شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني [9]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد بقي في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام سؤاله الأخير: (أخبرني عن الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ ..) .

وسؤال جبريل عليه السلام عن الساعة إنما هو لتعليم الحاضرين، ولأنهم قالوا: جاء رجل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل أسئلة ما كان ينبغي إيرادها، منها أنه قال: إني تزوجت وامرأتي حبلى، فأخبرني ماذا حملت؟! إني خلقت ووجدت فأخبرني متى أموت؟! إنا في الدنيا فأخبرنا متى تقوم الساعة؟!

معنى الساعة

الساعة لغةً: جزءٌ من الزمن أو لحظة، وفي اصطلاح العامة: جزءٌ من أربع وعشرين جزءاً من اليوم والليلة، وشرعاً: هو اليوم الآخر.

وسميت القيامة أو اليوم الآخر ساعة مع أنه فوق خمسمائة ألف سنة؛ إما لتسمية الكل ببعضه، أو لأن العبرة في ذلك بأوله، أي: أول مجيء هذا اليوم، أو بما يكون فيها من مباغتة الناس لحظة، أي: أول مجيئها.

والمهم أن السؤال عن الساعة إنما هو عن يوم القيامة، وقد سماها الله سبحانه كذلك، قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55]، تقوم الساعة، أي: القيامة، يقسم المجرمون على أنهم ما لبثوا في الدنيا غير ساعة، أي: ساعةً زمانية وجزءاً من اليوم.

حكم السائل والمسئول عن الساعة

لما قال جبريل عليه السلام: (أخبرني عن الساعة؟) ، أجابه صلى الله عليه وسلم بتلك القاعدة العامة، ولكن بأسلوب أعم وأشمل، وإلا فقد كان مقتضى السياق أن يقول له: لست أعلم بها منك، ولكن لتعليم الحاضرين ألا يعودوا إلى السؤال عنها مرة أخرى، فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

وهل ذلك خاص بتلك الصورة المسئول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسائل جبريل أو مدى الدهر؟

الجواب: كلما سأل سائل عن الساعة ووجه السؤال لمسئول يكون الجواب: ما المسئول عنها -أياً كان هو ومتى كان السؤال- بأعلم من السائل؛ أياً كان هذا السائل وفي أي زمان ومكان، وهذا هو الذي يفهم من السياق.

ويقول بعض العلماء: إن هذا السؤال قد وقع قبل ذلك بين جبريل وعيسى عليه وعلى نبينا عليه الصلاة والسلام، ولكن السائل في ذلك الوقت كان عيسى عليه السلام، فلما سأل جبريل عليه السلام انتفض انتفاضةً وقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟

إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم وجوابه بهذه الصيغة يظل قاعدة عامة مطردة كلما سأل سائل ووجه السؤال إلى مسئول ويكون الجواب هو: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

وجبريل كان يعلم ذلك، وليس السؤال عن الساعة من حيث هي، فالساعة من حيث هي مسلمٌ بها من كل مؤمن بالبعث، ولكن السؤال عن زمنها، ومتى تكون؟

يوم قيام الساعة

أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على الخليقة كلهم، فلم يَطَّلِع عليها ملك ولا نبي ولا إنسان، ولكن جاء عنه صلى الله عليه وسلم تحديد اليوم الذي تكون فيه وهو يوم الجمعة، كما جاء في رواية الموطأ عند مالك : (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه سجدت الملائكة إليه، وفيه أسكن الجنة، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه تيب عليه، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن قائم يصلي يسأل الله حاجته إلا أعطاه، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة في الأرض إلا وتصيخ بسمعها يوم الجمعة من بعد صلاة الفجر حتى مطلع الشمس إشفاقاً من الساعة)، أي: إذا كان يوم الجمعة بعد صلاة الفجر فأنها تصيخ الدواب بسمعها وتنتظر سماع نفخة الصور لقيام الساعة.

وهذا من آيات الله: أن البهائم العجماوات تؤمن بقيام الساعة، وتعين يوم الجمعة من الخميس قبله أو السبت بعده، وتعلم أن يوم الجمعة هو يوم موعد قيام الساعة، ولكن متى؟ لا يعلم ذلك إلا الله.

وفي سورة يس: مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ [يس:49-50].

وروى البخاري رحمه الله: (تقوم الساعة بغتة، ويكون الثوب بين رجلين فلا يطويانه ولا يتبايعانه)، أي: يأتي الشخص للتاجر كي يشتري ثوباً، فبينما هو ينظر ويساوم تقوم الساعة قبل أن يطوي الثوب البائع، وقبل أن يشتريه المشتري.

(ويحلب صاحب اللقحة حليبها فلا يشرب ما حلب، ويرفع صاحب الطعام الطعمة إلى فِيه فلا يأكلها) وهكذا النصوص الصحيحة في مجيء الساعة بغتة لا يعلم وقتها ولا يجليها لوقتها إلا هو.. يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].

وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله متى الساعة؟ فأجابه جواباً لطيفاً: (ماذا أعددت لها؟)، أي: ليس المهم أن تسأل عن مجيئها، ولكن المهم أن تعد لها العدة فقال: (ماذا أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله، قال: المرء مع من أحب).

الساعة لغةً: جزءٌ من الزمن أو لحظة، وفي اصطلاح العامة: جزءٌ من أربع وعشرين جزءاً من اليوم والليلة، وشرعاً: هو اليوم الآخر.

وسميت القيامة أو اليوم الآخر ساعة مع أنه فوق خمسمائة ألف سنة؛ إما لتسمية الكل ببعضه، أو لأن العبرة في ذلك بأوله، أي: أول مجيء هذا اليوم، أو بما يكون فيها من مباغتة الناس لحظة، أي: أول مجيئها.

والمهم أن السؤال عن الساعة إنما هو عن يوم القيامة، وقد سماها الله سبحانه كذلك، قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55]، تقوم الساعة، أي: القيامة، يقسم المجرمون على أنهم ما لبثوا في الدنيا غير ساعة، أي: ساعةً زمانية وجزءاً من اليوم.




استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر 3518 استماع
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] 3206 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] 3180 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون 3129 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] 3110 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر 3058 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] 3041 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] 2990 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] 2886 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] 2871 استماع