كيف نستقبل رمضان [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله تعالى جعل من الأوقات مواسم للخيرات، يضاعف الله فيها الحسنات، ويوفق فيها للتسابق إلى الخيرات، وقد جعل أعظم هذه المواسم في السنة موسم شهر رمضان المبارك، فشرفه بأنواع التشريف.

نزول القرآن الكريم فيه

فأنزل فيه القرآن كله، وابتدأ نزول القرآن فيه في ليلة القدر منه، ولذلك قال الله تعالى في بيان نزول القرآن في شهر رمضان: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

وقال في نزوله في ليلة القدر: بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:1-2].

وقد اختلف أهل العلم في معنى نزوله جميعاً في رمضان، فقالت طائفة منهم: نزل إلى سماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل بالتدريج في ثلاث وعشرين سنةً إلى الأرض، وقالت طائفة: بل المقصود بذلك بداية نزوله، وعلى هذا فإن المقصود بنزوله في رمضان هو المقصود بنزوله في ليلة القدر فهي من رمضان قطعاً.

عظم الأجر في صيام وقيام رمضان

وقد شرف الله هذا الشهر بأن جعل صيامه ركناً من أركان الإسلام، وجعله سبباً لتكفير السيئات، وجعل قيام ليله كذلك سبباً لتكفير السيئات، وجعل قيام ليلة القدر وحدها منه خيراً من ألف شهر، أي: من عبادة ألف شهر، فالناس يحرصون على طول العمر، وفائدة طول العمر إنما هي ما يقرب من الله ويرجح كفة الحسنات على كفة السيئات، ولا فائدة في أيام العمر ولياليه التي تضيع في الملذات والشهوات، وما لا يعني، والانشغال بأمور الدنيا، وإنما فائدة العمر ما لا يندم عليه الإنسان منه يوم القيامة، وهو ما يجده في كفة حسناته يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه باقتراب شهر رمضان كما أخرج النسائي في السنن بإسناد صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم إذا أقبل رمضان: قد أطلكم شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنان، وتوصد أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين )، وقد ثبت آخر هذا الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رمضان: ( تفتح فيه أبواب الجنة، وتوصد أبواب النار )، وفي رواية: ( تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتصفد فيه مردة الشياطين ).

وهو شهر المغفرة، فلله تعالى في كل ليلة من لياليه عتقاء من النار، ثم يختمه الله بليلة ليست هي ليلة القدر، وإنما هي ليلة العتق، وهي آخر ليلة من ليالي رمضان يغفر الله فيها للصائمين والصائمات، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله تعالى يغفر للصائمين والصائمات في آخر ليلة من ليالي رمضان. فقيل: يا رسول الله! أليلة القدر هي؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند نهاية عمله ).

اختصاص أمة محمد بهذا الشهر

وكذلك فإن من مزايا هذا الشهر وفضائله أن الله سبحانه وتعالى شرف به هذه الأمة المشرفة زيادةً في أعمارها، وتكثيراً لحسناتها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عجيباً ضربه لهذه الأمة بين الأمم، ( ضرب لها مثلاً برجل استأجر أجراء على أن يعملوا له من الصباح إلى صلاة الظهر على قيراط قيراط، ثم استأجر أجراء على أن يعملوا له من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم استأجر أجراء يعلمون له من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين )، فالذين استئجروا من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر اليهود، والذين من بعد الظهر إلى العصر النصارى، والذين من بعد العصر إلى المغرب هذه الأمة، وقد ضاعف الله لها الأجر فقالت اليهود والنصارى: لم؟ ( فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ -وفي رواية: هل ظلمتكم شيئاً؟- فقالوا: لا. فقال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ).

فهذا فضل الله الذي فضل به هذه الأمة وشرفها بين الأمم، فلذلك خصها من بين الأمم بهذا الشهر.

تنوع الدرجات في شهر رمضان

كذلك فإن من فضل هذا الشهر أيضاً أن الله سبحانه وتعالى جعله ثلاث درجات، فأدنى درجة فيه العشر الأوائل منه، وفيها خير كثير، ولكن العشر الأواسط أفضل منها، ثم بعدها العشر الأواخر وهي أفضل رمضان كله، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه اعتكف في العشر الأوائل من رمضان، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلبه أمامك. فاعتكف العشر الأواسط فـأتاه فقال: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف العشر الأواخر من رمضان، ولم يزل يعتكفها ) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

غفران الذنوب

وكذلك من فضائل هذا الشهر العظيم أنه أيضاً سبب لمغفرة السيئات الماضية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أدرك رمضان فلم يغفر له فلا غفر له )، فبين أن من أدرك هذا الشهر فقد أتيحت له فرصة المغفرة لتكفير كل ما مضى من سيئاته؛ وذلك لأن صيامه غفران للذنوب، وقيامه غفران للذنوب، والصدقة فيه مكفرة مطفئة للخطايا كما يطفئ الماء النار، وقراءة القرآن فيه ذات أجر عظيم، وعمارة المساجد فيه محاكاة للملائكة، وتخلق بأخلاقهم، فهذا الفضل الجزيل العظيم من أدركه فلم ينل منه حظه كان مغبوناً، وقد حلت عليه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأنزل فيه القرآن كله، وابتدأ نزول القرآن فيه في ليلة القدر منه، ولذلك قال الله تعالى في بيان نزول القرآن في شهر رمضان: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

وقال في نزوله في ليلة القدر: بسم الله الرحمن الرحيم. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر:1-2].

وقد اختلف أهل العلم في معنى نزوله جميعاً في رمضان، فقالت طائفة منهم: نزل إلى سماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل بالتدريج في ثلاث وعشرين سنةً إلى الأرض، وقالت طائفة: بل المقصود بذلك بداية نزوله، وعلى هذا فإن المقصود بنزوله في رمضان هو المقصود بنزوله في ليلة القدر فهي من رمضان قطعاً.

وقد شرف الله هذا الشهر بأن جعل صيامه ركناً من أركان الإسلام، وجعله سبباً لتكفير السيئات، وجعل قيام ليله كذلك سبباً لتكفير السيئات، وجعل قيام ليلة القدر وحدها منه خيراً من ألف شهر، أي: من عبادة ألف شهر، فالناس يحرصون على طول العمر، وفائدة طول العمر إنما هي ما يقرب من الله ويرجح كفة الحسنات على كفة السيئات، ولا فائدة في أيام العمر ولياليه التي تضيع في الملذات والشهوات، وما لا يعني، والانشغال بأمور الدنيا، وإنما فائدة العمر ما لا يندم عليه الإنسان منه يوم القيامة، وهو ما يجده في كفة حسناته يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه باقتراب شهر رمضان كما أخرج النسائي في السنن بإسناد صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم إذا أقبل رمضان: قد أطلكم شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنان، وتوصد أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين )، وقد ثبت آخر هذا الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رمضان: ( تفتح فيه أبواب الجنة، وتوصد أبواب النار )، وفي رواية: ( تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتصفد فيه مردة الشياطين ).

وهو شهر المغفرة، فلله تعالى في كل ليلة من لياليه عتقاء من النار، ثم يختمه الله بليلة ليست هي ليلة القدر، وإنما هي ليلة العتق، وهي آخر ليلة من ليالي رمضان يغفر الله فيها للصائمين والصائمات، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله تعالى يغفر للصائمين والصائمات في آخر ليلة من ليالي رمضان. فقيل: يا رسول الله! أليلة القدر هي؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند نهاية عمله ).

وكذلك فإن من مزايا هذا الشهر وفضائله أن الله سبحانه وتعالى شرف به هذه الأمة المشرفة زيادةً في أعمارها، وتكثيراً لحسناتها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عجيباً ضربه لهذه الأمة بين الأمم، ( ضرب لها مثلاً برجل استأجر أجراء على أن يعملوا له من الصباح إلى صلاة الظهر على قيراط قيراط، ثم استأجر أجراء على أن يعملوا له من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم استأجر أجراء يعلمون له من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين )، فالذين استئجروا من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر اليهود، والذين من بعد الظهر إلى العصر النصارى، والذين من بعد العصر إلى المغرب هذه الأمة، وقد ضاعف الله لها الأجر فقالت اليهود والنصارى: لم؟ ( فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ -وفي رواية: هل ظلمتكم شيئاً؟- فقالوا: لا. فقال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ).

فهذا فضل الله الذي فضل به هذه الأمة وشرفها بين الأمم، فلذلك خصها من بين الأمم بهذا الشهر.

كذلك فإن من فضل هذا الشهر أيضاً أن الله سبحانه وتعالى جعله ثلاث درجات، فأدنى درجة فيه العشر الأوائل منه، وفيها خير كثير، ولكن العشر الأواسط أفضل منها، ثم بعدها العشر الأواخر وهي أفضل رمضان كله، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه اعتكف في العشر الأوائل من رمضان، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلبه أمامك. فاعتكف العشر الأواسط فـأتاه فقال: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف العشر الأواخر من رمضان، ولم يزل يعتكفها ) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك من فضائل هذا الشهر العظيم أنه أيضاً سبب لمغفرة السيئات الماضية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أدرك رمضان فلم يغفر له فلا غفر له )، فبين أن من أدرك هذا الشهر فقد أتيحت له فرصة المغفرة لتكفير كل ما مضى من سيئاته؛ وذلك لأن صيامه غفران للذنوب، وقيامه غفران للذنوب، والصدقة فيه مكفرة مطفئة للخطايا كما يطفئ الماء النار، وقراءة القرآن فيه ذات أجر عظيم، وعمارة المساجد فيه محاكاة للملائكة، وتخلق بأخلاقهم، فهذا الفضل الجزيل العظيم من أدركه فلم ينل منه حظه كان مغبوناً، وقد حلت عليه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تعلم أحكام رمضان

إن هذا الفضل العظيم يقتضي منا قبل رمضان أن تشرئب نفوسنا إليه، وأن نتهيأ له، وأن نتعلم ما أمرنا ربنا جل وعلا به من الأحكام فيه، وأن نتعلم هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في هذا الشهر الكريم، ولا شك أن العلم قبل العمل، فقد عقد البخاري لذلك باباً في الصحيح فقال: باب العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، فبدأ بالعلم قبل العمل، فلذلك نحتاج قبل دخول شهر رمضان أن نتعلم هذه الأحكام، فمن عاش منا حتى بلغ رمضان جاءه على علم، ولم يفته شيء منه، وقد استعد له من بدايته، ومن مات منا قبل رمضان ولم يدركه فإنه بعزيمته ونيته يكتب له أجر القائمين الصائمين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نية المؤمن أبلغ من عمله )، وفي رواية: ( نية المؤمن خير من عمله ).

وعلى هذا فعلى كل إنسان منا أن ينوي من الآن أنه إن شاء الله تعالى سيتعلم ما يتعلق برمضان من الأحكام، وإذا بلغه فسيطبق هذه الأحكام على الوجه الذي تعلم، فقد أحسن من انتهى إلى ما تعلم.

التنافس في الخيرات

ثم لا شك أن استعدادنا له مما يقتضي منا التنافس، فهو موسم للمسابقة إلى الله، والله تعالى يقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، ويقول: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، ويقول: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وهذه المنافسة والمسابقة لا تكون إلا بعد أن يعرف الإنسان فضل ما يسابق فيه وينافس؛ لأن الإنسان إذا تعب في المسابقة، وكانت جائزته ضئيلة يسيرة، كانت ذلك مما يؤدي إلى تأثر نفسه، وربما أدى به إلى الإحباط والامتناع من العود لمثلها، وهذا ليس في أعمال الآخرة فإن الإنسان فيها لا يظلم شيئاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يؤتى برجل يوم القيامة حتى إذا عرضت عليه أعماله إلى صحائف أو سجلات مد البصر من السيئات، فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا هل لعبدي من عمل صالح؟ فيلتمسون فيخرجون قصاصةً قدر الظفر كتب فيها لا إله إلا الله، فيقول ذلك الرجل: وما تغني هذه عن هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم شيئاً. فتوضع السجلات في كفة ولا إله إلا الله في كفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فطاشت السجلات ورجحت لا إله إلا الله ).

فإذا عرف الإنسان أن المتعامل مع الله تعالى، والمتجر معه، ومن أقرضه قرضاً حسناً هو الرابح لا محالة، وهو الذي يضاعف له بما لا يمكن أن يخطر على بال، ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [السجدة:16-18].

وأعظم ذلك لذة النظر إلى وجه الله الكريم، التي هي الزيادة، وهي المزيد، فالزيادة في قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، والمزيد في قول الله تعالى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، فهذا المزيد هو لذة النظر إلى وجه الله الكريم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم، فيرفعون أبصارهم، فإذا الرب جل جلاله يناديهم من فوقهم: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، فلا ينظرون إلى شيء مما هم فيه ما داموا ينظرون إلى وجهه الكريم ).

استغلال الوقت في هذا الشهر المبارك

فلذلك إذا عرف الإنسان ما عند الله تعالى من الأرباح، ورغب فيه، فذلك مقتض منه للإقبال على المنافسة في هذا الموسم الكريم، وفي الأخص إذا عرف أن كثيراً مما مضى من أوقاته قد ضاعت في غير طاعة الله، فكم فرطنا في جنب الله فيما مضى من أوقاتنا، كم أضعنا من الليالي والأيام، وكم مر علينا من السنوات وقد ذهبت هباءً منثوراً، إننا ينبغي أن نأسف غاية الأسف على ماضي أعمالنا، وما فرطنا فيه في جنب الله، وعلى الأوقات التي تذهب سدى لا يجدها الإنسان يوم القيامة في كفة الحسنات، وهو يلاحظ الميزان قد وضع بين يديه ليس له إلا كفتان، فتشرئب نفسه لرجحان كفة الحسنات، ويعلم أن الرجحان يكون بقدر الذرة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8].

أقسام الناس في رمضان

فلذلك إذا عرفنا حجم إضاعتنا لأوقاتنا في الماضي فهذا معين لنا على استغلال الموسم قبل فواته، كثير منا رأى المتنافسين في رمضان الماضي، وكيف تنافسوا في الطاعات والقربات، وكانوا في نهاية الشهر على ثلاثة أقسام: قسم فازوا فوفقوا للخيرات من أول الشهر إلى آخره، فكان الشهر لهم لا عليهم، وهؤلاء سلموا من رمضان وسلم لهم رمضان، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: ( اللهم سلم لي من رمضان، وسلم لي رمضان )، فسلم لهم الشهر وسلموا منه، وقوم آخرون فاتهم أول الشهر في التسويف والتأني وتطويل الأمل، ثم بعد ذلك أحسوا بالخطر فأدركوا بقيته فلحقوا بمن سبقهم بفضل الله تعالى.

والقسم الثالث: وهم الخاسرون المغبونون الذين تقضت أيام الشهر ولياليه وهم ينتظرون حتى فات الأوان، وتعداهم الركب وقد انطلق القطار فبقوا على الأثر، فلا شك أن من أدرك هذه النتيجة وعرفها سيعزم من الآن ويقوي عقدة عزمه، ويشدها بنور الإيمان، وبمعاهدة الله تعالى على الطاعة، وسيزداد حرصاً على كل وقت من رمضان ليكون مدرسةً له لتعلم التقوى والاقتراب من الله تعالى، والمنافسة في الصالحات، وبالأخص أن كثيراً من الذين سيدركون رمضان هذا العام لن تتاح لهم الفرصة في المستقبل كحال الماضين، فرمضان الماضي كم صامه هنا في هذا البلد من الذين ماتوا وأصبحوا الآن تحت التراب؟ يا رب صائمه لن يصومه، ويا رب قائمه لن يقومه.

الاجتهاد في الطاعات

فلذلك كل هذا يقتضي منا قبل رمضان أن نأتيه بأرواح مطمئنة، وبنفسيات عالية، وأن نتأهب له تأهباً عظيماً، وقد كان سلفنا الصالح يمكثون ستة أشهر بعد رمضان وهم يسألون الله قبوله، ثم يمكثون بعد ذلك بقية السنة يسألون الله أن يبلغهم رمضان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من عرفتم، فقد قال عن نفسه: ( فإن أتقاكم لله وأخشاكم لله أنا )، وقال الله عنه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وقال عنه أصحابه: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، فما سئل شيئاً قط فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإلا رد بميسور من القول )، مع كل هذا كان الناس يلحظون تغيراً في حياته إذا دخل شهر رمضان، فيزداد من الخيرات والطاعات، رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كل أوقاته مشغولة بالطاعة، مع ذلك في رمضان يزداد نشاطه للطاعات وإقباله عليها، ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ).

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا ليله، ودخل معتكفه، وشد مئزره، وأيقظ أهله )، هذه أمور تتجدد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان، فكل هذا يقتضي منا نحن معشر الضعفاء الذين نرجو أن نحسب من أمته، وأن نحشر تحت لوائه، ونرجو أن نوفق لما ننجو به من النار من الطاعات، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة هكذا فعلينا نحن أن نكون من المبادرين المنافسين.