خطب ومحاضرات
للذين استجابوا
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد خلقنا الله عز وجل لعبادته.. لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا هملاً، قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16]، وقال سبحانه: ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27]، وقال جل جلاله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85]، وقال عز وجل: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:17-18] وقال جل وعلا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].
لم يخلقنا ربنا ليتكثر بنا من قلة، ولا ليتعزز بنا من ذلة، ولكن خلقنا وأوجدنا لرسالة سامية، ولغاية نبيلة، ولهدفٍ جليل بيَّنه الله في كتابه، وقال فيه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
خلقنا وأمرنا بطاعته، وبين لنا أن سبيل السعادة والفوز في الدنيا والآخرة هو سبيل الطاعة، فقال عز وجل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، وقال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71]، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].
خلقنا الله لعبادته وطاعته ونهانا عن معصيته، ومخالفة أمره، والتمرد على شرعه ودينه، وتوعدنا إن نحن عصيناه بالنار، وأخبرنا أننا لا نستطيع أن نفلت من قبضته، ولن يمنعنا منه أحد، فإنه يمنع من كل شيء، ولا يُمنع منه شيء وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا [هود:102-108] نسأل الله بفضله أن يجعلنا من الذين سعدوا بطاعة الله، سعدوا، وبالاستجابة لأوامره، وبالسير على منهجه؛ فكان جزاؤهم: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [هود:108-109].
أما من يضل وينحرف ويرفض السير على الطريق المستقيم؛ فلا تحزن عليه، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127]، ويقول رب العزة والجلال: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8]، فإنهم مراقبون وتحت الرصد الرباني، وسوف يُقبض عليهم، ولن يفلتوا من قبضة الله. وهناك وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [هود:109].
نهى الله عن معصيته.. فهو لا يحب أن يعصى، يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وهو ينقل أثراً قُدسياً، يقول الله عز وجل: (إني إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإني إذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد) غضب الله لا يقوم له شيء.
ففي يوم القيامة حين يدمر الله هذا الكون ويغير معالمه من أجل فصل القضاء بين العباد يقول الله: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار:1-4] ويقول سبحانه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير:1-2]، ويقول عز وجل: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1].
هذه العوالم كلها تتغير عن طبيعتها، ويُبعث من في القبور يقولون: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا [يس:52] أي: من أيقظنا من رقدتنا الطويلة هذه؟ فيقول أهل الإيمان: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:52-53].
في تلك اللحظات يبلغ الكرب مبلغه بالناس، والشمس تدنو من الرءوس حتى تغلي منها أدمغة العباد كما يغلي اللحم في القدور، وليست هناك عمارات ولا سيارات ولا مظلات، إلا مظلة واحدة: مظلة الرحمن يظل بها سبعة فئات، سبعة أصناف من الأمة، والبقية في عرصات القيامة؛ الشمس تصهرهم صهراً، وتغلي منها أدمغتهم، ويسيل منهم العرق حتى يلجمهم العرق إلجاماً، والناس في كربٍ عظيم، واليوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة.
أنت إذا وقفت في طابور تنتظر إجراء معاملة، أو قطع تذكرة، وقفت عشر دقائق، أو ربع ساعة، أو نصف ساعة أو أكثر تعجز، لكن في يوم القيامة تقف خمسين ألف سنة، وكيف يكون هذا الوقوف؟
يقول الله عز وجل عن هذا الوقوف: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].
الظلم كلمة عامة يحملها الناس على محمل ونوع واحد، لكن الظلم ثلاثة أصناف: ظلم العبد لربه، وظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره.
ظلم العبد لربه
لا تفعل كما يفعل بعض الناس في غير هذه البلاد.. يطوف بالقبر، ويزور الولي، ويقدم له النذور والقربات، ويقول: يا سيد العارفين -ومعلوم أن العارف لا يُعرَّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب- أنت تعلم ما في نفسي. -يقول هذا لصاحب القبر الذي لا يعلم شيئاً كأنما يخاطب الله سبحانه وتعالى.
هذا شرك أكبر مخرج من الملة.. لا ينفع معه صوم ولا حج ولا صلاة ولا عبادة؛ لأن الله يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] الشرك عظيم ولا يغفره الله.. شرك الدعاء والرجاء والاستعانة والاستغاثة والتوكل والنذر والذبح، وأي نوع من أنواع العبادة لا تصرف إلا لله، يقول الله عز وجل للقبوريين الذين يطوفون بالقبور، ويقدمون لها النذور ويعبدونها من دون الله، يقول الله لهم: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] فالظلم: أن تصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله.
ظلم العبد لنفسه
وقد تقول كيف ظلمت نفسي؟ أقول لك: إن هذه الجوارح التي هي ملك يمينك، وفي قبضتك، ورهن طاعتك؛ في يوم القيامة تشهد عليك، يقول الله عز وجل: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19] عجيبةٌ هذه الكلمة! فهي تهز نياط القلوب، تأمل كيف يصف الله هؤلاء الناس بأنهم أعداؤه! ومن كان عدواً لله فويل له ثم ويل له من عداوة الله، من ينصره على الله، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء؟ خلقك، ورزقك، ودبَّرك، ثم كلَّفك، ثم أمهلك، ثم هو يدعوك ليقبضك، فكيف ترد عليه وهو عدوك؟ إذا وردت على عدو قادر عليك فكيف يكون وضعك؟! قال الله: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19] أي: يجمع أولهم على آخرهم، كما تجمع الغنم إذا أدخلتها في زريبتها.
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ [فصلت:20] أذنك التي تَسرها بالأغاني تشهد عليك يوم القيامة، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ [فصلت:20] عينك هذه التي تمتعها بالنظر إلى الجميلات.. تعذبك يوم القيامة وتكون ضدك وَجُلُودُهُمْ [فصلت:20] يعني: تشهد عليك جميع جوارحك بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:20].
فيستغرب أعداء الله في هذا الموقف، ويستنكرون هذا التصرف من جوارحهم، ويقولون لها: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا [فصلت:21]، نحن مارسنا الذنوب، وسرنا في المعاصي من أجلكم، ومن أجل تلبية رغباتكم.. سمعت الغناء لأمتعك أيتها الأذن! ونظرتُ إلى الحرام لأمتعك أيتها العين، وسرت في الزنا لأمتعك أيها الفرج! فلم شهدتم علينا؟ والجوارح مأمورة لا تملك شيئاً، فمن أنطق هذه اللحمة ينطق هذه الشحمة، قال عز وجل: قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] لا نملك من أمرنا شيئاً، أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ [فصلت:21-22] أي: ما كنتم تستطيعون أن تمارسوا العظائم والذنوب والمعاصي مستترين عن جوارحكم.. هل يستطيع الإنسان أن يعصي وينظر إلى الحرام بغير عينه؟ لا. وهل يسمع الحرام بغير أذنه؟ لا. هل يستطيع أن يعصي بجسم آخر؟ لا. فهم شهود عدول حضروا الواقعة ليس فيهم جرح أبداً وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:22] هذا هو السبب.
غابت عنكم مراقبة الله وكنتم تستخفون من الناس ولا تستخفون من الله، تخجلون من الناس ولا تخجلون من الله، إن الزاني إذا انفرد بالزانية ثم علم أن هناك طفلاً عمره سنتان ينظر إليه لا تجرأ على الزنا.. يستحي ويخاف من مخلوق وينسى الله ونظره إليه، وظن بالله أنه لا يعلم بحاله وأفعاله، قال الله: وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ [فصلت:22-23] هذه العقيدة الفاسدة، وهذا التصور الممسوخ.. أنك لست تحت رقابة إلهية وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:23-24] ظلمك لنفسك أن توردها المعاصي، فلا تظلم نفسك بل انجُ بنفسك، وتذكر أن عينك اليوم هي عينك لكنها غداً عدوك، وأذنك اليوم هي أذنك ولكنها غداً تبرز هناك تشهد عليك وتكون عدوك.
هل الأسلم لك أن تنجو بنفسك من عذاب الله، أو أن تستمر كالدابة التي تساق إلى حتفها بظلفها وهي لا تدري؟
تهلك نفسك بسماع الغناء، والنظر إلى الحرام وأكله، والبطش بالحرام والسعي إليه، وترك الطاعات، ثم تندم ولكن حين لا ينفع الندم.
هذا هو الظلم الثاني.
ظلم العبد لغيره
فلا تظلم زوجتك فتوردها موارد الهلكة فتوفر لها المعاصي والذنوب.. لا تظلمها فتأمرها بالتبرج والتكشف والخروج بلا حجاب على غير محارمها.. لا تظلمها فتمارس عليها ضغوطاً نفسية وقهرية؛ لأنك في مركز قويٍ.
بعض الناس يقول أنا رجل وهذه امرأتي، وماذا في ذلك؟ فيعاملها معاملة الدواب!!
كيف والله يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] وهذه الدرجة هي القوامة والمسئولية، أما الحقوق فمتساوية كل بحسبه، لكن الزوجة في نظر الدين شريك، ولا بد لكل شركة من مدير، هل سمعتم بأن شركة لها مديران؟ ستخرب الشركة مباشرة.
فالبيت والحياة الزوجية شركة ولا بد لها من مسئول! ومن المسئول فيها؟ الرجل أو المرأة؟ إن الله عز وجل أعطى المسئولية للرجل، ليس تفضيلاً ولا تكريماً ولا استبزازاً ولا تسلطاً، فقد تكون المرأة أفضل عند الله من الرجل بألف درجة، لكن زيادة عهدة وتكليف، قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[النساء:34] فهذا تفضيل في أصل التكوين، فالرجل قوي شجاع يواجه الصعاب، وهذه كلها مميزات يجب أن تكون في القائد والمسئول، ثم وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء:34] والرجل يدفع المهر والنفقات.
أما الحقوق والواجبات فلها حقوق وعليها حقوق، فلا تظلمها انتبه! لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله؛ لأن بعض الناس كالدجاجة والفأر في جميع ميادين الحياة، أما أمام زوجته فإنه أسد، إذا دخل يستعمل كافة الصلاحيات أمام الضعيف، فيضربها، وينهرها، ويزجرها، ويمارس معها كل أساليب الضغط؛ لأن الناس خارج البيت يضغطون عليه، ولا قدرة له عليهم، فيولد انفجاراته على هذه الضعيفة ، وهي مسكينة ما عندها حول ولا طول، فماذا تصنع؟ تدعو الله عليه، فينصرها الله ولو بعد حين، فلا تظلم زوجتك، ولا أولادك، ولا جارك، ولا أباك بمعصيته، ولا أمك بعصيانك لها، ولا أي مسلم أبداً.
هذا في محيطك الأسري، وفي محيطك العملي أيضاً أنت مسئول، ولو كنت كاتب استيراد وتصدير، لا بد أن تكون عادلاً لا تظلم، وإذا كنت مسئولاً مسئولية أكبر لا تظلم، كما لو كنت رئيس قسم، انتبه! عندك موظفون في القسم، يجب أن تكون عادلاً بينهم، في توزيع العمل، وإتاحة الفرص، والترقية، والدورة أو البعثة أو الانتداب أو أي شيء، كن عادلاً، لا تحب شخصاً دون غيره، لا تحب زميل اللهو واللعب وتكره زميل المسجد والطاعة، تقول: هذا (مطوع)، والله لا يذهب في دورة ولا بعثة ولا يأخذ ترقية؛ هذا مُعقد!
هذا سيعطيه الله حقه كاملاًً من ظهرك يوم القيامة، وإذا كنت مدير إدارة أيضاً فلا تظلم، وإذا كنت ضابطاً عندك جنود لا تظلمهم.
أي موقع أنت فيه فاتق الله فيه؛ لأن الظلم ظلمات، والله يقول في الحديث القدسي في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه -وهو صحيح-: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
ما أعده الله للظالمين من عذاب أليم
نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ [إبراهيم:44] لكن انتهت فرصة هذا التافه، قال الله عز وجل: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:44-48] هذا الشاهد من الآيات: تبدل الأرض غير الأرض والسماوات تبدل غير السماوات وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ [إبراهيم:48-49] في السلاسل والأغلال، يقرنون كما تقرن البقر في الأضماد: كل اثنين، كل ثلاثة، كل عشرة مقرنون، ليزداد عليهم النكال والعذاب.
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:50-52].
أهمية الاستجابة لله قبل فوات الأوان
فالحياة الصحيحة عندما تستجيب لله، يقول الله عز وجل: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [فاطر:19] الأعمى أي: الكافر الفاجر، والبصير يعني: المؤمن الطائع، وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ [فاطر:20] الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ [فاطر:21] الحرور: الكفر، والظل: الإيمان، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ [فاطر:22] الأحياء: أهل الإيمان، والأموات: أهل الكفر والنفاق والمعاصي، ثم قال: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر:22-23].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].
يا رب! ما جزاء من يستجيب؟ وما عقوبة من لا يستجيب؟ هذا ما سنذكره في الخطبة الثانية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
ظلم العبد لربه بأن يشرك به؛ لأن الله يقول: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ومعناه هنا: أن تجعل العبادة لغير ربك الذي خلقك، أو أن تصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، أو أن تجعل لله نداً وهو خلقك، أو أن تخاف، أو أن ترجو، أو أن تدعو، أو تستغيث، أو تلجأ، أو تقدم نوعاً من أنواع العبادة من ذبحٍ أو قربى لغير الله، هذا كله شرك حتى لو كان لنبي أو ولي أو ملك.
لا تفعل كما يفعل بعض الناس في غير هذه البلاد.. يطوف بالقبر، ويزور الولي، ويقدم له النذور والقربات، ويقول: يا سيد العارفين -ومعلوم أن العارف لا يُعرَّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب- أنت تعلم ما في نفسي. -يقول هذا لصاحب القبر الذي لا يعلم شيئاً كأنما يخاطب الله سبحانه وتعالى.
هذا شرك أكبر مخرج من الملة.. لا ينفع معه صوم ولا حج ولا صلاة ولا عبادة؛ لأن الله يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] الشرك عظيم ولا يغفره الله.. شرك الدعاء والرجاء والاستعانة والاستغاثة والتوكل والنذر والذبح، وأي نوع من أنواع العبادة لا تصرف إلا لله، يقول الله عز وجل للقبوريين الذين يطوفون بالقبور، ويقدمون لها النذور ويعبدونها من دون الله، يقول الله لهم: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] فالظلم: أن تصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله.
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2930 استماع |
كيف تنال محبة الله؟ | 2929 استماع |
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً | 2805 استماع |
أمن وإيمان | 2678 استماع |
حال الناس في القبور | 2676 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2605 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2572 استماع |
النهر الجاري | 2478 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2468 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2403 استماع |