اللحظات الأخيرة من حياة الفاروق


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون، والذين كانوا نجوماً يستضاء بها في الظلمات، والذين رفع الله بهم شأن هذا الدين، وأعز بهم الإسلام، وأحيا بهم ما اندرس من شرائع المرسلين.

أيها الإخوة: يقول الله تبارك وتعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، هذا هو الدين وهذه هي العقيدة وهذا هو شأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا باتباعه، والاقتداء به، ولقد مرت بالمسلمين قرون نسوا خلالها هذا المعنى الشامل للإسلام، الذي يشمل كل جوانب الحياة فأصبح الدين في أوقات خاصة وفي أماكن خاصة.

تعدد شخصيات المسلم

واليوم تجد المسلم له شخصيات متعددة، فله في المسجد شخصية كشخصية العابد الخاشع، والخائف الباكي، وله في المتجر شخصيةٌ أخرى كشخصية المحتال الغشاش المخادع المنفق سلعته بالحلف الكاذب، وله في المدرسة شخصية، كشخصية الإنسان الذي يهمه أن ينال المكانة لدى أستاذه، وأن يحصل على الشهادة، والوظيفة، والدرجات، وعلى المال والدنيا، وله في السوق والشارع شخصية، وفي البيت شخصية.

اتباع اليهود والنصارى

إن وجود شخصياتٌ متعددة تكون هذا الإنسان المسلم، هو مصداقُ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن القوم إلا هم! } فالمسلمون تتبعوا سنن اليهود والنصارى، فـاليهود والنصارى فرقوا دينهم وكانوا شيعاً والمسلمون كثيراً منهم جعلوا القرآن عضين.

اليهود اليوم -مثلاً- أو النصارى، يعبدون الله -فيما يزعمون- يوماً واحداً في الأسبوع، يوم السبت أو يوم الأحد، يتجهون فيه إلى الكنيسة، أو إلى المعبد، وفي بقية أيام الأسبوع يعبدون المال، والدنيا، كما قال أحد مفكري الإنجليز، قال: إن الإنجليز يعبدون الله في يوم واحد وهو يوم الأحد، ويعبدون بنك إنجلترا في بقية أيام الأسبوع، والمصيبة كل المصيبة أن المسلمين بلوا بما بلي به أهل الكتاب من قبلهم.

أهمية القدوة في حياة المسلم

ولذلك نقف في هذه الأوقات المباركة -إن شاء الله- مع شخصيةٍ من الشخصيات العريقة في الإسلام، والتي تذكِّرنا بما قد نسينا من معالم الدين، والحقيقة -أيها الإخوة- أن المسلم المقصر -من أمثالنا- إذا قرأ شخصيات هؤلاء الأقوام وما كانوا عليه، يشعر بشيءٍ عظيم من الفرحة في قلبه، ويحس أحياناً بأن من الظلم لهؤلاء الرجال الأكابر أن يتكلم عنهم صعاليك، ولله در الشاعر إذ يقول:

إني لأشعر إذ أغشى معالمهم          كأنني راهبٌ يغشى مصلاه

والله يعلم ما قلبت سيرتهم          يوماً وأخطأ دمع العين مجراه<

واليوم تجد المسلم له شخصيات متعددة، فله في المسجد شخصية كشخصية العابد الخاشع، والخائف الباكي، وله في المتجر شخصيةٌ أخرى كشخصية المحتال الغشاش المخادع المنفق سلعته بالحلف الكاذب، وله في المدرسة شخصية، كشخصية الإنسان الذي يهمه أن ينال المكانة لدى أستاذه، وأن يحصل على الشهادة، والوظيفة، والدرجات، وعلى المال والدنيا، وله في السوق والشارع شخصية، وفي البيت شخصية.

إن وجود شخصياتٌ متعددة تكون هذا الإنسان المسلم، هو مصداقُ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن القوم إلا هم! } فالمسلمون تتبعوا سنن اليهود والنصارى، فـاليهود والنصارى فرقوا دينهم وكانوا شيعاً والمسلمون كثيراً منهم جعلوا القرآن عضين.

اليهود اليوم -مثلاً- أو النصارى، يعبدون الله -فيما يزعمون- يوماً واحداً في الأسبوع، يوم السبت أو يوم الأحد، يتجهون فيه إلى الكنيسة، أو إلى المعبد، وفي بقية أيام الأسبوع يعبدون المال، والدنيا، كما قال أحد مفكري الإنجليز، قال: إن الإنجليز يعبدون الله في يوم واحد وهو يوم الأحد، ويعبدون بنك إنجلترا في بقية أيام الأسبوع، والمصيبة كل المصيبة أن المسلمين بلوا بما بلي به أهل الكتاب من قبلهم.

ولذلك نقف في هذه الأوقات المباركة -إن شاء الله- مع شخصيةٍ من الشخصيات العريقة في الإسلام، والتي تذكِّرنا بما قد نسينا من معالم الدين، والحقيقة -أيها الإخوة- أن المسلم المقصر -من أمثالنا- إذا قرأ شخصيات هؤلاء الأقوام وما كانوا عليه، يشعر بشيءٍ عظيم من الفرحة في قلبه، ويحس أحياناً بأن من الظلم لهؤلاء الرجال الأكابر أن يتكلم عنهم صعاليك، ولله در الشاعر إذ يقول:

إني لأشعر إذ أغشى معالمهم          كأنني راهبٌ يغشى مصلاه

والله يعلم ما قلبت سيرتهم          يوماً وأخطأ دمع العين مجراه<

فضله وشرفه

هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ويكفي في شرفه وفضله ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح الكثيرة، والتي يمكن أن تطلع عليها في مراجعة أي كتاب من كتب السنة، اقرأ مثلاً: كتاب جامع الأصول لـابن الأثير في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي الفضائل المشتركة بينه وبين أبي بكر، ترى ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل العظيم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بينا أنا نائمٌ إذ رأيت الناس وعليهم قمصٌ، وقمص الناس منهم يبلغ الثدي، ومنهم من دون ذلك وعلى عمر قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين} والحديث متفق عليه.

وفي الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عبد الله بن عمر: {بينا أنا نائمٌ إذ أوتيت بقدحٍ من لبن فشربته، حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيتُ فضلي عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم} هذه الفضائل التي لا تنتهي لـعمر رضي الله عنه، قميصٌ يجره هو الدين، ولبنٌ يشربه وهو فضلةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العلم، فما بالك بهذا الرجل أي رجلٍ يكون!

الإسلام يقلب حياة عمر

انظر إلى الإسلام، وكيف صنع هذا الرجل، هذا الرجل لم يكن له في الجاهلية شأن، كان رجلاً من رجال قريش يسرح بالغنم ويؤوب ويقضي وقته في لهوٍ وشرب خمرٍ، لا يلتفت إليه أحد، ولا يعلم بوجوده أحد، فلما أسلم انقلبت كل ذرةٍ من ذرات شخصية عمر عن مكانها، وتكونت شخصيته بصورةٍ جديدة، وهذا يبرز لك أثر الإسلام، يسلم هذا الرجل على اختلافٍ في قصة إسلامه، فيعلن إسلامه في مكة، ويعمد إلى رجل هو جميل بن معمر الجمحي، وهو رجلٌ من قريش كان مشهوراً بنشر الأخبار، بل كان وكالة أنباء متنقلة، فيأتيه عمر كما في رواية ابن إسحاق بسندٍ حسن فيقول له عمر: هل سمعت وعلمت أنني قد أسلمت! لكن لا تخبر أحداً، فيخرج الرجل يجر ثوبه في أندية قريش، وهو يقول: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، وعمر بن الخطاب وراءه يكذبه: كذبت، ولكنني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فيجتمع إليه القرشيون يقاتلونه، ويضاربونه، ويضاربهم حتى يرتفع النهار وتزول الشمس أو تكاد، فيقعد عمر رضي الله عنه على الأرض من شدة التعب والإعياء، وهو يقول: يا أعداء الله، اصنعوا ما بدا لكم، تقاتلونني، أو تضربونني، أو تقتلونني، اصنعوا ما قد بدا لكم، فوالله لو قد بلغنا معاشر المسلمين ثلاث مائة نفر، لأخرجناكم من مكة، أو أخرجتمونا منها.

انظر أخي المسلم كيف غير الإسلام شخصية عمر رضي الله عنه، بين يومٍ وليلة يتحول عمر الرجل المخمور، بل عدو الإسلام الذي ينطلق ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما دنا من الصفا صفا ثم أصبح عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين.

هكذا يصنع الإسلام بالرجال؛ لكن نحن اليوم بل وكثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تجد الواحد منا عمره ثلاثون سنة أو أربعون سنة، أكثر أو أقل، وفلانٌ هو فلان، لا يشعر بأنه يزداد يوماً بعد يوم، ويتقوى في الإيمان، ويرتقي في مدارجه، بل إن لم يشعر بالنقص لم يشعر بالزيادة، ولذلك يقول ابن مسعود فيما يرويه مسلم في صحيحه: لم يكن بين إسلامنا وبين أن خوطبنا بهذه الآية ثلاث سنوات: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]}.

هكذا يقلب الإسلام شخصية عمر، فيقف هذا الموقف المتحدي: يا أعداء الله، اصنعوا ما بدا لكم، فوالله لو بلغنا ثلاث مائة رجل لأخرجناكم من مكة، أو أخرجتمونا، وتمر الأيام والليالي وعمر هو الساعد الأيمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر، ثم يقبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم إليه فيستخلف المسلمون ويختارونأبا بكر رضي الله عنه، فكان عمر في يده سيفاً، إن شاء أن يسله سلَّه، وإن شاء أن يغمده أغمده، ثم يتولى عمر الخلافة بعد موت أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيصنع الأعاجيب ويرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء، وتدر الأرض خيراتها.

هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ويكفي في شرفه وفضله ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح الكثيرة، والتي يمكن أن تطلع عليها في مراجعة أي كتاب من كتب السنة، اقرأ مثلاً: كتاب جامع الأصول لـابن الأثير في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي الفضائل المشتركة بينه وبين أبي بكر، ترى ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل العظيم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بينا أنا نائمٌ إذ رأيت الناس وعليهم قمصٌ، وقمص الناس منهم يبلغ الثدي، ومنهم من دون ذلك وعلى عمر قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين} والحديث متفق عليه.

وفي الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عبد الله بن عمر: {بينا أنا نائمٌ إذ أوتيت بقدحٍ من لبن فشربته، حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيتُ فضلي عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم} هذه الفضائل التي لا تنتهي لـعمر رضي الله عنه، قميصٌ يجره هو الدين، ولبنٌ يشربه وهو فضلةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العلم، فما بالك بهذا الرجل أي رجلٍ يكون!


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع