خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الولاء والبراء[1]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا زال الحديث موصولاً عن علامات الحب، وآخر علامة نقف عليها اليوم، ثم نصل إلى الثمرة العظمى من هذه الدروس وهي: أن أعلى علامات الحب قاطبة هي العبودية، وقد درج بعض الناس -لاسيما بين الرجال والنساء- إذا أراد أحدهما أن يعبر عن شدة حبه للآخر، وأنه ليس له بعد الحب مذهب، يقول أحدهما للآخر: أنا أعبدك. هكذا يقولون، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل، مستحق الحمد وحده ومستحق العبودية وحده، لكنهم يعرفون أن أعلى علامات الحب هي العبادة، وحقيقة العبادة تنبني على أصلين عظيمين: الأصل الأول: هو كمال الحب، والأصل الثاني: هو تمام الذل، فلا ذل إلا بحب، ولا حب إلا بذل.
فإذا وصل العبد إلى درجة العبادة لا يرى لنفسه اختياراً قط؛ لأن هذا ينافي الذل وينافي الحب
اخضع وذل لمن تحب فليس في حكم الهوى أنف يشال ويعقد
ليس لك أنف وأنت محب؛ لأنك إذا تحسست أنفك -الذي هو مناط النخوة- فهذا يضاد الحب، والمحب لا أنف له يتحسسه.
المستحق للعبادة وحده هو الله عز وجل؛ لأنه وحده هو الذي يحب لذاته، ومن دونه يحب لقربه من الله، لا يحب لذاته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، إنما نحبهم لقربهم من الله؛ ولأن الله اصطفاهم؛ لذلك أحببناهم وقدمناهم.
العبودية مفتاح النصر
فالعبودية لله.. سلاحنا الوحيد، واقرأ مطلع سورة الإسراء يتبين لك هذا الأمر: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:1-6] .
انظر! السورة بدأت بالعبودية، وكررت العبودية مرتين: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ، ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا .
كلمة (عباد) في القرآن عندما تأتي مضافة بالياء -ياء الإضافة- وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53] ، أو بنون الإضافة إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] ، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63] ، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] لما تأتي كلمة (عباد) في القرآن مضافة على الله عز وجل، فهي في الغالب تأتي إضافة تشريف، بخلاف كلمة (العبيد) فلم تأت قط إضافة تشريف، وإنما جاءت لوصف العبودية العامة الشاملة على العباد، عبودية القهر، وأن الكل يحتاج إلى الله عز وجل، لكن عبودية التشريف لا تأتي (بعبيد) تأتي (بعباد) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا [الإسراء:5].
وقلت: إن (عباد) إذا جاءت مضافة إنما تعني إضافة التشريف غالباً؛ لأنها قد تأتي مضافة وليس للتشريف، وإنما للقهر أيضاً، كقوله عز وجل: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18] وهذه ربوبية شاملة على العباد.
فالله عز وجل سيبعث على هؤلاء عباداً له قاموا بحق عبوديته، ولا يمنع أن يسلط عليهم من هو أرذل منهم، كما قال تبارك وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167] ، سواء كان مؤمناً أو كافراً. واستحضروا في العصر الحديث ما فعله هتلر النازي باليهود، حتى إنهم في المؤتمر الأخير طالبوا الرئيس الأمريكي أن يعتذر عما فعله هتلر رسمياً، مع أن الرئيس الأمريكي لا علاقة له بما فعله هتلر ، ولكن هي الآن: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [الإسراء:6] ، لماذا؟ لم يعودوا عباداً، فرجعت الكرة عليهم مرة أخرى!
ثم حذرهم وقال لهم: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ [الإسراء:7] إذا ضللتم عباداً سيظل لكم الغلبة والنصر، وتظفرون على عدوكم، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] ترجع الكرة عليكم مرة أخرى.
:فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:7-8] أيضاً، إذا سكرتم بخمرة الانتصار، وتجاوزتم حدود الله عز وجل، وعدتم للطغيان بعد أن أظفرناكم على بني إسرائيل؛ عدنا أيضاً لإذلالكم، وعاد بنو إسرائيل ليظهر عليكم مرة أخرى.. وهكذا.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يقول: (إن الله لينصر الدولة الظالمة إذا كانت عادلة، ويخذل الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة) فإن الله لا يحابي أحداً من عباده: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] ، انظر! مع أن المناسب أن يقال: (وإن أسأتم فعليها) وليس (فلها) لكن هذا نوع من التبكيت، كقول الله عز وجل: (فبشرهم بعذاب أليم)، والبشرى لا تكون إلا بالخير، فهذا نوع من التبكيت: أن توضع البشرى مكان النذارة والعكس (وإن أسأتم فلها).
سلاحنا في مقاومة كل أعدائنا: أن تكون عبداً لله عز وجل، كثير من الناس يسمع هذا الكلام وينفعل، ولكنه لا يغير في بيته شيئاً، ومع ذلك يصرخ في كل مكان، وينادي بالخلافة، وينادي بالحكم.. فمن غير المعقول أن يعجز الرجل عن ضبط بيته ثم يحكم دولة، هذا ليس بالإمكان..! عاجز أن يأمر امرأته أو ابنته بلبس الحجاب الشرعي، أو هو عاجز أن يأمر ولده بالصلاة، ثم يريد أن يحكم دولة.. هيهات،!!هو عن حكم الدولة أعجز.
إذاً العبودية هي مفتاحنا إلى النصر، وسلاحنا الوحيد. وإنني أطنبت وطولت في الكلام على علامات العبودية لكي أصل إلى الثمرة المرجوة من هذه الدروس وهي: الولاء والبراء، ولأن أكثر أهل الأرض أدعياء، والناس أربعة: مؤمن وكافر ومنافق وعاص.
والسنوات القادمة لعلها تتمخض عن حرب فاصلة بيننا وبين اليهود، فما هي عدتنا لهذه الحرب، إننا سنغلب اليهود في أول جولة إذا حققنا شيئاً واحداً: إذا كنا عباداً لله عز وجل.. فقط.
فالعبودية لله.. سلاحنا الوحيد، واقرأ مطلع سورة الإسراء يتبين لك هذا الأمر: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:1-6] .
انظر! السورة بدأت بالعبودية، وكررت العبودية مرتين: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ، ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا .
كلمة (عباد) في القرآن عندما تأتي مضافة بالياء -ياء الإضافة- وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53] ، أو بنون الإضافة إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] ، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63] ، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] لما تأتي كلمة (عباد) في القرآن مضافة على الله عز وجل، فهي في الغالب تأتي إضافة تشريف، بخلاف كلمة (العبيد) فلم تأت قط إضافة تشريف، وإنما جاءت لوصف العبودية العامة الشاملة على العباد، عبودية القهر، وأن الكل يحتاج إلى الله عز وجل، لكن عبودية التشريف لا تأتي (بعبيد) تأتي (بعباد) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا [الإسراء:5].
وقلت: إن (عباد) إذا جاءت مضافة إنما تعني إضافة التشريف غالباً؛ لأنها قد تأتي مضافة وليس للتشريف، وإنما للقهر أيضاً، كقوله عز وجل: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18] وهذه ربوبية شاملة على العباد.
فالله عز وجل سيبعث على هؤلاء عباداً له قاموا بحق عبوديته، ولا يمنع أن يسلط عليهم من هو أرذل منهم، كما قال تبارك وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167] ، سواء كان مؤمناً أو كافراً. واستحضروا في العصر الحديث ما فعله هتلر النازي باليهود، حتى إنهم في المؤتمر الأخير طالبوا الرئيس الأمريكي أن يعتذر عما فعله هتلر رسمياً، مع أن الرئيس الأمريكي لا علاقة له بما فعله هتلر ، ولكن هي الآن: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [الإسراء:6] ، لماذا؟ لم يعودوا عباداً، فرجعت الكرة عليهم مرة أخرى!
ثم حذرهم وقال لهم: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ [الإسراء:7] إذا ضللتم عباداً سيظل لكم الغلبة والنصر، وتظفرون على عدوكم، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] ترجع الكرة عليكم مرة أخرى.
:فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:7-8] أيضاً، إذا سكرتم بخمرة الانتصار، وتجاوزتم حدود الله عز وجل، وعدتم للطغيان بعد أن أظفرناكم على بني إسرائيل؛ عدنا أيضاً لإذلالكم، وعاد بنو إسرائيل ليظهر عليكم مرة أخرى.. وهكذا.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يقول: (إن الله لينصر الدولة الظالمة إذا كانت عادلة، ويخذل الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة) فإن الله لا يحابي أحداً من عباده: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] ، انظر! مع أن المناسب أن يقال: (وإن أسأتم فعليها) وليس (فلها) لكن هذا نوع من التبكيت، كقول الله عز وجل: (فبشرهم بعذاب أليم)، والبشرى لا تكون إلا بالخير، فهذا نوع من التبكيت: أن توضع البشرى مكان النذارة والعكس (وإن أسأتم فلها).
سلاحنا في مقاومة كل أعدائنا: أن تكون عبداً لله عز وجل، كثير من الناس يسمع هذا الكلام وينفعل، ولكنه لا يغير في بيته شيئاً، ومع ذلك يصرخ في كل مكان، وينادي بالخلافة، وينادي بالحكم.. فمن غير المعقول أن يعجز الرجل عن ضبط بيته ثم يحكم دولة، هذا ليس بالإمكان..! عاجز أن يأمر امرأته أو ابنته بلبس الحجاب الشرعي، أو هو عاجز أن يأمر ولده بالصلاة، ثم يريد أن يحكم دولة.. هيهات،!!هو عن حكم الدولة أعجز.
إذاً العبودية هي مفتاحنا إلى النصر، وسلاحنا الوحيد. وإنني أطنبت وطولت في الكلام على علامات العبودية لكي أصل إلى الثمرة المرجوة من هذه الدروس وهي: الولاء والبراء، ولأن أكثر أهل الأرض أدعياء، والناس أربعة: مؤمن وكافر ومنافق وعاص.
فولاؤك لا يكون إلا للمؤمنين، وبراءتك لا تكون إلا من الكافرين والمنافقين، والعاصي يكون ولاؤك له بقدر إيمانه بالله، وبراءتك منه بقدر معصيته. فإذا راقبت علامات المحبة في الناس عرفت من توالي ومن تعادي،ومن الذي تلقي إليه بالمودة ومن الذي تتبرأ منه.
الولاء والبراء في القرآن الكريم
الإيمان: اعتقاد وعمل.. قول وعمل، وهو: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:277]، (آمنوا): هذا عمل القلب، و(عملوا الصالحات): عمل الجوارح، فالإيمان اعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فلابد أن يكون عقد القلب كاملاً لا نقص فيه، كل نقص في عقد القلب يعد نقصاً في الإيمان، بخلاف عمل الجوارح، فهذا بقدر الاستطاعة: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] (أكره): عمل الجوارح.
مر رجل على قوم يعبدون الأصنام، فقالوا له: لن تمر حتى تقرب لإلهنا قرباناً، وإلا قتلناك، فقرب قرباناً لآلهتهم وهو كاره.. فهذا لا يضره شيء، لأن عقد القلب كامل، ولا يتصور نقصه في عقد القلب؛ لأن في مقابله نقص في الإيمان، والذي يحب الناس لمحبته واعتقاده فيهم إنما يحبهم بالهوى، ينبغي أن تكون محبته لله عز وجل، قد يسيء إليك أخوك ولكنك تحبه، لما فيه من الإيمان برغم إساءته لك، هذا هو الإيمان.
الإيمان اعتقاد بالقلب، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان) لماذا؟ لأنه لا يتصور الإكراه في عمل القلب، لأنك تستطيع أن تظهر غير ما تعتقد وأنت آمن؛ لأنه لا يشق عن قلبك، فلذلك جعل الإنكار باليد والإنكار باللسان بحسب الاستطاعة؛ لأنه ظاهر، أما القلب فلم يعذر فيه؛ لأنه لا يتصور عقد القلب إلا كاملاً، والنقص فيه يساوي النقص في الإيمان.
إذاً كلامنا على علامات المحبة حتى تعرف من توالي ومن تعادي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] فالذي لم يكن مؤتمناً على عبادة ربه كيف يولى منصباً؟!.
ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة حكاية عجيبة: أن الملك الصالح كان عنده مستشاراً نصرانياً، وكان هذا المستشار شجاً في حلوق المسلمين، كان يقرب النصارى ويبعد المسلمين، وفي يوم من الأيام جلس الملك الصالح مع هذا النصراني في مجلس، فتطرق الكلام إلى الكلام على النصارى واعتقاد النصارى، فالملك الصالح ذم النصارى، وذكر حكايات عن النصارى فقال: إنهم لا يحسنون الحساب، لأنهم جعلوا الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة! جسم الأب والابن والروح القدس إله واحد! فخطر على بال الملك الصالح أنه يفتش وراء هذا الرجل، فإذا كان خان الله في التوحيد فماذا يفعل في الخزينة؟! فأكتشف أنه يؤدي إلى السلطان ديناراً ويأخذ دينارين على مذهبه، فهم ثلاثة، خان الله عز وجل في التوحيد أفنجعله أميناً على الخزنة؟!! أميناً على الجباية!!
ومع أن الأدلة صريحة في القرآن، فأهم معنى بعد التوحيد ونبذ الشرك هو الولاء والبراء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:23-24] ، هذه الأشياء التي ذكرها الله عز وجل هي مدار حياة الناس كلها، هذه الأشياء هي التي يوالون عليها ويعادون، الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والتجارة والمساكن، هذه هي حياة الناس، قال الله عز وجل: فَتَرَبَّصُوا [التوبة:24]، (تربصوا): يعني انتظروا فاقرة، وانتظروا عقوبة تنزل بكم حتى يأتي الله بأمره، ثم فسقهم جميعاً.. فسق هؤلاء الذين يحبون هذه الأعراض على الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله عز وجل.
نماذج من حياة الصحابة في تقرير عقيدة الولاء والبراء
اعمل لله ومت حيث شئت أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا [المرسلات:25-26] أي: جمعناهم على ظهرها ونجمعهم في بطنها، فكن عبداً لله ومت حيث شئت، كن في جوف سبع، كن في جوف بحر، ستصل إلى الله عز وجل.
وها هو صهيب الرومي رضي الله عنه، وكان قد جمع مالاً طائلاً وخبأه تحت جدار، ثم خرج هارباً بالليل، فعلم به المشركون فخرجوا وراءه، فأدركوه في الطريق، فقالوا له: جئتنا صعلوكاً لا مال لك، ثم تريد أن تخرج بالمال. قال: أرأيتم إن أعطيتكم مالي تخلون بيني وبين وجهي؟ قالوا: أجل. قال: فإن المال في مكان كذا. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما حدث، قال له: (ربح البيع
عقد بيع ينتظر توقيعك فقط، المشتري مضمون، لا ينكث أبداً، عقد بيع ينتظر توقيعك أنت فقط، فهل توقع؟ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، لذلك قال له: (ربح البيع
وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان أبر الناس بأمه، حتى كان يضرب المثل ببره، فلما أسلم قالت: (لا آكل ولا أشرب حتى تكفر بدينك، لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه).
وظلت يومين أو ثلاثة لا تأكل، حتى كانوا إذا أرادوا أن يطعموها فتحوا فمها بالعصا، قال: فجئتها فقلت لها: (والله يا أمي! لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني، كلي أو دعي).. هذا هو الولاء والبراء، هذا هو الولاء لله عز وجل، كامل المحبة كامل الولاء، وولاؤك بقدر محبتك.
وذكر ابن هشام في سيرته أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ضرب ضرباً شديداً حتى كان يهذي، بسؤال واحد: ماذا فعل رسول الله؟ يسكتونه ويهدئون من روعه، وهو لا يكف عن هذا السؤال، حتى جاءت أم جميل بنت الخطاب وقد استدعوها: تعالي، طمئنيه، وهو لا يفتأ يقول: ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: هو بخير. قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم .
أيها المسلمون: لقد عجز كثير من المسلمين أن يكونوا مثل امرأة مسلمة، لما مات أبوها وأخوها وزوجها، ثم لا تأبه بكل ذلك وتقول: وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بخير. قالت: أريد أن أراه. فلما رأته قالت: كل المصائب بعدك جلل.. لا قيمة لها..!
ضياع عقيدة الولاء والبراء في واقعنا المعاصر
وإذا أردت أن تعرف عقيدة الولاء والبراء أنها ضاعت فاسمع التجار الذين يتعاملون مع المستوردين، وانظر إلى إكرام التجار لهؤلاء الكافرين، وكيف أنه لا يجلس على الكرسي إلا إذا أجلسه، ويتودد إليه، وأن هذا الكافر قد يعقد صفقة محرمة، وقد يفعل شيئاً أو قد يقول شيئاً محرماً، ثم يبتسم هذا المسلم، ولا يغضب لله عز وجل!
انظر أيضاً إلى الدرجات العلمية في الجامعات لما يأتي مستشرق، انظر إلى تكريمه في الجامعات! فضيلة المستشرق الفلاني، وقد جاء وهو عبقري وعلامة وفهامة... إلى آخر هذه الألفاظ.
جون بولكلتر الوجودي أول ما جاء هنا هو وعشيقته دخلوا الجامع الأزهر وأنا رأيته بعيني، وأنا في الأزهر ذات مرة كان هناك رجل فراش أعطوه خُمر، فأي واحدة متبرجة أجنبية تريد أن تتفرج وتدنس المسجد بقدميها -انظر الورع الكاذب والبارد!- يقول لها: البسي هذا الخمار .. طيب هي لابسة (شورت!) لبِّسها جلباب..! امرأة لابسة خمار وشورت في الجامع الأزهر!
فأنا داخل المسجد فوجدت هناك مجادلة بين المرأة والفراش، وهو يحاول أن يعطيها الخمار وهي ترفض، هل تعلم ماذا كانت النتيجة..؟ أخرجت جنيهاً من جيبها وأعطته في يده، فلم يلزمها بوضع .. وهذا يحصل في بيوت الله!
لماذا يدخل الكفار المسجد الأزهر؟ ما هي المصلحة؟ هل المسجد الأزهر أثر؟ أهو هرم؟ أهو أبو الهول؟ هذا بيت الله عز وجل، وبيت الله عز وجل لا يدخله كافر إلا إذا دخله ليسأل عن شيء، وفيه أحكام كثيرة، كما كان الكفار يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم، يدخل لأجل أن يسأل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له الغلبة، وكان له القهر والسلطان، فأي مشرك يدخل المسجد يدخل لعلة أو لمصلحة، لكن يدخل ليتفرج والمرأة متبرجة ويدخلون في مساجدنا؟!
الآن أنا أقرأ في الجرائد منذ سنة (1974م) مقالات لمستشار يقول فيها: إن اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين في الجنة، مستشار يكتب من سنة (74م) حتى الآن، وكتبها هذه السنة أيضاً أن المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين في الجنة كلهم.
ويسمح لمثل هذا أن يكتب، وينشر، ولو كان مضاداً لعقيدتنا التي تمتهن بحجة حرية التعبير وحرية الرأي.
المشاركة في أعياد الكافرين، وتسهيل المسألة، ولا تكن متزمتاً ولا تكن متعصباً، كل هذا ضرب لعقيدة الولاء والبراء في مقتل، وصار الذين يملئون ويعمرون أعياد الكافرين هم المسلمون، من الذي يملأ أعياد الكافرين يوم (شم النسيم) غير المسلمين، وبكل أسف أرى أصحاب لحى، وأرى صاحبات نقاب يتنزهون، وخرجوا يشمون الهواء، أقول في نفسي: هل غيب هؤلاء؟ هل نسي هؤلاء أنهم مصنفون كإرهابيين على كل الموائد الدولية؟ هل نسي هؤلاء هذا الأمر؟ هل نسي هؤلاء أن كل حرب تعقد في بلاد من بلاد العالم إنما هي عليهم..؟!
يخرجون يعمرون مشاهد الكافرين! ليلة رأس السنة من الذي يزني، ومن الذي يعاشر النساء ويشرب الخمر غير المسلمين؟! ويدفعون ألوف (الجنيهات) في الفنادق، والذي له واسطة يجد تذكرة دخول، من الذي يفعل ذلك غير المسلمين في ديار المسلمين؟! وهذا على مرأى ومسمع، ثم بعد كل ذلك يطلبون النصر من الله عز وجل.
إن بقاء هذه الأمة على وجه الأرض مع كل هذا الخبث معجزة، إننا نستدل على أننا سننتصر على عدونا ببقائنا، بقاؤنا مع كل المخالفات معجزة وآية من آيات الله عز وجل، نستدل بها أننا سننتصر، كل هذا ولم يخسف بنا.
إن الله تبارك وتعالى نهانا أن نسكن في مساكن الذين ظلموا، مع أن الأرض لله، والأرض لا تقدس أهلها، ولا تصبغ إلا بصبغة الساكنين عليها.
مكة -التي هي أحب البلاد إلى الله- كانت في يوم من الأيام دار كفر، وهي أحب البلاد إلى الله، إنما الدار بساكنيها. الآن الدار دار إسلام غداً تصير دار كفر، فالأرض لا علاقة لها بالكفر والإيمان، ومع ذلك نهانا أن نسكن في مساكن الذين ظلموا مع أن الأرض لله.. لماذا؟ هذا داخل في عقيدة الولاء والبراء، فكثرة مشاهدة آثار الذين ظلموا تؤثر على القلب، ويزعمون أنهم أتوا ليروا أبا الهول والأهرام..!
فكثرة مشاهدة آثار الظالمين يؤثر على عمل القلب، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على الحجر من ديار ثمود، أين ثمود من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ تفصله عنهم سنين طويلة، ومع ذلك أول ما مر على الحجر من ديار ثمود تقنع، واستحث الراحلة أن تسرع، وقال: (إذا مررتم بديار الذين ظلموا فأسرعوا؛ خشية أن يصيبكم ما أصابهم) ، وهؤلاء موتى لا يؤثرون، فكيف بالأحياء؟
إذاً يقول لك: إذا مررت على قبر ميت أسرع، وبعد ذلك تتعامل مع الكافر فهل هذا كلام معقول! وقد أمرك بالإسراع بجانب قبر الميت منهم، فيحرم عليك أن تجامع المشرك، قال صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشركين فهو منهم)، ألا يكفي هذا رادعاً؟ فيجب علينا أن نخرج العادات والتقاليد البالية التي أخذناها من بلاد الكفر كالتقاليد البالية في الأفراح.
بالأمس كان هناك فرح.. سبحان الله! هؤلاء الناس ليس عندهم حياء، المرأة متبرجة والديوث يتأبطها، والذي لا يشتري يتفرج، في الشارع! حتى قال مؤذن الفجر: الله أكبر.. فسكتوا وذهبوا ليناموا.
أليس هؤلاء أولى بالعقوبة؟! أليس هؤلاء أولى بالعقوبة شرعاً وعرفاً؟!
بعض الناس كانوا يشتكون من المحاضرات المعلنة في المساجد، وذات مرة نزل أحدهم ممن لم يصل الفجر في المسجد، ونسي القائمون على المسجد أن يطفئوا (الميكرفونات) الخارجية، وكنت أقول تذكرة عشر دقائق، فتطوع هذا ونزل من بيته ودخل على المسجد كأنه كتلة نار، وقال: هناك أناس نائمون، وهناك طلبة يذاكرون.. واستدار. وأنا أكمل الجملة، قلت: أكملها في دقيقة، فهو قال هاتين الكلمتين واستدار ذاهباً إلى باب المسجد، وبينما أنا أكمل الجملة استدار وشتم وخرج.. فهل يستطيع هذا إذا كان الفرح تحت بيته أن يتكلم؟ لا يستطيع، ولا ينصره لا عرف ولا سلطان.
فهذه أمثلة! وفي سنة ثمانية وسبعين حين كان أحدهم وزيراً للأوقاف، ساكنو حي المهندسين اشتكوا من الأذان في (الميكرفونات) وقالوا: إن الأذان يزعجنا، وصدر قرار بإغلاق الميكرفونات العلنية في حي المهندسين، وقامت وقتها ضجة وثورة، وتكلم الدعاة عليها كلاماً طويلاً، وقالوا: الأذان لا يزعج أحداً، بل المريض وهو يتقلب في مرضه إذا سمع (الله أكبر) قال: رب أنت أكبر من المرض، فعافني، إذا سمع الله أكبر استبشر؛ لأنه لا ناصر له إلا الله في هذه الحالة، فهل تقوم تحرمه أن يسمع الأذان، وتقول الأذان يزعج! لا يزعج إلا البطالين الكسالى الذين شربوا الخمر إلى الأذان ثم يريدون أن يناموا.
إذاً عقيدة الولاء والبراء هي والإيمان بالله لا ينفصمان، إذا وجد أحدهما وجد الآخر، وإذا رحل أحدهما رحل الآخر.
وأيضاً -لخطورة عقيدة الولاء والبراء؛ ولأنها أخطر وأطول في الكلام من علامات المحبة- سنذكر أيضاً ضوابطها وعلاماتها، وأن بعض الصور تخرج من مسألة الولاء والبراء مثل المبايعة مع الكافر: أن تتعامل مع الكافر في البيع والشراء.. هذه الأفعال غير داخلة في عقيدة الولاء والبراء إلا إذا انضاف إليها أشياء، وسنذكر كل شيء بضوابطه.
نسأل الله عز وجل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولاتسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
القرآن الكريم يدور في أغلب محاوره على تقرير التوحيد ونبذ الشرك، والمعنى التالي مباشرة لهذا المعنى هو: الولاء والبراء، وعقيدة الولاء والبراء: أن تتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأن تتبرأ من الكافرين والمنافقين والعصاة بالقيد الذي ذكرته في العصاة، واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومتى كانت المحبة في القلب كاملة كان الإيمان كاملاً، أما فعل الجوارح فبقدر الاستطاعة.
الإيمان: اعتقاد وعمل.. قول وعمل، وهو: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:277]، (آمنوا): هذا عمل القلب، و(عملوا الصالحات): عمل الجوارح، فالإيمان اعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فلابد أن يكون عقد القلب كاملاً لا نقص فيه، كل نقص في عقد القلب يعد نقصاً في الإيمان، بخلاف عمل الجوارح، فهذا بقدر الاستطاعة: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] (أكره): عمل الجوارح.
مر رجل على قوم يعبدون الأصنام، فقالوا له: لن تمر حتى تقرب لإلهنا قرباناً، وإلا قتلناك، فقرب قرباناً لآلهتهم وهو كاره.. فهذا لا يضره شيء، لأن عقد القلب كامل، ولا يتصور نقصه في عقد القلب؛ لأن في مقابله نقص في الإيمان، والذي يحب الناس لمحبته واعتقاده فيهم إنما يحبهم بالهوى، ينبغي أن تكون محبته لله عز وجل، قد يسيء إليك أخوك ولكنك تحبه، لما فيه من الإيمان برغم إساءته لك، هذا هو الإيمان.
الإيمان اعتقاد بالقلب، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان) لماذا؟ لأنه لا يتصور الإكراه في عمل القلب، لأنك تستطيع أن تظهر غير ما تعتقد وأنت آمن؛ لأنه لا يشق عن قلبك، فلذلك جعل الإنكار باليد والإنكار باللسان بحسب الاستطاعة؛ لأنه ظاهر، أما القلب فلم يعذر فيه؛ لأنه لا يتصور عقد القلب إلا كاملاً، والنقص فيه يساوي النقص في الإيمان.
إذاً كلامنا على علامات المحبة حتى تعرف من توالي ومن تعادي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] فالذي لم يكن مؤتمناً على عبادة ربه كيف يولى منصباً؟!.
ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة حكاية عجيبة: أن الملك الصالح كان عنده مستشاراً نصرانياً، وكان هذا المستشار شجاً في حلوق المسلمين، كان يقرب النصارى ويبعد المسلمين، وفي يوم من الأيام جلس الملك الصالح مع هذا النصراني في مجلس، فتطرق الكلام إلى الكلام على النصارى واعتقاد النصارى، فالملك الصالح ذم النصارى، وذكر حكايات عن النصارى فقال: إنهم لا يحسنون الحساب، لأنهم جعلوا الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة! جسم الأب والابن والروح القدس إله واحد! فخطر على بال الملك الصالح أنه يفتش وراء هذا الرجل، فإذا كان خان الله في التوحيد فماذا يفعل في الخزينة؟! فأكتشف أنه يؤدي إلى السلطان ديناراً ويأخذ دينارين على مذهبه، فهم ثلاثة، خان الله عز وجل في التوحيد أفنجعله أميناً على الخزنة؟!! أميناً على الجباية!!
ومع أن الأدلة صريحة في القرآن، فأهم معنى بعد التوحيد ونبذ الشرك هو الولاء والبراء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:23-24] ، هذه الأشياء التي ذكرها الله عز وجل هي مدار حياة الناس كلها، هذه الأشياء هي التي يوالون عليها ويعادون، الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والتجارة والمساكن، هذه هي حياة الناس، قال الله عز وجل: فَتَرَبَّصُوا [التوبة:24]، (تربصوا): يعني انتظروا فاقرة، وانتظروا عقوبة تنزل بكم حتى يأتي الله بأمره، ثم فسقهم جميعاً.. فسق هؤلاء الذين يحبون هذه الأعراض على الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله عز وجل.
الصحابة الأوائل ضربوا أروع الأمثلة في عقيدة الولاء والبراء، فقد خرجوا من ديارهم وتركوا كل شيء جمعوه في حياتهم فداءً لله ورسوله، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا [الأنفال:72] آمن لكنه لم يهاجر، وكانت الهجرة علامة على الولاء لله عز وجل، فبرغم أنه مؤمن إلا أنه قال: (لا توالوهم حتى يهاجروا)، فالصحابة لما خرجوا من ديارهم وتركوا كل شيء، تركوا آباءهم وأبناءهم وأموالهم لله عز وجل، حتى إن بعض هؤلاء كان رجلاً كبيراً بلغ من الكبر عتياً، فوق الثمانين عاماً، ولكنه آمن وكره أن يعيش في برودة المجتمع الكافر، فخرج يقاوم سنه، ويقاوم قلبه وجوارحه، وخرج من مكة إلى المدينة ماشياً، فبينما هو في الطريق إذ أدركه الموت، فضرب كفاً بكف، وقال: اللهم هذه بيعتي لك، اللهم هذه بيعتي لنبيك، فأنزل الله عز وجل قوله: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] .
اعمل لله ومت حيث شئت أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا [المرسلات:25-26] أي: جمعناهم على ظهرها ونجمعهم في بطنها، فكن عبداً لله ومت حيث شئت، كن في جوف سبع، كن في جوف بحر، ستصل إلى الله عز وجل.
وها هو صهيب الرومي رضي الله عنه، وكان قد جمع مالاً طائلاً وخبأه تحت جدار، ثم خرج هارباً بالليل، فعلم به المشركون فخرجوا وراءه، فأدركوه في الطريق، فقالوا له: جئتنا صعلوكاً لا مال لك، ثم تريد أن تخرج بالمال. قال: أرأيتم إن أعطيتكم مالي تخلون بيني وبين وجهي؟ قالوا: أجل. قال: فإن المال في مكان كذا. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما حدث، قال له: (ربح البيع
عقد بيع ينتظر توقيعك فقط، المشتري مضمون، لا ينكث أبداً، عقد بيع ينتظر توقيعك أنت فقط، فهل توقع؟ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، لذلك قال له: (ربح البيع
وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان أبر الناس بأمه، حتى كان يضرب المثل ببره، فلما أسلم قالت: (لا آكل ولا أشرب حتى تكفر بدينك، لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه).
وظلت يومين أو ثلاثة لا تأكل، حتى كانوا إذا أرادوا أن يطعموها فتحوا فمها بالعصا، قال: فجئتها فقلت لها: (والله يا أمي! لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني، كلي أو دعي).. هذا هو الولاء والبراء، هذا هو الولاء لله عز وجل، كامل المحبة كامل الولاء، وولاؤك بقدر محبتك.
وذكر ابن هشام في سيرته أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ضرب ضرباً شديداً حتى كان يهذي، بسؤال واحد: ماذا فعل رسول الله؟ يسكتونه ويهدئون من روعه، وهو لا يكف عن هذا السؤال، حتى جاءت أم جميل بنت الخطاب وقد استدعوها: تعالي، طمئنيه، وهو لا يفتأ يقول: ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: هو بخير. قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم .
أيها المسلمون: لقد عجز كثير من المسلمين أن يكونوا مثل امرأة مسلمة، لما مات أبوها وأخوها وزوجها، ثم لا تأبه بكل ذلك وتقول: وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بخير. قالت: أريد أن أراه. فلما رأته قالت: كل المصائب بعدك جلل.. لا قيمة لها..!
عقيدة الولاء والبراء لأنها متصلة بالله مباشرة؛ حرص أعداؤنا على تمييعها وتضييعها، فظهرت مصطلحات الأخوة الإنسانية، حتى من بعض الذين ينسبون إلى الدعوة يقولون: إخواننا من النصارى، إخواننا الأقباط، هذا قدح في الإيمان، وقدح في عقيدة الولاء والبراء، لقد كفرهم الله عز وجل وهذا يقول: أخونا في الوطن، إخواننا النصارى أو إخواننا الأقباط..!! هذا حرام لا يجوز، لأن الله كفرهم، فلا يحل لمن كفره الله وأهانه أن تكرمه.
وإذا أردت أن تعرف عقيدة الولاء والبراء أنها ضاعت فاسمع التجار الذين يتعاملون مع المستوردين، وانظر إلى إكرام التجار لهؤلاء الكافرين، وكيف أنه لا يجلس على الكرسي إلا إذا أجلسه، ويتودد إليه، وأن هذا الكافر قد يعقد صفقة محرمة، وقد يفعل شيئاً أو قد يقول شيئاً محرماً، ثم يبتسم هذا المسلم، ولا يغضب لله عز وجل!
انظر أيضاً إلى الدرجات العلمية في الجامعات لما يأتي مستشرق، انظر إلى تكريمه في الجامعات! فضيلة المستشرق الفلاني، وقد جاء وهو عبقري وعلامة وفهامة... إلى آخر هذه الألفاظ.
جون بولكلتر الوجودي أول ما جاء هنا هو وعشيقته دخلوا الجامع الأزهر وأنا رأيته بعيني، وأنا في الأزهر ذات مرة كان هناك رجل فراش أعطوه خُمر، فأي واحدة متبرجة أجنبية تريد أن تتفرج وتدنس المسجد بقدميها -انظر الورع الكاذب والبارد!- يقول لها: البسي هذا الخمار .. طيب هي لابسة (شورت!) لبِّسها جلباب..! امرأة لابسة خمار وشورت في الجامع الأزهر!
فأنا داخل المسجد فوجدت هناك مجادلة بين المرأة والفراش، وهو يحاول أن يعطيها الخمار وهي ترفض، هل تعلم ماذا كانت النتيجة..؟ أخرجت جنيهاً من جيبها وأعطته في يده، فلم يلزمها بوضع .. وهذا يحصل في بيوت الله!
لماذا يدخل الكفار المسجد الأزهر؟ ما هي المصلحة؟ هل المسجد الأزهر أثر؟ أهو هرم؟ أهو أبو الهول؟ هذا بيت الله عز وجل، وبيت الله عز وجل لا يدخله كافر إلا إذا دخله ليسأل عن شيء، وفيه أحكام كثيرة، كما كان الكفار يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم، يدخل لأجل أن يسأل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له الغلبة، وكان له القهر والسلطان، فأي مشرك يدخل المسجد يدخل لعلة أو لمصلحة، لكن يدخل ليتفرج والمرأة متبرجة ويدخلون في مساجدنا؟!
الآن أنا أقرأ في الجرائد منذ سنة (1974م) مقالات لمستشار يقول فيها: إن اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين في الجنة، مستشار يكتب من سنة (74م) حتى الآن، وكتبها هذه السنة أيضاً أن المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والصابئين في الجنة كلهم.
ويسمح لمثل هذا أن يكتب، وينشر، ولو كان مضاداً لعقيدتنا التي تمتهن بحجة حرية التعبير وحرية الرأي.
المشاركة في أعياد الكافرين، وتسهيل المسألة، ولا تكن متزمتاً ولا تكن متعصباً، كل هذا ضرب لعقيدة الولاء والبراء في مقتل، وصار الذين يملئون ويعمرون أعياد الكافرين هم المسلمون، من الذي يملأ أعياد الكافرين يوم (شم النسيم) غير المسلمين، وبكل أسف أرى أصحاب لحى، وأرى صاحبات نقاب يتنزهون، وخرجوا يشمون الهواء، أقول في نفسي: هل غيب هؤلاء؟ هل نسي هؤلاء أنهم مصنفون كإرهابيين على كل الموائد الدولية؟ هل نسي هؤلاء هذا الأمر؟ هل نسي هؤلاء أن كل حرب تعقد في بلاد من بلاد العالم إنما هي عليهم..؟!
يخرجون يعمرون مشاهد الكافرين! ليلة رأس السنة من الذي يزني، ومن الذي يعاشر النساء ويشرب الخمر غير المسلمين؟! ويدفعون ألوف (الجنيهات) في الفنادق، والذي له واسطة يجد تذكرة دخول، من الذي يفعل ذلك غير المسلمين في ديار المسلمين؟! وهذا على مرأى ومسمع، ثم بعد كل ذلك يطلبون النصر من الله عز وجل.
إن بقاء هذه الأمة على وجه الأرض مع كل هذا الخبث معجزة، إننا نستدل على أننا سننتصر على عدونا ببقائنا، بقاؤنا مع كل المخالفات معجزة وآية من آيات الله عز وجل، نستدل بها أننا سننتصر، كل هذا ولم يخسف بنا.
إن الله تبارك وتعالى نهانا أن نسكن في مساكن الذين ظلموا، مع أن الأرض لله، والأرض لا تقدس أهلها، ولا تصبغ إلا بصبغة الساكنين عليها.
مكة -التي هي أحب البلاد إلى الله- كانت في يوم من الأيام دار كفر، وهي أحب البلاد إلى الله، إنما الدار بساكنيها. الآن الدار دار إسلام غداً تصير دار كفر، فالأرض لا علاقة لها بالكفر والإيمان، ومع ذلك نهانا أن نسكن في مساكن الذين ظلموا مع أن الأرض لله.. لماذا؟ هذا داخل في عقيدة الولاء والبراء، فكثرة مشاهدة آثار الذين ظلموا تؤثر على القلب، ويزعمون أنهم أتوا ليروا أبا الهول والأهرام..!
فكثرة مشاهدة آثار الظالمين يؤثر على عمل القلب، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على الحجر من ديار ثمود، أين ثمود من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ تفصله عنهم سنين طويلة، ومع ذلك أول ما مر على الحجر من ديار ثمود تقنع، واستحث الراحلة أن تسرع، وقال: (إذا مررتم بديار الذين ظلموا فأسرعوا؛ خشية أن يصيبكم ما أصابهم) ، وهؤلاء موتى لا يؤثرون، فكيف بالأحياء؟
إذاً يقول لك: إذا مررت على قبر ميت أسرع، وبعد ذلك تتعامل مع الكافر فهل هذا كلام معقول! وقد أمرك بالإسراع بجانب قبر الميت منهم، فيحرم عليك أن تجامع المشرك، قال صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشركين فهو منهم)، ألا يكفي هذا رادعاً؟ فيجب علينا أن نخرج العادات والتقاليد البالية التي أخذناها من بلاد الكفر كالتقاليد البالية في الأفراح.
بالأمس كان هناك فرح.. سبحان الله! هؤلاء الناس ليس عندهم حياء، المرأة متبرجة والديوث يتأبطها، والذي لا يشتري يتفرج، في الشارع! حتى قال مؤذن الفجر: الله أكبر.. فسكتوا وذهبوا ليناموا.
أليس هؤلاء أولى بالعقوبة؟! أليس هؤلاء أولى بالعقوبة شرعاً وعرفاً؟!
بعض الناس كانوا يشتكون من المحاضرات المعلنة في المساجد، وذات مرة نزل أحدهم ممن لم يصل الفجر في المسجد، ونسي القائمون على المسجد أن يطفئوا (الميكرفونات) الخارجية، وكنت أقول تذكرة عشر دقائق، فتطوع هذا ونزل من بيته ودخل على المسجد كأنه كتلة نار، وقال: هناك أناس نائمون، وهناك طلبة يذاكرون.. واستدار. وأنا أكمل الجملة، قلت: أكملها في دقيقة، فهو قال هاتين الكلمتين واستدار ذاهباً إلى باب المسجد، وبينما أنا أكمل الجملة استدار وشتم وخرج.. فهل يستطيع هذا إذا كان الفرح تحت بيته أن يتكلم؟ لا يستطيع، ولا ينصره لا عرف ولا سلطان.
فهذه أمثلة! وفي سنة ثمانية وسبعين حين كان أحدهم وزيراً للأوقاف، ساكنو حي المهندسين اشتكوا من الأذان في (الميكرفونات) وقالوا: إن الأذان يزعجنا، وصدر قرار بإغلاق الميكرفونات العلنية في حي المهندسين، وقامت وقتها ضجة وثورة، وتكلم الدعاة عليها كلاماً طويلاً، وقالوا: الأذان لا يزعج أحداً، بل المريض وهو يتقلب في مرضه إذا سمع (الله أكبر) قال: رب أنت أكبر من المرض، فعافني، إذا سمع الله أكبر استبشر؛ لأنه لا ناصر له إلا الله في هذه الحالة، فهل تقوم تحرمه أن يسمع الأذان، وتقول الأذان يزعج! لا يزعج إلا البطالين الكسالى الذين شربوا الخمر إلى الأذان ثم يريدون أن يناموا.
إذاً عقيدة الولاء والبراء هي والإيمان بالله لا ينفصمان، إذا وجد أحدهما وجد الآخر، وإذا رحل أحدهما رحل الآخر.
وأيضاً -لخطورة عقيدة الولاء والبراء؛ ولأنها أخطر وأطول في الكلام من علامات المحبة- سنذكر أيضاً ضوابطها وعلاماتها، وأن بعض الصور تخرج من مسألة الولاء والبراء مثل المبايعة مع الكافر: أن تتعامل مع الكافر في البيع والشراء.. هذه الأفعال غير داخلة في عقيدة الولاء والبراء إلا إذا انضاف إليها أشياء، وسنذكر كل شيء بضوابطه.
نسأل الله عز وجل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولاتسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.