فقه الأسرة - حقوق الأرحام


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فسيكون حديثنا اليوم عن أمرٍ عظيم وحق جليل كريم، عن حق من الحقوق التي فرضها الله على الأزواج والزوجات، فلا يمكن أن تستقيم بيوت المسلمين وأن تتم الألفة والمحبة والمودة إلا بالقيام بهذا الحق وأدائه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، هذا الحق وصّى الله عز وجل به عباده من فوق سبع سماوات أن يتقوه، وأن يتقوا الله في الأرحام، فقال سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

إنها الرحم خلقها الرحمن، واشتق لها اسماً من اسمه، فهو الرحمن وهي الرحم، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ومن قطعه الله فلا تسأل عن حاله، في ضيعةٍ وخسارةٍ ووبال والعياذ بالله!

هذا الحق هو حق الأرحام والدا الزوج ووالدا الزوجة فقد فرض الله عز وجل على المؤمن أن يتقيه سبحانه في الرحم، وواجب على كل زوج إذا أراد أن يوفقه الله في زواجه وأن يسعده في أهله ونكاحه أن يحفظ حق قرابة زوجته، وواجب على كل زوجة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتقي الله في والدي زوجها وفي قرابته، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه).

فجعل الله عز وجل صلة الرحم من الإيمان به؛ لأنه لا يحفظ زوجاً حق رحمه ولا تحفظ زوجة حق رحمها إلا بباعث من الإيمان بالله عز وجل.

هذا الحق وهو حق الأرحام قام به النبي صلى الله عليه وسلم على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فكان يصل قرابة زوجه.

وفي السير: أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فسمع صوت امرأةٍ تستأذن، فقام صلى الله عليه وسلم كالفزع، فإذا بها امرأةٌ كبيرة وإذا به يقول: (إنها هالة ، إنها هالة أخت خديجة ) ذكّرته عليه الصلاة والسلام بحبه وزوجه، بما كان بينه وبين أهله.

هذا الحق فرضه الله على الزوج؛ لكي يكون كريماً مع أهل زوجته، ولن يستطيع الزوج أن يحفظ هذا الحق إلا إذا كان في نفسه من صفاء القلب وحفظ العهد ورعاية الحق ما يعينه على ذلك.

حفظ المعروف لوالد الزوجته

فأول ما ينبغي على الزوج: أن يتذكر حق والد الزوجة عليه، حقه يوم اختاره من بين الناس زوجاً لابنته، ويوم اختاره من بين الناس كفئاً كريماً يستر عورته، يسترها ولا يفضحها، ويكرمها ولا يهينها، ولذلك أشبه الناس بالأب بناته كما ذكروا، حتى قيل: إن البنت الكبرى تشبه أباها.

ذكرت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح مثالاً على ذلك، فقالت رضي الله عنها: (جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما تخالف مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فالذي يختار الزوج ويرضى به زوجاً لابنته، فإن هذا يدل على حسن النية وعن حسن الظن، الأمر الذي يوجب على الزوج أن يحفظ هذا الحق وأن يعتبره ديناً عليه.

ولذلك كان بعض الفضلاء، إذا أوذي من زوجته، لا يقف يوماً من الأيام على أبيها يشتكي، فلما عظمت أذيتها واشتدت بليتها، قيل له: هلا اشتكيتها إلى أبيها؟ قال: زوجني وأكرمني فأستحي أن أقف على بابه شاكياً.

فإذا كان الإنسان حراً كريماً أعظم الإحسان وردّه بمثله وأفضل منه، وتلك سنةُ الأخيار، وإذا تذكر الإنسان اختيار أهل زوجه له، قابل ذلك بحسن المكافأة وردّ الجميل، وذلك من الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: (حفظ العهد من الإيمان).

صلة والدي الزوجة والأدب معهما

كذلك أيضاً: عليه أن يتقي الله في حقوق والديّ الزوجة من الصلة والبر، فصلة أهل الزوجة واجبةٌ على الزوج، كما هي واجبةٌ على ابنتهم أي: زوجته، فلا يقطعهم من زيارة، وإذا زارهم زارهم كريماً محباً مشتاقاً يُظهِر المودة والمحبة، ويجعل من هذه الزيارة تأكيداً لما بينه وبين هذه الرحم من صلة؛ فإذا نظر الله إلى ذلك، رضي عنه، وجعل له الخير في حياته، فنعمت عين الزوجة وهي ترى أهلها في كرامةٍ من بعلها، الأمر الذي ينعكس بالآثار الحميدة في معاملتها لأهله.

وإذا زار رحمه فإن عليه أن يتوخى الآداب، يتوخى آداب الزيارة في مواقيتها، وكذلك في الدخول والاستئذان، وفي الجلوس، فيراعي الحرمات، ولا يبالغ في الدخول إلى البيت والجلوس ساعات طويلة، والدخول في عورات البيت، إلى غير ذلك مما لا يليق بالكريم ولا ينبغي للمؤمن، بل عليه أن يزور زيارة يحفظ بها ماء وجهه، ويكون متسربلاً بسربال التقوى الذي يحبهُ الله ويرضى.

وإذا جلس مع والد زوجته، أجلّه وأكرمه، فإذا لقيه تبسم في وجهه، حافظاً لعهده، فالغالب أن والد الزوجة ينزل منزلة الوالد؛ إما لكبر السن أو لعظم الحق، وهو جد لأبنائه وبناته فعليه يجله ويكرمه ويقدره وينزله منزلته.

فإذا ما اجتمع معه في مجلس فمن حقه عليه أن يحفظ العورة، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (كنت رجلاً مذاءً -أي: كثير المذي- فكنت أغتسل حتى تشقق ظهري، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني). استحييت أن آتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أواجهه وأقول: إني مصابٌ بكذا وكذا، مع أنه مضطر، ومع أنه في دين وعبادة، ولكن الكريم كريم، كريم في أدبه ووده وحفظه لماء وجهه.

فينبغي على الزوج أن يحفظ حق رحمه، فلقد ضيع بعض الناس في هذا الزمان الحياء، فأصبح المجلس يجمعه بوالد زوجته فلا يستحي ولا ينكف عن ذكر أمورٍ يخجل من ذكرها أمامه، وهذا لا شك أنه إساءة، يقول بعض العلماء: (أجمع العقلاء على أن هذا من باب الإساءة والإهانة لوالد الزوجة، أن يذكر الزوج عنده ما يستحيا من ذكره)، فهذه آداب ومكارم وأخلاق ينبغي حفظها والعناية بها.

تفقد أحوال والدي الزوجة والإحسان إليهما

ومن حقه: أن يتفقد حاله، وينظر إذا كان محتاجاً إلى معونةٍ ومساعدة، يقول العلماء: (صلة الرحم لم تأت من فراغ)، أي: أن الإنسان حينما أمر بصلة رحمه وبرهم وزيارتهم، فليست خالية من معنى ومقصد وهو: أن يتفقد حالهم؛ فإن كانوا محتاجين ويستطيع المساعدة بذل، ولو بالقليل الذي يستطيعه، وإن كانوا مفتقرين إلى معونة معنوية كأن يدعوهم إلى الثبات على مصيبة أو بلية ثبتهم، ومن ذلك إذا كان مريضاً عاده، وإذا كان في نكبةٍ ثبته على الصبر واحتساب الأجر، ونحو ذلك مما يحتاج إليه عند الشدائد والملمات.

ومن أكمل ما يكون من الزوج: أنه إذا نزلت بأهل زوجه بلية أو مصيبة وجدوه أول رجل يطرق بابهم. وإذا أُصيبَ والد زوجته بحاجةٍ وفاقة كان أسبق الناس بالوقوف معه ومعونته ومساعدته؛ لعلمه أن الله يرضى عنه، ولعلمه أنه إذا وصلهم وصله الله، وأنه إذا أعطى أخلف الله عليه في دينه ودنياه وآخرته، فحري بالزوج أن يسمو إلى الكمالات، وأن يبذل ما يستطيع من التضحيات والمواقف الطيبة التي تنبئ عن طيب معدنه وزكاة نفسه وحبه للخير، وما يريده لأهل زوجه.

وعليه: إذا وجد من أهل زوجته إذا قام بهذه الحقوق ووجد من أهل زوجته ما ينتظر من تقدير معروفه وتقدير سعيه أن يحمد الله عز وجل وأن يشكره، وإذا وجد منهم نكران الجميل وكفران النعمة ونسيان الفضل فليعلم علم اليقين أن الله تعالى يقول في كتابه: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:30].

فأكمل ما يكون الأجر إذا بُليَ الزوج برحمٍ يصلهم فيقطعونه، ويعطيهم فيحرمونه، ويرفعهم فيضعونه، فإن كان كذلك فكأنما يسفهم الملّ، فمن أفضل ما تكون الصدقة والإحسان والبر للقريب الكاشح، وهو القريب الذي يكاشحك العداوة وتجد منه السوء والضر وأنت تبذل له الخير والنفع، ولا شك أن ذلك أعظم ما يكون أجراً، وأثقل ما يكون عند الله عز وجل صلةً وبراً؛ لأن الذي يصل في مثل هذه المواقف، ويبذل لمثل هذا النوع، إنما يريد وجه الله ولا يريد شيئاً سواه، واعلم أنك تعامل الله وأن هذا واجب عليك دعاك إليه الله جل جلاله، فإن قصروا في حقك فلا تقصر في حقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).

ذكر بعض العلماء: (أن بعض طلابه كان يأتيه والد زوجته فيسبه ويؤذيه، ويذكر عند الشيخ أموراً عجيبة مكذوبةً ملفقة على هذا الطالب، والطالب لا يعلم أن والد زوجته يأتي إلى هذا الشيخ، فكان والد زوجته يقول الزور والكذب ويتهم الزوج بما ليس فيه، من أجل أن يقول له: انصحه وذكره، وهذا لا خير فيه وهذا كذا وكذا.. فإذا جاء الطالب سأله الشيخ كيف حاله مع رحمه؟ فقال: نِعمَ الرحم ونعم الناس، وهو من بالغ ما يكون في الإحسان إليهم والتودد والملاطفة لهم، فاستحلفه بالله يوماً من الأيام، فقال له: والله ما غششت ولا كذبتُ عليك، ليس بيني وبينهم إلا الود والمحبة، وإني قائمٌ بكذا وكذا، وذكر ما يكون من بره وإحسانه، قال: فتأثر الشيخ تأثراً كبيراً مما كان من حال والد الزوجة، فقال له: أي بني إن والد زوجتك يقول كذا وكذا، فاتق الله عز وجل فيه إن كنت كاذباً، وإن كنت صادقاً فاصبر على ما يكون منه، فبكى ذلك الطالب وحلف بالله العظيم أنه صادقٌ فيما يقول، فلما حلف بالله العظيم انتظر الشيخ مجيء والد زوجته، فقال له: إنك زعمت كذا وكذا، فقال له: إي والله، إنه كان كذا وكذا، قال: وتحلف بالله؟! قال: نعم، وأحلف بالله، فدعا عليه الشيخ: وقال: أسأل الله العظيم ألا تمسي سالماً يومك هذا إن كنت كاذباً، يقال، فما غربت الشمس إلا وهو مشلول والعياذ بالله!

فالظلم ظلمات، فإذا كنت ترى من والد الزوجة الإهانة والإذلال فاعلم أنك تعامل الله، وأنك تتقي الله في رحمٍ وصّى الله به من فوق سبع سماوات.

فأول ما ينبغي على الزوج: أن يتذكر حق والد الزوجة عليه، حقه يوم اختاره من بين الناس زوجاً لابنته، ويوم اختاره من بين الناس كفئاً كريماً يستر عورته، يسترها ولا يفضحها، ويكرمها ولا يهينها، ولذلك أشبه الناس بالأب بناته كما ذكروا، حتى قيل: إن البنت الكبرى تشبه أباها.

ذكرت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح مثالاً على ذلك، فقالت رضي الله عنها: (جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما تخالف مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فالذي يختار الزوج ويرضى به زوجاً لابنته، فإن هذا يدل على حسن النية وعن حسن الظن، الأمر الذي يوجب على الزوج أن يحفظ هذا الحق وأن يعتبره ديناً عليه.

ولذلك كان بعض الفضلاء، إذا أوذي من زوجته، لا يقف يوماً من الأيام على أبيها يشتكي، فلما عظمت أذيتها واشتدت بليتها، قيل له: هلا اشتكيتها إلى أبيها؟ قال: زوجني وأكرمني فأستحي أن أقف على بابه شاكياً.

فإذا كان الإنسان حراً كريماً أعظم الإحسان وردّه بمثله وأفضل منه، وتلك سنةُ الأخيار، وإذا تذكر الإنسان اختيار أهل زوجه له، قابل ذلك بحسن المكافأة وردّ الجميل، وذلك من الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: (حفظ العهد من الإيمان).

كذلك أيضاً: عليه أن يتقي الله في حقوق والديّ الزوجة من الصلة والبر، فصلة أهل الزوجة واجبةٌ على الزوج، كما هي واجبةٌ على ابنتهم أي: زوجته، فلا يقطعهم من زيارة، وإذا زارهم زارهم كريماً محباً مشتاقاً يُظهِر المودة والمحبة، ويجعل من هذه الزيارة تأكيداً لما بينه وبين هذه الرحم من صلة؛ فإذا نظر الله إلى ذلك، رضي عنه، وجعل له الخير في حياته، فنعمت عين الزوجة وهي ترى أهلها في كرامةٍ من بعلها، الأمر الذي ينعكس بالآثار الحميدة في معاملتها لأهله.

وإذا زار رحمه فإن عليه أن يتوخى الآداب، يتوخى آداب الزيارة في مواقيتها، وكذلك في الدخول والاستئذان، وفي الجلوس، فيراعي الحرمات، ولا يبالغ في الدخول إلى البيت والجلوس ساعات طويلة، والدخول في عورات البيت، إلى غير ذلك مما لا يليق بالكريم ولا ينبغي للمؤمن، بل عليه أن يزور زيارة يحفظ بها ماء وجهه، ويكون متسربلاً بسربال التقوى الذي يحبهُ الله ويرضى.

وإذا جلس مع والد زوجته، أجلّه وأكرمه، فإذا لقيه تبسم في وجهه، حافظاً لعهده، فالغالب أن والد الزوجة ينزل منزلة الوالد؛ إما لكبر السن أو لعظم الحق، وهو جد لأبنائه وبناته فعليه يجله ويكرمه ويقدره وينزله منزلته.

فإذا ما اجتمع معه في مجلس فمن حقه عليه أن يحفظ العورة، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (كنت رجلاً مذاءً -أي: كثير المذي- فكنت أغتسل حتى تشقق ظهري، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني). استحييت أن آتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أواجهه وأقول: إني مصابٌ بكذا وكذا، مع أنه مضطر، ومع أنه في دين وعبادة، ولكن الكريم كريم، كريم في أدبه ووده وحفظه لماء وجهه.

فينبغي على الزوج أن يحفظ حق رحمه، فلقد ضيع بعض الناس في هذا الزمان الحياء، فأصبح المجلس يجمعه بوالد زوجته فلا يستحي ولا ينكف عن ذكر أمورٍ يخجل من ذكرها أمامه، وهذا لا شك أنه إساءة، يقول بعض العلماء: (أجمع العقلاء على أن هذا من باب الإساءة والإهانة لوالد الزوجة، أن يذكر الزوج عنده ما يستحيا من ذكره)، فهذه آداب ومكارم وأخلاق ينبغي حفظها والعناية بها.

ومن حقه: أن يتفقد حاله، وينظر إذا كان محتاجاً إلى معونةٍ ومساعدة، يقول العلماء: (صلة الرحم لم تأت من فراغ)، أي: أن الإنسان حينما أمر بصلة رحمه وبرهم وزيارتهم، فليست خالية من معنى ومقصد وهو: أن يتفقد حالهم؛ فإن كانوا محتاجين ويستطيع المساعدة بذل، ولو بالقليل الذي يستطيعه، وإن كانوا مفتقرين إلى معونة معنوية كأن يدعوهم إلى الثبات على مصيبة أو بلية ثبتهم، ومن ذلك إذا كان مريضاً عاده، وإذا كان في نكبةٍ ثبته على الصبر واحتساب الأجر، ونحو ذلك مما يحتاج إليه عند الشدائد والملمات.

ومن أكمل ما يكون من الزوج: أنه إذا نزلت بأهل زوجه بلية أو مصيبة وجدوه أول رجل يطرق بابهم. وإذا أُصيبَ والد زوجته بحاجةٍ وفاقة كان أسبق الناس بالوقوف معه ومعونته ومساعدته؛ لعلمه أن الله يرضى عنه، ولعلمه أنه إذا وصلهم وصله الله، وأنه إذا أعطى أخلف الله عليه في دينه ودنياه وآخرته، فحري بالزوج أن يسمو إلى الكمالات، وأن يبذل ما يستطيع من التضحيات والمواقف الطيبة التي تنبئ عن طيب معدنه وزكاة نفسه وحبه للخير، وما يريده لأهل زوجه.

وعليه: إذا وجد من أهل زوجته إذا قام بهذه الحقوق ووجد من أهل زوجته ما ينتظر من تقدير معروفه وتقدير سعيه أن يحمد الله عز وجل وأن يشكره، وإذا وجد منهم نكران الجميل وكفران النعمة ونسيان الفضل فليعلم علم اليقين أن الله تعالى يقول في كتابه: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:30].

فأكمل ما يكون الأجر إذا بُليَ الزوج برحمٍ يصلهم فيقطعونه، ويعطيهم فيحرمونه، ويرفعهم فيضعونه، فإن كان كذلك فكأنما يسفهم الملّ، فمن أفضل ما تكون الصدقة والإحسان والبر للقريب الكاشح، وهو القريب الذي يكاشحك العداوة وتجد منه السوء والضر وأنت تبذل له الخير والنفع، ولا شك أن ذلك أعظم ما يكون أجراً، وأثقل ما يكون عند الله عز وجل صلةً وبراً؛ لأن الذي يصل في مثل هذه المواقف، ويبذل لمثل هذا النوع، إنما يريد وجه الله ولا يريد شيئاً سواه، واعلم أنك تعامل الله وأن هذا واجب عليك دعاك إليه الله جل جلاله، فإن قصروا في حقك فلا تقصر في حقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).

ذكر بعض العلماء: (أن بعض طلابه كان يأتيه والد زوجته فيسبه ويؤذيه، ويذكر عند الشيخ أموراً عجيبة مكذوبةً ملفقة على هذا الطالب، والطالب لا يعلم أن والد زوجته يأتي إلى هذا الشيخ، فكان والد زوجته يقول الزور والكذب ويتهم الزوج بما ليس فيه، من أجل أن يقول له: انصحه وذكره، وهذا لا خير فيه وهذا كذا وكذا.. فإذا جاء الطالب سأله الشيخ كيف حاله مع رحمه؟ فقال: نِعمَ الرحم ونعم الناس، وهو من بالغ ما يكون في الإحسان إليهم والتودد والملاطفة لهم، فاستحلفه بالله يوماً من الأيام، فقال له: والله ما غششت ولا كذبتُ عليك، ليس بيني وبينهم إلا الود والمحبة، وإني قائمٌ بكذا وكذا، وذكر ما يكون من بره وإحسانه، قال: فتأثر الشيخ تأثراً كبيراً مما كان من حال والد الزوجة، فقال له: أي بني إن والد زوجتك يقول كذا وكذا، فاتق الله عز وجل فيه إن كنت كاذباً، وإن كنت صادقاً فاصبر على ما يكون منه، فبكى ذلك الطالب وحلف بالله العظيم أنه صادقٌ فيما يقول، فلما حلف بالله العظيم انتظر الشيخ مجيء والد زوجته، فقال له: إنك زعمت كذا وكذا، فقال له: إي والله، إنه كان كذا وكذا، قال: وتحلف بالله؟! قال: نعم، وأحلف بالله، فدعا عليه الشيخ: وقال: أسأل الله العظيم ألا تمسي سالماً يومك هذا إن كنت كاذباً، يقال، فما غربت الشمس إلا وهو مشلول والعياذ بالله!

فالظلم ظلمات، فإذا كنت ترى من والد الزوجة الإهانة والإذلال فاعلم أنك تعامل الله، وأنك تتقي الله في رحمٍ وصّى الله به من فوق سبع سماوات.

وكما أن على الزوج أن يحفظ حق والد الزوجة، كذلك على الزوجة الصالحة أن تحفظ حق والدي الزوج، وأن تعي وتدرك أن حنان الوالدين وأن ما في قلبي الوالدين من الرحمة والصلة بالولد فوق الخيال وفوق التصور، فينبغي أن تقدر هذه العاطفة، وأن تقدر هذه الرحمة التي قذفها الله في قلب الوالد والوالدة، ولا يكون هناك ما يبعث على الغيرة أو على قطع الولد عن والديه، ولتكن على علم أنها إذا أرادت أن يبارك الله لها في زوجها وأن يقر عينها به فلتعنه على بر والديه، وإذا كان والدي الزوج بحاجةٍ إلى قرب الولد أن تكون قريبةً منهما، وأن تقابلهما بالمحبة والإجلال والوفاء، ولقد أباح الله وجعل والد الزوج محرماً لزوجة ابنه، حتى يحصل التواد والتراحم والتواصل، وتنظر المرأة لوالد زوجها وكأنه والدٌ لها، فتشفق عليه، وترعى أموره، وتحسن إليه، وكذلك لوالدته.

وأكثر ما تقع المشاكل بين الزوجات والأمهات، والسبب في ذلك واضح وهو: أن أبلغ الحنان وأكمل ما تكون الرحمة من أمةٍ لعبدٍ أو من عبد لعبد أو من أمةٍ لأمة إنما هو حنان الأم لولدها، ولا تلام في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم لما دمعت عيناه على ابنه إبراهيم قيل: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: رحمةٌ أسكنها الله في قلوب عباده) ، فالله أسكن في قلب الأم رحمة تحن بها إلى ولدها، وتصبح فارغة الهم إلا من ولدها، فما على الزوجة إلا أن تقدر ذلك، فإذا انطلقت من منطلق الغيرة أو وسوسة الشيطان لها بالوساوس والخطرات قطعت الوالدة عن ولدها، وقطعت الزوج عن أمه وأبيه، وعندها تتأذن بسخط الله -والعياذ بالله- وغضبه.

الله أعلم كم من قلب أمٍ تقرّح بسبب أذية الزوجة وإضرارها، وكم من عينٍ بكت ودمعت بسبب ظلم الزوجة وأذيتها لوالد الزوج، الله الله! على المرأة المؤمنة أن تخاف الله وتتقيه، وإذا كانت تعين بعلها على الظلم وعلى القطيعة فلتعلم أنه سيأتي يوم يؤذنها الله هي وبعلها بالعقوبة، فالعقوق لا خير فيه، وإنه من الذنوب التي يعجل الله به العقوبة، ويقول بعض العلماء: (إذا كانت المرأة تعين زوجها على عقوق الوالدين فإنها تجمع بين ذنبين وبين إساءتين، الذنب الأول: أنها شريكةٌ له في عقوق الوالدين، والعياذ بالله! والذنب الثاني: أنها قاطعةٌ للرحم) وجاء في الخبر أنه: (ما من ذنبٍ أحرى أن تعجّل عقوبته في الدنيا، مع ما ادخره الله لصاحبه من عقوبة في الآخرة من قطعية الرحم)، فقطيعة الرحم عذابها عاجل؛ ولذلك قال الله في كتابه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23] ، يقول بعض العلماء: (من قطع رحمه ختم الله على قلبه، فمهما مرت عليه المواعظ ومرت عليه الآيات فلا يتعظ)، نسأل الله السلامة والعافية! ولو اتعظ يتعظ إلى حين، ولذلك كان بعض العلماء: إذا اشتكى أحدٌ من قسوة القلب سأله، وقال له: كيف أنت والرحم؟

فالمرأة التي تعين بعلها على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين قاطعةٌ لرحمها، لا تخاف الله عز وجل في زوجها، ولا تخاف الله في رحمها، وإذا كانت المرأة ترى من والدي الزوج أموراً توجب لها أن تضر بوالدي الزوج فما عليها إلا أن تبذل كل ما تستطيع بالصبر واحتساب الأجر، وعليها أن تسأل العلماء حتى تعلم ما الذي يجب عليها فعله، ففي بعض الأحيان يتدخل والد الزوج ووالدته أو يتدخل والد الزوجة ووالدتها في شئون البيت، الأمر الذي يحدث النفرة من الزوج أو يحدث النفرة عند الزوجة.

والواجب في مثل هذه المواقف أن ينظر الزوج والزوجة إلى المفاسد، فإن وجد الزوج مفسدة تدخل والدي الزوجة أعظم من مفسدة إبعادها عنهما، فحينئذٍ يبعدها عن والديها، ويأذن لها بالزيارة في حدودٍ ضيقة، حتى تصلها وتقوم بحق البر مع الأمن من الأذية والإفساد والإضرار، وكذلك أيضاً إذا كان والدا الزوج يتدخلان في شئون الزوجة وفي شئون البيت بالإفساد والإضرار والأذية فالمرأة مخيرةٌ بين أمرين: إما أن تصبر وتحتسب الأجر، فهذا أحسن وأفضل وأكمل، وإما أن تنظر إلى المفاسد، فإن غلبت مفسدة التدخل سألت زوجها أن يبعدها عن والديه.

وعلى الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم، فإذا نظروا أن تدخل الوالدين في شئون البيت يُحدث للمرأة أذيةً وإضراراً لا يسعها الصبر عليهما فعلى الزوج أن يتق الله في زوجته، وأن ينصفها من أهله ووالديه، وإذا قام بإبعاد زوجته عن والديه فلا يُعدّ عاقاً لوالديه، ولو سكن بعيداً عن والديه في هذه الحالة المشتملة على الإضرار والأذية، مع تفقد الوالدين؛ لأن الله عز وجل لا يأمر بالظلم ولا يرضى به، فلا يأمر الله عز وجل بالظلم، فيقال للرجل: أبق هاهنا إرضاءً لوالديك، والوالدان سوطا عذاب على المرأة في أذيةٍ وإضرار وظلم وإجحاف، والعكس كذلك.

وعليهما -على الزوج والزوجة- أن يتقي الله كلٌ منهما في الآخر، وأن ينظر للأمور بمنظارها الشرعي، من حيث ترتب المفاسد ووجود المصالح، وإذا كانت المرأة ترى المفاسد عظيمة واختارت الصبر، فهذا أفضل وأعظمُ أجراً؛ لأن الله تعالى يقول: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:17-18]، قالوا: أحسنه أي: أحسن القرآن؛ لأن القرآن فيه حسن وفيه أحسن، فحسنُ القرآن أن ترد المرأة الإساءة بالإساءة، والرجل يرد الإساءة بالإساءة؛ ولكن الأحسن أن يرد الإساءة بالإحسان؛ وذلك لمن قال الله عنه: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35] هذا من جهة والدي الزوجة ووالدي الزوج.