صدق التوكل دليل العقيدة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

حدثنا الله تبارك وتعالى في غير موضع من كتابه عن ذلكم الرجل الذي كان يسير في صحراء سيناء في ظلمة الليل، ومعه أهله، ومعه ماله، ثم أضل الطريق.

ذلكم هو نبي الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وحدثنا الله تبارك وتعالى أنه رأى من البعد ناراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ [طه:10] أي: بشيء من النار تستدفئون به، أو أجد على النار هادياً يهدينا الطريق، فوجد عند النار أعظم هداية، فأصبح هادياً للبشرية ومعلماً لها.

وأخبرنا الله تبارك وتعالى أنه لما أتى النار سمع صوتاً يناديه، صوتاً لا يشبه الأصوات، إنه صوت خالق الأصوات والكائنات، إنه صوت الله تبارك وتعالى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12]، وأمره أن يخلع نعليه احتراماً للموقف الإلهي الرباني فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12]، ثم قال له: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:13] أي: اصطفيتك، لكن ليس للمال أو السلطان، ولا للمراكب أو البيوت، ولا للأراضي والحرث، اختاره الله تبارك وتعالى لهذا الدين؛ ليكون رسولاً لرب العالمين، وليعلم البشرية أنه مرسل من عند الله تبارك وتعالى، ثم لخص له القضية، وهي زبدة الرسالات السماوية فقال: فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:13-16].

فهذه هي القضية الكبرى التي أوجزها الله تبارك وتعالى لنبيه موسى، وهي قضية الرسل جميعاً، وهي المحور التي تدور عليه الرسالات السماوية كلها، فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:13-14]، يقول رب العزة لنبيه وصفيه وكليمه موسى: إن الذي يخاطبك ويحدثك هو الله تبارك وتعالى.

لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]، ليس في هذا الكون إله يستحق أن يعبد إلا إله واحد هو الذي يخاطبك؛ لأنه رب الكائنات وسيدها؛ وخالقها ومبدعها؛ هو الذي جعلها فقيرة محتاجة إليه، وهو غني عنها.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا أي: أنا الذي أستحق أن أعبد، وتتوجه إلي الوجوه والقلوب، وتخضع لجلالي وعظمتي وكبريائي، وتستجيب لندائي، وتتوجه حيث أريد، أنا الله خالقكم وموجدكم وربكم، أملككم في الدنيا، وأملككم فيما وراء الدنيا، فأنا الذي أستحق أن أعبد وحدي، وما سواي مخلوق، وإن سماه الناس آلهة.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، فلا ينبغي أن تستشرف القلوب لتبلغ منزلتي فتكون آلهة من دوني، فالزعماء والرؤساء والعظماء كلهم عبادي، لا ينبغي أن يستشرفوا ليكونوا آلهة من دوني، فاعبدني وحدي.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي أي: أفردني بالعبادة، ووحدني ولا تعبد معي أحداً، ولا تشرك بي أحداً، أنا وحدي المعبود الذي لا إله إلا أنا، ولا إله سواي، هكذا أمره رب العزة تبارك وتعالى.

ثم قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:14-16]، فأمره الله بإقام الصلاة، وأمره بأن يتذكر دائماً وقوفه بين يدي الله تبارك وتعالى، فالساعة آتية قادمة.

إن لكل امرئ نهاية، وإن للبشرية جميعاً نهاية، ولهذا الكون كله نهاية، أفراد البشر سيتساقطون ويأتي غيرهم، أقوام يذهبون، وأقوام يأتون، والمقابر في كل يوم تستقبل وفوداً رجالاً ونساء، وفي كل يوم يأتي إلى الكون أحياء جدد، ومواليد جدد، أقوام يذهبون وأقوام يأتون، ولكن سيأتي يوم يفني الله فيه الجميع، فلا تسمع في هذا الكون حساً، ولا تسمع في هذا الكون صوتاً، البشر يومئذٍ كلهم خامدون.

وكذلك غير البشر من الجن والحيوانات والحشرات، الكل سيفنى فلا تسمع صوتاً، حتى الأرض والسماوات ستفنيان، الكل فان، وموعد الساعة خفي، ولكنه آت لا شك فيه إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15].

كل نفس يعطيها الله تبارك وتعالى فترة من الزمان، اختباراً وابتلاء يمتحنها في هذه الحياة الدنيا، ثم يكون عنده الجزاء، يجعل أقواماً ملوكاً لينظر كيف يحكمون، وأقواماً يجعلهم أغنياء لينظر كيف يتصرفون، ويبتلي بالصحة والمرض، ويبتلي بالعلم، ويبتلي الناس بأبنائهم وبأزواجهم، ويبلو بعضنا ببعض لينظر كيف نعمل، ثم يكون نتيجة ذلك كله حصاداً يوم القيامة، فتجني ما زرعته، كل كلمة تتكلمها، وكل خطوة تمشيها، وكل عمل تعمله، وكل تصرف تتصرفه؛ كل ذلك محسوب ومسجل عليك: لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15].

قال الله تعالى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:16] إياك أن يصدك ويمنعك عن التطلع للآخرة والنظر لوقوفك بين يدي الله تبارك وتعالى من لا يؤمن بهذا اليوم، وكان نظره محصوراً بهذه الحياة الدنيا، لا يستطيع أن ينظر إلى أبعد من موطئ أقدامه، ضل عن الآخرة فهو يعمل لهذه الدنيا حبيساً فيها لا يفكر إلا في متاع دنيوي عارض، وشهوة عارضة، حياته هنا، وهنا جنته، وهنا ناره، فإياك إياك أن يصدك عن الإيمان باليوم الآخر وعن العمل لذلك اليوم! وإياك أن يكون سعيك ضائعاً في ذلك اليوم!

فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فكل من لا يؤمن بيوم القيامة ولا يعمل ليوم القيامة فهو محكوم بالهوى، والذي يعمل لذلك اليوم يعلم أنه لا يوصله إلى ذلك اليوم ولا ينجيه في ذلك اليوم إلا أن يتبع وحي الله، وإن لم يتبع ما جاء الله به، فلا سبيل للارتقاء لملكوت ذلك اليوم إلا أن تعمل في هذه الدنيا من خلال الإطار الذي يريده الله لك، ومن خلال المنهج الذي يريده الله لك، فكل من لا يعمل لذلك اليوم فإنه يعمل بالهوى.

فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:13]، هذا الذي أوحاه الله إليك هو زبدة الرسالات السماوية، وهو مفاتيح النفوس البشرية، وهو مفاتيح المشكلات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها، من لا يعلمه فقد كل شيء، وعاش في الدنيا ضائعاً تائهاً حائراً، لا يعرف سبيله، قد يكون فرداً وقد تكون أمة، وقد يكون شعباً، وقد تكون البشرية كلها حيرى ضائعة وتائهة، لا تعرف الطريق ولا تعرف السبيل، فمرة تظن القضية أنها صراع طبقات، كما يظنها مئات الملايين من البشر في هذه الأيام، وقد تظنها رفاهية الإنسان كما تعمل لذلك أمريكا وأوروبا وأكثرية الشعوب في هذا العصر الذي نعيش فيه، وقد يظنها بعضهم إنما هي ارتفاع أمة على أمة، وأن تكون أمة فوق أمة أخرى لتكون لها السيادة والعزة، كما حدث في كثير من فترات التاريخ، وتتيه البشرية في صحراء لا تعرف فيها دليلاً، ولا ترى فيها نجماً، فيلفها الشقاء فتضيع.

وصية الله لموسى وصية للبشر كلهم: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، وهي قضية لا تحتاج إلى علماء يطيلون الشرح، ولا إلى فقهاء يطيلون الكتابة والتدقيق والتفصيل، قضية أدركها موسى عندما كلمه الله تبارك وتعالى، وأدركها محمد صلى الله عليه وسلم في الجلسة الأولى عندما جاءه جبريل في الغار، عرفها وعرف مدلولها وأدركها الأنبياء جميعاً، وأدركها الذين أرسل إليهم موسى في لحظات، فتغيرت نفوسهم وتغيرت وجوههم، بعد أن كانوا عبيداً للطواغيت إذا بهم يكفرون بالطاغوت، ويرفعون رءوسهم فيقولون: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه.

عندما نزل موسى إلى ميدان العراك ليثبت صدق رسالته أمام الجماهير المحتشدة التي حشدها الطاغية فرعون وجنده من مختلف البقاع في الميدان الكبير، ووقف موسى وأمامه السحرة: قَالَ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى [طه:65-70].

كم احتاج هذا ليتحول السحرة من أعوان الطاغية الذين يعتمد عليهم لإثبات أن موسى كاذب وليس برسول؟ وأنه لا يوجد إله لهذا الكون غير فرعون، ليصبحوا نموذجاً يحتذى في تاريخ البشرية؟

هذا هو التغيير والتحول المطلوب من الإنسان، أن يصبح مؤمناً بهذا المعنى، أن يتولى الله تبارك وتعالى، ويعترف به إلهاً وسيداً وملكاً، وحاكماً ورباً مطاعاً، يطأطئ رأسه له، ويرفع رأسه أمام غيره، ولا يخضع لغيره إلا بمقدار ما يأمره ربه أن يخضع له، كأن يكون رسولاً يتبعه، أو أن يكون حاكماً يحكمه بكتاب الله: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ [طه:70-71]، قال فرعون الذي كان قبل قليل قد جاء بهم ليبطلوا ما جاء به موسى وقالوا له: أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [الشعراء:41]، فيقول: نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف:114]، يقولون: آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:70-72]، أيُّ إيمان حل في قلوبهم؟! وأي سكينة نزلت عليهم؟! ما الذي غيرهم؟! ما الذي بدلهم؟! ما الذي هز كيانهم؟!

إنه إيمان تغلغل في أحشائهم، كانوا يعرفون السحر وألاعيبه، فوجدوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً، وليس في إمكانية البشر، وليس في قدرة البشر، إنها قدرة من خلق البشر، إنه ليس من النوع الذي يملكه البشر، لقد تغير كيانهم، وهز نفوسهم، فأصبحوا أنموذجاً في تاريخ البشرية قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:72-73].

هذا النمط من البشر ماذا يفعل في تاريخ البشر؟ عندما يقوم بناء الإنسان على هذا الإيمان، أتبقى مشكلات أخلاقية؟ أيبقى ظلم العباد للعباد، وتجبر العباد على العباد؟ أتبقى مشكلات اقتصادية؟ ألا يرحم هذا الصنف من الناس إخوانه، ويجود بماله وقد جاد قبل ذلك بنفسه؟

هذا هو الصنف الذي بناه محمد صلى الله عليه وسلم تمثل في الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم، فكانوا بشراً لا كالبشر، ورجالاً لا كالرجال، ومجتمعاً ليس كالمجتمعات، كانوا مجتمعاً آخر يخالف ما عهده الناس الذين قاموا على قطعة من الأرض فجعلوها مبدأ، أو قاموا على قوم، أو قاموا على مبدأ ضال، أو قاموا على ألوهية لأصنام، يظلم الناس بعضهم بعضاً، ويسفك بعضهم دم بعض، فقطعت الأواصر بينهم، وارتفعت الرحمة من نفوسهم، هذا هو المجتمع الذي تتربى فيه الفضائل، وتسود فيه القيم والأخلاق، إنه مجتمع الإيمان.

لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء لتحرير الأرض من الفرس والروم، ولم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم لمعالجة المشكلات التي أصبحت كالسرطان في أحشاء الدنيا كلها من العرب وغيرهم، ولكنه دعا أولاً إلى المفتاح الكبير الذي يفتح القلوب، الذي يحول كيان الإنسان، الذي يغير ولاءه، الذي يرفعه إلى القمة، ويعرفه بأصله، ويعرفه بهدفه، ويعرفه بغايته، ويعرفه لماذا جاء إلى هذا الكون، ويعرفه صلته بخالق هذا الكون، ثم يعرفه بدوره الحقيقي في الحياة؛ عند ذلك تنحل المشكلات، وتتساقط القيود، ويصبح الإنسان سائراً على الصراط المستقيم، فما أسهل أن تحل بعد ذلك المشكلات! وما أسهل أن يترك الإنسان ما ألفه من عادات: شرب للخمر، ولعب بالميسر، وارتكاب للزنا والفجور، وأكل للحرام، وظلم للناس، وغير ذلك من المشكلات التي تفني الأجيال، ولا يستطيع المصلحون أن ينهوا هذه المشكلات، لكن بهذه الدعوة يمكن حل كثير من هذه المشكلات، وإن بقي لها بقايا فإنها لا تؤثر في المسيرة التي تسعد بها البشرية.

هذا هو المفتاح الكبير، وهذا هو السر الكبير، وهو بدهي عند المسلمين، ولكن المسلمين يغفلون عنه!

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

إن بداية طريق الإيمان معرفة مستيقنة بالله تبارك وتعالى، تملأ النفس، وتملأ القلب، وتتوارد إلى النفوس في هذه الأيام من خلال معايشتها لكتاب الله تبارك وتعالى ولسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والنظر في هذا الكون الرائع العجيب البديع الذي خلقه الله تبارك وتعالى، كل ذلك يرقق القلوب، ويصفيها، ويطهرها، وينظفها، ويجعلها مثالاً للإيمان، خاصة إذا اقترن بهذا عمل صالح يهذب النفس ويربيها.

فالمنهج إيمان قائم على العلم، وعمل مطهر يخلص النفوس من الشوائب، ويجعلها تقترب من الأنموذج الذي ذكره الله تبارك وتعالى في محكم كتابه من الأنبياء، والرسل، والأخيار والصالحين في تاريخ البشرية، الذين حدثنا الله تبارك وتعالى عنهم، فارتفعوا إلى هذا المستوى الراقي الرائع الذي يمثل دين الله تبارك وتعالى ووحي الله عز وجل.

الطريق في أيامنا هذه ليبلغ الإنسان هذا المستوى هو أن يعيش تحت ظلال هذا الكتاب، وتحت ظلال هذه السنة النبوية، ويقتدي بالصالحين في أخلاقهم، وفي قيمهم، وأن ينظر إلى الله تبارك وتعالى من خلال كتابه، ويتعرف على الله عز وجل من خلال مخلوقاته، فيحيا الإيمان في نفسه، ويستقر اليقين في قلبه، ويصبح إنساناً يصلح لأن يسمى بعبد الله، يرضى الله تبارك وتعالى عنه، ويرضيه عندما يقدم عليه، ويحقق به في هذه الأرض في هذه الفترة القصيرة التي يقضيها في هذا الوجود خيراً كبيراً.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.