شرح زاد المستقنع مقدمة كتاب الديات [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وسبيله إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصلٌ: وإذا أدب الرجل ولده، أو سلطان رعيته، أو معلم صبيه ولم يسرف لم يضمن ما تلف به].

يقول المصنف رحمه الله: (فصل) هنا سيبين المصنف رحمه الله الأحوال التي تسقط فيها الدية لأسباب خاصة، ومن ذلك: تأديب الوالد لولده، وتأديب السلطان لرعيته، والأصل في التأديب أنه يراد به المصلحة أو يراد به درء المفسدة العظمى في ارتكاب المفسدة الصغرى. فالأصل في الوالد مع ولده أنه لا يريد أن يضره، وهكذا المعلم مع طلابه؛ لأنه يريد الخير، والظاهر من حاله والأصل فيه أنه لا يريد الجناية والأذية، فلذلك يحمل على هذا المحمل الحسن فلا نحكم بلزوم الدية فيما يترتب على التأديب؛ لأن الإذن بالشيء يفقد الضمان في تبعته، لكن هذه القاعدة فيها تفصيل واستثناءات، والشرع أذن للوالد أن يؤدب ولده، وأذن للسلطان أن يؤدب رعيته، وأذن للمعلم أن يؤدب من يعلمه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) فشرع الضرب في التعليم، والدعوة للخير، والأصل: أن العلم يراد به الدعوة للخير؛ يتعلم الإنسان ثم يعمل. فهذا الإذن الشرعي بالتأديب والتعليم، وأيضاً صيانة الناس والرعية، كل هذا إذا كان الأصل يقتضي جوازه فإن ما يترتب عليه من ضرر مغتفرٌ شرعاً؛ لأن الأصل أن من فعل هذه الأفعال يقصد بها مصلحة المجني عليه، ولذلك لا يجب عليه ضمان.

مما السبب في أنه لا يجب عليه ضمان؟ لأننا لو أوجبنا الضمان في مثل هذا لامتنع التعليم، وامتنع الوالد من تربية ولده، وامتنع السلطان من تأديب الرعية؛ لأنه كلما جاء يؤدب خاف أن يترتب على الأدب ضرر فأحجم، وكلما جاء الوالد يريد أن يؤدب ولده وعلم أنه إذا أصاب ولده ضرر أنه مسئول أمام الله وأنه آثم، وأنه يتحمل الضمان أحجم وامتنع، وهذا يؤدي إلى ضررٍ أعظم وحينئذ اغتفر هذا الضرر بالنسبة للولد لمصلحته.

ثم الأمر الثاني: أن الغالب السلامة في هذا والنادر حصول الضرر، ولذلك الحكم للغالب والنادر لا حكم له. يدخل في هذا تأديب الزوج لزوجته ؛ لأن الله شرع تأديب الزوجة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واضربوهن ضرباً غير مبرح)، فالزوج له الحق أن يؤدب زوجته ولا يعنف ولا يقبح ولا يضرب الوجه، فإذا أدبها وحصل ضرر فالأصل أنه يريد الخير لها ولا يحمل على المحمل السيء. هذا بالنسبة لقضية القواسم المشتركة في هذه الصور؛ في الوالد مع ولده، والمعلم مع صبيته -الصبية الذين يتعلمون تحت يده- والسلطان مع رعيته، والزوج مع زوجته؛ فكل هؤلاء هدفهم الخير، والغالب فيهم أنهم يريدون مصلحة المُعْلَّمْ ومن يريدون تأديبه، ولذلك لا يجب عليهم الضمان.

قال رحمه الله: [وإذا أدب الرجل ولده].

الذكر والأنثى، أولاً: يجب على الوالد أن يقوم على مصالح أولاده فيأمرهم بما أمر الله به وينهاهم عما نهى الله عنه، وهذا من الوقاية لهم من نار الله وغضبه، وكل والد أدب ولده التأديب الشرعي فقد سعى في فكاك نفسه من نار الله عز وجل، وكل والد أدب ولده وأقام الحجة عليه؛ فإنه يكون قد سعى في فكاك ولده من نار الله عز وجل، ولذلك إذا قام الوالد بحق التأديب والتعليم على الوجه المعتبر أعظم الله أجره وعظم مثوبته، كما في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عال جاريتين فأدبهما فأحسن تأديبهما، ورباهما فأحسن تربيتهما، إلا كانتا له حجاباً من النار يوم القيامة)، فهذا يدل على أن التأديب والتعليم مقصود شرعاً.

هذه الرسالة -رسالة التعليم والتربية- تحتاج إلى قوة، ولذلك لابد من وجود القوة في بعض الأحوال، فمن الأولاد من ينكف بالزجر، ومنهم من لا ينكف إلا بالضرب، والأحوال تختلف، ومن هنا كان من حق الوالد أن يزجر أولاده ذكوراً كانوا أو إناثاً عن الأمور التي لا تجوز بالتوجيه إن نفع التوجيه، ثم إذا لم ينفع فإنه يضرب ولا بأس في ذلك، وهذا الضرب فيه مصلحة، ولذلك كان من الحكمة استخدامه، وكما قال القائل:

قسا ليزدجروا ومن يك حـازماً فليقس أحياناً على من يرحـم

والأب إذا ضرب ولده وتألم الولد فإن هذا الألم صلاح لدينه ودنياه، كما أن الطبيب يؤلم المريض، فهذا الألم من ورائه خير ومصلحة متى ما كان واقعاً في موقعه، ولذلك اتفق الحكماء والعقلاء: على أن أكمل ما يكون في التربية ألا يكون الضرب والإيجاع والألم العامل الأول في الحفز على الخير والمنع من الشر؛ لأن الأولاد إذا أصبحوا لا يرتدعون عن المحرمات إلا بالضرب، ولا يفعلون الخير إلا بالضرب تعطلت مداركهم، وأصبحوا تحت سلطان الرغبة والرهبة، وحينئذ يغلب عليهم الهوى، فإن غابت القوة وغاب الوالد رتع الأولاد كيف شاءوا. وهذا معلوم ومشاهد -نسأل الله السلامة والعافية- في النفوس التي تتربى على القهر، فإنها متى ما زال عنها القهر طاشت وخرجت وفلتت لنفسها الزمام -والعياذ بالله- فرتعت في حدود الله ومحارمه دون هوادة. بل إن من الآباء من يحفظ ولده القرآن ويربيه على أكمل ما تكون التربية لكنها بعنف وقسوة وضرر وأذية، فما إن يموت الوالد أو يغيب عن ولده إلا ويضيع ذلك الولد -نسأل الله السلامة والعافية- وكأنه لم يتعلم شيئاً من الخير، بل لربما رجع حاقداً على كل خير وبر، وهذا يدل على ما ذكرنا من اتفاق الحكماء والعقلاء: على أن البداء بالضرب يبلد الإحساس ويقتل معاني النفوس السامية التي تحفز إلى الفضائل واجتناب الرذائل، فلابد من ترسيخ القناعة الذاتية، وتحريك المدارك في الصبيان وفي الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً حتى إذا بلغوا استطاعوا بأنفسهم أن يحكموا على الأشياء، فما كان من خير قبلوه، وما كان من شر تركوه، وهذا هو الأسلم والأحكم، وهو الذي يجب على الوالد أن يلتزمه.

بناء على ذلك اتفقوا على أنه ينبغي على الوالد أن يبدأ أولاً بالتوجيه، والتوجيه في الكمالات لا يوجب العقوبة، فلا يحفزهم على الكمالات بالقهر؛ لأن الله لم يفرض ذلك على المكلفين فضلاً عن غير المكلفين، ومن هنا يوجه أولاً، ثم يوجه في غير الكمالات التي هي الأمور الواجبة، فيأمرهم بها، والمحرمة ينهاهم عنها، فالتوجيه يشمل الأمر بطاعة الله والنهي عن معصية الله، فإذا كان التوجيه لم يجد فيه أذناً صاغية انتقل إلى مرحلة التحذير، وينذره ويقول له: إن لم تستجب فسأعاقبك.. إن لم تستجب فسأفعل بك، وهذا من أفضل ما يكون، فيجعل له مدة في الإنذار بالعقوبة، ويعوده على أنه ينذره مرة أو مرتين، ثم الثالثة إذا أنذره فعل به ما وعده، فلا يتأخر؛ لأنه إذا وعده أنه يضربه أو يؤدبه وفعل الصبي خلاف ما أمر أو ترك خلاف ما أمره به، فإنه إذا تسامح معه اعتادت نفس الصبي ألا تبالي بالإنذار، واعتادت الإهمال، وأصبحت نفساً تستهتر بالنُذر، ولكن إذا عوده على أن ينذره المرة الأولى ثم المرة الثانية، فإن رأى المصلحة أن يصبر إلى الثالثة وإلا بطش به.

الأمر الثالث: إذا أراد أن يبطش به، يبطش به على وجهٍ يحمل على مكارم الأخلاق بفعلها على الأمور المحمودة أن تفعل، والأمور المذمومة أن تترك دون قهر ودون مبالغة في العقوبة؛ لأن المبالغة في العقوبة تؤثر على نفسية الصبيان، والأطفال الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً كما ذكرنا، فلابد أن تكون العقوبة معقولة، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه ولطم الصور -يعني لطم الوجه- وكذلك أيضاً نهى عن الضرب المبرح بالنسبة لتأديب المرأة.

هذا الأصل الشرعي: أنه يعاقب بهذا التدرج، وقد ينتهي به الأمر إلى العقوبة وهي المرحلة الأخيرة، فنحن أحببنا أن ننبه على ذلك؛ لأن البعض بمجرد أن يسمع أن للوالد أن يؤدب ولده يبطش بالولد مباشرة، وإنما المنبغي التفصيل، ولذلك قال الله تعالى: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، فذكر ثلاث مراتب: الوعظ والتذكير بالله عز وجل ثم الهجر في المضاجع. والهجر في المضاجع يقابله في الأولاد كف الحسنات عنهم، يعني لو كان من عادته أن يأخذ ولده إلى نزهة في نهاية الأسبوع، ومن عادته أن يذهب به إلى مكان يحبه، ففي ذلك اليوم الذي يترك فيه واجباً أو يفعل فيه محرماً يمتنع من أخذه، وهذا ينبغي أن يكون بأسلوب حساس جداً، يعني بطريقة لا تجعل الولد ينقطع رجاؤه في خيرك ويصبح مبلد الإحساس. بل عليك أن تكون حكيماً، واعلم علم اليقين أنك مهما أوتيت من عقلٍ وبصيرة فلن تستطيع أن تربي ولن تستطيع أن تعلم ما لم تكن موفقاً من ربك.

فالأمور كلها بيد الله عز وجل، وكما قال تعالى: وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ [هود:88] فمن افتقر إلى ربه أغناه وسدده.

فالمقصود أن الوالد إذا أدب ولده فكسر يده، أو رجله، فالأصل أنه لا يريد ذلك، ومن هنا تسقط عنه المؤاخذة ولا يجب عليه الضمان.

كذلك السلطان مع رعيته، لو أن السلطان جيء له برجل فعل جنايةً؛ يعني فعل فعلاً لا يبلغ حد العقوبة المقدرة شرعاً، فمثلاً: لو آذى امرأة أذيةً لم تصل إلى الزنا والاعتداء على عرضها، فنظر السلطان فأراد أن يعزره فأمر مثلاً بجلده أسواطاً، فلما جلد سقط الرجل فانشل، أو سقط الرجل فشلت يده أو رجله، أو أصابه مرض بسبب هذا الضرب، فحينئذ لا ضمان على السلطان، ولذلك جاء عن علي رضي الله عنه -وهو قضاء عمر في القود في الحدود- أنه قال: الحق قتله. وهذا أصل عند العلماء، لكن المشكلة أن التعزيرات فيها الضمان بخلاف الحدود، وهذه مسألة سنناقشها إن شاء الله أكثر في باب التعزير بإذن الله عز وجل.

بين المصنف رحمه الله أنه لا ضمان على هؤلاء، والعلة في هذا كما ذكرنا: أننا لو ذهبنا نضمنهم لتعطلت المصالح العظمى من التعليم والتربية وردع الناس، ولذلك لا يضمن السلطان إذا أدب رعيته. لكن كل هذا بشرط أن يكون التأديب لا مجاوزة فيه للحدود، أما لو أن السلطان أمر بجلد رجلٍ بطريقة مضرةٍ مؤلمة فإن حصل الضرر فإنه يضمن، وهكذا بالنسبة للوالد لو أنه أضجع ولده على طريقةٍ واضحة بقصد الإضرار والأذية أو أقر بذلك ضمن، وهكذا بالنسبة لبقية الصور.

قوله: [أو معلمٌ صبيه].

هل يضرب الصبي أو لا؟ وهل من المصلحة ضربه أو لا؟ قضية ضرب الصبيان في التعليم مشكلة يخوض فيها الكثير، ولكن العصور المتأخرة تغير فيها المعلمون والمتعلمون، يعني جاءت المصيبة من الطلاب وممن يعلمهم، فلو قيل مثلاً: اضربوا الطلاب لوجدنا من نوعيات المعلمين من ليس بأهل ولا يؤمن على أبناء المسلمين في شدة البطش والأذية وعدم تقوى الله عز وجل في هذه النفوس الضعيفة والذرية الضعيفة، ولو جئنا نقول: لا تضربوهم، تسلط الطلاب على المعلمين وإلى الله المشتكى، وهذه من الفتن التي عظمت بسبب فساد الزمان، ولكن لو أن كل والدٍ قام برسالته في تعليم ولده، وكل معلم إذا دخل الفصل عرف قيمة الرسالة التي يقوم بها يستطيع أن يؤدب وأن يردع وأن يوقف الطالب عند حده، والموفق من وفقه الله عز وجل، وليعلم كل إنسان يربي أبناء المسلمين أن التربية بالمحبة والهيبة بالمحبة أعظم من التربية بالقسوة والقوة، والهيبة بالقسوة والقوة، ولذلك إذا هاب الإنسان محبةً تألم لزوال هذه المحبة أو نقصها أعظم من ألمه بالضرب والأذية. فأنت إذا أحببت شخصاً محبةً صادقة وقابلك بالبشاشة، وجاءك في يوم من الأيام ولم يعطك تلك البشاشة أظلمت الدنيا في عينك، وأصبحت في هم وغم، ووددت أن يضربك ولا يقابلك بهذا الوجه، وهكذا كان رسول الأمة صلى الله عليه وسلم: إذا أراد أن يؤدب أهله تغير وجهه صلوات الله وسلامه عليه، فإذا تغير وجهه تغيرت الدنيا على أصحابه وأهله صلوات الله وسلامه عليه، لا يسب ولا يشتم، فما كان صخاباً ولا لعاناً ولا سباباً بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه، وإنما كان عليه الصلاة والسلام يعرض فيتغير وجهه فتتغير القلوب عند تغير وجهه، ويعرض بوجهه فتعرض الدنيا بأسرها عمن أعرض عنه، صلوات الله وسلامه عليه، فهذا من أكمل ما يكون:

أهابك إجـلالاً وما بك قدرة علي ولكـن ملء عينٍ حبيبها

فالمعلم إذا كان محبوباً بين طلابه، وأصبح يعطي البشاشة لطلابه، فإذا وجد من يستحق أن يُردع، زجره بذلك وحبس هذه البشاشة عنه، وينبغي على كل من يصحب المعلمين والعلماء ألا يستغرب أي تصرف من العالم. فلربما يأتي طالب ويشتد عليه المعلم أو يقسو عليه أو لا يعطيه وجهاً، فلا يفسر الغير أن هذا سوء أدب من العالم، وإياك أن تسيء الظن خاصة في أهل العلم؛ فإنه ربما كان لهذا الطالب سر بينه وبين شيخه أساء فيه إلى ذلك الشيخ، فقصد تأديبه وترويضه على الخير وزجره وردعه عن الاستطالة، أو قصد له مصلحة في خاصة نفسه، وكنا نشاهد هذا في مشايخنا رحمة الله عليهم، فترك الضرر والأذية أفضل، يعني التربية بالضرب الأفضل منه أن تكون المحبة بين المعلم وبين من يعلمه، فإذا فعل ذلك كان ذلك أبلغ في الزجر وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى مع أهله وزوجه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

قال رحمه الله: [ولم يسرف].

هذا الشرط، والسرف: مجاوزة الحد، فننظر مثلاً لو اشتكى طالب من معلمه أنه ضربه فكسر يده، كيف نقيم أنه أسرف أو لم يسرف، نقيم بالآلة التي ضربه بها وطريقة الضرب، وكذلك أيضاً الشخص المضروب، فإذا كان الشخص المضروب ضعيف الجسد ومثله لا يضرب بمثل هذه الآلة، أو كانت الآلة تكسر اليد أو تكسر الأصابع، أو كان رفعه للآلة وضربه بها شهد من رآه أنه رفعها إلى أعلى حتى بان إبطه وضربه بها، ونحو ذلك من الدلائل التي تدل على أنه جاوز الحد. وهذا يرجع فيه إلى أهل الخبرة، ولابد من وجود الشهود أو إقرار المعلم بفعله حتى يحكم بكونه جانياً أو يغتفر فعله ولا يؤاخذ عليه.

قال رحمه الله: [لم يضمن ما تلف به].

قوله: (لم يضمن) أي: الوالد مع ولده والسلطان مع رعيته، وكذلك المعلم مع صبيته لم يضمن بسبب ذلك، الباء: سببية فلا يجب عليه الضمان لما حصل بفعله، يعني بسبب فعله.

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنيناً ضمنه المؤدب]

بين المصنف رحمه الله في هذه المسألة: أنه لو أدب رجل امرأة حاملاً فأسقطت جنينها فإنه يضمن الجنين، والسبب في ذلك: أن الضرر متعدٍ، والتأديب متعلق بالحامل، والجنين لا ذنب له، ولذلك وجب ضمانه، ولأن الحامل أمرها على الخطر، ولذلك كان يجب عليه أن يتحفظ وأن يتقي ما يوجب الضرر، ومن هنا حكم بوجوب الضمان عليه؛ لأنه لا يخلو الأمر من إفراط في التأديب وخروج عن الأصل، فنقول: إن الضمان لازم، ولا يسقط التأديب حق الجنين وضمانه؛ لأن الضرر هنا متعدٍ، وبينا أن التأديب متعلق بالمرأة نفسها وبالمؤدب، فالمصلحة للمؤدب نفسه، وأما الجنين فلا ذنب له ولا علاقة له، فلذلك بقي على الأصل من وجوب ضمانه، وعليه: فلا تتعارض هذه المسألة مع مسألة ما إذا أدب الأب ولده فمات، أو أتلف عضواً من أعضائه، أو أدب المعلم تلميذه ولم يفرط في التأديب -كما تقدم معنا- فحصل الضرر، فإنه يسقط الضمان.

وقد يستشكل طالب العلم كيف قلنا: إن المؤدب لا يضمن، وهنا لو أدب امرأة حاملاً فأسقطت جنينها ضمن؟

فالجواب: أن المسائل المتقدمة معنا تعلق الضمان بالأصول التي هي محل المصلحة من جهة التأديب، فالولد إذا أدب هو الأصل المنتفع بالتأديب، وقد أذن الشرع بتأديبه، وأما هنا فإن الضمان للفرع وليس للأصل، وقد أمر الله بتأديب الأصل وأحل تأديب الأصل، ولكن الفرع لا ذنب له، ولذلك وجب ضمانه، وهذا من دقة الشريعة الإسلامية، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، فالجنين لا ذنب له، ولذلك يجب ضمانه، وفيه حق لورثته، فيجب ضمان هذا الحق لصاحبه.

قال رحمه الله: [ وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله تعالى، أو استعدى عليها رجل بالشرط في دعوى له فأسقطت ضمنه السلطان والمستعدي ].

قوله: (وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله تعالى) ذكر مسألة ضمان الجنين من المؤدب، وألحق هذه المسألة تبعاً، هي ليست أساساً في الباب، ولكن من باب ذكر النظائر والمسائل في مظانها.

صورة المسألة: أن تكون هناك امرأة لزم حضورها إلى مجلس القضاء أو إلى مجلس الحكم، وطلبت من أجل أن يكشف حق الله عز وجل عندها، فارتعبت وأصابها الذعر فأسقطت جنينها، فإن هذا الإسقاط ترتب عليه ضرر متعلق بالجنين، والجنين لا ذنب له كما ذكرنا، نعم المرأة تطلب تطلب، ولكن الجنين لا ذنب له، فنسأل: كيف سقط هذا الجنين وبأي سبب؟

فوجدنا أن الطلب والأمر بإحضارها أحدث الرعب الذي نشأ عنه إسقاط الجنين، فيكون قتلاً بالسببية -كما تقدم معنا في صور القتل بالمباشرة والسببية- فيجب الضمان، وهذا أحد الأوجه عند العلماء رحمهم الله أنه يجب الضمان للجنين، وأنه لا يسقط خلافاً لما اختير من القول بعدم الضمان، والصحيح أنه يضمن.

قال: [أو استعدى عليها رجل بالشُرَط في دعوى له].

الشُرَط: جمع شرطي؛ لأن الشرطي يحدث الرعب والخوف، ولذلك إذا استعدى عليها -يعني: اشتكاها- وجاءها بالشرط ووقف على بابها فإن هذا يحدث عندها الرعب والخوف، ومن هنا فعله هذا تسبب في سقوط الجنين وحصول الضرر لطرف لا ذنب له، وله دعوى على المرأة نفسها.

قوله: (استعدى) يعني: طلب؛ إما أن يقيم عليها دعوى ثم يطلبها، أو يشتكيها إلى الشرط ثم يبعث معه الشرطي فيقف على بابها فيحدث لها هذا الخوف والرعب ويأمرها بالنزول، سواء كان ذلك بصورة الخوف؛ مثل أن يتكلم بكلام يحدث عندها الخوف والرعب، فارتعبت المرأة وخافت فأسقطت جنينها، فإن هذا الإسقاط جاء بسبب الخوف، والذي تسبب في الخوف وتعاطى أسبابه هو هذا المستعدي؛ لأنه لولا الله ثم استعداؤه ما حصل هذا كله، ولذلك يتحمل مسئولية فعله.

قال: [فأسقطت، ضمنه السلطان والمستعدي].

ضمنه السلطان في الصورة الأولى إذا طلبها للحضور، والسلطان يشمل القاضي، وهذا أكثر ما يقع من الصور، أنه في مجلس القضاء تكون هناك دعاوى مثلاً: لو أن قاضياً أراد أن يطلب امرأة لحق من حقوق الله عز وجل فطلبها، لحق من حقوق الله فاسقطت فإنه يضمن، وعليه فلو طلبها ظلماً فمن باب أولى وأحرى، وهذا من باب التنبيه بالأدنى لكي ينبه على ما هو أعلى منه وأولى بالحكم منه، فبين رحمه الله أن القتل بالسببية في هذه الصور لا يكون قتلاً من كل وجه، الجنين إذا نزل فاستهل صارخاً ثم مات بفعل السقوط والإسقاط لا شك أن الضمان يكون كاملاً، لكن سيأتي أن فيه الغرة إذا كان ميتاً، أو أسقطته ميتاً.

فالشاهد من هذا: أن السلطان يضمن، والمستعدي يضمن، لكن الإشكال في السلطان والقاضي، هل يكون الضمان في ماله أو في بيت مال المسلمين؟

من أهل العلم من قال: إنه إذا طلبها من أجل جريمة أو من أجل حق يتعلق بالمصلحة العامة، فإن عنده مبرراً شرعياً، وهذا المبرر متعلق بمصلحة المسلمين العامة، ولذلك يجب ضمان هذا التلف الحاصل من بيت مال المسلمين؛ لأنه مأمور شرعاً أن يطلبها، وعند السلطان عذر أن يستدعيها، فقالوا: في هذه الحالة يكون الضمان من بيت مال المسلمين، هذا أصل في القضاة والحكام؛ أنهم إذا تصرفوا بما فيه المصلحة العامة، وكان على وفق الحدود الواردة شرعاً، ولم يخرجوا عنها، فإنه يكون الضمان من بيت مال المسلمين بما يشاء من الضرر؛ لأنهم قصدوا مصلحة المسلمين العامة، وسواء فيما يتعلق بشجارات الأفراد أو خصومات الأفراد إذا قصد بها المصلحة العامة وطلب القاضي هذه المرأة من أجل هذه المصلحة، وفي كشف حق الله عز وجل في قضية أو أمر لابد من حضورها، فإنه حينئذٍ يجب ضمان هذا الضرر المترتب على هذا الفعل الذي يقصد به المصلحة العامة من بيت مال المسلمين، ولا يكون من مال السلطان الخاص، لكن لو أنه أسرف وتجاوز أو كان فيه ظلم ضمن من ماله الخاص، هذا الفرق بين الصورتين، والصحيح أنه يضمن من بيت مال المسلمين.

أما المستعدي: فلا إشكال أنه يجب ضمانه من ماله الخاص؛ لأن الأصل في الضمان أن يكون على هذا الوجه بالنسبة له.

قال: [ولو ماتت فزعاً لم يضمنا].

إذا مات الجنين ضمن المستعدي وضمن السلطان، لكن لو أن المرأة نفسها ماتت من شدة الخوف فللعلماء فيه وجهان:

منهم من قال: لا ضمان، لا على السلطان ولا على المستعدي، فلو أن السلطان استدعى امرأة، فمن شدة الخوف سقطت ميتة، أو جاء رجل واشتكى امرأة ومن شدة الخوف سقطت وماتت، أو اشتكى رجلاً معروفاً بالخوف، وليس الخوف خوف ذلة ومهانة، وإنما الخوف الطبيعي الجبلي، الذي وقع لأنبياء الله عز وجل، قال تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ [طه:67-68]، فالخوف فيه جبلة للإنسان، فإنه يخاف من الشيء الذي فيه ضرر، وقد يكون حيياً، وقد يكون عزيز النفس، فبمجرد أن يستدعى لمثل هذه الأمور تضيق نفسه وتتألم ويتعب، وقد يموت قهراً، يعني: ليس فيه ذلة أو خوف أو جبن، وإنما قد يكون هذا لعوارض أخرى، وقد تجد مثلاً الرجل في علمه وخطابته وقوة بأسه ربما لو قام شخص يناقشه يضيق من الغيظ فلا يستطيع أن يجيبه، لكن ليس هذا دليلاً على خوفه وجبنه، فقد يكون من القهر، ولذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من قهر الرجال، وقال موسى عن نفسه: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي [الشعراء:13]، فقد تكون الحوابس عوارض ذاتية في النفس، فالناس يختلفون في طبائعهم.

فالمقصود من هذا: أنها لو استدعيت إلى مجلس القضاء وماتت فزعاً، أو خرجت من بيتها فماتت فزعاً، أو حبس على بيته فامتنع من الخروج حتى مات فزعاً، في هذه الحالة اختلف العلماء:

قال بعض العلماء: يجب ضمانه، وهذا هو الصحيح، والمصنف اختار عدم الضمان، والمذهب على أنه يضمن السلطان ويضمن المستعدي؛ لأنه لا فرق بين هذه المسألة وبين المسألة التي قبل، لكن الذين قالوا: إنه لا يضمن، قالوا: لأنه طلبه لحق الله عز وجل، وهذا أشبه بالمؤدب إذا أدب، والواقع أن هناك فرقاً بين التأديب وبين الطلب؛ لأنه بالطلب لم يثبت الحق بعد، ولم يجب تأديبه بعد، ولم يثبت السبب الموجب للإسقاط، لكن إذا أدب المعلم فإنه لا يؤدب إلا بعد الخلل، فوجد الخلل المقتضي للتأديب، أما هنا فقد استدعى، ومن المعروف أن الخصم إذا استدعي أول شيء يطلب، ثم بعد ذلك يناقش ويثبت عليه الحكم، وبعد ثبوت الحكم يؤدب، فنحن لم نثبت عليه جريمة بعد، وحينئذٍ لا وجه لتعميم الحكم بالإسقاط، لكن لو أنه كان مجرماً وطلبه السلطان من أجل إقامة حق الله عليه فمات فزعاً يصح قول المصنف أنه لا يضمن، ولذلك الأوجه والأشبه في هذه المسألة أن تستثنى منها ثبوت الحق في مجلس القضاء؛ لأن هذا مبني على مسألة الحكم على الغائب، وستأتينا في القضاء، فإذا حكم عليه غيابياً، وثبت الحكم عليه غيابياً، وطلب بعد ثبوت الحكم عليه، فقد طلب لحق الله عز وجل.

لكن في أكثر الصور من حيث الأصل أنه يطلب المدعى عليه، ثم بعد ذلك يجيب عن دعواه، فيقر أو ينكر، ثم بعد ذلك تجري القضايا على السنن الشرعي، وحينئذٍ لا نستطيع أن نقول: إنه في كل مسألة يسقط الحق، ولا نستطيع أن نقول في كل مسألة: يسقط الضمان، ولا نستطيع أن نقول في كل مسألة: يجب الضمان، فيفصل على حسب ثبوت الحق عليه، بحيث يكون الاستعداء والطلب صحيحاً شرعاً، وبين أن يكون غير ثابت عليه ما ادعي، فحينئذٍ يكون الأشبه ضماناً كما هو المذهب.

قال رحمه الله: [ومن أمر شخصاً مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمنه].

(ومن أمر شخصاً مكلفاً) المكلف: البالغ العاقل (أن ينزل بئراً) أن ينزل بئراً يحضر له شيئاً، أو يحفر بئراً، أو -نسأل الله العافية- مثلما يحدث لبعضهم بأن يعجِّز غيره فيقول له مثلاً إذا كان سباحاً: لا تستطيع أن تبلغ قعر البئر، فيقول له: بلى أستطيع، فينزل فيموت، فحينئذٍ اجتمعت السببية والمباشرة، السببية: حينما قال له: انزل إلى البئر، والمباشرة حينما باشر الشخص نفسه النزول، فأصبحت الجريمة فيها سببية من جهة الأمر بالنزول، فيفصل في هذا:

فإذا كان الآمر له قوة وأكره الشخص على النزول فنزل وتلف؛ ضمنه، وهذا لا إشكال فيه؛ لأنه إذا كان له قهر وأكرهه على النزول فيكون في حكم من غصبه على فعل، وهذا الفعل أدى إلى الضرر، فيضمن من غصب وأكره وقهر.

الصورة الثانية: أن يقول له بمحض الاختيار: تحفر لي هذا البئر؟ أو تصعد هذه الشجرة وتجني لي منها المحصول؟ فإذا كان حفر البئر محفوفاً بالخطر؛ وهو انهيار البئر أو انهيار جزء منه، فحينئذٍ لو حفر البئر فانهال عليه فمات لم يضمنه الآمر؛ لأن الأمر سببية والنزول مباشرة، والمكلف العاقل كان ينبغي عليه ألا يخاطر بنفسه، فلما خاطر بنفسه تحمل المسئولية عن نفسه وسقط حكم السببية، وتعلمون كما تقدم معنا في القاعدة (أن المباشرة تسقط حكم السببية) فهذا قد باشر قتل نفسه بتعاطي الأسباب وإن كان الآمر لا سلطان له عليه.

لكن هناك مسألة التغرير؛ ومسألة التغرير صورة مستثناة، وهي أن يقول له: مثلاً في داخل هذا البئر ذهب، أو: في داخل هذا البئر مال إن أحضرته أعطيتك نصفه، أو يقول له مثلاً: هذا كتابي قد سقط في هذه الحفرة، انزل فائتني به، ويكون في داخل الحفرة ثعبان، أو سبع مفترس، ولا يخبره بذلك، فيغرره باقتحام المباشرة الموجبة للهلاك والتلف؛ لأن الغالب أنه إذا خلا مع السبع افترسه وأهلكه، وإذا اختلى مع الحية أهلكته، فإذا غرر به على هذا الوجه لم يسقط الضمان.

وإن قصد قتله وغلب على الظن أنه يقتل ويموت بهذا، أو علم أن البئر له مورد ماء ينهار بعد دقائق أو بعد لحظات، وأمره بالنزول من أجل أن ينهار عليه قاصداً قتله، فهذا قتل عمد، وهو من باب التغرير، والتغرير له تأثر، وفي بعض الأحيان ينزل التغرير منزلة السببية، وبعض الأحيان ينزل منزلة المباشرة، وبعضهم يعتبره من القتل بالسببية.

على كل حال: من أمر مكلفاً أن يحفر بئراً، فالمكلف يتحمل مسئولية نفسه، وهكذا لو قال له: أريدك أن تطلي لي واجهة البيت، فأحضر السلالم وبدأ بطلائها فسقط، فإنه في هذه الحالة لا يضمن، سواء هلك أو ترتب على سقوطه ضرر؛ لأن هذه الأفعال المكلف العاقل لا يخاطر بنفسه بإتيانها، وهو مسئول عن مباشرتها، فإذا اختار أن يفعلها بطوعه دون قهر ودون إكراه على الفعل فإنه لا يضمن الآمر والطالب شيئاً.

والذي يختاره الأئمة رحمهم الله أنه لا ضمان على الآمر؛ لأن المكلف متحمل لمسئولية نفسه.

ومن هنا: المستأجرون في الأعمال والحرف لا ضمان على أصحاب الأعمال من حيث الأصل؛ لأن العمال مستأجرون في الأصل مكلفون عاقلون، لكن لو أنه أكرههم وقصرهم على فعل هذه الأفعال بغير اتفاق سابق، يعني: لم يكن اتفاقه مع العامل أنه يطلي له واجهة منزله، ولم يكن اتفاقه مع العامل أنه يشتغل هذه الأعمال الخطرة، فقال له: لابد أن تشتغل، وأكرهه على فعلها، حينئذٍ يضمن، وبناء على ذلك يفصل فيها، ومن حيث الأصل ما دام أن العامل عاقل ومكلف فإنه يتحمل مسئولية نفسه في القيام بهذه الأعمال الخطرة، وما ترتب عليها من أضرار، وهذا من عدل الشريعة، كما أن العامل يأخذ المنفعة والمصلحة كذلك يتحمل الضرر (فالغنم بالغرم) فهو يتحمل مسئولية نفسه إن حصل له ضرر، وإذا لم يحصل له ضرر أخذ النتيجة والمنفعة.

قال: [ولو أن الآمر سلطان].

(ولو) إشارة إلى خلاف مذهبي، وليست القضية خاصة بالسلطان، وإنما المراد وجود الإكراه، فبعضهم يقول: إذا كان مثله لا يرد طلبه فإنه بسيف الحياء والقهر، لكن المصنف رحمه الله اختار القول الذي يسقط الضمان على السلطان؛ لأن هذا مكلف، وكان بالإمكان أن يقول له: لا أستطيع أو لا أخاطر بنفسي، لكن قالوا: الخوف والرعب يمنعه من ذلك فيكون شبه مكره على هذا.

من حيث الأصل مذهب المصنف قوي، لأنه كان المفروض أن هذا المكلف يقول: لا أفعل هذا الشيء، ويمتنع من فعله؛ لأنه مأمور بحفظ نفسه، وغاية ما سيفعله به السلطان أن يؤذيه أو يضره، وإذا قتله السلطان إذا امتنع فأن يقتل شهيداً خيراً من أن يتعاطى أسباب قتل نفسه، هذا وجهه، ولذلك قول المصنف من حيث الأصل صحيح قوي.

ومن حيث النظر وهو الاحتكام إلى العادة الصحيحة؛ لأنه جرت العادة أن مثل هذا يغلبه الخوف ويكون فيه شبه بالمكره، لكن قول المصنف من حيث الأصل قوي جداً، وعلى هذا سنخرج بخلاصة: أن السلطان أو غيره لا تأثير له ما لم يقهر قهراً فعلياً، بحيث يضغط عليه وينزله قهراً وبدون طواعية، فإذا فعل ذلك فإنه حينئذٍ يلزمه الضمان.

قال: [كما لو استأجره سلطان أو غيره].

كذلك نفس المسألة؛ لأن الإشكال هو في إثبات صورة تكون في حكم الإكراه، أما لو أكرهه قوة وقسراً فلا خلاف أنه يضمنه، فإذا أكرهه وقسره على النزول إلى البئر، وانهار به البئر، أو قال له: لابد وأن تأتيني بما في قعر هذه البئر، وهو سباح، وقعر البئر بعيد، فنزل فهلك، فإنه حينئذٍ يضمنه إذا قهره، أما إذا لم يحصل قهر فالأشبه ما اختاره المصنف أنه لا ضمان عليه.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3704 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3620 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3441 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3374 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3339 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3320 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3273 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3228 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3186 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3169 استماع