خطب ومحاضرات
تفسير سورة الأنبياء (13)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ * وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ * وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:83-91].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات القرآنية الكريمة تحمل العظات والعبر، وترغب المؤمنين في الصالحات، وتكره إليهم السيئات.
قال ربنا عز وجل: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] أيوب هو ابن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، فإبراهيم جده. وسمي أيوب لكثرة إيابه ورجوعه إلى الله، فقد ابتلاه الله عز وجل وامتحنه مرتين، مرة ابتلاه بالمال والولد، وابتلاه مرة ثانية بالفقر والمرض.
ومن هنا ينبغي ويجب إذا ابتلينا بالغنى أن نكثر من شكر ربنا، وإذا ابتلينا بالفقر أو المرض فيجب أن نفزع إلى ربنا صابرين. ومن ابتلاه الله بصحة وعافية وأمن ورخاء فيجب أن لا يفوت الفرصة، وهي فرصة الشكر، وليكن حقاً من الشاكرين لله. ومن ابتلي بفقر أو مرض أو محن في هذه الدنيا فيجب أن يصبر، ويفزع إلى الله عز وجل، ويدعوه ويطلب منه أن ينجيه مما هو فيه، كحال أيوب عليه السلام، وهو أيوب بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقد كان نبياً ورسولاً، فهو من رسل الله، وقد ابتلي مرتين، المرة الأولى بالعز والسلطان والمال والذرية، ثم سلب ذلك كله منه، وابتلي بالفقر والمرض، ولكنه كان في الأول من الشاكرين، وفي الثاني من الصابرين. وقد أثنى الله تعالى عليه بقوله: وَأَيُّوبَ [الأنبياء:83]، أي: واذكر يا رسولنا! أيوب إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]. فدعا ربه أن يخفف ضره، وأن يشفيه، فاستجاب له الله عز وجل، وشفاه بعدما مرض وجلس ثمانية عشر سنة.
ومعنى هذا: أنه ينبغي أن نعرف أننا في دار الابتلاء وفي دار الامتحان، ولسنا في الجنة دار النعيم، بل في دار الابتلاء، فهذا يبتلى بالمرض، وهذا بالصحة، وهذا بالفقر، وهذا بالغنى، وهذا بالنصر والتأييد، وهذا بالحرب والعداء. ولكن يجب أن نكون كما أراد الله، وهو أن نكون شاكرين صابرين، إذ لا تخلو حالنا من هذين الوصفين، حال نكون فيها من الشاكرين، وأخرى نكون فيها من الصابرين، ولنقتدي برسل الله وأنبيائه.
وهذا أيوب عليه السلام نادى ربه داعياً سائلاً قائلاً: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83].
قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:84] دعائه. والدعاء محمود ومقبول، ولا يتركه إلا هالك، والعياذ بالله. فادع الله بما شئت، وأكثر الدعاء وألح به، واذكر أن الله يستجيب لك. والله يستجيب للداعي ما لم يستعجل، بأن يقول: دعوت ولم يستجب لي؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يستجيب لأحدكم إذا دعا ولم يقل: دعوت ولم يستجب لي ).
والدعاء عبادة، بل هو العبادة، فالدعاء هو العبادة، ومن هنا هيا ندعو الله عز وجل عند أية شدة، أو عند أي مرض، أو عند أي تعب، والله عز وجل يستجيب لعباده المؤمنين.
وقد علمنا أنك إذا دعوت تطلب شيئاً من الله فأنت بين ثلاثة أمور: بين أن يكون مطلوبك في صالحك، فيستجيب الله لك، فيعطيك ما طلبت، وبين أن يكون مطلوبك ليس في صالحك، ولو أعطاك الله إياه لهلكت به، أو نزلت من علياء مكانك، فحينئذٍ إن كان لك سيئات محاها الله بهذه الدعوة، فتستفيد منها أن ذنوبك غفرت بهذه الدعوة، وإن لم تكن لك سيئات رفع بها درجاتك يوم القيامة.
والدعاء مخ العبادة، بل الدعاء هو العبادة، وهذا أيوب المريض يقول: ربي! أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]. قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:84]. إذاً: الدعاء هو العبادة، والله يستجيب للعبد ما لم يعجل ويقول: دعوت ولم يستجب لي. فاحذر هذا الموقف! ولا تقل: دعوت الله وما استجاب لي. واعلم أن الداعي المؤمن إذا سأل الله شيئاً فهو بين ثلاثة أمور، بين أن يعطيه سؤاله إذا كان في صالحه، وكان خيراً له؛ لأنه ولي الله، فيعطيه ما طلب، وإن كان المطلوب لا ينفعه بل يضره يصرفه تعالى عنه، ولا يعطيه إياه؛ لأنه ولي الله، ثم بعد ذلك إن كانت قد قدرت له مصيبة تنزل صرفها الله بهذا الدعاء، وإن لم تكن رفع الله به درجاته.
وقوله تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:84]. بعد أن كان قد فقد كما قدمنا أولاده وأزواجه وماله، ثم أصيب بالمرض ثماني عشرة سنة، ثم استجاب الله له، ورد عليه كل شيء ضاع، وكل ما فاته رده إليه من زوجة وولد ومال. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله أمطر عليه جراداً من ذهب، فأخذ يجمعه، ورد عليه أكثر مما فقد.
ثم قال تعالى: وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:84]. والعابدون هم: الذين يحيون على عبادة الله، ولا يفارقونها ليلاً ولا نهاراً، وهم الخاشعون الخاضعون الذاكرون المطيعون لله في السر والعلن. هؤلاء هم العابدون. وهذه الحادثة بذاتها ذكرى لهم، وموعظة تعظهم، وعبرة يعتبرون بها. اللهم اجعلنا من العابدين.
قال تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ [الأنبياء:85]، أي: واذكر يا نبينا! وهذه الآيات كلها تشد من عضد رسول الله وتقوي عزمه؛ لأنه كان في شدة وفي محنة وفي قساوة ما تطاق في قريش، فهذا يسخر منه، وهذا يستهزئ به، وهذا يريد أن يقتله، وهذا يريد أن يضربه، وفي هذا الظرف بالذات نزلت عليه هذه السورة؛ لتشد من أزره، وتقوي موقفه، فالله يقول له: واذكر كذا، واذكر كذا.
وقال له في هذا الموضع: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [الأنبياء:85]، أي: اذكر هؤلاء. وإسماعيل هو ابن إبراهيم عليه السلام، وإدريس أيضاً من ذرية إبراهيم. وأما ذا الكفل فإن أهل العلم على أن ذا الكفل لم يكن نبياً ورسولاً، ولكنه كان عبداً صالحاً، وكان يصلي في اليوم مائة صلاة، فأدخله الله في جملة الصالحين. وأما إسماعيل فهو نبي ورسول، وإدريس كذلك، وذو الكفل كان عبداً صالحاً.
ثم قال الله: كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [الأنبياء:85]. فالكل كانوا من الصابرين. فقد صبر إسماعيل، وأنتم تذكرون صبره لما أخذه أبوه من حجر أمه، وذهب به إلى منى؛ ليذبحه للرؤيا التي رآها، فقد وضعه على الأرض والمدية في يده، وقال إسماعيل: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102].
معنى الصبر
الصبر هو: حبس النفس في ثلاثة مواطن، حبس النفس على طاعة الله، فلا تخرج عنها أبداً، وذلك بفعل ما أمر الله بفعله، وترك ما أمر الله بتركه، وأن يحبسها بعيداً عن كل ما يغضب الله ويسخطه من سائر الذنوب والمعاصي، وثالثاً: أن يحبسها على البلاء والشدة، ولا يجزع ولا يسخط، ولكن يبتهل ويرجع إلى الله، ويدعوه ويسأله.
قال تعالى: وَأَدْخَلْنَاهُمْ [الأنبياء:86]، أي: هؤلاء المذكورون كلهم فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:86]. وهي الجنة دار السلام. والسبب: إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:86]. فمن لم يكن من الصالحين فلا يطمع في دار السلام الجنة دار الأبرار، ومواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وإن أراد ذلك فلا بد وأن يكون من الصالحين.
والصالح هو: الذي يؤدي حقوق الله كاملة وافية، ولا ينقص منها شيئاً، ويؤدي حقوق العباد التي تجب عليه كاملة وافية، ولا ينقص منها شيئاً. هذا هو والله العبد الصالح. والذي يبخس حقوق الله وحقوق عباده فذلك عبد فاسد، وليس بصالح.
وهؤلاء الأنبياء كلهم يقول الله عنهم: وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:86]. وعلل لذلك علة واضحة بقوله: إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:86]. قولوا: اللهم اجعلنا من الصالحين.
والصالح هو: الذي لم يبخس الله حق من حقوق الله أبداً، بل يؤدي حقوق الله وافية بفعل أوامره وترك نواهيه، ثم يؤدي حقوق الناس سواء أبويه أو أخوته أو أقاربه أو الناس أجمعين، ولا يبخسهم شيئاً، ولا ينقصهم شيئاً. فمن فعل ذلك فهو عبد صالح، وليس بفاسد.
قال تعالى: وَذَا النُّونِ [الأنبياء:87]. وهو صاحب النون، والنون: الحوت، وذو النون هو: يونس بن متى، وقد جاء بيان قصته في سورة الصافات، وجاءت قصة أيوب في سورة ص.
قصة ذي النون عليه السلام
فقال تعالى هنا: وَذَا النُّونِ [الأنبياء:87]، أي: اذكر ذا النون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا [الأنبياء:87]. فقد ذهب مغاضباً لربه، ولم يكن من حقه أن يخرج من المدينة ويترك أهلها، بل كان عليه أن يصبر كما صبر أولوا العزم ولا يخرج. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ [الأنبياء:87]، أي: نضيق عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء:87]. ولما أصبح في ظلمات البحر والحوت والليل نادى: أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]. فسمع الملائكة في الملكوت الأعلى هذا النداء، وسألوا الله، فقال: ذلكم عبدي أناب وتاب إلي. فاستجاب الله له، ونجاه من الغم. هذا ذو النون، فقد دعا في ظلمات البحر وبطن الحوت وظلمة الليل.
الدعاء بدعوة ذي النون يفرج الله بها الكروب
ذا النون عليه السلام نبي من أنبياء الله، ورسول من رسله، وكان في مدينة يدعو إلى الله عز وجل، وهم يعاكسونه ولا يستجيبون له، فضاقت به البلاد، وضاق ذرعاً بالحياة، فخرج من تلك البلاد، ومشى إلى الساحل، فوجد سفينة تريد أن تقلع فركب معهم هارباً من بلاده؛ لأنهم لم يستجيبوا له أبداً، بل كانوا يعاكسونه، فملهم ويئس منهم، فلما ركب السفينة قال ربانها: السفينة حملها ثقيل يا عباد الله! فإما أن تلقوا بأحد منكم في البحر وتنجو كلكم، وإما أن تغرقوا أجمعين، فاقترعوا القرعة فخرجت والله على يونس بن متى، كما قال تعالى: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ [الصافات:141-142]. وكان حوتاً كبيراً ضخماً، فابتلعه وعاش في بطنه فترة، حتى نضج لحمه وأصبح ناضجاً، ثم أمر الله ذلك الحوت أن يلقيه إلى ساحل البحر، فتقيأه، فخرج منه، وأنبت عليه شجرة من اليقطين؛ لأن ورقها طيب، وظلها كامل، والبعوض والذباب لا ينزلان فيها، ولا يقعان بها، حتى تماثل للشفاء، ثم عاد إلى بلده، فوجدهم ينتظرونه؛ لأنهم لما خرج عنهم ندموا.
فقال تعالى هنا: وَذَا النُّونِ [الأنبياء:87]، أي: اذكر ذا النون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا [الأنبياء:87]. فقد ذهب مغاضباً لربه، ولم يكن من حقه أن يخرج من المدينة ويترك أهلها، بل كان عليه أن يصبر كما صبر أولوا العزم ولا يخرج. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ [الأنبياء:87]، أي: نضيق عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء:87]. ولما أصبح في ظلمات البحر والحوت والليل نادى: أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]. فسمع الملائكة في الملكوت الأعلى هذا النداء، وسألوا الله، فقال: ذلكم عبدي أناب وتاب إلي. فاستجاب الله له، ونجاه من الغم. هذا ذو النون، فقد دعا في ظلمات البحر وبطن الحوت وظلمة الليل.
هذه الجملة: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] ما من مؤمن ولا مؤمنة يصاب بكرب أو هم أو غم ويدعو الله بها، ويرددها خاشعاً خاضعاً، ولا ينقطع عنها إلا ويفرج الله ما به. فعلى المؤمن أن لا يزال المؤمن يكررها باكياً خاشعاً بين يدي الله، وهو ساجد أو راكع أو جالس، ولا يزال كذلك حتى يفرج الله ما به. فقد جاء هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]. المؤمنون بحق وصدق وليس بالادعاء والنطق هم: المؤمنون الكمل الإيمان، الصادقون في إيمانهم. فالذين حالهم هكذا ينجيهم إذا أصابهم غم أو هم أو كرب؛ وذلك لإيمانهم.
وكثيراً ما نبين للأبناء والإخوان أن الإيمان ليس كلمة باللسان، أو دعوة يدعيها الإنسان، بل الإيمان مقره القلب، وأنه لابد أن يغمر نور الإيمان القلب، بحيث يصبح صاحب هذا النور لا يمشي أبداً في الظلمات، ولا يقع فيما يسخط الله، ولا يترك ما يأمر به الله؛ لأنه حي غير ميت.
فالإيمان هو: تصديق الله ورسوله في كل ما أخبر به، وهو يحمل المؤمن الصادق في إيمانه على أن يطيع الله عز وجل ولا يعصيه، وعلى أن يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعصيه، لا بترك واجب ولا بفعل حرام. وصاحب هذا هو الذي ينجيه الله. فقولوا: اللهم اجعلنا من المؤمنين. فقد قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ [الأنبياء:88]، أي: كما أنجيناه نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88] إلى يوم القيامة، فهذا وعد الله عز وجل، فالمؤمنون الصادقون إذا مسهم سوء أو نزل بهم كرب أو غم أو هم فليفزعوا إلى الله بالدعاء والضراعة بهذه الجملة: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].
قال تعالى: زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:2-3]. وهذا في سورة مريم. وزكريا هذا هو أبو يحيى، وهو أحد رسل الله وأنبيائه، وكان من بني إسرائيل.
فقال تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا [الأنبياء:89]، أي: لا تتركني فرداً، بل ارزقني ولداً، يخلفني ويرث ما أنا عليه من النبوة والدعوة والرسالة، فقد قال: لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]. واجعل لي من يرثني يا رب! واستجاب الله له مع كبر سنه وعقم امرأته، فقد كانت امرأته عاقراً عقيماً، وكان هو قد تجاوز الثمانين، ثم رزقه الله ولداً صالحاً، وهو يحيى.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة المؤمنون (7) | 3891 استماع |
تفسير سورة المؤمنون (10) | 3742 استماع |
تفسير سورة الحج (11) | 3654 استماع |
تفسير سورة النور (12) | 3646 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (9) | 3504 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (5) | 3492 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (14) | 3491 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (15) | 3416 استماع |
تفسير سورة المؤمنون (6) | 3340 استماع |
تفسير سورة الحج (17) | 3193 استماع |