الأحاديث المعلة في الصلاة [40]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم على شيء من الأحاديث التي يتكلم عليها النقاد في أبواب الصلاة.

وأول هذه الأحاديث: هو حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى ( أنه كان يعجن إذا قام من الصلاة يعتمد على يديه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ).

هذا الحديث أخرجه الطبراني في كتابه المعجم، وكذلك أيضاً أخرجه أبو إسحاق الحربي في كتابه غريب الحديث يروونه من حديث يونس بن بكير عن الهيثم بن علقمة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث فرد من هذا الوجه تفرد به يونس بن بكير به عن الهيثم بن علقمة عن الأزرق عن عبد الله بن عمر ولا يعرف بهذا اللفظ مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.

والحديث معلول بعدة علل، فهو معلول بالوقف والرفع، ومعلول كذلك أيضاً بمتنه.

العلة الإسنادية

أما بالنسبة للعلة الإسنادية وهي ما يتعلق بالرفع والوقف، فقد اختلف في هذا الحديث على الأزرق بن قيس ، فيرويه الهيثم عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر مرفوعاً وجعله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفه في ذلك حماد بن سلمة يروي هذا الحديث عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر من فعله، أخرجه هكذا ابن أبي شيبة في كتابه المصنف، وكذلك أيضاً البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد في الصلاة على يديه، ولم يذكر أيضاً في هذا الحديث الموقوف أنه كان يعجن، ومعلوم أن ثمة اعتماداً وثمة قدراً زائد في ذلك، وصفة العجن الاعتماد بالقبضتين، وأما الاعتماد فهو على السعة، أن يعتمد الإنسان إما على كفيه أو على طريقة العجن أو على رؤوس أصابعه، كذلك أيضاً يكون الاعتماد على الركبتين فيعتمد الإنسان على الركبتين من غير أن يمس الأرض.

وحديث حماد بن سلمة في روايته عن الأزرق عن عبد الله بن عمر يقول: كان يعتمد على يديه ولم يذكر صفة العجن، الذي ذكر صفة العجن في هذا هو يونس بن بكير في روايته عن الهيثم فتفرد بهذه اللفظة.ءذء

العلة المتنية

أما بالنسبة للاختلاف في متن الحديث فتارةً يأتي الحديث بذكر العجن عند الاعتماد، وتارةً يروى الحديث باعتماد من غير ذكر صفة العجن، ذكر صفة العجن على ما تقدم يونس بن بكير في روايته عن الهيثم عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى فجعلها مرفوعة، وأما من لم يذكر صفة العجن فقد روى الطبراني في كتابه المعجم هذا الحديث من حديث الحماني وهو عبد الحميد يرويه عن الهيثم عن الأزرق عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتمد على يديه وما ذكر العجن، والحماني فيه ضعف، و يونس بن بكير أوثق منه إلا أنه أيضاً لديه بعض الوهم والغلط وقد أخرج له الإمام مسلم وكذلك أيضاً أخرج له البخاري تعليقاً، وهو أحسن حالاً من الحماني .

ولكن نقول: إن يونس بن بكير في روايته لهذا الحديث قد تفرد بذكر العجن فيه عن الهيثم ، والهيثم مستور قليل الحديث، وأحاديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلة، وإن كان له حديث عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف عند الدمشقيين، ولهذا يكثر الحديث عند ابن عساكر رحمه الله في كتابه تاريخ دمشق.

وعلى هذا نقول: إن تفرد يونس بن بكير في روايته عن الهيثم بهذا الحديث بذكر صفة العجن منكر ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعضد هذا أن الحديث إنما جاء موقوفاً وجاء بالاعتماد من غير ذكر العجن أن راويه هو عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، ثبت أو جاء الحديث عنه من وجه آخر موقوفاً عليه ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن الراجح في ذلك الوقف.

تقدم معنا فيما أخرجه ابن أبي شيبة وكذلك البيهقي في كتابه السنن من حديث حماد بن سلمة في روايته لهذا الحديث عن الأزرق عن عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد على يديه فجعله موقوفاً من غير عجن ولم يرفعه، جاء عند ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد على يديه إذا قام من الصلاة، وهذا قد أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وكذلك قد أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً في مصنفه فذكر الاعتماد ولم يذكر العجن.

الفرق بين الاعتماد والعجن في الصلاة

وهنا مسألة: هل ثمة فرق بين الاعتماد والعجن؟ نقول: العجن هو قدر زائد عن ذلك وهو شبيه بمسألتنا التي تقدم الكلام عليها معنا في مسألة القبض على الصدر قبض اليدين اليمين على الشمال، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم القبض، وأما ذكر الصدر فهو قدر زائد عن ذلك، لا يلزم إذا قلنا بالقبض أن نقول على الصدر أو نقول على السرة أو نقول دون ذلك أو نقول على البطن وإنما هو أوسع من هذا، فالأمر في هذا على السعة، فإذا أثبتنا اعتماد النبي عليه الصلاة والسلام على يديه كما جاء في حديث مالك بن الحويرث وهو في البخاري ( أنه كان إذا قام في الصلاة اعتمد على يديه )، قد أخرجه البخاري من حديث أبي قلابة عن مالك بن الحويرث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في تعليمه لهم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الاعتماد نقول: جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالصفة الزائدة في الاعتماد نقول: غير ثابتة، وعلى هذا لو اعتمد الإنسان على أصابعه أو اعتمد الإنسان على راحتيه أو اعتمد الإنسان وقبض على صفة العجن من غير تعبد على صفة معينة صح منه ذلك، فكما أننا نقول بعدم ثبوت الاعتماد على الأصابع أو على الراحتين أو كذلك أيضاً على القبضتين كذلك أيضاً نجعل الحكم فيها سوى، فأي اعتماد في هذا الأمر فيه على السعة، ولا نقول بتعبد صفة معينة، وذلك أن الصفة المعينة وهي صفة العجن غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الخلاف في كيفية اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم

وهنا مسألة أيضاً وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه في البخاري الاعتماد على يديه عند القيام في الصلاة، وقع خلاف عند بعضهم في مسألة الاعتماد هل النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتمد عند قيامه على الأرض أو يعتمد على فخذيه برؤوس قدميه! فمعلوم أن الإنسان إذا أراد أن يعتمد عند قيامه إما أن يعتمد على يديه وهذا هو الأغلب والأظهر، أو يعتمد على فخذيه وركبتيه لينهض جسمه في هذا، من العلماء من قال بالاعتماد على اليدين وهذا هو الأظهر في عمل السلف، وهذا الذي ذهب إليه عامة فقهائهم وقد نص عليه الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم، وذلك أنه لما أورد حديث الاعتماد على اليدين قال: وبهذا نفعل نأمر أن يعتمد الإنسان على يديه على الأرض عند قيامه في الصلاة.

بعض العلماء يقول: إن الاعتماد يكون على صدور القدمين ويضع اليدين على الفخذين، قالوا: لأن حديث مالك بن الحويرث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على يديه من غير ذكر الأرض فيه، فالاعتماد على اليدين إما أن يكون على الأرض وإما أن يكون على الفخذين، من العلماء من ينكر أن يكون الاعتماد على الفخذين وذلك أن الاعتماد إذا اعتمد الإنسان في صلاته على يديه يعتمد على ماذا! فإن فخذيه وركبتيه من جسمه تحتاج إلى اعتماد أيضاً، فالاعتماد بداهةً في هذا يكون على الأرض، يعني: على شيء خارج عنه، وهذا فيما يظهر هو الذي ذهب إليه عامة السلف خلافاً لمن نهى عن هذا كما جاء عن عبد الله بن مسعود وكذلك أيضاً بعض الفقهاء من أصحابه من أهل الكوفة الذين يرون الاعتماد على صدور القدمين، ويقولون: إن ما جاء في حديث مالك بن الحويرث وهو في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على يديه قالوا: هو داخل في حديث صدور القدمين.

قد أخرج الطبراني في كتابه المعجم من حديث عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله بن مسعود كان إذا نهض في صلاته نهض على صدور قدميه، وبهذا يأخذ الحنفية يرون أن المصلي إذا قام في صلاته من ركعته الأولى إلى الثانية أو من الثالثة إلى الرابعة أن لا يعتمد على يديه ويعتمد على صدور قدميه لظاهر ما جاء من حديث عبد الله بن مسعود ، ويعارضون حديث مالك بن الحويرث وهو في البخاري بقولهم: إن فيه الاعتماد على اليدين، ونحن لا نقول بخلافه ولكن نقول: يضع يديه معتمداً على فخذيه وفخذيه وساقيه معتمدة على صدور قدميه، فيتأولون ذلك ويقولون بعدم معارضته.

وفي هذا نظر، وجماهير العلماء على الاعتماد على اليدين، وبهذا يأخذ فيما يظهر جماهير السلف، وبهذا أيضاً جمهور الأئمة الأربعة عليهم رحمة الله أن الاعتماد يكون على اليدين وإن وقع خلاف في مسألة العجن، ولا أعلم أحداً من السلف كان أو صح عنه العجن في صلاته يعني: القيام بقبض اليدين سواءً كان ذلك من الركعة الأولى إلى الثانية أو من الثالثة إلى الرابعة أو أيضاً من تشهد الإنسان الأول إلى الركعة الثالثة، فهذا لا يثبت عنهم فيه، وتقدم معنا ما جاء في حديث عبد الله بن عمر وهو حديث الباب وهو متكلم فيه، وعلى هذا نقول: إن الاعتماد الذي جاء في حديث مالك بن الحويرث إنما هو محمول على الاعتماد على الأرض، وأما ما جاء عن عبد الله بن مسعود في أنه كان يعتمد على صدور قدميه، نقول: إنما هو قول له واجتهاد منه وإن كان في ظاهر قوله أنه كان يعتمد على صدور قدميه أنه لا يعتمد على الأرض، لأنه لو كان يعتمد على الأرض ما أشار إلى صدور القدمين، يعني: أنه يكتفي بهذا.

حكم الاعتماد على اليدين في الصلاة

إن الاعتماد على اليدين سنة لحديث مالك بن الحويرث ، وأي صفة زائدة في ذلك فمردها إلى الدليل والدليل في هذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغاية ما جاء في حديث عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد على يديه من غير ذكر العجن فيه.

أما بالنسبة للعلة الإسنادية وهي ما يتعلق بالرفع والوقف، فقد اختلف في هذا الحديث على الأزرق بن قيس ، فيرويه الهيثم عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر مرفوعاً وجعله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفه في ذلك حماد بن سلمة يروي هذا الحديث عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر من فعله، أخرجه هكذا ابن أبي شيبة في كتابه المصنف، وكذلك أيضاً البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد في الصلاة على يديه، ولم يذكر أيضاً في هذا الحديث الموقوف أنه كان يعجن، ومعلوم أن ثمة اعتماداً وثمة قدراً زائد في ذلك، وصفة العجن الاعتماد بالقبضتين، وأما الاعتماد فهو على السعة، أن يعتمد الإنسان إما على كفيه أو على طريقة العجن أو على رؤوس أصابعه، كذلك أيضاً يكون الاعتماد على الركبتين فيعتمد الإنسان على الركبتين من غير أن يمس الأرض.

وحديث حماد بن سلمة في روايته عن الأزرق عن عبد الله بن عمر يقول: كان يعتمد على يديه ولم يذكر صفة العجن، الذي ذكر صفة العجن في هذا هو يونس بن بكير في روايته عن الهيثم فتفرد بهذه اللفظة.ءذء

أما بالنسبة للاختلاف في متن الحديث فتارةً يأتي الحديث بذكر العجن عند الاعتماد، وتارةً يروى الحديث باعتماد من غير ذكر صفة العجن، ذكر صفة العجن على ما تقدم يونس بن بكير في روايته عن الهيثم عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى فجعلها مرفوعة، وأما من لم يذكر صفة العجن فقد روى الطبراني في كتابه المعجم هذا الحديث من حديث الحماني وهو عبد الحميد يرويه عن الهيثم عن الأزرق عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتمد على يديه وما ذكر العجن، والحماني فيه ضعف، و يونس بن بكير أوثق منه إلا أنه أيضاً لديه بعض الوهم والغلط وقد أخرج له الإمام مسلم وكذلك أيضاً أخرج له البخاري تعليقاً، وهو أحسن حالاً من الحماني .

ولكن نقول: إن يونس بن بكير في روايته لهذا الحديث قد تفرد بذكر العجن فيه عن الهيثم ، والهيثم مستور قليل الحديث، وأحاديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلة، وإن كان له حديث عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف عند الدمشقيين، ولهذا يكثر الحديث عند ابن عساكر رحمه الله في كتابه تاريخ دمشق.

وعلى هذا نقول: إن تفرد يونس بن بكير في روايته عن الهيثم بهذا الحديث بذكر صفة العجن منكر ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعضد هذا أن الحديث إنما جاء موقوفاً وجاء بالاعتماد من غير ذكر العجن أن راويه هو عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، ثبت أو جاء الحديث عنه من وجه آخر موقوفاً عليه ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن الراجح في ذلك الوقف.

تقدم معنا فيما أخرجه ابن أبي شيبة وكذلك البيهقي في كتابه السنن من حديث حماد بن سلمة في روايته لهذا الحديث عن الأزرق عن عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد على يديه فجعله موقوفاً من غير عجن ولم يرفعه، جاء عند ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يعتمد على يديه إذا قام من الصلاة، وهذا قد أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وكذلك قد أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً في مصنفه فذكر الاعتماد ولم يذكر العجن.

وهنا مسألة: هل ثمة فرق بين الاعتماد والعجن؟ نقول: العجن هو قدر زائد عن ذلك وهو شبيه بمسألتنا التي تقدم الكلام عليها معنا في مسألة القبض على الصدر قبض اليدين اليمين على الشمال، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم القبض، وأما ذكر الصدر فهو قدر زائد عن ذلك، لا يلزم إذا قلنا بالقبض أن نقول على الصدر أو نقول على السرة أو نقول دون ذلك أو نقول على البطن وإنما هو أوسع من هذا، فالأمر في هذا على السعة، فإذا أثبتنا اعتماد النبي عليه الصلاة والسلام على يديه كما جاء في حديث مالك بن الحويرث وهو في البخاري ( أنه كان إذا قام في الصلاة اعتمد على يديه )، قد أخرجه البخاري من حديث أبي قلابة عن مالك بن الحويرث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في تعليمه لهم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الاعتماد نقول: جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالصفة الزائدة في الاعتماد نقول: غير ثابتة، وعلى هذا لو اعتمد الإنسان على أصابعه أو اعتمد الإنسان على راحتيه أو اعتمد الإنسان وقبض على صفة العجن من غير تعبد على صفة معينة صح منه ذلك، فكما أننا نقول بعدم ثبوت الاعتماد على الأصابع أو على الراحتين أو كذلك أيضاً على القبضتين كذلك أيضاً نجعل الحكم فيها سوى، فأي اعتماد في هذا الأمر فيه على السعة، ولا نقول بتعبد صفة معينة، وذلك أن الصفة المعينة وهي صفة العجن غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا مسألة أيضاً وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه في البخاري الاعتماد على يديه عند القيام في الصلاة، وقع خلاف عند بعضهم في مسألة الاعتماد هل النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتمد عند قيامه على الأرض أو يعتمد على فخذيه برؤوس قدميه! فمعلوم أن الإنسان إذا أراد أن يعتمد عند قيامه إما أن يعتمد على يديه وهذا هو الأغلب والأظهر، أو يعتمد على فخذيه وركبتيه لينهض جسمه في هذا، من العلماء من قال بالاعتماد على اليدين وهذا هو الأظهر في عمل السلف، وهذا الذي ذهب إليه عامة فقهائهم وقد نص عليه الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم، وذلك أنه لما أورد حديث الاعتماد على اليدين قال: وبهذا نفعل نأمر أن يعتمد الإنسان على يديه على الأرض عند قيامه في الصلاة.

بعض العلماء يقول: إن الاعتماد يكون على صدور القدمين ويضع اليدين على الفخذين، قالوا: لأن حديث مالك بن الحويرث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على يديه من غير ذكر الأرض فيه، فالاعتماد على اليدين إما أن يكون على الأرض وإما أن يكون على الفخذين، من العلماء من ينكر أن يكون الاعتماد على الفخذين وذلك أن الاعتماد إذا اعتمد الإنسان في صلاته على يديه يعتمد على ماذا! فإن فخذيه وركبتيه من جسمه تحتاج إلى اعتماد أيضاً، فالاعتماد بداهةً في هذا يكون على الأرض، يعني: على شيء خارج عنه، وهذا فيما يظهر هو الذي ذهب إليه عامة السلف خلافاً لمن نهى عن هذا كما جاء عن عبد الله بن مسعود وكذلك أيضاً بعض الفقهاء من أصحابه من أهل الكوفة الذين يرون الاعتماد على صدور القدمين، ويقولون: إن ما جاء في حديث مالك بن الحويرث وهو في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على يديه قالوا: هو داخل في حديث صدور القدمين.

قد أخرج الطبراني في كتابه المعجم من حديث عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله بن مسعود كان إذا نهض في صلاته نهض على صدور قدميه، وبهذا يأخذ الحنفية يرون أن المصلي إذا قام في صلاته من ركعته الأولى إلى الثانية أو من الثالثة إلى الرابعة أن لا يعتمد على يديه ويعتمد على صدور قدميه لظاهر ما جاء من حديث عبد الله بن مسعود ، ويعارضون حديث مالك بن الحويرث وهو في البخاري بقولهم: إن فيه الاعتماد على اليدين، ونحن لا نقول بخلافه ولكن نقول: يضع يديه معتمداً على فخذيه وفخذيه وساقيه معتمدة على صدور قدميه، فيتأولون ذلك ويقولون بعدم معارضته.

وفي هذا نظر، وجماهير العلماء على الاعتماد على اليدين، وبهذا يأخذ فيما يظهر جماهير السلف، وبهذا أيضاً جمهور الأئمة الأربعة عليهم رحمة الله أن الاعتماد يكون على اليدين وإن وقع خلاف في مسألة العجن، ولا أعلم أحداً من السلف كان أو صح عنه العجن في صلاته يعني: القيام بقبض اليدين سواءً كان ذلك من الركعة الأولى إلى الثانية أو من الثالثة إلى الرابعة أو أيضاً من تشهد الإنسان الأول إلى الركعة الثالثة، فهذا لا يثبت عنهم فيه، وتقدم معنا ما جاء في حديث عبد الله بن عمر وهو حديث الباب وهو متكلم فيه، وعلى هذا نقول: إن الاعتماد الذي جاء في حديث مالك بن الحويرث إنما هو محمول على الاعتماد على الأرض، وأما ما جاء عن عبد الله بن مسعود في أنه كان يعتمد على صدور قدميه، نقول: إنما هو قول له واجتهاد منه وإن كان في ظاهر قوله أنه كان يعتمد على صدور قدميه أنه لا يعتمد على الأرض، لأنه لو كان يعتمد على الأرض ما أشار إلى صدور القدمين، يعني: أنه يكتفي بهذا.