كتاب الصلاة [14]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين على المنبر

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زائدة عن حصين بن عبد الرحمن قال: ( رأى عمارة بن رؤيبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم جمعة فقال عمارة: قبح الله هاتين اليدين، قال زائدة: قال حصين: حدثني عمارة قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه يعني: السبابة التي تلي الإبهام ) ].

بسم الله الرحمن الرحيم.

وفي هذا شدة البدع التي تكون في الدين فيجب على العالم أن ينكرها مهما كان الذي بدرت منه، وبشر بن مروان كان خليفة ومع هذا أنكر عليه أمام الناس؛ لأن الإنكار في خاصته لا يبين للناس فربما ظن الناس أن هذه سنة فيبقي الأمر في أذهان الناس، ولهذا لا بد من حماية الناس من المنكر الذي يبدر من بعض العلية أو الوجهاء أو العلماء أياً كانوا إذا اقتدى بهم الناس، ولهذا نقول: إنه يجب على العالم أن يبين الخطأ المعلن علانية؛ لأن في ذلك حماية لدين الله سبحانه وتعالى، فإذا كان ثمة خطأ علانية وأنكر سراً فإنه يتفشى المنكر في الناس، ويستمر صاحب المنكر بفعل المنكر، ويستمر الذي ينصح ينصح سراً ثم يبقى الأمر على ما هو عليه وهذا من المعاني الخاطئة، بل نقول: لا بد من إنكار المنكر علانية حتى لا ينتشر في الناس.

أما ما يتعلق بتوجيه الإنكار إلى فاعله عيناً فهذا ينظر إلى المصلحة، والأصل في ذلك أن الإنسان ينكر المنكر بعينه ويبينه للناس، وإذا احتاج إلى بيان فاعله وأنه أخطأ في ذلك حتى لا يلتبس على الناس فإنه يفعله، وإن نصحه بينه وبينه فهو الأولى، لكن لا يعطل إنكار المنكر بعينه هيبةً لأحد؛ لأن حماية الدين أولى، وعمارة عليه رضوان الله تعالى صحابي جليل أنكر على بشر بن مروان وهو خليفة، وذلك لأن هذه المسألة ربما يتقللها البعض فيقول: هي مسألة يسيرة، لكنها تقتضي إحداثاً فبين له ذلك الأمر وأغلط عليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني: ابن إسحاق - عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن أبي ذباب عن سهل بن سعد قال: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهراً يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام ) ].

وهذا سواءً كان في خطبة الجمعة أو في غيرها، بعض الناس إذا أراد أن يدعوا إما أن يرفع يديه أو لا يشير بإصبعه، نقول: إن الإنسان إذا لم يرفع يديه فإنه يشير بإصبعه في حال دعائه إذا دعا، اللهم اغفر لي أو ارحمني وارزقني واهدني واجبرني وسددني وغير ذلك ويشير بإصبعه إذا لم يتمكن سواءً كان ماشياً أو قاعدا أو متحدثاً مع غيره أو نحو ذلك، والإشارة بالإصبع تكون بعد رفع اليدين، ولهذا نقول: الدعاء له أحوال، دعاء مع رفع اليدين، ودعاء مع الإشارة بالإصبع وهي المرتبة الثانية، ودعاء لا إشارة ولا رفع اليدين وكلها واردة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدنو من الإمام عند الموعظة

حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه، قال قتادة عن يحيى بن مالك عن سمرة بن جندب: ( أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن حباب حدثهم قال: حدثنا حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما ثم قال: صدق الله: (( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ))[التغابن:15] ، رأيت هذين فلم أصبر ، ثم أخذ في الخطبة ) ].

ومن معاني الفتنة: هو أن يترك الإنسان الفاضل إلى المفضول وهذا من المعاني الدقيقة جداً، ومراتب الناس في هذا على أحوال فإدراك الصالحين يختلف عن غيرهم، وإدراك العلماء بقدر ولايتهم وتقدمهم فيدركون المراتب بين الأعمال المتفاضلة، وكلما كان الإنسان أعلم بالشريعة أدرك المتفاضلين، والنبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى جزء يسير لا يراه إلا الكمل من الأولية بمثل هذه الأمور، فالنبي عليه الصلاة والسلام ترك المنبر للحظات يسيرة فحمل الحسن والحسين فوضعهما على المنبر معه عليه الصلاة والسلام فتلا قول الله جل وعلا: إَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ[التغابن:15]، إشارة إلى أن هذا المعنى ربما يصرف الإنسان عن شيء إلى شيء آخر، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفوت من ذلك شيئاً، ولم يرتكب من ذلك ذنباً، وهذه معاني دقيقة جداً، ولهذا نعلم أنه لا أحد يكاد يسلم من هذا الباب، ولكن بحسب ولايتهم وقربهم تضيق هذه الدائرة لديهم حتى تصبح شعرة دقيقة من تقديم المفضول على الأفضل.

ولهذا نقول: إن العلماء يدورون بين مسألة المتفاضلات، وأما بالنسبة لغيرهم من الجهال فيدورون في دائرة الخير والشر، فيدع الخير ويذهب إلى الشر، وبهذا نعلم أن الإنسان الذي يدع الخير ويعطله إلى الشر فإنه أشد فتنة، وبهذا أيضاً نعلم أن الإنسان يفتتن بما يقرب إليه من محبوباته من ماله وذريته وأزواجه وغير ذلك وهو لا يشعر بذلك فتصرفه عن الأشياء الفاضلة من الصالحات إلى غيرها.

وفي هذا إسبال الصبي الحسن والحسين كونهما يعثران، فإسبال الصبي لا حرج فيه باعتبار أنه لا يكلف، وكانا صغيرين عليهما رضوان الله تعالى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاحتباء والإمام يخطب

حدثنا محمد بن عوف قال: حدثنا المقرئ قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ).

حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا خالد بن حيان الرقي قال: حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان عن يعلى بن شداد بن أوس قال: ( شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمع بنا فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب ).

قال أبو داود: كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ومكحول وإسماعيل بن محمد بن سعد ونعيم بن سلامة قال: لا بأس بها.

قال أبو داود: ولم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استئذان المحدث الإمام

حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف ).

قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة وأبو أسامة عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل والإمام يخطب )، لم يذكرا عائشة ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب

حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد عن عمرو - وهو ابن دينار - عن جابر: (أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع ).

حدثنا محمد بن محبوب وإسماعيل بن إبراهيم -المعنى- قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا: ( جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت شيئاً؟ قال: لا، قال: صل ركعتين تجوز فيهما ).

حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن جعفر عن سعيد عن الوليد أبي بشر عن طلحة أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث أن سليكاً جاء فذكر نحوه، ( زاد ثم أقبل على الناس وقال: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما )].

وهذا من الأدلة التي حملها بعض العلماء على وجوب تحية المسجد وفي هذا نظر، فقالوا: وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بأداء الصلاة وهو يخطب، وسماع الخطبة آكد وأوجب، ثم أمره بأن يصلي ركعتين، ومعلوم أنه إذا صلى لا يكون حاضر القلب والذهن لخطبة الخطيب فجعله ينشغل بها. قالوا: فلا ينشغل إلا بما هو أوجب، ولكن نقول: إن هذا فيه نظر، وذلك أن تحية المسجد سنة، والأدلة على ذلك كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك دخول النبي عليه الصلاة والسلام وجلوسه على المنبر في صلاة الجمعة من غير أن يصلي ركعتين، وكذلك أيضاً الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في ظاهر أعمالهم فهو إجماع كما جاء في حديث زيد بن أسلم أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا يجنبون ثم يخرجون ويتوضئون ثم يرجعون ويجلسون يعني: في المسجد ولو كانت واجبة لوجب عليهم أن يغتسلوا وأن يصلوا تحية المسجد بعد دخولهم، ولهذا نقول: إن تحية المسجد إنما هي سنة، ويكره للإنسان أن يجلس دون أن يصلي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا بشر بن السري قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية قال: ( كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فجاء رجل يتخطى رقاب الناس فقال عبد الله بن بسر: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت ) ].