد.

هنا تكلمت الملائكة ونطقت بإذن الله: قَالُوا يَا لُوطُ [هود:81] من هنا بدأ الفرج وبدأت البشائر: يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود:81] تدخلت القوة من السماء، وأذن الله عز وجل بالانفراج، وبدأت البشائر: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْك [هود:1].

أيها الداعية إلى الله: لا تنظر ولا تقرأ الأخبار والإحصائيات والتقارير: كم عندهم من الصواريخ! ومن الأسلحة! ومن الجيوش الجرارة! ومن الأموال الهائلة! والدعاة إلى الله لا يملكون إلا ألسنتهم، وبعض الأقلام! لا تظن أنه لا مقارنة ولا سبيل للنصر، فإن النصر من عند الله وحده.

يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود:81] وبدأت الآن خطة النصر: يا لوط اخرج في الليل.

ولربما يعمل الدعاة إلى الله أحياناً في الليل، ولا يملكون إلا العمل في الظلام بعض الأحيان، وبعض الأحيان يدعون إلى الله بالسر، بل بعضهم في روسيا الاتحادية والجمهوريات الشيوعية كانوا يعملون في السراديب.

فإذا بلوط عليه السلام يؤمر بالخروج ليلاً، قال: لِمَ؟

قالت الملائكة: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ [هود:81] سوف يأتي الفجر أيها النبي الكريم -أيها الداعية إلى الله! سوف يأتي الفجر- فإذا بلوط عليه السلام يستبطئ الفجر.. الفجر بعيد.. والليل طويل.. ولكن الملائكة ترد على لوط فتقول له: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81].

أيها الداعية إلى الله! مهما طال الليل فإن نهايته الفجر، وقد آذن الفجر بالقدوم، وسوف تأتي الشمس بعد الفجر.

أيها الداعية إلى الله! أبشر بالنصر من الله جل وعلا، وابذل ما تستطيع، فإذا أيست وبذلت جهدك وقصارى طاقتك فاعلم أن الله سوف يأتيك بالنصر: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالنصر

شاب في العهد المكي لم يتجاوز عمره العشرين سنة يرى محمداً صلى الله عليه وسلم -وتَخَيَّلْ هذه الصورة- أفضل الخلق وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فيأتيه هذا الشاب الصغير وقد أنهكه التعب، وآلمه الأسى واستبطأ النصر، فقال: (يا رسول الله! ادعُ لنا، استنصر لنا) ضاقت بهم الأمور، وتَخَيَّلْ صورتهم: هذا يُجَرُّ في الرمضاء في شدة الحر، وذلك يُضْرَب، وذاك يُطْفأ الجمر بجلده، وتلك يُطْعَن في فرجها برمح فتخرج روحها أمام ولدها، وذلك يُعَذَّب وتُعَذَّب أمُّه أمامه، وهذا يُضْرَب بالأسواق، وهذا هو وبناته الصغار يتضاغون من الجوع، وما يجد إلا أوراق الشجر يأكلها هو وبناته، عذاب وأي عذاب!

فإذا بمحمد صلى الله عليه وسلم يتغير لون وجهه، ثم يقول له مغضباً: (إنه كان فيمن كان قبلكم، يؤتي بالرجل فتُحفر له الحفرة، فيُوضع فيها، ويُنشر بالمنشار على مفرق رأسه) تَخَيَّلْ أنك هذا الرجل في حفرة والمنشار على مفرق الرأس، ثم قال: (فينشر ).

هل هو مخدر؟!

هل هو غائب عن الدنيا؟! لا يا عبد الله! الدم يسيل، والجسد يتعذب، والروح لم تخرج، قال: (فينشر حتى يفلق فلقتين، ويؤتى بأمشاط الحديد، فيمشط ما بين لحمه وعظمه، لا يرده ذلك عن دينه؛ ولكنكم قوم تستعجلون) تستعجلون، اصبروا فما هي إلا سنوات.

بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش بهزيمتهم

كان محمد عليه الصلاة والسلام في العهد المكي -واسمع لهذا الخبر- يطوف حول البيت، فإذا بالمشركين يغمزونه، فإذا به يستغفلهم ويمضي، فيأتي في الشوط الثاني يطوف حول الكعبة -وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً- فإذا بهم يغمزونه فيستغفلهم، ثم في الشوط الثالث يغمزونه ويضحكون عليه، فإذا به يستغفلهم، ثم يأتيهم وهم يضحكون، فيقول: (تسمعون معشر قريش؟! فسكتوا، قال: أما والذي نفس محمد بيده! لقد جئتكم بالذَّبح -عندي القتل والموت، أُمِرْت أن أقاتل الناس- يقول الصحابي الراوي: والله لكأن على رءوسهم الطير) عزة المؤمن.

أبْشِر يا عبد الله! فإنك مهما كنتَ وحيداً فإن في قلبك هيبة، وإن في قلبك رحمة، وإنك إن مَشَيت في تلك المجتمعات الفاسدة والضالة وبين الضالين المجرمين فإن الله يوقع في قلوبهم منك الخوف والرهبة.

فإذا بأشقى القوم، من كان قبل قليل يسبه ويشتمه، يقول له: (انصرف أبا القاسم راشداً -وانظر إليه حين قال: أبا القاسم ولم يقل: محمد- فوالله ما كنت جهولاً) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

ألا تسمع يا عبد الله! أن الآلاف المؤلفة من الناس بعد أكثر من أربعين سنة من الشيوعية الحمراء التي تقول: إن القرآن جريـمة، والأذان عقوبته لا تعد ولا تحصى، وإظهار دين الإسلام وشعائره جريمة يعاقِب عليها القانون، حفظوا دينهم، كيف حفظوه؟! وكيف أمِنوا من هذه الفتن وهذا الفساد بعد أن انكسرت الشيوعية؟!

يَخْرُجُ مِن موسكو -الشيوعية بلدِ الحديد والنار- آلاف مؤلفة كلهم يكبرون ويهللون ويقولون: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) يخرجون يحجون إلى بيت الله الحرام.

والشاهد رآهم بأم عينيه في سيارات لا يتحمل أحدٌ أن يدخل فيها ولا ليوم واحد، وهم يأتون أشهراً طويلة وأياماً عديدة مديدة ليحجون إلى بيت الله الحرام، رأيت أحدهم -أيها الأخ الكريم- يحمل أمه العجوز وبيده شيخاً كبيراً وهو كبير في السن، ويحمل أمه على ظهره يطوف قرابة ساعة، بكل نشاط وبكل حب ورغبة في دين الله، يطوف بها حول البيت في وسط الزحام، وهو متشوق إلى جنة الرحمن، إنه نَصْر الله يا عبد الله، وَعَدَ اللهُ عز وجل: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

هذا محمد عليه الصلاة والسلام وصل إلى وضع لم نصل إلى ربعه يسجد عند الكعبة فيقول أحد المشركين: " من يذهب إلى سلى جزور بني فلان فيرميه على محمد " فيقوم أشقى القوم -والمسلمون حوله لا يظهرون إسلامهم، لا يستطيع أحدهم أن يلتفت نحو الرسول- ويأتي بسلى الجزور -قذارة- ويرميها على ظهر محمد صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، ولم يستطع عليه الصلاة والسلام أن يرفع رأسه من السجود، والصحابة ينظرون ولا أحد يتحرك وانظر يا عبد الله! إلى الضعف الذي مر به المسلمون.

وتنطلق فاطمة وهي بنت صغيرة تركض إلى أبيها رضي الله عنها، فإذا بأبيها ساجد عند الكعبة وعلى ظهره النجاسات والقذارات، فإذا بها تزيل القذر عن ظهر أبيها وهي تبكي، فأتم عليه الصلاة والسلام صلاته والمشركون ينظرون، والبنت تبكي، والصحابة مستخفون بإسلامهم، لا يستطيع أحد منهم أن يحرك ساكناً، فإذا به يلتفت إلى القوم ويستقبلهم، ثم يرفع يديه إلى السماء وهو يقول: (اللهم عليك بـعمرو بن هشام، اللهم عليك بـعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بـالوليد بن ربيعة، اللهم عليك بفلان وفلان -عدَّدهم واحداً واحداً، فسكت القوم- قال الراوي: والله لقد رأيتهم كلهم صرعى يوم بدر) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر:45] سيأتي يوم يُهزمون فيه، دعهم يتكلمون، ويغمزون، ويسخرون، دعهم يكيدون لك المكائد فإنما هم يحاربون الله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:15-17].

بشارة لأهل الأعمال الصالحة

أبشر أيها العبد الصالح!

أبشر يا من تصلي الفجر!

أبشر يا من تشهد الشهادتين وتأتي بشروطها وأركانها وتحقِّقُها في قلبك قبل أن تقولها بلسانك!

أبشر يا عبد الله، يا من تصوم رمضان! يا من تؤدي زكاة مالك! يا من حججت إلى بيت الله!

أبشروا يا أهل القرآن!

أبشروا يا أهل الإسلام! بِمَ؟!

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] أبشر يا من استقمت على دين الله: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا [فصلت:30] أتعرف متى؟

إنها ساعة الوفاة وساعة الاحتضار: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ملائكة بيض الوجوه، تقول: أَلَّا تَخَافُوا أي: لا تخف مما سوف يأتيك ويَقْدُم عليك.

أتعرف ما الذي ستقدم عليه؟!

حفرة ضيقة مظلمة، لا أنيس فيها ولا جليس، ثم يأتي يومٌ مقداره خمسون ألف سنة، الشمس فيه على رءوس الخلائق، يوم فيه حساب ونقاش وعذاب، ومن هناك إما إلى جنة وإما إلى نار، فتقول الملائكة: أَلَّا تَخَافُوا .

ثم يتذكر ما مضى وما خلَّف من الدنيا فتقول الملائكة له: وَلا تَحْزَنُوا لا يصيبنك الحزن على أولادك وأهل بيتك الذين خلفتهم وتركتهم، فالله يتولى الصالحين، ثم تبشرهم الملائكة: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأبشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

أبشر بالجنة إن كنت صادقاً! فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام مر على الصحابة وأخبرهم: (أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فخاف الصحابة، فقال لهم يبشرهم عليه الصلاة والسلام: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبر الصحابة -الله أكبر! الله أكبر! كل الأمم السابقة ثلاثة أرباع، وهذه الأمة لوحدها تأخذ ربع الجنة، بشارة عظيمة وأي بشارة!- ثم قال لهم: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبر الصحابة: الله أكبر! الله أكبر! ثم جاءت البشارة الثالثة قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].

نعم. خير أمة، ولهذا كان نصف الجنة من هذه الأمة، والنصف الآخر من الأمم السابقة جميعاً، بشارة وأي بشارة! وَأبشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

ومن بعض نعيمها وبعض صفاتها، لمن؟

لمن التزم بأركان الإسلام، وترك الكبائر ولم يصر على الصغائر، لمن إذا وقع في الذنب تاب ورجع إلى الله جل وعلا.

أبشر يا عبد الله! فكلما توضأت وشهدت الشهادتين، فُتِحَت لك أبواب الجنة في السماء.

الصحابة يوماً من الأيام يأتون بحرير -حرير طبيعي- فإذا بهم يتفكرون بالنظر إليه ويرغبون به، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه) المناديل التي ترمى والتي لا يكون لها في الدنيا قيمة خير من هذه؟!