خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34167"> شرح العقيدة التدمرية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة التدمرية [24]
الحلقة مفرغة
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ ورأس الإسلام مطلقاً شهادة أن لا إله إلا الله، وبها بعث الله جميع الرسل، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال عن الخليل: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28]، وقال تعالى عنه: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:75-77]، وقال تعالى : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [الممتحنة:4]، وقال: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، وذكر عن رسله: كنوح وهود وصالح.. وغيرهم أنهم قالوا لقومهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وقال عن أهل الكهف: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [الكهف:13-14] إلى قوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الكهف:15]، وقد قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ذكر ذلك في موضعين من كتابه ].
في هذا المقطع بين الشيخ رحمه الله أصولاً عظيمة، ومباني كبيرة من مباني الدين، بل هي أصول الدين الكبرى التي ينبني عليها أصل الدين كله، سواء ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أو ما بعث به جميع النبيين، وهو أنه يقوم على شهادة أن لا إله إلا الله، ثم بعد الإسلام: شهادة أن محمداً رسول الله، وقبل الإسلام الشهادة لكل نبي بأنه هو النبي المرسل، وركني الشهادة أو ركني التوحيد أو ركني العبادة: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فهذه أصول عامة في كل دين منذ آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة، بعث بها كل رسول وكل نبي وكل مصلح وكل داعية وكل مسلم يجب أن يعتقد ذلك، سواء من المسلمين بمعنى: الإسلام الاصطلاحي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، أو المسلمين الذين كانوا أتباع الأنبياء كلهم، فلابد أن يكون دينهم على ذلك، ثم أيضاً في هذه النصوص القطعية إشارة قاطعة إلى أن أصل الدخول في الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن من لم يقل ذلك أو يشهد به فليس بمسلم، وهذا يعطي القاعدة القطعية بأن من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر، وهذه من القطعيات والثوابت التي بدأت تنهش أو تزعزع من قبل كثير من المفتونين، ولا أقصد مجرد الزنادقة وأهل الضلال، لكن المفتونين من جهلة أبناء المسلمين، ومن الذين بدأت الآن تغزوهم الأفكار الضالة عبر الوسائل الكثيرة، والذين لم يكن عندهم يقين بأن غير المسلم كافر، بل ربما بعضهم قد يكون كافراً خالصاً، والكفار على نوعين:
هناك كفار خلص ينتمون إلى ديانات، وأمرهم بين وواضح مثل اليهودي والنصراني، وكذلك كل من ينتمي إلى ديانة غير الإسلام، فهو كافر أصلاً، لكن هناك أناس يدعون أنهم لا يتبعون ديانات، لكنهم قد يقرون بالنبوات على وجه العموم، وقد يقرون بأن الإسلام حق على وجه العموم، لكنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهؤلاء أيضاً يشكك في أمرهم كثير من الناس، مع أنهم يدخلون في الكفار الخلص؛ لأن كل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر خالص، سواء تسمى بدينه أو لم يتسمَ بدينه، والعكس كذلك، فكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فالأصل فيه الإسلام، ولا يجوز إخراجه من الملة إلا بعد إقامة الحجة عليه، وتطبيق شروط وضوابط التكفير، وانتفاء الموانع مهما بلغ فعله.
إذاً: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هي الفاصل القاطع الذي لا مساومة فيه ولا تنازل، وعليه فلا يجوز لأحد أن يتطرق إليه شك في هذه القاعدة، فمن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أياً كان مذهبه فهو الكافر الخالص، ونسميه كافراً، ومن الضعف أحياناً أن نعبر بتعبيرات فيها هروب من إثبات الحق، كأن لا نطلق الكفر على الكافر الذي سماه الله بذلك، لكن عند مداراة أمر آخر، كأن يخاف الإنسان أو يكون مكرهاً فلا بأس عند ذلك، لكن عندما نعبر عن حقائق ديننا، أو عندما نعلم العقيدة، أو عندما نشرح لأبنائنا العقيدة ونعلمهم، فلابد أن نعلمهم على هذا الأساس؛ لأن البشر ينقسمون إلى مؤمن وكافر فقط.
فالمسلم من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والكافر من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، سواء سمي يهودياً أو نصرانياً أو وثنياً أو ملحداً أو مجوسياً أو بوذياً، أو أي اسم كان، فهو كافر خالص.
وتجدون هذه المعاني في جميع الآيات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى، قال تعالى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، هي: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، هي: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:26-27]، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:77]، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً [الزخرف:45].. إلى آخر هذه الآيات التي تجد فيها الأمر بعبادة الله واجتناب الطاغوت، لكن بسياق يختلف، مع وحدة ووضوح وقطعية المضامين.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد بين في كتابه الشرك بالملائكة, والشرك بالأنبياء, والشرك بالكواكب, والشرك بالأصنام، وأصل الشرك الشرك بالشيطان ].
ذكر المصنف هنا ستة أنواع من الشرك، وهذه الأنواع يندرج فيها جميع أنواع الشرك، فالنوع الأول وهو الأخير في كلام المؤلف، وهو أصل الشرك وأساسه ومنطلقه: الشرك بالشيطان، سواء بعبادته أو طاعته، وهذا هو أصل أنواع الشرك الأخرى: الشرك بالملائكة، والشرك بالأنبياء، والشرك بالكواكب، والشرك بالأصنام، كما أن هذه الأنواع من أنواع الشرك أيضاً لها تقسيمات أخرى، فمثلاً: الشرك بالملائكة والأنبياء بدعوى أنهم صالحون، وبدعوى أنهم يشفعون عند الله، وهذه كانت ذريعة الشرك الأول، ثم عبدتهم أجيال وأمم -أحياناً- وهي لا تدري لماذا عبدتهم؟ لكن أصل إشراك هؤلاء بالملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هو أن الشيطان أوهمهم بأن هؤلاء أقرب منهم إلى الله، وأنهم يشفعون لهم عند الله عز وجل، فأشركوا بهم، ثم تمادت وتجارت بهم الأهواء حتى جاءت أجيال من هؤلاء يعبدون الملائكة والأنبياء، وهم لا يدرون لماذا يعبدونهم؟
أما النوع الآخر فهو الشرك بالله عز وجل من خلال مظاهر معينة، إما مظاهر العظمة أو الخوف أو الرغبة أو الرهبة، كالشرك بالكواكب، والشرك بالأصنام، فمنها ما هو ذريعة فلسفية إلى الشرك بالله، فمن ذلك: أنهم يزعمون أن الكواكب حلت فيها أرواح إلهية، أو أنها حلت فيها الملائكة، أو أنها تتضمن أرواحاً مقدسة، أو أن لها التصرف بالكون.
وكذلك الأصنام، سواء كانت أصناماً أو أوثاناً، أو أصناماً هي أحياناً حيوانات.. ونحوها، فكلها تسمى أصناماً، فيدخل في هذا الشرك بالشمس والقمر، والسجود للشمس والقمر والنجوم.. وغيرها، فهو شرك بالله عز وجل، سواء خافوا منها، أو رغبوا فيها، أو زعموا أنها حلت فيها أرواح تستحق التقديس، أو أنها أيضاً حلت فيها الإلهية، أو أن لها تصرفاً في الكون تستحق به العبادة، أو أن لها نفعاً.
فمثلاً: الذين عبدوا البقر فلسفتهم في هذا تنبع من أن البقر هي أنفع الحيوانات، يعني: أن الشيطان وسوس للناس حتى أوصلهم إلى الشرك.
وهناك عباد للشيطان يوجدون إلى اليوم، وهم مع الأسف مذهب من المذاهب التي تنسب إلى المسلمين، والغربيون الآن يصنفون عباد الشيطان على أنهم من ضمن فئة المسلمين في العراق، ويحاولون أيضاً أن يعطونهم كياناً، بل الآن كل شذاذ الديانات وشذاذ المذاهب في العراق تحاول قوى الكفر والاحتلال أن تنفخ فيهم حتى تكون لهم كيانات لتضرب بهم السنة، وليس فقط الإسلام، فهناك نوع من رفع الشعارات الإسلامية تؤيده أمريكا وأوروبا، ومعلوم هذا ما هو، لكنهم يريدون قمع السنة؛ لأن السنة هي الإسلام الحق الذي يخافون منه ويرهبونه.
وعلى أي حال هذا من فضول الأمور، ومن الترف الذي غالبه أقرب إلى الإثم؛ لأن الشرك كله عقوبته في الدنيا والآخرة واحدة، لكن كون بعضهم أشد عذاباً من بعض، فقد ذكر الله عز وجل عنهم بأنهم يتحاجون في النار، ولا نقف عند هذا الحد؛ لأنه ليس لنا شأن في العبادة، فالله يتولاهم، وأيضاً عندما نصنف الشرك تصنيفاً موضوعياً -لا من حيث موقفنا منه- لاشك أنه يتفاوت، فالشرك الأكبر يتفاوت، كما أن الشرك بمعناه العام يتفاوت، فهناك شرك أصغر لا يخرج الإنسان من الملة، كيسير الرياء، والتعلق القلبي ببعض الأمور التي لا يشرع التعلق بها، لكن الشرك الأكبر حكمه واحد.
أما كونه أنواعاً ودرجات فهذا معلوم عند جميع العقلاء، لكن درجات وشعب في حكمها، أما في الآخرة فلا فرق، فكلهم من أهل النار المخلدون، نسأل الله العافية.
قال رحمه الله تعالى: [ فقال عن النصارى : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]، وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:116-117]، وقال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] إلى قوله: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، فبين أن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً كفر ].
قال رحمه الله تعالى: [ ومعلوم أن أحداً من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان والمسيح ابن مريم شاركوا الله في خلق السماوات والأرض، بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهاً مساوياً لله في جميع صفاته، بل عامة المشركين بالله مقرون بأنه ليس شريكه مثله، بل عامتهم يقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكاً أو نبياً أو كوكباً أو صنماً، كما كان مشركو العرب يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فقال: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والآراء والديانات، فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات، ولا مماثل له في جميع الصفات، بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن النور خلق الخير, والظلمة خلقت الشر، ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين: أحدهما: أنها محدثة، فتكون من جملة المخلوقات له.
والثاني: أنها قديمة، لكنها لم تفعل إلا الشر، فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور ].
هذه كلها مقالات للمجوس وبعض الديانات الشرقية، وهي مقالات لا تعني أنهم يعتقدون التساوي بين ربين أو بين إلهين، وهذه يبدو لي أنها من الحقائق البدهية، فلا أحد حتى الذين قد لا يتعمقون في التفلسف في عبادة غير الله عز وجل، يعني: المشركين الخلص الذين انبنت شركياتهم على مناهج وأديان تتبع هؤلاء عندهم تفلسف واضح، وعندهم أصول وقواعد للشرك، لكن حتى الأمم التي تشرك عن سذاجة، ككثير من الشعوب في آسيا وإفريقيا.. وغيرها لا تعتقد أن ما تعبده يساوي الله الخالق الأكبر الأعظم، بل لا تتصوره أصلاً؛ لأنه لا يتصور عند التحقق والتفكير -سواء كان تفكيراً سطحياً أو عميقاً- أن أحداً يعتقد أو يمكن أن يعتقد بتساوي إلهين أو ربين، وإن وجد هذا في بعض جوانب الإلهية فلا يمكن أن يوجد في بعض جوانب الربوبية، أعني: أن التساوي في العبادة قد يوجد عند بعض المشركين، لكن في الربوبية لا، وهذه حقيقة ينبني عليها أو يتفرع عنها كلام سيقوله شيخ الإسلام في بقية الفقرات التالية.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن المشركين من إقرارهم بأن الله خالق المخلوقات ما بينه في كتابه، فقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر:38]، وقال تعالى: قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89] إلى قوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91]، وقال تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].
وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى (التوحيد)، فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع، فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له, وواحد في صفاته لا شبيه له, وواحد في أفعاله لا شريك له ].
هذه الأنواع عندهم ترجع إلى قسمي التوحيد، ويغفلون القسم الثالث الذي هو المطلوب من العباد، والذي هو مقتضى بعث الأنبياء والرسل، ومقتضى ما أمر الله به من تحقيق رضاه عز وجل، ومقتضى الفوز بالجنة، ألا وهو توحيد الإلهية، فلا يدخل عندهم في أنواع التوحيد، بل لا يعرفونه ولا يتكلمون فيه، فهم قد دمجوا بين الربوبية والأسماء والصفات، وليس في ذلك ضير، فتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات بينهما خصوص وعموم كثير، فتوحيد الربوبية داخل في الأسماء والصفات، وكذلك العكس، لكن التوحيد الذي هو المطلوب من العباد، والذي بعث الله به الرسل، والذي عليه الخصام بين الأنبياء وأعدائهم، والذي هو التمييز بين الحق والباطل، والذي يتعلق به ما يرضي الله عز وجل، هو توحيد العبادة، ولذلك هذه الآيات التي ذكرها المصنف كلها في تقييد وبيان أن هذه الأمم الضالة المشركة كلهم يقرون بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، والله عز وجل قد عاتبهم على ذلك، لأنه ما دام أنهم يقرون بأن الله عز وجل خلق السماوات والأرض، فلماذا يدعون غير الله؟ وهل هذه المدعوات من دون الله تكشف لهم الضر، أو تجلب لهم النفع؟ سيقولون: لا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الموحدين أن يقولوا: حسبنا الله، وألا يتوكلوا إلا على الله، بمعنى: لابد من تحقق العبادة له سبحانه، وأيضاً حينما يسأل هؤلاء: لمن الأرض ومن فيها؟ كلهم سيقولون: لله، حتى من يعتقد أن هناك آلهة تدبر شيئاً من الكون يرون أن هذه الآية كلها تحت تدبير الله.
إذاً: الله عز وجل نبههم إلى أن يستعملوا عقولهم وأذهانهم، ولذلك جعل صرف أذهانهم وعقولهم وعواطفهم ومشاعرهم عن هذه الحقيقة كالسحر الذي يقلب الحقائق، فقال: (فأنى تسحرون) ما دام أنكم اعترفتم بهذه المعاني كلها، فاعترفتم بأن الله عز وجل رب السماوات والأرض، وأنه رب العرش العظيم، وأن بيده ملكوت كل شيء، وأنه يجير ولا يجار عليه سبحانه، فما الذي سحركم عن هذه الحقيقة؟ وما الذي سحركم عن العبادة؟ وما الذي سحركم عن الألوهية الحقيقية؟ وما الذي سحركم عن إفراد التوحيد لله سبحانه؟
ولذلك جاء تقرير الحق بمجرد السؤال فقط، فقال: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:89]، ولم يزد على ذلك شيئاً؛ لأن هذه حقيقة بدهية، ويكفي أن أكثر الخطاب ينبه عقولهم وفطرهم ومشاعرهم وعواطفهم إلى هذه الحقيقة، وليس هناك داع بأن يقول: لماذا تسحرون عن هذا الحق الذي هو كذا وكذا؟ يعني: أن المسألة هذه غير طبيعية، فأنتم قلبتم المفاهيم وعكستم المطلوب، وكذلك بقية الآيات، وهي كثيرة في كتاب الله عز وجل.
والدخول في هذا يحتاج إلى شيء من المقدمة، ولعلي إن شاء الله أبدأ فيه في الأسبوع القادم، والمهم أن هذه الأنواع -أنواع التوحيد- هي الأنواع التي يقررها الفلاسفة والملاحدة وكثير ممن انحرف من الأمم الضالة نحو النزعات العقلية والفلسفية، ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية يعتب على أهل الكلام فيقول: أنتم ما أتيتم بجديد، فحينما قسمتم التوحيد إلى هذه الأقسام ما قررتم حقاً ولا أبطلتم باطلاً؛ لأن هذا الذي جئتم به هو الذي يعترف به جميع الناس وجميع العقلاء، وحصر التوحيد في هذه الأقسام الثلاثة خطأ فادح، وقولهم بهذه الأنواع لا يخرج عن أنهم يدورون على توحيد الربوبية فقط، أما التوحيد المطلوب فلم يعرجوا، عليه ولا يدخل عندهم في أقسام التوحيد، ولذلك ضلوا في جانب التوحيد، بل حتى في توحيد الأسماء والصفات كما سيأتي؛ لأنهم إنما قرروا هذه الأقسام على هذا النحو، فأجملوا إجمالاً، فدخل فيه الحق والباطل كما سيأتي تفصيله إن شاء الله في الدرس القادم، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
بيان ما يجب لله من حيث الإجمال ثم التفصيل، والفرق بين أفعال الله وصفاته
الجواب: ما يتعلق بترتيب ما يجب في حق الله عز وجل من حيث الخصوص ثم العموم، أو من حيث الإجمال ثم التفصيل، أولاً: يجب إثبات ذات الله عز وجل المعبر عنه بإثبات الوجود؛ لأنه لا يتصور عقلاً أن يكون هناك موجود بلا أسماء وصفات على الإطلاق؛ لأنه بمجرد إثبات الوجود لابد من إثبات الذات، ثم الأسماء والصفات، أما الأفعال والأخبار فإنها من مستلزمات ذات الأسماء والصفات من جهة العموم، أما على جهة التفصيل فإن أفعال الله عز وجل لابد من إثباتها تفصيلاً، أي: بمفرداتها، بحسب ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأنها أخبار تفصيلية، ومعلوم أن الإثبات على نوعين: إثبات إجمالي يقتضيه العقل والفطرة، وتقتضيه الدلائل والشواهد وهو إثبات وجود الله عز وجل، وأيضاً وجود المخلوقات، والفرق بين الموجودين، أو ضرورة إثبات الكمال لله عز وجل للخالق، والإقرار بالنقص للمخلوقات؛ لأنه ما من مخلوق يتصور كماله إلا وكماله محدود ومقيد بالحاجة والفناء والافتقار، والغنى المطلق لا يكون إلا لله عز وجل.
وأيضاً مما تقر به العقول والفطر السليمة أنه لا يمكن أن يكون وجود بلا صفات، أو بلا أسماء وصفات.
ثانياً: التفصيل في هذا كله، إذ التفصيل موقوف على الكتاب والسنة، وعلى خبر الغيب الذي لا يكون إلا بالوحي المعصوم؛ لأنه يستحيل لجميع العقول والقدرات البشرية والفطر أن تدرك الغيب، ويستحيل عليها أيضاً أن تحيط بالكثير مما ورد من التفاصيل في الكتاب والسنة في حق الله عز وجل، في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
أما الإجماليات -فكما قلت- فلا يكمل بها دين ولا يستقيم بها أمر، ولا يتحقق بها رضا الله عز وجل، ولا يتحقق بها حق الله على ما يرضيه سبحانه، فكان لابد من الشرع، ولابد من الوحي المعصوم الذي يكون به إثبات.
وأما الفرق بين الصفات الفعلية والأفعال لله فهو أنه فيما يتعلق بالله عز وجل لا فرق، وأما فيما يتعلق بالمفهوم العام فقد تكون هناك بعض الفروق، لكن لا يهم هذا هنا؛ لأن الأفعال أحياناً تكون مختلطة بالأخبار، فلا يلزم منها إثبات الصفات؛ لأنه إذا قلنا: صفات فعلية، فهذا يعني: تقييد الصفات لكونها فعلية، وأيضاً بتقييد الأفعال لكونها صفات؛ لأن الوصف العام قد يكون مما ترد به الأخبار، لكن لا نستطيع أن نثبته كصفات أو يكون فيه الخلاف.
وضربت لهذا بأمثلة مرات عديدة: المكر، أو الاستهزاء بالمنافقين.. ونحو ذلك، فهذه أخبار جاءت عن الله عز وجل، لكن هل يلزم أن نثبت بها صفات فعلية، أو لا يلزم؟ محل خلاف بين العلماء، بينما الأخبار كلها تتضمن أوصافاً عامة، لكن هل تثبت صفات مفردة لله عز وجل؟ هذا أمر يحتاج إلى تقعيد وتقييد، وأحسن من قعد له وقيد له: ابن القيم فيما أعلم، وأيضاً الشيخ: محمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى.
بيان عقيدة أهل نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
الجواب: أهالي نجد كانوا قبل دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب قد مروا بمراحل كثيرة، من ضمنها أنهم كانوا في عهد الخلفاء الراشدين، ودولة بني أمية كعموم المسلمين، وكذلك في أول دولة بني العباس، فقد كانوا على السنة، ولا يعرف أن عندهم مذاهب عديدة، حتى جاء نهاية القرن الثالث والرابع فدخلت عليهم الباطنية، وانتشرت البدع والقبورية والشركيات والتصوف، وظهرت فرق كثيرة من القدرية ومن المرجئة ومن الجهمية، فكان أهالي نجد أوزاعاً وأشتاتاً بين كل من يؤثر فيهم ممن يردهم، وبين كل من تأثر فيهم ممن يسافر إلى خارج نجد، لذا كان كثير منهم يسافرون إلى العراق، ويسافرون إلى الشام، ويسافرون إلى الهند، ويسافرون إلى مصر، فيتعلم ثم يأتي بما تعلم.
فلذلك ما كانت هناك سمة عامة لأهل نجد قبل دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب ، ولذا يمكن أن يقال: هذا هو مذهب عامتهم، وغالبهم كان عنده تصوف، وعندهم نزعة أشعرية، وفيهم مذاهب أخرى كثيرة، فهم قد تنازعتهم المذاهب كما تعرفون، لكن لم تكن هناك في نجد حواضر كبيرة، بل أغلبهم بواد وأرياف، والبوادي والأرياف يسيطر عليهم الجهل، وعامتهم أو غالب عوامهم على الفطرة مع الجهل.
إذاً: فقد كان أهل نجد كغيرهم من سائر العالم الإسلامي، تجتذبهم تيارات كثيرة وفرق كثيرة، حتى دعوة الشيخ الإمام: محمد بن عبد الوهاب ، وهذا لا يعني أنه لم يكن بينهم سنة، بل كان بينهم أهل سنة، واتضح هذا من بعض الإشارات إلى أشخاص، والإشارات إلى خلافات ونزاعات بينهم وبين غيرهم، لكن كان أكثر أهل السنة من المستضعفين الغرباء، ووجودهم كان وجوداً انطوائياً محدوداً ببعض الشيوخ وبعض التلاميذ، أما المشيخة الكبرى فكانت تتنازعها الاتجاهات والأهواء، وهذا هو الظاهر من وصف المؤرخين، ومن رسائل أئمة الدعوة في وصفهم للحال، وعلى رأسهم الإمام: محمد بن عبد الوهاب .