البدعة وأسئلة حولها [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جملة جامعة لأصل الإسلام، وهذه الجملة مستنبطة أصالة من الشهادة التي هي الركن الأول من أركان الإسلام، حيث قال ابن تيمية رحمه الله: (الإسلام أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً) هذا قسم، والقسم الثاني: (ألا نعبده إلا بما شرع لنا).

فالإسلام اجتمع في هاتين الكلمتين: أن نعبده تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وألا نعبده إلا بما شرع، وهذا من تمام التوحيد، وهو اصطلاح علمي دقيق لـشيخ الإسلام ابن تيمية، فإن المشهور: أن التوحيد إنما هو ذو أقسام ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية أو العبادة، وتوحيد الصفات، فجاء ابن تيمية بهذا التعبير الوجيز: ألا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع.

ألا نعبد الله إلا بما شرع.. وهذا ينطوي تحته بحث علمي خطير جداً، طالما اختلف فيه المتأخرون، ولم ينجُ من الاختلاف الممقوت منهم إلا الأقلون، أعني بذلك: اختلافهم في أنه هل يوجد في الإسلام بدعة حسنة أم لا؟

فجماهير المتأخرين -مع الأسف الشديد- يذهبون قولاً، وأصلاً، واعتقاداً، إلى أن هناك في الإسلام بدعة حسنة، ويقابلهم من أشرنا إليهم، ألا وهم الأقلون، الذين يقولون بما قال به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الكثيرة، والتي منها ما سمعتموه في مطلع كلمتنا هذه الليلة، وهي التي تتردد دائماً في خطبة الحاجة، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، ونفتتح عادة خطبنا وكلماتنا بها، ثم نتبعها بما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتبع خطبة الحاجة في خطب الجمعة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبة الجمعة: (أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يكرر هذه الجملة الجامعة: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)؛ لكي تتركز في الأذهان.

فالأقلون قد اهتدوا بهدي الله تبارك وتعالى، وتمسكوا بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام على عمومه وشموله، وقالوا كما قال هو عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

لكن الشيء المهم الذي ينبغي أن نلاحظه، هو: أنه يوجد في هؤلاء الأقلين -على سبيل الحكاية- من يقع في الابتداع في الدين؛ وما ذاك إلا لأنه لم يضبط قاعدة البدعة، فهو يقول في نفسه: كل بدعة ضلالة، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه من الفريق القليل الذين اهتدوا بأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، التي أطلقت الضلالة على كل بدعة، ولكن لكيلا يقع هؤلاء الأقلون في البدعة التي يفرون منها بتبنيهم القاعدة العامة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يجب أن يتقنوا بحث البدعة؛ ليميزوا بين ما يدخل في عموم النص، فلا يعملون به؛ لأن قوله: (كل بدعة ضلالة) شمله، وإن كان هذا الذي دخل في هذا النص العام له أصل في الشريعة.

يشتبه الأمر على كثير من الناس حينما يرون بعض النصوص الحاضَّة على بعض الأعمال الصالحة، فيأخذون بعمومها، ولا يلاحظون أن بعض هذا العموم يشمله ذلك النص العام: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). فالتفريق بين هذا الشمول، وهو قوله عليه السلام: (كل بدعة ضلالة) وبين الشمول في نصوص أخرى، حيث تأمر ببعض العبادات، أو تحض على بعض العبادات حضاً عاماً، هنا يقع كثير من الخلط واللبس على بعض الناس.

وأنا قبل أن أذكر ما عندي في هذا الصدد، أريد أن أنصحكم بصفتكم -مثلي- طلاباً للعلم، أن تقرءوا لتفهموا هذه المسألة فهماً صحيحاً، ولتكونوا على ما كان عليه السلف الصالح، من الابتعاد عن الابتداع في الدين، ولو كان هذا الابتداع في الدين مستنداً إلى نص عام من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام -لكي لا تقعوا في الابتداع في الدين، أنصح بأن تقرءوا كتاباً هو أعظم كتاب عرفته في هذا الباب، ألا وهو كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي رحمه الله، فهذا الكتاب مختص في هذا الموضوع لا مثيل له فيما علمته، وكل من جاء بعده إنما هو عالة عليه، وإنما هو يستقي منه، كما أن هناك فصلاً خاصاً يجب -أيضاً- أن تقرءوه لـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ففي هذا الكتاب طرق شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الموضوع الهام الخطير، فانتهى -من حيث الجملة- إلى ما يدل عليه الحديث السابق وما في معناه: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) ولكنه نظر إلى المسألة من زاوية أخرى، وهي: أنه قد تحدث بعض الأمور، ويرى أهل العلم أنها أمور مشروعة، ومع ذلك فهي لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف لم يطبق عليها القاعدة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ بينما حدثت محدثات كثيرة وكثيرة جداً، اعتبرها أهل العلم والتحقيق كـالشاطبي وابن تيمية وغيرهما من المحدثات، فما هو الحكم الفصل بين ما يحدث ويكون مشروعاً، وبين ما يحدث ولا يكون مشروعاً؟

هذا ما فصل القول فيه الإمام الشاطبي في الكتاب السابق (الاعتصام )، وجمعه وأوجز الكلام فيه شيخ الإسلام في الكتاب المذكور آنفاً، فأنا أوجز لكم القول.

لا أريد -بطبيعة الحال- أن أذكركم بالنصوص التي تؤكد هذه القاعدة الإسلامية العظيمة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، لأنني أعتقد أنكم على علم بذلك -كما أظن وأرجو- ولكن أريد في الواقع أن أبين لكم أمرين اثنين؛ لتتحققوا من معنى هذا الحديث الصحيح: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فلا تقعون في إفراط ولا تفريط.

لأن بعض الناس لجهلهم بما سيأتي ذكره عن الشيخين يحدثون محدثات ويتمسكون بها؛ لأنها دخلت في نصوص عامة، وأناس آخرون ينكرون أموراً حدثت بحجة أنها حدثت، وهي ليست بالمحدثات من الأمور، هذا التفصيل الدقيق نحن جميعاً بحاجة إليه.

حكم المحدث الذي ليس له علاقة بالدين

يقول شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه السابق الذكر: إن ما يحدث بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ينظر إليه، فإن كان ما حدث ليس له علاقة بالدين فهو من الأمور المباحة، التي يجوز للمسلم أن يعمل بها بشرط واحد: ألا تخالف نصاً من كتاب أو سنة. لأن شيخ الإسلام كجماهير العلماء الأعلام يذهبون إلى القاعدة المعروفة ألا وهي: الأصل في الأشياء الإباحة. فكل ما يحدث من المحدثات مما ليس له علاقة بالدين -أي: بالعبادة- أي: لا يفعله المسلم ويقصد به زيادة التقرب إلى الله، هو من الأمور المباحة، إلا إذا خالف نصاً من كتاب أو سنة.

حكم المحدث الذي له علاقة بالدين

أما إذا كان هذا الذي حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له علاقة بالدين، فينظر؛ فإن كان المقتضي للعمل بهذا المحدث قائماً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم هو لم يعمل به، ولاحض الناس عليه؛ فيكون العمل بهذا الأمر الحادث بدعة ضلالة، أي: إذا كان المقتضي لتشريع هذا الذي حدث بفعله عليه السلام، أو بقوله، ثم لم يشرع ذلك لا بفعله ولا بقوله، فالأخذ بهذا الأمر الحادث هو البدعة الضلالة، وهو الذي تنصب عليه الأحاديث التي تنهى عن الابتداع في الدين.

مثال ذلك: الأذان لصلاة العيد، والقول: بـ(الصلاة جامعة) بالنسبة لغير صلاة العيد، كصلاة الاستسقاء، ونحو ذلك، فالأذان لصلاة العيدين باتفاق علماء المسلمين لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فلو زين لعالم ما أن يعلن عن وقت صلاة العيد بالأذان، فهذا ما حكمه في الإسلام؟ على الرغم من أن الأذان ذكر لله عز وجل، وشعيرة من شعائر الإسلام؟ يقول شيخ الإسلام : الأذان لصلاة العيد يكون بدعة وضلالة؛ لأن كل بدعة ضلالة، ولأن هذا الأذان ذكر، وله صلة بصلاة العيد، وهي من أكبر العبادات، فإحداث هذا الأذان يكون بدعة ضلالة لا يجوز لمسلم أن يتقرب بها إلى الله عز وجل -السبب- قال: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي العيدين، والمقتضي لإعلام الناس بهذا الأذان كان موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الناس بحاجة إلى هذا الإعلام، فما دام أننا عرفنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مع وجود المقتضي لتبني هذا الأذان لم يتبنه ولم يأمر به، كان الأصل إحداثه، والأخذ به بدعة ضلالة.

ما أحدث بعد الرسول بسبب تقصير المسلمين

أما إذا لم يكن المقتضي للأخذ بهذا الذي حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم موجوداً، قال: حينئذٍ ننظر، إذا كان المقتضي الذي حدث بعد الرسول عليه الصلاة والسلام واقتضى لإيجاد أمر جديد، لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ينظر إلى هذا المقتضي أهو أمر سببه من المسلمين أنفسهم؟ أي: تقصيرهم في تطبيق شريعة ربهم هو الذي اقتضى لهم أن يحدثوا شيئاً جديداً؛ لأنه يحقق لهم مصلحة شرعية، يقول ابن تيمية : فإذا كان هذا المقتضي للأخذ بهذا المحدث سببه تقصير المسلمين؛ فأيضاً لا يجوز الأخذ بهذا المحدث؛ لأن سبب حدوثه هو تقصير المسلمين، مثال ذلك: ما ابتلي به المسلمون اليوم من وضع نظم وقوانين لجباية الأموال ولتكثير مال بيت مال المسلمين.. هذا من حيث الهدف هدف جميل ومشروع؛ لأنه يقصد به ملء بيت مال المسلمين؛ ليتمكن الحاكم المسلم من القيام بما أوجب الله عليه من إصلاحات في البلاد المسلمة، لكن الأخذ بهذا التشريع الجديد، أو القانون الجديد، إذا كان ناشئاً -كما هو الغالب في كل البلاد الإسلامية اليوم بنسب متفاوتة إذا كان ناشئاً- عن أنهم لم يطبقوا نظام الإسلام في الزكاة والتركات ونحو ذلك، والذي بتطبيقه تتحقق الغاية التي رمى إليها هؤلاء الذين وضعوا هذه التشاريع الجديدة، فيقول شيخ الإسلام : إذا كان المقتضي للتشريع الجديد سببه تقصير المسلمين في تطبيق شريعة رب العالمين، ولو كان هذا التشريع يحقق مصلحة للمسلمين، فلا يجوز الأخذ بهذا الذي حدث؛ لأن الدافع لهم على ذلك هو تقصيرهم.

ما أحدث بعد الرسول وليس له علاقة بتقصير المسلمين

أما إذا كان هذا الذي حدث ليس له علاقة بتقصير المسلمين في القيام بواجبهم، وبشريعة ربهم، فحين ذاك ما دام هذا الحادث يحقق مصلحة إسلامية، فلا بأس من الأخذ به، ما دام أنه يحقق غرضاً مشروعاً، والمثال الآن لهذا النوع الثالث بين أيديكم: هو هذا المكبر للصوت، الذي يستعمل في الدروس والمواعظ وفي الأذان أيضاً، هذا لا يشك إنسان أبداً في أنه أمر حادث، لم يكن في عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهل نقول: إنه بدعة، ونطبق عليه النص المعروف: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فنجتنب حينئذٍ استعمال هذه الوسيلة؛ لأنها حدثت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أم لا؟ إنما نقول: صحيح أن هذه وسيلة محدثة، ولكن هي تساعد على تحقيق غرض شرعي ألا وهو تبليغ وتسميع الناس، دون أن نكون نحن مقصرين.

أضرب لكم مثلاً في التقصير، وهو قريب من هذا المثال ولكن معاكس له: بعض أئمة المساجد لو رفع صوته في المسجد المتوسط المساحة لأسمع كل أهل المسجد، فهو لا يرفع صوته، لماذا؟ لأنه يعتمد على المبلغ (المؤذن) الذي خلفه، فتبليغ المؤذن خلف هذا الإمام بدعة، علماً أن أبا بكر الصديق كان يبلغ وراء الرسول عليه الصلاة والسلام في مرض موته صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك التبليغ كان لحاجة، ولم يقصر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان مريضاً، بينما قبل ذلك لم نعرف تبليغاً خلف الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يسمع الناس، فإنما بلغ أبو بكر الصديق خلفه لأن الرسول لم يستطع أن يبلغ الناس ويسمعهم صوته.

حكم استعمال مكبر الصوت دون حاجة

ولا يجوز استعمال مكبر الصوت حينما لا يكون هناك حاجة له، كالمؤذن الذي يستعمل مكبر الصوت في القرية الصغيرة التي يكون سكانها -مثلاً- عشرة بيوت أو نحو ذلك؛ لأن الصوت الطبيعي يسمعهم، ولكن إذا كان الجمع غفيراً خاصة في مواسم الحج ونحو ذلك، فاستعمال هذه الآلة حينئذ أمر واجب؛ لأنه ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وليس من محدثات الأمور؛ لأن هذا الذي حدث نحن لا نريد أن نتقرب بذاته إلى الله، وإنما نريد أن نحقق هدفاً لا يمكننا أن نحققه بالأمور الطبيعية التي مكننا الله عز وجل منها، منذ خلق البشر.

فاستعمال مكبر الصوت من الأمور المحدثات، ولكن لا يشملها: (وإياكم ومحدثات الأمور) لماذا؟

أولاً: لأنه لا يقصد به زيادة التقرب إلى الله.

ثانياً: لأن هذا السبب الذي حدث ليس بسبب تقصيرنا نحن، كما ضربنا مثلاً بتقصير الإمام في تبليغ صوته للمقتدين، ويعتمد في ذلك على مبلغ الصوت، أو مكبر الصوت.

هذه أمثلة حساسة ودقيقة تحفظ المسلم من أن يميل يميناً أو يساراً، وتحفظه من أن ينكر وسيلة حدثت ليس لها علاقة بزيادة التقرب إلى الله عز وجل أولاً، ثم إن حدوثها ليس هو بسبب تقصيرنا نحن في القيام بما شرع الله عز وجل لنا.

لكن في كثير من الأحيان لاستعمال هذا المكبر، ولتحقيق الغرض الشرعي وهو التسميع، كثيراً ما نضيع أموراً مشروعة، ففي هذه الحالة لا يجوز اتخاذ هذه الوسيلة، وهذا مما حدث اليوم وعم وطم جميع المساجد إلا ما شاء الله.

من المتفق عليه -في علمي- عند العلماء أن الأذان في داخل المسجد -أيضاً- من البدع غير المشروعة؛ لأن الأذان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن -حتى يوم الجمعة- إلا على ظهر المسجد، وفوق باب المسجد؛ ذلك لأن الله عز وجل فارق بين الغاية من الأذان والغاية من الإقامة، فالمقصود بالأذان تبليغ الناس الذين هم خارج المسجد، والمقصود بالإقامة تبليغ من كان في المسجد ليقوم إلى الصلاة، ويصطف مع إخوانه المسلمين، فحينما نؤذن في المسجد تكون قد عكسنا السنة، وعكسنا في الوقت نفسه الغاية من الأذان، فالمقصود من الأذان هو: تبليغ من كان خارج المسجد.

قد يقول قائل: هذا المقصود حصل الآن بمكبر الصوت.. وهذا هو السبب حتى تتابع المسلمون في استعمال مكبر الصوت، وترك الشعيرة الإسلامية وهو الأذان على ظهر المسجد، أو ما يشبه ذلك من منارة متواضعة؛ لأنهم ظنوا أن الغرض فقط من الأذان هو التبليغ، وهذا التبليغ حصل بمكبر الصوت بصورة أوسع بكثير، لكننا نقول: إن الأذان عبادة وشعيرة إسلامية عظيمة، فلا بد على المؤذن من أمرين:

أولاً: يجب أن يظهر بشخصه.

وثانياً: أن يتعاطى السنن المتعلقة بالأذان، كالالتفات عند قول: حي على الصلاة، وحي على الفلاح.